مُعَاهَدَةُ صَدَاقَةٍ وَعَدَمِ اعْتِدَاءٍ

تَنَاوَلَ الْكَلْبَانِ أَكْلَةَ شبعٍ مِنْ طَعَامٍ وَافِرٍ لَذِيذٍ فِي مَأْدُبَةٍ أُقِيمَتْ لِتَأْيِيدِ السَّلَامِ، ثُمَّ تَمَدَّدَا فِي ظِلِّ الشَّجَرَةِ الْوَارِفِ، يَتَجَاذَبَانِ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ فِي هُدُوءٍ وَسَلَامٍ وَاطْمِئْنَانٍ، وَتَحَدَّثَا عَنْ كُلِّ مَا يُهِمُّهُمَا أَمْرُهُ، وَعَلَى الْخُصُوصِ عَنْ عِيشَةِ١ الْكِلَابِ أَمْثَالِهِمَا، وَعَنْ تَقَلُّبَاتِهَا الْعَنِيفَةِ بَيْنَ شَظَفٍ وَنَعِيمٍ، وَسَادَةٍ أَشْرَارٍ وَأَبْرَارٍ، وَطُهَاةٍ لُؤَمَاءَ وَكُرَمَاءَ.
ثُمَّ تَنَقَّلَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ فَلْسَفَةِ الْحَيَاة إِلَى هَنَاءِ الصَّدَاقَةِ وَجَمَالِ الْمَحَبَّةِ، الَّتِي تَأْمُرُ بِهَا كُلُّ الشَّرَائِعِ وَالْأَدْيَانِ، وَقَالَ أَوَّلُهُمَا: مَا أَحْلَى الْمَوَدَّةَ عِنْدَمَا تَسْتَحْكِمُ حَلَقَاتُهَا بَيْنَ كَلْبَيْنِ، مِثْلِي وَمِثْلِكَ، مَثَلًا، فَنَحْنُ مِنْ أَعْضَاءِ هَذَا الْبَيْتِ، وَعَلَى كِلَيْنَا تَقَعُ تَبِعَةُ حِرَاسَةِ رِتَاجِهِ،٢ وَرَدِّ اللُّصُوصِ عَنْ أَعْتَابِهِ، وَلَيْسَتْ لَنَا مَطَامِعُ كَبِيرَةٌ كَغَيْرِنَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْجَشِعَةِ؛ لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَتَعَايَشَ بِالْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ مِنَ الْآنَ فَصَاعِدًا، فَلَا نَسْمَحَ لِخِصَامٍ أَنْ يَشْجُرَ بَيْنَنَا مَهْمَا عَظُمَتْ أَسْبَابُهُ، وَمَا دُمْتَ مِنْ رَأْيِيِ فَلْنَتَعَاهَدْ عَلَى الْعَيْشِ أَصْدِقَاءَ مُخْلِصِينَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَهَاتِ يَدَكَ لِنَتَصَافَقَ عَلَى هَذَا الْعَهْدِ!
فَنَهَضَ ثَانِيهُمَا عَلَى مِرْفَقَيْهِ، وَهَزَّ رَأْسَهُ اسْتِحْسَانًا لِهَذَا الْكَلَامِ، ثُمَّ أَقْعَى٣ وَمَدَّ يَدَهُ لِيُصَافِقَ رَفِيقَهُ …

•••

وَعِنْدَئِذٍ شَاءَ الْحَظُّ السَّيِّئُ أَنْ يَنْفَتِحَ شُبَّاكُ الْمَطْبَخِ وَتُلْقَى مِنْهُ عَظْمَةٌ صَغِيرَةٌ أَطَارَتْ صَوَابَهُمَا وَبَدَّدَتْ عُهُودَهُمَا، فَكَانَتْ مَثَارَ نِزَاعٍ تَقَطَّعَتْ بِسَبَبِهِ أَوَاصِرُ الْمَحَبَّةِ وَالصَّدَاقَةِ وَالْأُخُوَّةِ، وَتَمَزَّقَ لَحْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا، بِأَنْيَابِ أَخِيهِ.

وَهَكَذَا تَكُونُ الْمَحَبَّةُ وَإِلَّا فَلَا!

١  حالة الحي في حياته.
٢  الباب العظيم أو ما نسميه في مصر: «بوابة».
٣  أقعى الكلب: أي جلس على مؤخره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤