الْحَجَرُ يَغَارُ مِنَ الْمَطَرِ

وَصَاحَ الْحَجَرُ قَائِلًا: مَا كُلُّ هَذِهِ الضَّجَّةُ الَّتِي يُثِيرُونَهَا حَوْلَ زِيَارَةٍ قَصِيرَةٍ لِمُزْنَةٍ١ سَوْدَاءَ عَابِرَةٍ، صَحِبَتْهَا دَفْقَةٌ٢ مِنَ الْمَطَرِ الْغَزِيرِ لَمْ تَدُمْ سِوَى سَاعَاتٍ مَعْدُودَاتٍ، يَعُدُّونَهَا٣ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَالْبَرَكَاتِ الَّتِي تُغْدِقُهَا٤ الطَّبِيعَةُ عَلَى الْأَرْضِ.

أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَضَتْ عَلَيَّ أَجْيَالٌ وَقُرُونٌ لَا عَدَّ وَلَا حَصْرَ لَهَا، وَأَنَا رَاقِدٌ هُنَا، وَادِعًا مُسْتَكِينًا، دُونَ أَنْ أَحْظَى فِي كُلِّ حَيَاتِي الطَّوِيلَةِ بِرُؤْيَةِ مَنْ يَهْتَمُّ بِتَوْجِيهِ كَلِمَةِ شُكْرٍ أَوْ عِبَارَةِ ثَنَاءٍ.

حَقًّا إِنَّ هَذَا لَظُلْمٌ فَادِحٌ!

وَإِذْ سَمِعَتْهُ الدُّودَةُ الْحَكِيمَةُ، صَاحَتْ فِيهِ قَائِلَةً: صُنْ لِسَانَكَ عَنْ هَذَا الْهُرَاءِ،٥ يَا صَاحِ، وَلَا تَتَذَمَّرْ، وَاعْلَمْ أَنَّ دَفْقَةَ الْمَطَرِ الَّتِي صَحِبَتْ زِيَارَةَ الْمُزْنَةِ السَّوْدَاءِ الْقَصِيرَةِ الْأَمَدِ، قَدْ أَحْيَتْ مَا كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ عَطَشًا؛ مِنَ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، هَذَا مَا فَعَلَتْهُ الْمُزْنَةُ السَّوْدَاءُ فَجَعَلَتِ النَّاسَ يَضِجُّونَ بِالْهُتَافِ لَهَا.

وَالْآنَ خَبِّرْنِي بِرَبِّكَ عَمَّا أَسْدَيْتَهُ أَنْتَ إِلَى هَؤُلَاءِ النَّاسِ فِي أَثْنَاءِ كُلِّ هَذِهِ الْعُصُورِ وَالْأَجْيَالِ الَّتِي قَضَيْتَهَا عِنْدَهُمْ، حَتَّى تَنْتَظِرَ مِنْهُمْ أَنْ يَلْهَجُوا بِحَمْدِكَ؟

وَثِقْ أَنَّ وُجُودَكَ هُنَا سَوَاءٌ لِدَيْهِمْ وَالْعَدَمُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَكُلُّ مَنْ لَا خَيْرَ مِنْهُ يُرْتَجَى
إِنْ جَاءَ٦ أَوْ رَاحَ عَلَى حَدٍّ سَوَا
١  سحابة ذات مطر.
٢  الدَّفقة: الدفعة الواحدة.
٣  يحسبونها.
٤  أغدق: أي أعطى بغزارة وسخاء.
٥  الكلام الكثير الفاسد الذي لا نظام له.
٦  أصله: إن عاش أو مات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤