الْعُقَابُ وَالْخُلْدُ

حَلَّقَ الْعُقَابُ وَعَنْزَتُهُ١ فَوْقَ الْغَابَةِ لِيَكْتَشِفَا أَمْنَعَ مَكَانٍ فِيهَا، وَأَخِيرًا وَجَدَا بَلُّوطَةً عَتِيقَةً سَامقَةَ الْفُرُوعِ وَالْأَغْصَانِ، وَاخْتَارَاهَا لِيَبْنِيَا فِيهَا مَقنَاتَهُمَا٢ حَيْثُ يُرَبِّيَانِ فِرَاخَهُمَا فِي مَنْجًى مِنْ غَدْرِ الْأَعْدَاءِ.
وَشَعرَ بِهِمَا خُلْدٌ٣ يَعِيشُ فِي جُحْرٍ تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ؛ فَنَادَاهُمَا مُحَذِّرًا مِنْ قُرْبِ سُقُوطِ الْبَلُّوطَةِ؛ لِأَنَّ جُذُورَهَا قَدْ أَبْلَاهَا الْهَرَمُ، فَأَصْبَحَتْ لَا تَقْوَى عَلَى احْتِمَالِ مَا فَوْقَهَا مِنْ أَثْقَالٍ.

فَقَالَ الْعُقَابُ لِرَفِيقَتِهِ: «وَيْحَ هَذَا الْأَعْمَى الْمَغْرُورِ، إِذْ يَظُنُّ أَنَّ مَلِكَ الطُّيُورِ الَّذِي ذَاعَتْ شُهْرَتُهُ بِحِدَّةِ الْبَصَر،ِ يَقْبَلُ مِنْ مِثْلِهِ نُصْحًا أَوْ تَحْذِيرًا.»

وَبَنَى الْعُقَابُ وَكْرَهُ فِي أَعْلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَلُّوطَةِ الْعَتِيقَةِ هَازِئًا بِنُصْحِ جَارِهِ الْخُلْدِ، ضَارِبًا بِهِ عَرْضَ الْحَائِطِ.

وَجَاءَ الرَّبِيعُ وَأَعْقَبَهُ الصَّيْفُ، وَامْتَلَأَتْ أَرْجَاءُ الْوَكْرِ بِبَاكُورَةِ فِرَاخِهِمَا، وَقَرَّتْ أَعْيُنُهُمَا بِرُؤْيَتِهِمْ يَلْعَبُونَ وَيَمْرَحُونَ وَيَصْئَوْنَ (يَصِيحُونَ).

وَفِي فَجْرِ أَحَدِ الْأَيَّامِ خَرَجَ الْعُقَابُ يَطْلُبُ صَيْدًا لِفطُورِ فِرَاخِهِ، وَرَفِيقَتِهِ، وَعَادَ فَرِحًا يَحْمِلُ لَهُمْ طَعَامًا شَهِيًّا وَافِرًا، فَلَمْ يَجِدْهُمْ فِي وَكْرِهِمْ فَوْقَ الْبَلُّوطَةِ، بَلْ وَجَدَ الْبَلُّوطَةَ قَدْ وَقَعَتْ كَمَا تَوَقَّعَ الْخُلْدُ، وَسَحَقَتْ تَحْتَ ثِقْلِهَا وَكْرَهُ، بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ فِرَاخِهِ مَعَ رَفِيقَتِهِ وَهَنَائِهِ.

فَصَاحَ مِنْ فَرْطِ يَأْسِهِ قَائِلًا: «وَيْلٌ لِي، مَا أَتْعَسَنِي وَأَشْقَانِي! لَقَدْ جُوزِيتُ بِمَا أَسْتَحِقُّ عَلَى اسْتِخْفَافِي بِنُصْحِ الْخُلْدِ وَتَحْذِيرِهِ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ يَدْرِي أَنَّ خُلْدًا حَقِيرًا لَهُ مِنَ الرَّأْيِ مَا يُعْتَدُّ بِهِ، أَوْ يَصِحُّ أَنْ يُرْكَنَ إِلَيْهِ.»

فَأَجَابَهُ الْخُلْدُ بِكُلِّ هُدُوءٍ وَسُكُونٍ: «لَيْتَكَ نَزَلْتَ مِنْ سَمَاءِ كِبْرِيَائِكَ، وَلَمْ تَشْمَخْ بِأَنْفِكَ مُزْدَرِيًا بِكَلَامِي، وَأَنْعَمْتَ النَّظَرَ فِي مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ، ذَاكِرًا أَنِّي أَعِيشُ مِذْقَاعًا٤ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ مَعَ جُذُورِ الْأَشْجَارِ، فَلَا عَجَبَ إِذَا كُنْتُ أَدْرِي بِمَوَاضِعِ الضَّعْفِ مِمَّنْ يَعِيشُونَ فِي أَعَالِيهَا.»
١  العنزة: أنثى الصقور والعقبان.
٢  المقناة: وكر الصنواء وهي أنثى العقبان.
٣  حيوان ليس له عينان ولا أذنان، يعيش تحت الأرض، والجمع «مناجذ» من غير لفظها.
٤  راضيًا بالدون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤