الفصل السابع والثلاثون

الجائعات

نحت من الجبس يرجع إلى حوالي سنة ١٩٣٢م للفنان التعبيري والكاتب المسرحي «إرنست بارلاخ Ernst Barlach» (١٨٧٠–١٩٣٨م). تميَّزت أعماله في النحت والرسم بروح مأسوية (تراجيدية) قاتمة وتشاؤم فاجع، أثارت ثائرة النازيين الذين حطَّموا معظم تماثيله فلم يبقَ منها سوى عدد قليل مبعثر بين بعض المتاحف الألمانية والمتحف الصغير الذي يحمل اسمه بالقرب من مدينة «لينيبورج».

ربما كانت أعماله في الحفر على الخشب من خير أعماله، وقد صوَّر فيها فلاحين وشحاذين وشخصيات كادحةً استوحاها من زيارة قام بها إلى روسيا، وتأثر أسلوبه فيها بفن الحفر القوطي المتأخر في ألمانيا. واهتمام بارلاخ بالتعبير عن البؤس والبؤساء في مختلِف الصور والأشكال التي يُمْتَحَن بها وجود الإنسان، يقرِّبه من أعمال فنانة معاصرة له هي «كيته كولفيتس» (١٨٦٧–١٩٤٥م) التي أبرزت عذاب الأمهات والأطفال في الرسم والحفر. استلهم نحته عن الجائعات عدد من الشعراء نذكر منهم:

(١) إليزابيث إمونتس دريجر (Elisabeth Emundts Dragor) (١٨٩٨م–…)

كتبت الشاعرة هذه القصيدة سنة ١٩٧٠م، وقد وُلدت سنة ١٨٩٨م في مدينة «كولن» «كولونيا» بألمانيا، وعاشت حياتها في مدينة بينسبرج. أصدرت روايةً واحدة ومجموعة من القصص القصيرة وأربع مجموعات شعرية. وجدير بالذكر أن ديوانها «القلب اللامتناهي» يضم عشرين قصيدةً مُستوحاة من نحت «بارلاخ»، وأمام كل قصيدة قطعة النحت التي استلهمتها. والقصيدة من الديوان المذكور الذي ظهر سنة ١٩٧٠م عن دار النشر موسينر.

«أمهات بائسات»

نحن التعساء الفقراء
وأتعس من عانى الفقر،
نلد الأطفال صغارًا
ونجر الحِمل طوال العمر،
نطرحهم للكون ثمارًا،
نغذوهم بدماء القلب،
نحملهم في ليل الرحم
كما يُحْمَل ذَنْب.
ونخاف الدرب،
ودرب الجائع صعب؛
جَرُّ الأطفال أمام الرب.
ماتت كل الآمال
ولم يبقَ سوى الأمل الأوحد
يخفق في الصدر؛
أن نحمل هذا العبء،
نجرُّ نجرُّ الحمل الصعب
لعل الله يطل علينا
ويساعدنا،
أن ننتشل صغار الطير
من المحنة والكرب.

(٢) أناليزه بونجيروت (Anneliese Bungoroth) (١٩٢٣م–…)

وهذه القصيدة للشاعرة أناليزه بونجيروت عن مجموعة الجائعات كتبتها في سنة ١٩٦٥م بعنوان «اللاجئون». وُلدت الشاعرة سنة ١٩٢٣م في مدينة ماينس، وتلقَّت تعليمًا وتدريبًا قانونيًّا يؤهِّلها للخبرة في شئون الزواج. وهي تعيش متفرِّغةً للكتابة الحرة في «بيبريش» من ضواحي مدينة فيسبادن. واللاجئون هي إحدى قصائد ديوان كامل بعنوان «مَعْبَر» استلهمت جميعها من نحت بارلاخ، وتجدها على صفحة ٣٠ من هذا الديوان الذي صدر في مدينة جوتنجن عن دار النشر فاندنهوك وروبرشت.

«اللاجئون»

نتجوَّل عبر الزمن
بلا وطن،
في أي مكان لا نجد الأمن،
لا نشبع حتى من ضوء الشمس؛
لأن العالم ضنَّ علينا
بمكان إلا في الظل.
من يحسب أن جهنم
من لهب النار فحسب،
فجهنم من ثلج الوحدة
والبرد يلف القلب.
من يذكرنا؟
من يرحمنا؟
من يتضرَّع
— وهو المتخم —
لله ويسأل
أن يعطيه خبز اليوم،
كَفاف اليوم؟
أنسيتم أيام المحنة
جوعَ البطن
وذل النفس؟
وجراح الأمس هل اندملت،
وجراح الأمس؟
عَمِيت أعينكم عما يُفزع أمن القلب،
وضمائركم قد غطَّتها
سحب الكذب على الجار،
المسكين المتعب.
أعماكم رَغَد العيش،
فما أبصرتم
جوع الجائع عن قرب،
وشبعتم حتى التخمة،
هل ذقتم يومًا
أو جرَّبتم
طعم الحب؟
هل نملك إلا أن نضرع
في كل صلاة
كي يغفر لكم الرب؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤