الفصل الأربعون

الأقنعة العجيبة

اللوحة للفنان البلجيكي جيمس إنسور (James Ensor) (١٨٦٠–١٩٤٩م)، وهي محفوظة في المتحف الملكي بمدينة بروكسل. تعلَّم «إنسور» في بروكسل، ولكنه قضى حياته في أوست إند. تتسم نظرته بالقتامة وتغشاها كآبة الموت، وهو يتخذ موضوعات صوره ورسومه من كِبار فناني عصر النهضة مثل كالو (١٥٩٣–١٦٣٥م)، وبوش (١٤٥٠–١٥١٦م)، وبروجل الكبير (من حوالي ١٥٢٥–١٥٦٩م)، ثم يعالجها بأسلوب روبنز وكوربيه ومانيه. وهو غالبًا ما يلجأ إلى الأقنعة — كما يفعل في هذه الصورة — وإلى الهياكل العظيمة للتعبير عن مشاعر باطنة خفية، وذلك قبل بداية التعبيرية كاتجاه فني محدَّد، خصوصًا عند الفنانين الألمان من جماعتَي «الجسر» و«الفارس الأزرق».

عرض لوحاته مع «جماعة العشرين» التي انضمَّ إليها في سنة ١٨٨٤م (وهي جماعة من الفنانين البلجيكيين عرضت صورًا لفنانين غير بلجيكيين مثل سورا، وسيزان، وفان جوخ، وجوجان)، ثم لم يلبث أن طُرِد منها سنة ١٨٨٩م بعد أن رفضوا عرض لوحته «دخول المسيح إلى بروكسل».

(١) كريس تانسبرج (Kris Tanzberg)

«الأقنعة العجيبة» القصيدة للشاعر السويسري كريس تانسبرج الذي وُلد سنة ١٩٤٣م لقيطًا بلا أبوَين معروفَين، وجرَّب مختلِف المهن والأعمال، فاشتغل في فترات متقطعة من حياته بالزراعة وقطع الأخشاب والأحجار والوعظ والحلاقة والصحافة والتجارة والتدريب الرياضي والتعليم في المدارس الشعبية وأمانة المكتبات … أتاحت له هذه التجارب فرصة السفر والتجوال بين البلاد الأوروبية. ظلَّ ينشر قصائده ولوحاته القلمية ويذيعها عن طريق الإذاعة حتى ظهر ديوانه الأول سنة ١٩٧٥م من قصيدة واحدة طويلة «أبيفانيا أو التجليات». سيلاحظ القارئ أن مقطوعات القصيدة تعكس تفاصيل الصورة وتحوُّلها إلى مرايا تنعكس عليها أمراض المجتمع والعصر. ولعل افتقار هذه الوجوه المُشَوَّهَة العجيبة إلى الآذان والأنوف يكون تعبيرًا عن تبلُّد هؤلاء المصلحين الأدعياء، وفقدانهم الإحساس بالحياة والناس. والسطور الأربعة الأخيرة تؤكِّد أن العالم ينتهي نهايةً هادئة لا ضجيج فيها، وتذكِّرنا بقصيدة إليوت المشهورة عن «الرجال الجوف» (راجع ترجمتها الكاملة في الجزء الثاني من ثورة الشعر الحديث لكاتب هذه السطور)، بل إنها في الواقع لتُكرِّر الأبيات الأربعة الأخيرة من قصيدة إليوت الشهيرة. وكان الشاعر السويسري يحاول أن يوجد علاقةً حميمة بين صورة الفنان البلجيكي وواحد من أعظم قصائد العصر.

«الأقنعة العجيبة»

من أين أيتها الأقنعة الفاقعة اللون،
يا من تومئون إيماءات عاجزة؟
إلى أين يا نواطير الحقول،
يا من تنقصكم الآذان والأنوف؟
لا مراء،
أنت قادم من مجلس التعليم،
وأنت من الأسقفية العامة،
وأنت من وزارة
الإرشاد القومي وعلم الفحش.١
لا مراء،
أنتم مشغولون
بالدعوة والتوعية،
للإنقاذ،
للحضارة.
أصابعكم تشير
للمحنة الماثلة
على الجدار،
لكنكم بلا عمود فقري.
جباهكم تتلبَّد
بتجعيدات المفكِّرين،
لكنكم بلا مخاخ.
ارفعوا مصابيحكم البائسة كما تشاءون،
لقد انطفأت ناركم.
قُووا أنفسكم من الزجاجة بقدر ما تستطيعون.
عبثًا تفعلون؛
فالأحشاء تنقصكم.
ضعوا على رءوسكم قبعات خشنةً مُدَبَّبَة،
تلفَّعوا بالمُسوح القطيفية المقدسة.
عبثًا تفعلون؛
لأنكم جوف.
في الشارع تتدافع الغوغاء
من أجلكم،
تخفق أعلام الثورة
تأييدًا لكم.
لكنكم عاجزون،
حتى عن ربط أحذيتكم.
لا تسقطوا
حتى لا تهووا فوق الألواح الخشبية
مثل بالون مشدود مُفَرَّغ من الهواء.
هكذا ينتهي العالم،
هكذا ينتهي العالم،
هكذا ينتهي العالم،
لا بفرقعة مدوية،
بل بالتنهيدة والأنين ..
١  البرنوجرافيا أو البورنو الذي راجت أفلامه الجنسية الفاحشة في العالم الرأسمالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤