الثَّلَاثَةُ الْأَصْحَابُ

تَعِبَ الثَّلَاثَةُ الْأَصْحَابِ حَتَّى عَثَرُوا عَلَى نُزُلٍ١ رِيفِيٍّ صَغِيرٍ يَقْضُونَ فِيهِ لَيْلَتَهُمْ وَهُمْ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِمْ مِنَ الْعَاصِمَةِ.

وَطَلَبُوا مِنْ صَاحِبِهِ غُرْفَةً يَنَامُونَ فِيهَا، وَطَعَامًا يَسُدُّونَ بِهِ أَرْمَاقَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا جِيَاعًا لِنَفَادِ زَادِهِمْ، فَأَعْطَاهُمْ غُرْفَةً فِيهَا ثَلَاثَةُ أَسِرَّةٍ مُرِيحَةٍ تَرَكُوا فِيهَا أَمْتِعَتَهُمْ، وَنَزَلُوا إِلَى قَاعَةِ الْأَكْلِ.

فَقَالَ أَحَدُهُمْ: «آهِ لَوْ نَجِدُ مَا نَتَبَلَّغُ بِهِ؛ حَتَّى نَقْدِرَ أَنْ نَنَامَ.»

وَأَقْبَلَ صَاحِبُ الْخَانِ وَوَضَعَ أَمَامَهُمْ صِحَافًا نَظِيفَةً، وَمَلَاعِقَ وَشُوَكًا وَسَكَاكِينَ صَقِيلَةً بَرَّاقَةً، وَسُلْطَانِيَّةً فِيهَا مِنْ صُبَّةِ٢ الْكُرُنْبِ مَا لَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ صَحْفَةً صَغِيرَةً فِيهَا الْقَلِيلُ مِنَ الثَّرِيدِ،٣ وَثَلَاثَ قِطَعٍ مِنَ الْخُبْزِ مُسْتَدِيرَةٍ كَالرِّيَالِ، وَقَالَ لَهُمْ: «يُؤْسِفُنِي أَيُّهَا السَّادَةُ أَلَّا أَجِدَ الْآنَ مَا أُقَدِّمُهُ لَكُمْ غَيْرَ هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ أَمَامَكُمْ، فَهُوَ كُلُّ مَا بَقِيَ فِي مَطْبَخِي»، قَالَ ذَلِكَ وَذَهَبَ لِيَنَامَ.

وَنَظَرَ ثَلَاثَتُهُمْ إِلَى مَا عَلَى الْمَائِدَةِ وَإِلَى بَعْضِهِمُ الْبَعْضَ، وَقَالَ أَحَدُهُمْ: إِنَّهُ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ لَا شَيْءَ.

وَفَكَّرَ أَوْسَعُهُمْ حِيلَةً فِي وَسِيلَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ تُنِيلُهُ كِفَايَتَهُ مِنَ الطَّعَامِ، فَقَالَ: «أَلَمْ يَبْلُغْكُمْ أَنَّ صَدِيقَنَا إِبْرَاهِيمَ سَيُجَنَّدُ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ؟»

وَقَالَ الصَّدِيقَانِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَى الدَّهْشَةِ: «وَلِمَ ذَلِكَ؟»

فَقَالَ ثَالِثُهُمْ، وَكَانَ أَدْهَاهُمْ:٤ «لِأَنَّنَا سَنُعْلِنُ الْحَرْبَ عَلَى الصِّينِ؛ لِأَنَّ إِمْبَراطُورَهَا قَدْ فَرَضَ ضَرِيبَةً عَلَى الشَّايِ الَّذِي تُصَدِّرُهُ بِلَادُهُ إِلَيْنَا.»

قَالَ ذَلِكَ وَتَرَكَ صَاحِبَيْهِ يَتَجَادَلَانِ بِكُلِّ حِدَّةٍ وَحَمَاسٍ، وَيَتَنَاقَشَانِ وَيَتَبَادَلَانِ الْآرَاءَ فِي رَسْمِ خُطَّةِ الْحَرْبِ، وَتَوْزِيعِ الْجُيُوشِ، وَتَعْيِينِ الْقُوَّادِ، حَتَّى يَخْلُوَ لَهُ جَوُّ الْمَائِدَةِ؛ لِيَلْتَهِمَ كُلَّ مَا عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى قَرَارٍ نِهَائِيٍّ يَضْمَنُ لِدَوْلَتِهِمَا النَّصْرَ عَلَى الْإِمْبَراطُورِيَّةِ الصِّينِيَّةِ، وَالْحُصُولَ عَلَى شَايِهَا بِأَرْخَصِ الْأَسْعَارِ.

١  نزل عربية، أما خان أو فندق فإنهما دخيلتان.
٢  وهي الشوربة باللغة الدارجة.
٣  الثريد: الخبز يُفَتُّ ثم يُبَلُّ بالمَرَق.
٤  الدهاء: جودة الرأي والمكر والاحتيال، ورجل داهٍ أي جيد الرأي، وداهية (بالتاء المربوطة) للمبالغة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤