الفصل الثاني والثلاثون

دير في غابة بلوط

الصورة للفنان كاسبار دافيد فريدريش (١٧٧٤–١٨٤٠م)، أعظم الفنانين الرومانطيقيين الألمان (راجع ترجمته السابقة مع لوحته عن ميناء جرايفسفالد)، وقد رسمها بين سنتَي ١٨٠٩ و١٨١٠م، وتوجد اليوم في متحف قصر شارلوتنبورج بمدينة برلين الغربية.

(١) تيودور كورنر(Theodor Körner) (١٧٩١–١٨١٣م)

وُلد الشاعر الألماني سنة ١٧٩١م في مدينة دريسدن، ومات سنة ١٨١٣م بالقرب من بلدة جاديبوش متأثرًا بجرح شديد أصابه في مبارزة. وهو ابن كرستيان جوتفريد كورنر الذي كان صديقًا للشاعر الكبير فريدريش شيلر، ودارت بينهما رسائل حميمة لها دلالتها على حياة شيلر وفكره وشعره. درس الشاعر هندسة التعدين والمناجم في فرايبرج، كما درس الحقوق والتاريخ والأدب والفلسفة في ليبزج وبرلين. طردته الجامعة سنة ١٨١٠م لأسباب سياسية، وأقام في فيينا من سنة ١٨١١م إلى ١٨١٣م، وشارك في المسرح الشعري، ثم تطوَّع في جيش لوستوف البروسي الحر سنة ١٨١٣م، واشترك في حروب التحرير من قبضة نابليون، وجرت أناشيده وأغانيه على لسان الشعب.

ظهرت هذه القصيدة عن لوحة كاسبار دافيد فريدريش ضمن مؤلفاته الكاملة التي نشرها أ. فيلدينوف في ليبزج سنة ١٩١٣م، ص٩٩. ويُحتَمل أن يكون الشاعر قد شاهد اللوحة في مرسم الفنان بمدينة دريسدن، أو في معرض الأكاديمية الذي أُقيم سنة ١٨١٠م في برلين. وقد عُرف فريدريش برسمه للطبيعة الميتة (أو الصامتة)، ولعل هذا هو الذي جعله يكتب هذه الأبيات التي يقول فيها:

«سُئِلتُ لماذا تختار الموت لموضوعات رسومك، ولماذا تكثر من تصوير القبر والفناء؟ فأجبت: لكي تتسنى للإنسان حياة أبدية، فعليه في أغلب الأحيان أن يُسلم نفسه للموت.»

«دير في غابة بلوط»
«طبيعة ميتة»

١

الأرض صامتة في حزن عميق عميق،
تسري فيها أنفاس الأرواح الهائمة في الليل.
أنصت لحفيف الريح العاصفة في شجر البلوط العجوز،
ونواحها المدوي خلال الجدران المتداعية!
فوق القبور يتمدَّد الثلج الكثيف،
متآخيًا مع الأرض في هدوء، كأنما يريد أن يدوم للأبد،
والضباب المعتم الذي يلف الليل بالسواد،
يعانق العالم برذاذ الموت البارد.
القمر الفضي يُطل وهو يرتع في شحوب،
عبر النوافذ الخربة في حنان وسكون،
وكذلك يخبو ضوء أشعته الناعم.
وبهدوء وبطء نحو قضبان باب الدير،
كما تتجوَّل صامتةً في الليل الأشباح،
يخطو موكب جنازة خطوات الأرواح.

٢

وفجأةً أسمع أعذب الألحان،
كأنها كلمات الله صُبَّت في أنغام،
وأرى ضوءًا كأنه ينسكب من الصليب،
يتوهَّج مع سطوع نجمي من بعيد.
هنالك يتبيَّن لي من تلك الألحان،
أن نبع النعمة يتدفَّق في الموت،
وأن المباركين ببركة الله
هم الذين يمرون خلال القبر إلى النور الأبدي.
هكذا يخلق بنا أن نتأمَّل عمل الفنان!
فقد هدته ربات الفنون ورعته في حنان،
على أروع طريق نحو أجمل الأهداف.
هنا يحق لي أن أتشجَّع وأثق بفؤادي،
وما ينبغي عليَّ أن أُظهر الإعجاب في برود،
لا، بل عليَّ أن أشعر، وفي الشعور يبلغ الفنُّ الكمال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤