الفصل العشرون

الليل

figure
(نحت لفنان عصر النهضة مايكل أنجلو بونارتي (Michalangelo Bounanoti) (من ١٤٧٥م إلى ١٥٦٤م). أبدعه سنة ١٥٢١م ليُزيِّن ضريح جوليان ميديتشي في فلورنسا).

(١) جوفاني سترونزي (Giovanni Strozzi)

وُلد سنة ١٥١٧م في فلورنسا، ومات فيها سنة ١٥٧٠م. عاصر ازدهار الحركة أو النزعة الإنسانية، وانتفع بثمرات التراث اليوناني التي بعثها «الإنسانيون» في مدينته، وبالإنتاج الأدبي والفني الرفيع الذي نفخوا فيه من جمال الطبيعة وجلال المثل الأعلى للإنسان.

عاش في رعاية أسرة «الميديتشي» التي ارتبط اسمها في التاريخ برعاية النهضة في إيطاليا، وبعثه «كوزيمو ميديتشي» في بعثات دبلوماسية وثقافية عديدة. كتب الأبيجرام (القصيد الموجز) والسوناتة. وهذه القصيدة التي استوحاها من «ليل» معاصره مايكل أنجلو، ترجمها الشاعر الألماني المشهور «رينيه ماريا رلكه»، ولم أستطع التوصل إلى أصلها الإيطالي الذي كتبه الشاعر سنة ١٥٤٥م.

«عن ليل مايكل أنجلو»

الليل في تمثال
مستغرق في نومه هناك،
في حجر قد صاغه المثَّال،
في هيئة الملاك،
ها أنت ذا تراه،
والنوم قد كساه بالجمال والجلال،
حياته في نومه،
ونومه حياة.
إن كنت لا تصدق الكلام،
أيقظه؛ كي يقرئك السلام!

(٢) مايكل أنجلو بوناروتي

وُلد الفنان العظيم سنة ١٤٧٥م في كابريزه بالقرب من مدينة أريستو، ومات سنة ١٥٦٤م في روما. عمل رسامًا ونحاتًا ومهندسًا معماريًّا في فلورنسا وروما. قد لا يعرف الكثيرون منا أنه شاعر تأثر بمواطنه بتراركا في شكل الشعر كما تأثر في مضمونه وروحه بالراهب الشهيد سافونارولا. ومع ذلك احتفظ شعره وأدبه بوجه عام بطابع خاص ميَّزه عن الأدب الإيطالي في عصره. وهذه القصيدة «رد» من «مايكل» على «الأبيجرام» أو القصيد الموجز الذي أوردناه الآن للشاعر ستروتزي. يُلاحَظ أن السطرَين الثاني والثالث من القصيدة يعبِّران عن سخط الفنان على الأوضاع السياسية في مدينة فلورنسا، وقد وقف مايكل أنجلو سنة ١٥٣٠م في صفوف المدافعين عن الجمهورية والمقاومين لحكم «المدينة» الذين طُرِدوا من المدينة، ثم لم يلبثوا أن رجعوا إليها واستولَوا على الإمارة.

«رد»

أحب ما أحببت من دنياي أن أنام،
وبعد ما جربتُ ما جربتُ من مرارة الأيام
قرَّرت أن أُمجِّد الحجر،
فضَّلت للإنسان
أن يكون صنمًا
وأن يعيش كالأصنام،
فإن طغى الزمان
وعمَّ فيه العار والدمار والقذر،
فالخير كل الخير أن يعيش كالعميان
ويغلق الآذان.
أرجوك … لا تنبِّه الحجر،
وإن فتحت فاك فاحترس،
وكن على حذر!

(٣) جامباتيستا مارينو (Giambattista Marino)

وُلد سنة ١٥٦٩م في مدينة نابولي ومات بها سنة ١٦٢٥م. دخل السجن مرات عديدة وقضى من عمره سبع سنوات (١٦١٥–١٦٢٣م) في فرنسا. كتب الشعر الغنائي والملحمي والهجائي. ويعدُّ من أبرز ممثلي الحركة المعروفة في الأدب والفن الإيطالي بوجه خاص بين سنتَي ١٥٢٠ و١٦٠٠م باسم «المانيرية» (أو مدرسة أصحاب الأسلوب الذاتي والعاطفي المتكلَّف المبالَغ فيه الذي اتبعه فنانون وأساتذة «عصابيون» كبار، منهم مايكل أنجلو نفسه وإلجريكو وتنتوروتو). وهي مدرسة تُركِّز في الرسم الوجه الإنساني، وتلجأ للألوان الفاقعة المعبِّرة عن القلق والاضطراب، ولعل المدرسة كلها قد تأثرت بظروف العصر المضطربة وبثورة الإصلاح الديني والإصلاح المضاد وإرهاب محاكم التفتيش … إلخ، فابتعدت عن روح الفن في عصر النهضة والباروك اللذَين تقع من الناحية الزمنية بينهما. والمعروف أن مارينو قد ألَّفَ عددًا كبيرًا من القصائد استوحاها من لوحات وأعمال فنية أخرى شاهدها، أو حازها في مجموعاته الخاصة، وقد نشر معظم هذه القصائد في ديوان سمَّاه «الجاليريا» أو المتحف سنة ١٦١٩م.

«ليل مايكل أنجلو»

يا من تقف أمامي،
هل تَعْجَب حين تراني
وأنا الليل الراقد
في الحجر البارد
يتردَّد فيَّ النفس الهابط والصاعد؟
أنا مثلك حي، وحياتي
في هذا النحت الخالد
إن كنت تراني لا أتحرَّك،
لا يخرج من شفتَي حرف واحد.
لا تُلقِ الذنب على الفنان؛
فطبع الليل هو الكتمان،
وقلب الليل كقلب العابد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤