الذِّئْبُ وَالْفَارَةُ

سَرَقَ ذِئْبٌ خَرُوفًا سَمِينًا مِنْ خِرَافِ الْقَطِيعِ الْآمِنِ، وَجَرَى بِهِ لَا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ إِلَى نَاحِيَةٍ نَائِيَةٍ مِنَ الْغَابَةِ الْمُجَاوِرَةِ، وَطَبْعًا لَمْ يُنْتَظَرْ أَنْ يَكُونَ الذِّئْبُ مِقْرَاءً١ لِخَرُوفٍ، وَأَنْ يَعْتَنِيَ بِرَاحَتِهِ وَسَلَامَةِ صِحَّتِهِ، بَلِ الْعَكْسُ مَا وَقَعَ، وَكَانَ مُتَوَقَّعًا؛٢ إِذْ غَرَزَ الذِّئْبُ أَنْيَابَهُ الْحَادَّةَ فِي جِسْمِ الْخَرُوفِ، وَأَرَّبَهُ٣ إِربًا، فَالْتَهَمَ مِنْهُ قَدْرًا أَغَصَّهُ، بَلْ أَبْشَمَهُ، وَتَرَكَ الْبَاقِي كَيْ يَأْكُلَهُ فِي وَقْعَةٍ تَالِيَةٍ، وَرَبَضَ إِلَى جَانِبِهِ يَحْرُسُهُ، وَيُفَكِّرُ فِي وَسِيلَةٍ لِاقْتِنَاصِ فَرِيسَةٍ جَدِيدَةٍ إِلَى أَنْ غَلَبَهُ سُلْطَانُ النُّعَاسِ فَرَاحَ يَغُطُّ فِي عَالَمِ الْأَحْلَامِ.

وَكَانَتْ هُنَاكَ فَارَةٌ صَغِيرَةٌ، عَضَّهَا الْجُوعُ، فَقَعَدَتْ تَرْقُبُهُ مِنْ بَعِيدٍ، مُعَلِّلَةً نَفْسَهَا بِأَنَّ الذِّئْبَ سَيَذْهَبُ بَعْدَ أَنْ يَشْبَعَ، فَيَتْرُكَ فَضَلَاتِ مَائِدَتِهِ لِلْجِيَاعِ الْمَسَاكِينِ أَمْثَالِهَا.

وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ أَمَلَهَا لَمْ يَتَحَقَّقْ، وَشَعَرَتْ بِأَنْيَابِ الْجُوعِ تَنْهَشُ أَحْشَاءَهَا، اسْتَحَلَّتْ لِنَفْسِهَا قِطْعَةً صَغِيرَةً تُمْسِكُ رَمَقَهَا بِهَا، إِلَى أَنْ تُرْزَقَ بِمَا يَكْفِي لِسَدِّ حَاجَتِهَا.

وَسَارَتْ تَتَكَسْحَبُ٤ حَتَّى أَدْرَكَتْ فَضَلَاتِ الْفَرِيسَةِ، وَقَضَمَتْ مِنْهَا قَضْمَةً صَغِيرَةً، ثُمَّ هَرْوَلَتْ رَاجِعَةً إِلَى جُحْرِهَا فِي جِذْعِ الشَّجَرَةِ، وَتَنَبَّهَ الذِّئْبُ فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي أَطْلَقَتْ فِيهَا الْفَارَةُ سَاقَيْهَا الصَّغِيرَتَيْنِ لِلرِّيحِ؛ كَيْ تَنْجُوَ بِغَنِيمَتِهَا التَّافِهَةِ، وَأَطْلَقَ بِدَوْرِهِ صَيْحَاتِ الاسْتِغَاثَةِ وَطَلَبِ النَّجْدَةِ، قَائِلًا: يَا خَفِيرْ!٥ يَا بُولِيسْ!٦ أَغِيثُونِي! الْحَقُوا الْحَرَامِي! فَقَدْ هَرَبَ بِكُلِّ مَالِي، وَجَرَّدَنِي مِمَّا ادَّخَرْتُ لِعِيَالِي!
وَقَامَتِ الدُّنْيَا وَقَعَدَتْ لِلْقَبْضِ عَلَى اللِّصِّ الْخَطِيرِ الَّذِي يُهَدِّدُ الْأَمْنَ الْعَامَّ وَسَلَامَ الْغَابَةِ، وَتَقْدِيمِهِ لِلْمُحَاكَمَةِ؛ لِيَنَالَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ صَارِمِ الْعِقَابِ، عَلَى مَا جَنَاهُ عَلَيْهِ بَطْنُهُ الْقَاسِي الَّذِي لَا يَرْعَوِي لِقَوْلِ آمِر،ٍ وَلَا تَهْدِيدِ حَاكِمٍ، إِذَا مَا نَقَّتْ ضَفَادِعُهُ.٧

«الْمَعِدَةُ الَّتِي تَهْزَأُ عِنْدَ الْجُوعِ بِكُلِّ سُلْطَانٍ.»

١  المِقراء: الذي يُقري الضيف؛ أي يكرمه.
٢  توقَّع الأمر: أي انتظر حصوله.
٣  مزَّقَه.
٤  الكَسْحَبة: مشي الخائف المُخفي نفسه، وفي مصر تُعْرَف بالدَّحلَبة.
٥  المُجير والحامي.
٦  كلمة شرطي تُقَابِل هذه اللفظة العالمية.
٧  جاع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤