الفصل الأول

فتاة الأكروبوليس …

اللوحة لتمثال فتاة من أتيكا (وهي المعروفة بفتاة بيبلوس) في ثوب طويل بلا أكمام، موجود في متحف الأكروبوليس (وهو مجموعة المعابد والأطلال المُقَدَّسة على مرتفع مطل على مدينة أثينا)، ولعله يكون أحد التماثيل التي تُصوِّر حاملات السقف، ولا يزال بعضها قائمًا حتى اليوم (يرجع لسنة ٥٣٠ قبل الميلاد). وقد استلهمها عدد من الشعراء نذكر منهم:

(١) مانفريد هاوسمان

شاعر ألماني معاصر، وُلد سنة ١٨٩٨م في مدينة كاسيل، جُرِح في الحرب العالمية الأولى، ثم عاش بعد إتمام دراسته الجامعية حياة كان حر. بدأ حياته الأدبية بنشر قصص وقصائد مُفْعمة بالاكتئاب والحنين الرومانطيقي، معبرة عن إحساس المُشَرَّدين وتجاربهم الباطنة بالطبيعة الغامضة الخلَّابة في الشمال الألماني. ثم اتجه بعد الحرب العالمية الثانية إلى نوع الوجودية المسيحية، بعد أن تأثَّر بقراءاته لكيركجور وكارل بارت، وكتب بعض المسرحيات أو بالأحرى الألعاب التمثيلية المُستوحاة من التاريخ المسيحي. يميل في شعره الغنائي الرقيق إلى الحكمة والأحكام، وقد اشتهرت صياغاته المبدعة لعدد كبير من قصائد الشعر الإغريقي والصيني والياباني. كتب الشاعر هذه القصيدة سنة ١٩٤٠م بعد أن رأى التمثال سنة ١٩٣٣م في متحف الأكروبوليس، ونُشرت في ديوانه سنوات العمر ١٩٧٤م.

أشياء كثيرة يمكن أن يعرفها الإنسان،
أمَّا هذا الشيء فلن يُعْرَف أبدًا.
هذا الرأس الشامخ في سكون وصفاء،
تُغيِّم اللانهائية في عينَيه الزمردتَين،
وهو لا يشعر بماضٍ ولا يحس بآتٍ؛
إذ إن الحاضر يغمره بالنشوة ويذهله فيغوص فيه كالرضيع،
ويستغرق في حلمه الباطن ويبتسم للأثير،
الذي تثور فوقه رعشات الربيع.
والبسمة تنفث فوق الخد
ظلًّا يصعب أن يصدِّقه أحد،
وفي الظل ترف البراءة العليلة
كل براءة هذا العالم. آه أيها الرأس الحلو!

(٢) يوهانيس إدفيلت

وُلد سنة ١٩٠٤م في بلدة كيركفالا بالسويد، ونُشرت له مجموعات شعرية عديدة. عُرف بترجماته لروائع الشعر الألماني، خصوصًا لهلدرلين ورلكه وتراكل وفيرفل. وظهرت قصيدته هذه عن فتاة الأكروبوليس ضمن مجموعةٍ من الشعر السويدي المعاصر بعنوان «وهذه الشمس بلا وطن»، ترجمتها ونشرتها الشاعرة نيللي زاكس سنة ١٩٥٧م. وقد كتب الشاعر قصيدته متأثرًا بتماثيل مختلفة من الفن القديم شاهدها في متاحف عديدة كمتحف اللوفر، ودوَّنها سنة ١٩٤٣م قبل أن تُتاح له بعد ذلك زيارة متحف الأكروبوليس في أثينا.

«لوحة قديمة»

ما الذي يحملها على الابتسام؟ أهو ضياء الأسطورة
أشعل بسمات على هاتَين الشفتَين؟
عين صمت قديم تبتسم، أتُراها تعرف
ذلك البريق الذي تُعدُّ الشمس
مجرَّد ظل بالقياس إليه؟
أكان نهارها كالندى والماس؟
لا بد أن مساءها كالكهرمان كان.
جهاد لانتشال الضوء من بحر الظلال الكثيف.
هكذا النهار عند أغلب الناس.
صديقتي، ونحن الذين عَشِيت عيوننا في ليل الجليد،
نقرأ من شفتَيك علامة النار:
تسكب نبعًا، يهمس بالسلام.
يهدي بسمة، لن تخبو أبدًا.

(٣) أورس أوبرلين

وُلد في مدينة بيرن «سويسرا» سنة ١٩١٩م. وهو طبيب أسنان يزاول مهنته في زيوريخ، كما يهتم بجمع التحف الفنية ودراسة الآثار وتاريخ الفن. نشر أربع مجموعات شعرية، وروايتَين، وتمثيليتَين للإذاعة المرئية (التلفاز). كتب هذه القصيدة الموجزة سنة ١٩٦١م على أثر زيارته لمتحف الأكروبوليس ورؤيته للعذراء.

«عذراء»

بَسْمتُك بعيدة
بُعْدَ السنوات الضوئية،
(غامضة كغموض الفجر)
من ذا يحملك لبيته؟
أيجيء عريسك يومًا؟
أيجيء اليوم
ويزفك في موكبه
— موكبه المظلم —
(ويُهلِّل لكما الطير؟ …)

(٤) جورج هيرمانوفسكي

وُلد سنة ١٩١٨م في بلدة ألنشتين، ودرس الأدب وتاريخ الفن بجامعة بون، ويعيش في ضواحيها متفرغًا للكتابة الحرة. نُشرت له مجموعات شعرية وقصصية ومسرحية، وعُرف بترجماته الغزيرة عن الأدب الهولندي. وقد ظهرت قصيدته عن فتاة الأكروبوليس في ديوانه «القارب» الصادر سنة ١٩٧٠م.

«عذراء»

سرب النحل
بين مسام المرمر
ضاع وتاه،
يبحث عبثًا
عن «نكتار»
(والنكتار رحيق حياة)؛
إذ لا شيء سوى شفتَيك
يا عذراء الحسن البكر
يمكن أن يرتشف رحيقًا
من أنداء الفجر،
من شفتَي زمن دَيْدالي،١
زمن الإبداع الحر.
١  نسبةً إلى الفنان المبدع «ديدالوس» الذي تذكر إحدى الأساطير الإغريقية أنه هو الذي صنع المتاهة المشهورة في جزيرة «كريت»، وهي التي دخلها البطل ثيسيوس ليقتل الثور الخرافي «المينوتاوروس» وأنقذته «أريادنه» بالخيط الذي هداه للخروج منها، وهو كذلك أول من حاول الطيران فحلَّق مع ابنه إيكاروس في الهواء على جناحَين من الشمس ما لبثت حرارة الشمس أن صهرتهما؛ فسقطا هالِكَين! (راجع المزيد عن إيكاروس مع لوحة بروجيل عنه …)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤