الفصل الثاني

دلالة المكان في بناء الهوية

الرواية لا تخلو من مجانسة المجتمع أو مطابقته، وإن الشخصية التي يرسمها الروائي بالفعل صورة واقعية أو تقريبيَّة من مشهد معين يروم الكاتب بناءَه من المزج بين الواقعي والمتخيل، فالكتابة عن المكان لا تعني الانهمام بالطبيعة الجغرافية والبيئة. هذا يندرج ضمن سياقات أخرى للوصف ما دام السرد يبحثُ عن الفضاء كمكون للهوية، والتطابق بين الذات وذاتها في سمات مكونة للشخصية الأفريقية في بُعدها الفكري والاجتماعي والثقافي. هذا البعد الذي يسبغه المكان على الهوية يزيد الكاتب قدرةً في الدفاع عن وحدة الإنسان المتفردة في مجابهة الآخر العابر من حضارات أخرى، ويحمل أيديولوجيا مناقضة للوجود الأصيل للأفريقي الذي سكن المكان، وطُبع بطباع العشيرة والقبيلة في طقوسها وعاداتها. إننا ننسى غالبًا أن هناك تأثيرًا متبادلًا بين الشخصية والمكان الذي تقيم فيه، وأن الفضاء الروائي يمكنه أن يكشف لنا عن الحياة اللاشعورية التي تعيشها الشخصية، وأن شيئًا في البيت يمكنه أن يكون ذا دلالة من دون ربطِه بالإنسان الذي يعيش فيه.١

من المكان تُروى القصة وتعاش التجارب الإنسانية، المكان الفاعل الذي يوحي بدلالة خاصة على تبلور كيانات ثقافية واجتماعية، ليس صامتًا أو جامدًا، لكنه يحمل دلالات رمزية ودينية وأسطورية؛ مكان للعيش ينطوي على وظائف تشكل لُحمة متماسكة في استمرارية الوجود الإنساني. لذلك تصور الرواية الأفريقية المكان كفضاءٍ للسكون والرحيل، للصراع والاعتراف. يخرج المكان من إطاره الجغرافي نحو فاعلية بشرية جديدة، ويعاد قراءة المكان ضمن رؤية تأويلية، وقراءة استشرافية؛ لإعادة الأمور إلى طبيعتها، المكان الذي ارتوى منه الروائي وشكَّل بعدًا سيكولوجيًّا، يعيد إنتاجه من جديد في قالب حكائي من زمن الماضي. وتقرأ الوقائع الآنية على ضوء أحداث من التاريخ بالسرد؛ بحثًا عن الذات الضائعة وراءَ ركام من مخلفات الاستعمار، وهويات قاتلة عن أعمال لا تنتهي من مشهد سياسي قاتم، وأوضاع تنذر دائمًا بإشعال حروب عرقية ودينية وثقافية. لا يبحث الروائي عن الدوافع والأسباب لذلك؛ ليترك للقارئ مساحة شاسعة من التأويل والقراءة في متن الحكاية، أن يعيد بناءَها وفق رؤية تزيد من شرارة القارئ في فهم جذور المشاكل التي تعاني منها القارة السمراء، وأن الخلل ليس في الهوية وصراع الذوات داخل الثقافة الواحدة، بل حقيقة التشرذم والتشقق في الهوية مردُّها للروافد الجديدة التي أنهكت الإنسان وأثقلَتْه بالقيم التي حملها الرجل الأبيض؛ إضافة إلى مخلَّفات الاستعمار الثقافي والاقتصادي.

يولد الإنسان على سجيته وحاملًا جينات وسمات من طبيعة ثقافته، واجتثاث الإنسان من أرضه وتهجيره للأمكنة البعيدة يولِّد في أعماقه عقدة النقص، والحنين المستمر للمكان. يوظِّف الروائيُّ الأفريقي المكانَ للتعبير عن هوية الإنسان الأصيلة، عن شجون الذات وذلك الفضاء الرَّحْب في عملية التصوير للمشاعر الإنسانية للشخصيات، وعن الأمل والقلق من ضياع المكان والتيه الذي يخترق الإنسانَ الأفريقي من الأزمات والأحلام المكسورة، بعدما صار الواقع متشظيًا والعالم متجددًا. والمكان فضاء للتغيير والانتقال من بساطة العيش في المجتمع التقليدي إلى المجتمع المركب المتعدِّد الهويات.

يفتش الروائي الأفريقي عن نقطةٍ مشتركة موحدة للوعي الجمعي، ويعود مرة أخرى إلى ذاته في حوار مباشر بلا صوت، يدور في إطار العالم الداخلي بلغةٍ صامتة عن كل ما يخالج الذات من أسئلة وجودية. الأكيد أن الهوية التي يطرحها الروائي الأفريقي أساسها المكان المحتل من قِبَل الغرباء، المكان الذي ينتج العلامات والرموز الثقافية، الأوطان والقوميات والقيم من سمات الهوية الجماعية. يحيا الأنا في قلبِ جماعة بشرية تنتمي إلى تاريخ وحضارة، هويات مستمدة من التطابق والتماثل بين الفكر والواقع، وتطابق الذات مع النحن، دون أن تكون الهويات قاتلة ومميتة في نسف الوحدة، وأن تكون الهويات في وعيٍ تام بالآخر، المخالف والنقيض، فلا يستطيع الروائي القبض على الوجود الأصيل، إلا بترك عالم الثرثرة والابتذال والتصدي لتقلبات الحياة، كما يتعلق الأمر في معنى الوجود في فلسفة الألماني هايدغر. موت الرجل، كما هو الحال في عنوان رواية وول سوينكا، عودة للذات في حوار مستمر عن سجين يتوقُ للحرية والعدالة والخلاص من الجهل والأمية والصراعات القبلية التي تنخر المجتمع الأفريقي، الموت الوجودي من حياة بدون بوصلة تقودُ الشعوب إلى الحرية والانعتاق من أزمات العصر. بالنسبة لي: العدالة هي الشرط الأول للإنسانية.٢
مجمل ما يدعو إليه سوينكا في تشكيلِ الوعي بالوجود والهوية. في ظلمة السجن الانفرادي ينفرد السجين بالذاكرة والأسئلة الملحة، ويقع فريسةَ المخاوف من فقدان العقل، وينتقل إلى حالاتٍ من اليأس وخيبات الأمل من استباحة المكان، وتأجيج الصراعات بين أبناء البلد الواحد. هناك هويات قاتلة، ليس في نيجيريا وحسب، إنما في أغلب الأقطار الأفريقية. فسيفساء المجتمع يُمكن أن تعبر عن التنوع والاختلاف، وتزرع بذور المصالحة والاعتراف، تركة الشرق والغرب. ما عاد المكان واقعًا للاحتفال، والتعبير عن المرَح من طقوس وتقاليد ترسَّخت هنا، لكن أضحت ضربًا من التخلف، سماسرة الحروب وأمراء الحرب. إنه موسم الموت، أو بتعبير سوينكا: موسم الفوضى والقتل على الهوية. كل شيء بدأَ بمجزرة الأبرياء التي نفَّذَتْها جماعات الكارتل شبه العسكرية، وحملات الترهيب التي شُنَّت على الأسواق والمدارس، ذابحةً كل من يقع بين أيديها، ملطِّخة جدران الصفوف بالأدمغة المتقدة بالعلم.٣ حروب بالوكالة وصراعات لامتلاكِ الطبيعة وجشع المستثمرين في تطوير زراعة الكاكاو. فالسؤال الذي يطرح ذاته: لماذا لا تستثمر الخيرات الطبيعية في خدمة الشعوب الأفريقية؟ سؤال المفكر والمثقف، إلا أن الروائي لا يصوغ الأسئلة ويضع الأجوبة النهائية. يدرك الروائي «وول سوينكا» أن الدفاع عن وحدة الإنسان الأفريقي، وحقه في الحرية والعيش الكريم، هي الفلسفة التي بُنيت عليها حضارة الرجل الأبيض؛ الأنوار والعقلانية، والحداثة والديمقراطية، وجملة من المفاهيم العلمية التي تَعني غرسَ روح الاختلاف والاعتراف بالآخر.
الروائي يبني عالمًا متخيلًا تسبح في فضائه شخصياتٌ حالمة ومتمردة، شخصيات من وسط المجتمع تعبر عن الكلمة وتدفق المعنى، تعبر عن التقاطُع والصراع، الانغلاق والانفتاح. وما يدركه الروائي الأفريقي، حينما يكتب بلغة الآخر، أن عالم أفريقيا ليس ورديًّا أو خاليًا من النقد، بل عالم يفوح بالنقص في قراءة خبايا الآخر، مَعزول عن سياق الثورات العالمية، يأبى التغيير للعالم بمنظار عملي ونفعي. وعندما نفذ المستعمر لأفريقيا أحسَّ أن الشعوب لا زالت على طبيعتها، ونوايا القادم الجديد مبنيَّة على دراسات في بنية المجتمع وعاداته وطقوسه. عالج «جيرار لكلرك» هذا الأمر في كتابه «الأنثروبولوجيا والاستعمار».٤ العلاقةُ المتينة بين الاستعمار الإنجليزي والفرنسي للقارة، في كشف المعطيات الجغرافية والثقافية وطرق التفكير. دلالة المكان توحي بالوسائل الممكنة في التأثير على الناس، والإغراء المالي وبناء الكنائس، ودينامية البعثات التبشيرية الكثيفة التي حولت المكان وأجهزَتْ على الثقافة المحلية. للمكان عندي مفهوم واضح، يتلخص بأنه الكيان الاجتماعي الذي يحتوي على خُلاصة التفاعل بين الإنسان ومجتمعه؛ ولذا فشأنه شأن أي نتاجٍ اجتماعيٍّ آخر، يحل جزءًا من أخلاقية وأفكار ووعي ساكنيه. ومنذ القِدم كان المكانُ هو القرطاس المرئي، والقريب الذي سجَّل الإنسان عليه ثقافته وفكره وفنونه، مخاوفه وآلامه وأسراره، وكل ما يتَّصل به، وما وصل إليه من ماضيه؛ ليورثه إلى المستقبل.٥ دلالة المكان وما يحمله من علاماتٍ وطقوس دالَّةٌ على شعوب لها حضارة عريقة في التاريخ. لا يسعى الإنسان الأفريقي إلى تغيير ديانة أحدٍ، أو السعي للسطو على كنوز الغير. يحكي «إتشيبي» عن «الإييتومو والإييرو»، وعن تلك المواكب والاحتفالات والأعياد التي أبدع فيها الناس، وشكلت هوية الجماعة المتماسكة قبل أن تُصيبَها عدوى السلطة والسياسة، ويرغمها الآخر على نزع قشورها. البلدة كانت فخورة بذاتها، سخاء البلدة لا حدود له، والمرح نشوة الناس في اللعب والالتقاء، مشاعل في الليل، فدادين من حلقات ملتهبة، غزوات ليلية لصيادين لا يتعبون، قصاصون يحكون عن الماضي، مردِّدين مزاميرهم، مغنِّين، مقلدين بالحركات الإيمائية المجرى الدامي لتاريخ الأسلاف المقدسين، فرش تُفرش، أقنعة تتحرك في رقصات الامتلاك على ضوء اللهب … والكل يسير باتجاه المشهد الكبير الوضَّاء، مشهد فتح القنوات الحمراء.٦ من بساطة الحياة في بعدها الروحي والرمزي ظلَّ الإنسان الأفريقي، بدون مركب نقص، يعتقد أن رسالته يمكن نقلها للعالم. إذا كانت هناك مثاقفةٌ بالمعنى الحقيقي للمفهوم، كانت الأمكنة فضاءً للالتقاء وقرع الطبول، وإشعال النار والتسلق على الأشجار، والسير في صحراء شاسعة وممتدة، أمكنة يفتقدها الرجل الأبيض الذي هام بسِحْر الصحراء وعذوبة الطبيعة، وجمالية الأمكنة. الكوخ دالٌّ على شاعرية المكان باعتباره فضاءً للعيش والتجمع، ومنفتحًا على أكواخ مجاورة في لمسة دالة على الجماعة، وطباع الإنسان في العيش المشترك، دون فردانية أو عزلة. الأماكن تخرج من الطبيعة إلى الفكر، من الشيء الجامد إلى الفعل؛ وبذلك تُسهم، ولو بقدر بسيط، في الفاعلية الاجتماعية الواسعة.٧ هنا الحديث عن الأمكنة الواقعية التي شكلتْ نواة الوعي التاريخي برمزية المكان، ودلالته في تعميق الهوية والشعور بالانتماء. علاقة الطبيعة والإنسان والمجتمع متينة، ذات رباط موحد. وإن ارتحل الإنسان من المكان تبقى الذاكرة موشومة بالصور والذكريات؛ تطابق فعلي بين الأنا وذاتها، وما تحمله من وقائع عن الماضي والحاضر، وما يمكن أن تتوقعه في المستقبل. لذلك تحدث الفلاسفة والأدباء عن التداخل بين الزمان والمكان، وعلاقة السرد بالهوية والزمان، ومسألة الحبكة، وقدرة الروائي في الجمع بين الواقعي والمتخيل، وتكسير الزمن.
إن الروائي في عملية البناء للقصة لا يَعمل على نسخ الواقع؛ اعتمادًا على المحاكاة. في هذا العمل الفني دعوة للاجترار والتكرار، ليست الحياة راكدة وجامدة، هناك انسياب كما يقول الفيلسوف الفرنسي برغسون، وديمومة مستمرة، واستباق للزمن، على شاكلة جورج أورويل في رواية «١٩٨٤». المكان عنصر من عناصر بناء الرواية، والسرد إيصال الحقيقة إلى نقطة ما، حيث يدرك القارئ مدى الأصالة والجدة في تناول قضية معينة عند الاستعانة بالخيال، وتقوم دراسة المكان في الرواية على تشكيل عالم من المحسوسات، قد تطابق عالم الواقع وقد تخالفه.٨ يبني الروائي هذا العالم في لوحةٍ ممزوجة الألوان، وذات خيوط متشابكة ومترامية تحتاج للقارئ النموذجي الملمِّ بالعلامات والرموز، وقراءة ما وراء السطور. يتيه القارئ أحيانًا في حمولة الكلمات، والمعاني التي تختبئُ وراء الجُمل ومرامي المؤلف. والروائي بالتأكيد هو قارئ نفسه، ولكنه قارئ غير كافٍ، يتألم من عدم كفايته، ويرغب كثيرًا في العثور على قارئ آخر يكلمه، ولو كان قارئًا مجهولًا.٩ من هنا يأتي التأويل لإعادة القول عن قيمة النص الروائي، ومرامي الكاتب وعلاقة السرد بالهوية. والطابع المميز للحكاية في زمنٍ معين، ومكان للعيش من قبل جماعات بشرية لها تاريخ وحضارة، وجودُها فعليًّا في قلب الطبيعة. فالرواية عندما تَحكي عن التَّجارب البَشرية تستند للحبكة، وعملية السرد. وبحسب «بول ريكور» فإن السرد يكوِّن الهوية، ويعيد صياغتَها بالطريقة ذاتها التي يقوم فيها «التحبيك» بتشكيل التاريخ وإعادة صياغته. ومن هذا المنظور فالهوية سردية؛ لأن السرد يجمع عناصر الهوية المتنافرة والمتباينة في وحدة منسجمةٍ، وذات حبكة مترابطة أيضًا. وهي سردية؛ لأن كل هذه العناصِر المؤلفة للهوية اجتمعتْ هكذا، لا بحُكم الضرورة — لا المنطقية ولا الطبيعية — وإنما بحُكمِ المصادقة والاتفاق الضِّمني بين الجَماعات.١٠ تشكَّلت الهوية بفعل عامل الزمَن والالتقاء في المكان. ومن نوازع الأنا وهاجس الأمن والرهبة تمثَّل الإنسان الطقوس والاحتفالات، التي دافِعُها وحدة وتماسك الجماعة واستمراريتها.
ليست الهوية معطًى ثابتًا أو جامدًا، كما أن الروائي لا يلتمس التطابق بين الحكاية والواقع، يدير القصة وينتج تاريخًا متخيَّلًا تتجسَّد فيه شخصيات وترتسم آفاق؛ للتعبير عن الأشياء التي تنفلت من القول. جزئيات الوقائع تنضاف للخيال، ويرسم مسارَها الروائيُّ بآلياته الخاصة؛ تكون نتاجًا للإبداع الروائي، وعلامة على ذاكرة بعيدة المدى، تحكي من عبق التاريخ وترسم أفقًا جديدًا للمستقبل. يُقرأ المكان على ضوء معطيات التجربة الإنسانية. المكان المتناهي كالبيت جسد وروح، بغض النظر عن ذكرياتنا؛ فالبيت الذي ولدنا فيه محفورٌ بشكل مادي في داخلنا. إنه يصبح مجموعة من العادات العضوية، بعد مرور عشرين عامًا، ورغم السَّلالم الكثيرة الأخرى التي سرنا فوقها.١١ هذا البيت المتماسك أضفَى نوعًا من الوحدة والتناغم بين مكوناته. وظائفه كامنة في بناء الهوية، فاعلية لغة المكان تركتْ بصمة في ذهن الروائي الأفريقي في المهجر. يصدق هذا الأمر على المفكِّر الفلسطيني إدوارد سعيد، عندما يكتب من خارج المكان عن الأرض والأهل، التهجير القسري والمنافي والشتات. من خارج المكان يكتب بلغةِ الآخر، ويختار النقد كسلاح للمقاومة في وجهِ تيارات غربية تنصلتْ من المهمة الإنسانية للتنوير، والنقد للخطاب الغربي الاستعلائي المحدد بالدراسات الاستشراقية. فالمكان أشكالٌ من المتناهي كالبيت وفضاء القبيلة، والمكان اللامتناهي كالصحراء والغابات، وكل الأماكن الممتدة، هناك المكان الفردي والمكان الجماعي، المكان المنبسط والمكان المرتفع. تتوفر أفريقيا على الأمكنة في تنوعها، تضاريس غنية، ومعطيات جغرافية تحفة للناظرين. رحلة إلى أفريقيا مجالٌ ممتع للمشاهدة والدراسة. ويحمل المكان في طياته قيمًا، نتاج للتفكير والتنظيم والعيش المشترك. ويتمظهر ذلك في البناء المعماري والأشكال الهندسية، وطرق العيش والسلوك المشترك في بيئة دينامية، تأبى القهر والإكراه، وتعشق الحرية والقوانين الطبيعية التي تعني أن الإنسان خُلق حرًّا، كما قال جون جاك روسو فلماذا يستعبد؟ يرتبط المكان ارتباطًا لصيقًا بالحرية، ومما لا شكَّ فيه أن الحرية في أكثر صورها بدائيةً هي حرية الحركة. ويمكن القولُ إن العلاقة بين الإنسان والمكان — من هذا المنحى — تظهرُ بوصفها علاقةً جدلية بين المكان والحرية، وتصبح الحرية في هذا المضمار هي مجموع الأفعال التي يستطيع الإنسان أن يقوم بها، دون أن يصطدم بحواجز أو عقبات، أي بقُوًى ناتجة عن الوسط الخارجي.١٢
جوهر الإنسان الحرية، ولا يرتسم الوجود الحقيقي إلا في سمائها. حرية الإنسان في اختيار ذاته وبقية الناس، على أساس المساواة والقيم النبيلة. هذا خطابُ الوجوديَّة الذي يُعتبر خطابًا لأجل الإنسان، لذاته ككائن يسعى نحو تحديد شخصيته دون إرغام وعنصرية. والبحث في المكان عن مرآةٍ تنعكس عليها الأنا يعيدنا للقول مرة أخرى: إن الروائي الأفريقي كتب عن المكان والزمان بحرقة وعشق؛ أملًا في القبض على المكان الضائع؛ من جراء هيمنةِ الرجل الأبيض، وصراع القوى الممثلة بالجماهير الواسعة التوَّاقة للحرية، والتحرُّر من تحالف الرأسمالية والإمبريالية وأدواتها المحلية. كتب الروائي الكيني «نجوجي وأثيونجو» عن هذا الصراع، والتصاق الأدب بقضايا المجتمع للتعبير عن وجدان الشعوب، وتشكيل وعيٍ جديد بالقضايا المصيرية؛ فالأدب، وإن كان مرآة يعكس الطبيعة البشرية، يجب أن يعكس لنا أيضًا صورة الواقع الاجتماعي الذي يُحيط بالأديب، أو بعض جوانب هذا الواقع.١٣
الأدباء طبقات؛ منهم من يقف على شُرفة عالية، ويلتقط دقات الواقع الاجتماعي والسياسي، ومنهم من يقفُ عند السَّفح، ويعتبر الأشياء جاءتْ من تلقاء ذاتها. صيت الروائي يُسمَع من داخل المكان وخارجه، من المنفى والسجون. عالم الشخصيات الروائية لا يَعني خيالًا فارغًا من المضمون، تتوارى الذاتُ خلف الحكاية، وتسكن الذات هواجس عدة في تنامي قوة الرجل الأبيض ودهائه. وتلك التناقضات التي جعلت الروائي الأفريقي يكتشف تهافتَ الشعارات وتعرية المكبوت. ذات يوم، جاء أحدُ شبابنا بالفكرة التالية: تقوم حياتُنا على تعاليم إله البِيض، لكن البيض يحملون ذلك المعتقد، يقتلون ويحرقون، يبترون، ينهبون، يسلبون، كما يتخذون من أبنائنا عبيدًا أرقَّاء. لقد حان الوقت لكي نعود إلى دين آبائنا وأجدادِنا.١٤ العودة للجذور، للهوية المشتركة، للحياة الطبيعية التي كانت تعني التناغم بين الذات وقيمها، العودة للمكان والبحث عن الزمن الضائع، وراء ركام من الصور والذكريات التي انمحت وتلاشَتْ بفعل مكرِ الآخر وقصفه للعقول.
إن الروائي الأفريقي تركيب للصور المتخيلة، والآتية من سياق الحكاية التاريخية، ذاكرة الأجيال كخزان تتدفَّق منه المشاهد التي تُروَى. يبدو أن عمل الروائي أحيانًا يتقاطعُ مع عمل المؤرخ، الفرقُ الواضح في الأرشيف والمخطوطات والشواهد المادية التي تؤرخ للحدث. يحكي «وول سوينكا» عن تجربة السجن والاعتقال، ولا يبقى للسجين إلا الذاكرة الممتدة للبعيد، والسؤال الذي يتكرَّر عن واقع الحالِ في وطنٍ تقتله الديكتاتورية، والصراع على الهوية البديلة للشعوب الأفريقية، هويات قاتلة، والخاسرُ الأكبر العدالةُ والإنسانية. حين تُفرَض الديكتاتورية على بلدك؛ فإن أول ما تشعُر به من اليوم الأول بالضبط، وهو شعور عفوي تمامًا في مباشرته ومتجرد عن أيِّ تطويرٍ ذهني، هو الذل. إنك محروم من حق أن تعتبر نفسك جديرًا بأن تكون مسئُولًا عن حياتك ومصيرك.١٥ القضية المركزية تكمُن في التعبير، وحق الروائي الأفريقي للقول عن قضايا جديدة موروثة من السابق عن تدمير الكيان النفسي والوجداني لهذا الإنسان التواق للحرية والعدالة الاجتماعية. لا ينزوي المثقف الأفريقي في البرج العالي، ويتماهى والخطاب الرسمي المتحالف مع الاستعمار في حُلَّتِه الاقتصادية والثقافية. حلم الروائي الأفريقي في الخلاص من الاستعباد، وترسيخ وعي اجتماعي بالكفِّ عن الصراعات القبلية والدينية. رسالة الروائي موجَّهةٌ للقارئ بالدرجة الأولى، والذين يدركون أن أفريقيا فقدتْ هويتَها من جرَّاء الممارسات المشينة للمستبدِّ في حق الإنسان. قساوة السجن تترك كدماتٍ وجروحًا نفسيةً في ذاتية الروائي الثائر، تتحول العدالة والحرية لمسألة وجودية. «نيلسون منديلا» أيقونة أفريقيا في سجنه، آمن بالهوية الأفريقية وإنسانية الإنسان، وأن المكان مجرد فضاء صغير، لا يمكن أن يُنهي جوهر الإنسان في الدفاع عن حقه الطبيعي في العيش الكريم. حتى في الإعلان عن إطلاق سراحِه، كانت المبادئ والقناعات أقوى من شهوة الانتقام. والعبور بجنوب أفريقيا نحو التسامح والاعتراف بالخطأ خطوةٌ نحو بناء عالم ديمقراطي مدني، يكرِّس للتعددية السياسية، وإزالة نظام التمييز العنصري. ليس في السجن جمالية كالتي يحكيها «مانديلا» أو «وول سوينكا». هناك عذابٌ واستنزاف للذاكرة، وصراعٌ فكري ونفسي داخل مكان يمكن أن ينتهي بالسَّجين إلى الانهيار. بعدما كانت القوانين ذاتية تسنُّها القبيلة، الإبعاد والمعاقبة بأشكال معينة، حمل الرجل الأبيض آلياتٍ عقابية جديدة؛ للتطويع وكسر الإرادة الذاتيَّة والجماعية. في مكانٍ كالسجنِ يفقد الروائي الإحساس بالزمن، يصير الزمن إنسانيًّا بقدر ما يتم التعبيرُ عنه؛ من خلال طريقةٍ سردية، ويتوفر السَّرد على معناه الكامل، حين يصير للوجود الزمني.١٦
الزمن متحرك والسرد يقترب كثيرًا من التجربة الإنسانية في بعدها الوجودي؛ حيث للمكان دلالة ووظيفة في السرد والتذكر. حاضر الأشياء الآنية الإدراك المباشر للواقع الذي تعبر عنه الرواية الأفريقية من أفريقيا السوداء، ومن ماضي الأشياء الراسخة في الذاكرة، ومن المستقبل والأفق الذي يرسمه الروائي الأفريقي في تحقيق العدالة والحرية؛ بناء على التوقع، ودون الدخول في الجانب الفلسفي للزَّمان والمكان والإدراك. ينصب أدبُ ما بعد الاستقلال في معالجة قضايا اجتماعية وسياسية، المتخيل السردي في الرواية الحديثة والمعاصرة، والفرق بينهما في الشكل، وانفتاح الرواية الجديدة على حقول معرفية من الشَّكلانية والبنيوية والتحليل النفسي، بناء عالم للقصة المتخيلة بالعقدة المناسبة التي تعني كل ما يشد الروائي الأفريقي، نحو مجتمعه وانشغاله بالأزمات وواقع الحال؛ فالروايات هي بالأساس آلات مولدة للتأويلات. ومع ذلك؛ فإن كل هذه الكلمات المعسولة تنتهي بنا إلى حاجِزٍ لا يمكن تخطِّيه، يجب أن يكون للرواية عنوانًا ما.١٧ والظاهر من القراءة النقدية للنماذج الروائية المعاصرة، أن العنوان لا يوحي بالفهم النهائي لما يمكن أن تتضمنه القصة، ناهيك عن التناصِّ الذي يميز النص السردي، والبعد الجمالي الذي يتجلَّى في شاعرية اللغة وعذوبة السرد، وتنامي الشخصيات الروائية في المكان والزمان.
وحتى لا نبالغ في القول، إن الرواية الجديدة لا تحمل مضمونًا وأفقًا معينًا لانبجاس قيم اجتماعية وسياسية في واقع يعجُّ بالتناقضات الواضحة في المجتمعات الأفريقية. النص السردي يعود للتاريخ والتراث الشفهي؛ للتنقيب عن الممكن في بناء رؤية للعصر. تحدو الكاتب الرغبة الدفينة في استعادةِ المكان الضائع من هيمنة الآخر، ويكشف الروائي عن المشاكل الآنية كنتاج للماضي؛ فالمتأمل في شخصية «أوكونكو» أو «إيزولو»، في أدب تشينوا أتشيبي، يمكنه أن يلحظ بوضوح كيف أن المأساة العنيفة التي تعيشها الشخصيتان، والتي تتجلى في كل تصرفاتهما وقراراتهما، إنما تنبثق من الواقع الاجتماعي المأساوي الذي تعيشانه؛ إذ نجد كل شخصية ضائعة في خضم عنيفٍ بين عالمين، هما: العائلة والاستعباد، وعالم الاستعمار الرأسمالي الأوروبي، القائم على العنصرية والاستغلال الشرس للطبقة العاملة الأفريقية.١٨ تخرج الذات من قلب المجموع الكلي للتعبير عن الرفض، والمقاومة للدخيل بالكلمة. تعتبر الهوية من مقومات الذات، تطابق الوعي الاجتماعي والممارسة اليومية. خيال الروائي الأفريقي ليس فارغًا من المحتوى، يحمل في أعماقه صورة عن المكان، ووجدانُه عبارة عن وحدة من وعي الذات في تفردها، والوعي الاجتماعي الدال على شاعرية المكان ورمزيته في الكتابة. أرض السودان وخيال «أمير تاج السر» في العودة للتاريخ والحاضر، ونسج الحكاية، الصومال وحكايات «نور الدين فارح»، قبيلة اليوروبا والإيبو، وقبيلة الهوسا في الرواية النيجيرية.
كتب الروائي عن الهوية والتناقضات بلغة الآخر؛ والسبب أنَّ اللغات الأفريقية شفهية، وأبقى الاستعمار على لغته دون تطوير اللغات الأفريقية. وعندما كتب الروائي الأفريقي نال الاعتراف والتقدير كالفوز بالجوائز الأدبية، وترجمت الإبداعات إلى لغات أخرى؛ حيث تعرَّف العالم العربي على سبيل المثال على روايات مكتوبة باللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية، إضافةً إلى ترجمة الروايات العربية بلغات الآخر كذلك. كتب الروائي الأفريقي عن التاريخ والهوية، واستلهَمَ من التراث الحكاية والشخصيات الروائية في المَزج بين المتخيَّل السَّردي والواقعي في حَبْكة. إن الرواية شديدة التعقيد، روح الرواية هي روح الاستمرارية. كل مبدع هو جوابٌ عن المبدعات السابقة، كل مبدع ينطوي على التجربة السابقة على الرواية. لكنَّ روح عصرنا مثبت على الأحداث اليومية، التي هي من الاتساع والضخامة بحيث تدفع ماضي أفقنا، وتقلِّص الزمان إلى الهنيهة الراهنة وحدها.١٩

مشكلة السرد الروائي تكسير الأزمنة، والانتقال من المكان الواحد إلى الأمكنة المتعددة، ومن الهوية المنغلقة إلى هويات متعددة، ومن التطابق إلى الاختلاف، ووحدة الذات إلى عالم التشظي والانقسام. أعتقد أن الأمرَ لا يَنطوي على الأعمال الروائية، وإنما يمتد الأمر إلى الفكر وآليات النقد. نحن في غابةٍ أو متاهة بتعبير «أمبرتو إيكو»، تسير الرواية نحو مسارات مبهمة الأدوات، دروبها نوع من المنعرجات المتشابكة، وآليات استيعابها تعود إلى تأويلات القارئ، وأحيانًا لا نقتنع بمقاصد الروائي؛ حيث ينتاب هذا الأخير لحظات من الكتابة المتدفقة من أعماق اللاوعي، تحرك المكبوت في لحظة معينة. يمكن التعرف على خبايا الإبداع ومقاصد الروائي في الربط بين الأدب والتحليل النفسي، عند تحليل وتشخيص الشخصيات الروائية، والولوج إلى تأويل تجليات اللاشعور في كل الكلمات المنفلتة من الشعور والخيال المفعم بالواقعية، والحياة الفعلية التي تتوارى، وراء الكلمات واللغة المكتوبة، عقدةُ أوديب كما حلل جورج طرابيشي بعض الروائيين العرب، وعقدة النقص التي تفعل دون أن يشعر الروائي بها.

الكاتب الأفريقي أبدع من سياقاتٍ معينة، وترك للخيال الحرية في صياغة القصة. اكتشاف العالم الخارجي والوعي بالذات في تميزها، والوعي الاجتماعي وعلاقة الروائي بالمجتمع. الأكيد أن للمكان وظائف تغذي خيال الروائي في الإبداع، وتنطوي علاقتُنا بالمكان إذن على جوانب شتى ومعقدة، تجعل من معايشتنا له عملية تجاوز قدرتنا الواعية؛ لنتوغل في لاشعورنا؛ فهناك أماكن طاردة تلفظنا. فالإنسان لا يحتاج فقط إلى مساحة فيزيقية جغرافية يعيش فيها، ولكنه يَصبو إلى رُقعة يضرب فيها جذوره، وتتأصل فيها هويته.٢٠ مكان للعيش ليس مُصادَرًا من قبل الآخر ولا مستباحًا، أو أشياء من هذا القبيل. هكذا تترسخ الأمكنة في الذهن كصور وذكريات، ينعكس عليها الأنا الذي ينتمي بدوره إلى جماعة بشرية مستقرة وموزعة في جغرافيا ممتدة، وغنية بالتنوع الطبيعي. أفريقيا أرض الأحلام والآمال، مدن تحكي عن ماضي طفولة الروائي الأفريقي، وقبائل تتحدث عن ذاتها في أزمنة مختلفة. عبور الروائي الأفريقي في الأمكنة دليلٌ على التجربة الحيَّة، والتقاط المشاهد الممكنة. ورغم قوة الذاكرة في استرجاع الصور الماضية، يترك الروائي للخيال العنان؛ لكي تُصاغَ الحبكة في ارتباط بالزمان والمكان، ودينامية الشخصيات المتخيَّلة في ظل وثائقَ يشهد عليها التاريخ. ويمكن القول إن الروائي الأفريقي لا زال أسيرًا للقضايا الكلاسيكية؛ رغم محاولات مستمرة وحثيثة نحو تشكيل أدبِ ما بعد المرحلة الاستعمارية، عن طريق التشكيك في الأيديولوجي، والتماس آليات الكتابة الأدبية في تقديم صورةٍ جديدة عن الرواية الأفريقية.
١  حسن بحراوي، «بنية الشكل الروائي»، ص٤٤.
٢  وول سوينكا، «مات الرجل»، ترجمة راتب شعبو، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، الطبعة الأولى، ٢٠١٥م، ص١٠٤.
٣  وول سوينكا، «موسم الفوضى»، ص١٠٤.
٤  جيرار لكلرك «الأنثروبولوجيا والاستعمار» كتابٌ عن مرامي وأهداف الدول الاستعمارية الداعمة للأبحاث الميدانية في أفريقيا تحت ستار الموضوعية، واكتشاف الآخر؛ حيث ساهمت النظرية التطورية والنظرية الوظيفية في تقديم صُورةٍ عن المجتمعات الأفريقية، ومدت الاستعمار البريطاني بالمادة العرفية لأجلِ تسهيل استعمارها. دوافع العلم مخلفة بالحياد والموضوعية، يلج الباحثُ إلى قلب المجتمعِ، يعمل على جمع المعطيات، وتحيل البنية الذهنية وشبكة العلاقات الاجتماعية. بعدها يكون الاستعمار محمَّلًا بالخرائط التي توجه الفعل واتِّخاذ القرارات المناسبة في ترسيخ الوجود داخلَ أفريقيا. هذا ينطبق على الاستعمارِ البريطاني والفرنسي معًا.
٥  ياسين النصير، «الرواية والمكان»، دار الشئون الثقافية العامة، بغداد، ص١٦-١٧.
٦  سوينكا، «موسم الفوضى»، ص١٥.
٧  كاتب ياسين، «الرواية والمكان»، ص٢١.
٨  سيزا قاسم، «بناء الرواية»، ص١٠٧-١٠٨.
٩  ميشال بوتور، «بحوث في الرواية الجديدة»، ترجمة فريد أنطونيوس، عويدات للنشر والتوزيع، سلسلة زدني علمًا، ص١٣.
١٠  نادر كاظم، «الهوية والسرد»، دار الفراشة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، ٢٠١٦م، ص١٣١.
١١  غاستون باشلار، «جماليات المكان»، ص٤٣.
١٢  سيزا قاسم وآخرون (جماعة من المؤلفين)، «جماليات المكان»، الناشر عيون المقالات، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، ١٩٨٨م، ص٦٢.
١٣  سيزا قاسم وآخرون، «جماليات المكان»، ص١١٤.
١٤  سوينكا، «موسم الفوضى»، ص١٢.
١٥  وول سوينكا، «مات الرجل»، ص١٣.
١٦  بول ريكور، «الزمان والسرد: الحبكة والسرد التاريخي»، ترجمة سعيد الغانمي وفلاح رحيم، الجزء ١، دار الكتب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى، ٢٠٠٦م، ص٩٥.
١٧  إمبرتو إيكو، «آليات الكتابة السردية»، ترجمة سعيد بنكراد، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية، الطبعة الأولى، ٢٠٠٩م، ص٢٠.
١٨  سيزا قاسم وآخرون، «جماليات المكان»، ص١١٧.
١٩  ميلان كوندرا، «فن الرواية»، ترجمة بدر الدين عرودكي، الأهالي للباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ١٩٩٩م، ص٢٥.
٢٠  سيزا قاسم وآخرون، «جماليات المكان»، ص٦٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤