الفصل الحادي والعشرون

العبد المُحتَضر

figure

تمثال من المرمر لمايكل أنجلو، نحته الفنان حوالي سنة ١٥١٣م، محفوظ ومتحف اللوفر. وقد ألهم الشاعر الألماني:

(١) كرستيان مورجن ستيرن (Christian Morgen Stern) (١٨٧١–١٩١٤م)

وُلد سنة ١٨٧١م في مدينة ميونيخ، ومات سنة ١٩١٤م في ميران بإيطاليا. وهو حفيد الرسام كرستيان مورجن ستيرن (١٨٠٥–١٨٦٧م)، كما كان أبوه كارل إرنست مورجن ستيرن (١٨٤٧–١٩٢٨م) رسامًا. واشتهر كلاهما — الأب والجد — بتصوير المناظر الطبيعية والريفية. درس الحقوق والفلسفة وتاريخ الفن، وقام برحلات زار فيها بلاد النرويج وسويسرا وإيطاليا، وتعرَّف إلى الفيلسوف المتصوف والعالم الروحاني «رودلف شتاينر» وتأثر به تأثرًا كبيرًا انعكس على شعره الذي يمزج الإحساس الفاجع بالسخرية المرة. نالت قصائده التي جمعها تحت هذا العنوان الدال «أغاني المشنقة» حظًّا كبيرًا من الشهرة، وقد رسم بنفسه بعض أشعاره. ترجم إلى لغته بعض الأعمال الأدبية عن النرويجية والسويدية، وخصوصًا لإبسن وسترندبرج وكنوت هامسون. نُشرت قصيدته عن تمثال «العبد المحتضَر» لمايكل أنجلو في ديوانه «نضج هادئ» سنة ١٩٤٥م في ميونيخ، ص٦٧.

أمام تمثال العبد المحتضَر
لمايكل أنجلو

أنت الألم
الذي يتحاشى العيون الغريبة،
الألم الموغل في عمقه،
الذي يغمض عينَيه بنفسه.
أنت الألم
الذي يتعذب بلا دموع
لأن تيارها ينسكب
صامتًا في داخلك.
الحسرات الضارية إلى حد الموت
تفرُّ مذعورة
لتحتمي خلف جفونك
المرتخية في همود …
وعندما تتفجَّر ثورتها
يلسعها العقل بسوطه الحاد
لتلزم حدودها.
ها هي ذي متلاصقة
كخيول مفزوعة،
مطرقة الرءوس مرتجفة
غطَّاها الزبد المتكاثف والدم ..
ثم تهوي على الأرض
كأنما أصابتها الصاعقة
بضربة أخيرة
أرعبتها حتى الموت.
وجسدك الذي تضنيه الحسرات
يريد أن يهوي معها على الأرض.
آه … يلتهب الجرح الأسود
في صدرك المنقبض ..
تتنهد ..
بملامحك الصلبة،
تحتمل وتحتمل
عذاب مصيرك …

(٢) هيرمان كازاك (Hermann Kasack) (١٨٩٦–١٩٦٦م)

شاعر وكاتب روائي ومسرحي كبير. وُلد سنة ١٨٩٦م في مدينة بوتسدام، ومات سنة ١٩٦٦م في شتوتجارت. كان أبوه طبيبًا، وعمل مراجعًا للنصوص الأدبية في دور النشر. كتب هذه القصيدة عن تمثال العبد المحتضَر في سنة ١٩٣٥م، وظهرت في ديوانه «الوجود الأبدي» الذي أصدرته دار النشر زوركامب في فرانكفورت سنة ١٩٤٩م، ص١٦٠.

«عبد مايكل أنجلو»

يا من نحت من الصخر
بعض الجسد والذراع والساق،
أبتهل إليك أن تخلِّص جسدي
من مخالب الرخام؛
لأن اليد تريد أن تمسك،
والقدم تريد أن تنطلق،
أيها الروح المبدع!
صُغ نفسي في شكل مرئي حي.
اضرب، وانزع عني الغشاء
الذي قيَّدني مدى الحياة
حتى أتحرَّر وأملأ الفراغ،
حتى أتنفَّس منشرح الصدر.
ها هي ذي تسقط، ها هي تتكسَّر
هذي الأسمال الصخرية،
ومن السطوح التي لم تتشكَّل
ينمو النهم العاري للإنسان.
لكن آه من رهبة المكان
التي تهوي بجبروتها عليَّ،
فجأةً يتمنَّى عرضي المستباح
أن يلوذ بالحجر ويختبئ فيه.
يا من إليك تضرَّعت بوجدان مشبوب،
أيها الروح الذي سوَّى قدري:
أرجعني كما كنت قبل أن أُولَد؛
فالحرية قد مزَّقتني.
ارمني في الأغلال القديمة،
ألقِ الحمل على كتفَي.
ساعدني على أن ألتمس خلاصي
في الحجر الذي أخرجتني منه.
ليشق الجسد ويطلق آهاته،
وليبقَ في الحجر فلا يعرفه أحد؛
لأنني أريد أن أظل لك عبدًا،
ولا أريد أن أكون ندًّا لك.

(٣) فيتيسلاف نيزفال (Vitezslav Nizval) (١٩٠٠–١٩٥٨م)

شاعر تشيكي. وُلد سنة ١٩٠٠م في بيسكوبكي جنوب ولاية ميرين، ومات سنة ١٩٥٨م في مدينة براغ. درس الأدب وتاريخ الفن، ويُعد — بجانب الشاعر هالاس — أعظم شعراء تشيكوسلوفاكيا المعاصرين. كتب الشعر والقصة والمسرحية، وترجم كثيرًا من الأعمال الأدبية إلى لغته. وقد وردت هذه القصيدة مع قصائد أخرى مختارة من شعره صدرت بالألمانية عن دار النشر زور كامب، وأشرف على تحريرها الأستاذ ي. شروفر، فرانكفورت، ١٩٦٧م، ص١٠٢.

«في اللوفر»

هذا الفتى الذي نحته مايكل أنجلو
كان بالتأكيد يلقي بنفسه في البحر كل صباح.
حاجته المُلِحة للعناق قد جعلت فخذَيه في غاية الاستدارة،
وجعلته يبدو أخًا كبيرًا في عينَي فتاة صغيرة
تضع عذريتها تحت تصرفه.
رأسه الذي لم يكتمل هو الذي يحميه
من أن يشيخ قبل الأوان.
أيها الفتى الحيي،
الحكمة كل الحكمة
ألَّا تُظهر الانفعال …

(٤) صوفوس ميكائيليس (Sophos Michaelis) (١٨٦٥–١٩٣٢م)

وُلد الشاعر الدنماركي في أودنسة. نشأ لأب فقير يشتغل بالأعمال اليدوية، ودرس الأدب الفرنسي وتاريخ الفن. كتب الشعر والقصة والمسرحية، كما ترجم لحياة الفنانين التشكيليين المحدثين. وقد قام بأسفار ورحلات أثمرت عددًا كبيرًا من قصائده التي استوحاها من الصور واللوحات التي شاهدها. كتب القصيدة التالية سنة ١٩١٧م، ونُشرت في كوبنهاجن في السنة نفسها.

«عبد مايكل أنجلو»

كالبذرة تتنهَّد،
نائمة في التربة،
تتفتح في رفق
من برعمها الأول،
قد حان الوقت لكي تطلع،
وأوان الرغبة قد آنا،
والموعد جاء لكي تنزع
قشرتها، ترمي الأغلال،
تتحرَّر من قيد الأرض،
كالبذرة تتنهَّد،
نائمة في التربة،
من ذا الذي علَّمها
الصعود للأعالي؟
إن أول البراعم
كالحلم في وضح النهار،
ومع ذلك فالبراعم
تغمر وجه الغابة.
أرواح النبات الرقيقة
تتنهَّد حالمةً
بالقوة والمجد.
من ذا الذي علَّمها
الصعود للأعالي؟
في هدوء ينبض قلب
تحت الثرى،
أفكار الحياة الخصبة
تنعس في دقاته.
مع ذلك خرجت كل الأجيال
من هذا القلب،
كل خلايا الحياة
تُحصي أحفادها منه.
في هدوء ينبض قلب
تحت الثرى.
الشوق الكامن فينا
قد وُلد كما يولَد أعمى،
ومع ذلك نحنُّ إلى النور
حنين رضيع يصعد
في الهواء الحر.
فمتى تتفتَّح أعيننا؟
متى تسقط عن ثمرتنا القشرة؟!
إن كل إيماننا ومعرفتنا
يشيخ مع الزمن.
مع أن الشوق بأنفسنا
قد وُلد كما يولد أعمى،
سنظل نحنُّ إلى أعلى،
للنور الأبدي الأسمى.

(٥) فولف هاينريش فون دير مولبه (Wolf Heinrich Von Der Mulbe)

شاعر ألماني. وُلد سنة ١٨٧٩م في برلين، ومات سنة ١٩٦٥م في ميونيخ. نشر روايات وقصصًا قصيرة وأشعارًا وترجمات مختلفة. وقصيدته هذه عن العبد المحتضر هي إحدى القصائد من قالب السوناتة التي كتبها عن مايكل أنجلو، وظهرت في مجموعته الشعرية بعنوان: «مايكل أنجلو، باقة سوناتات في مدينة هانوفر سنة ١٩١٢م».

«العبد المحتضَر»

عندما تبلغ أعلى ذرى حياتك،
تلين الأغلال التي قيَّدتك وأرهقتك بالهموم،
وعلى أجنحة سعادتك وأفراحك،
يتشابه الموت والحياة كما تتشابه النجوم.
الأقنعة قد سقطت، وسوف تبدو لك العلامات
منبئة عن أشياء بعيدة لا تدركها الأسماء،
تتغنَّى أعضاؤك بجمالها العجيب،
وتزدهر شفتاك بينما تنطفئ وتميل للمغيب.
وترن بسمعك موسيقى كأنها انبثاق نبع عميق،
تند عن صمته المقلق، صمته الثقيل،
زهرات بيضاء مضيئة في الليل الغريق،
نادتها من أعماق معتمة كالهاوية السوداء،
أنوار السماء لترتفع إلى الأعالي،
حيث تتألَّق أضواء الأبدية ساطعة اللألاء.

(٦) كونراد فرديناند ماير (Conrad Ferdinand Meyer) (١٨٢٥–١٨٩٨م)

شاعر وروائي كبير وُلد في مدينة زيوريخ في قرية كيلشبرج بالقرب من زيوريخ. وواضح من القصيدة التالية أنها تشير إلى عدة تماثيل مشهورة من إبداع مايكل أنجلو؛ فالسطور الأولى منها تصوِّر بكلماتها تمثال العبد المحتضَر الذي يحتفظ به متحف اللوفر في باريس، والسطران الخامس والسادس يعبِّران عن تمثال جوليانو ميديتشي فوق ضريحه في مقبرة عائلة الميديتشي بالقرب من مدينة فلورنسا، ثم تتتابع الإشارة الموحية إلى تمثال موسى والرحمة (السيدة مريم تحمل المسيح المُمَدَّد على حجرها) اللذَين يعرفهما كل من زار كنيسة سان بيترو في فينكولي بروما، وكنيسة القديس بطرس في الفاتيكان. أمَّا «خارون» فهو في الأساطير الإغريقية حادي الأرواح عبر نهر «استيكس» الذي يجري في العالم السفلي ليسلمهم إلى هاديس إله الموتى، وقد صوَّره مايكل أنجلو في رسمه الكبير المشهور على قبة سيكستينا في كنيسة الفاتيكان. نُشرت القصيدة في المجلد الأول من مؤلفات «ماير» الكاملة الذي ظهر في «بيرن» سنة ١٩٦٣م، ص٣٣١.

«مايكل أنجلو وتماثيله»

أيها العبد،
إنك تفتح فمك،
لكنك لا تتنهَّد.
شفتاك صامتتان.
لا يُرهقك — يا من امتلأت بالأفكار —
حمل الجبهة التي أثقلتها الخوذة.
وأنت تقبض على ذقنك بيد عصبية،
ومع ذلك، يا موسى، لا تهبُّ واقفًا.
وأنت يا مريم مع ابنك الصريع
تبكين، ولكن لا تنسكب الدمعة.
إنكم تصوِّرون ملامح الألم والعذاب،
لكن يا أولادي، بلا ألم أو عذاب!
هكذا يُطلُّ الروح المتحرر
على العذاب الذي انتصر عليه.
وماذا يمكن أن يصيب الصدر الحي
الذي يحس في الحجر أنه منتشٍ وسعيد؟
إنكم تُخلِّدون اللحظة،
وإذا متم،
كان الموت بلا موت.
في الدغل الكثيف ينتظرني حادي الأرواح خارون،
الذي يسلي وقته بالعزف على الناي …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤