حَامِيهَا حَرَامِيهَا

يُحْكَى١ أَنَّ قَرَوِيًّا تَقَدَّمَ إِلَى شِحْنَةِ٢ الْقَرْيَةِ يَشْكُو حَمَلًا أَكَلَ فَرْخَتَيْنِ مِنْ دَجَاجَاتِهِ، وَأُحِيلَتْ قَضِيَّتُهُ إِلَى الْمَحْكَمَةِ.
وَكَانَ قَاضِيهَا يُدْعَى أَبَا الْحُصَيْنِ٣ مِنْ أَهَالِي النَّاحِيَةِ.
وَقَالَ الْقَرَوِيُّ إِنَّهُ ذَهَبَ بَاكِرًا فِي يَوْمِ الْحَادِثَةِ إِلَى خُمِّ٤ دَجَاجِهِ، فَوَجَد الْحَمَلَ الْمُتَّهَمَ هُنَاكَ يَغُطُّ فِي نَوْمِهِ، وَتَفَقَّدَ دَجَاجَتَيْنِ مِنْ دُجُجِهِ٥ كَانَ يَخْتَصُّهُما بِعِنَايَتِهِ، فَلَمْ يَجِدْ سِوَى رِيشِهِمَا وَبَعْضِ عِظَامِهِمَا، وَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّهِمَ أَحَدًا سِوَى الْحَمَلِ الَّذِي بَاتَ فِي الْخُمِّ، وَدَفَعَ الْحَمَلُ التُّهْمَةَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ أَمْضَى كُلَّ اللَّيْلِ مُسْتَغْرِقًا فِي النَّوْمِ فِي بَيْتِ الدَّجَاجِ كَعَادَتِهِ؛ لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاكِنِينَ هُنَاكَ مِنْ أَوَاصِرِ الْأُلْفَةِ وَالْوِدَادِ، لِانْعِدَامِ أَسْبَابِ الْعَدَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَطَلَبَ اسْتِدْعَاءَ الْجِيرَانِ، وَكُلِّ أَهْلِ الضَّيْعَةِ؛ لِكَيْ يُقَرِّرُوا أَمَامَ الْمَحْكَمَةِ مَا يَعْلَمُونَهُ عَنْ أَخْلَاقِهِ وَسِيرَتِهِ، حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَلْبُ حَضْرَةِ الْقَاضِي إِلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ هَذِهِ التُّهْمَةِ الشَّنِيعَةِ، وَعِلاوَةً عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقَرِّرُ أَمَامَ الْمَحْكَمَةَ أَنَّهُ لَمْ يَذُقْ لَحْمًا، لَا هُوَ وَلَا أَجْدَادُهُ؛ لِأَنَّ مِعَدَهُمْ لَا تَهْضِمُهُ، وَأَسْنَانَهُمْ لَا تَقْوَى عَلَى مَضْغِهِ.
وَأَنْصَتَ الْقَاضِي بِكُلِّ جَوَارِحِهِ إِلَى أَقْوَالِ الْمُتَّهَمِ ثُمَّ أَطْرَقَ مُتَظَاهِرًا بِالتَّفْكِيرِ الْعَمِيقِ، ثُمَّ هَزَّ رَأْسَهُ، شَأْنَ الْأَسُوفِ،٦ وَحَدَّدَ نَظَرَهُ إِلَى الْحَمَلِ، وَنَطَقَ بِالْحُكْمِ قَائِلًا: «إِنَّ الْمَحْكَمَةَ لَا يَسَعُهَا قَبُولُ دِفَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ فَكُلُّ الْمُجْرِمِينَ يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَسْتُرُونَ جَرَائِمَهُمْ؛ لِيُبَرِّئُوا أَنْفُسَهُمْ، وَبِاعْتِرَافِ الْمُتَّهَمِ ذَاتِهِ قَدْ ثَبَتَ لِلْمَحْكَمَةِ أَنَّهُ قَضَى لَيْلَةَ الْحَادِثَةِ فِي بَيْتِ الدَّجَاجِ، وَأَنَّهُ نَامَ هُنَاكَ نَوْمًا هَنِيئًا، طَبْعًا، بَعْدَمَا أَشْبَعَ شَهْوَتَهُ بِأَكْلِ لَحْمِ فَرِيسَتَيْهِ، وَكُلُّنَا نَعْرِفُ مَا لِلَذَّةِ لَحْمِ الْفرَاخِ مِنْ إِغْرَاءٍ جَامِحٍ، فَبِنَاءً عَلَيْهِ، أَرَى — مِنَ الْعَدْلِ — أَنْ أَحْكُمَ عَلَى الْمُتَّهَمِ بِالذَّبْحِ، وَأَنْ تَسْتَوْلِيَ الْمَحْكَمَةُ عَلَى جُثَّتِهِ، أَمَّا جَزَّتُهُ فَيُعْطَاهَا الْمُدَّعِي تَعْوِيضًا عَنْ دَجَاجَتَيْهِ، وَليَحْيَ الْعَدْلُ!»
١  العنوان الروسي لهذه الأحدوثة هو: «لمَّا يكون الثعلب قاضيًا».
٢  المعروفون بالبوليس.
٣  أبو الحصين: كُنية الثعلب.
٤  قفص الدجاج، وقد استعرناها لبيت الدجاج المعروف في مصر وسوريا بلفظة «خُن» الدارجة.
٥  جمع دجاجة، أما لفظة دجاج فإنها اسم النوع.
٦  الأسوف: الرَّقيق القلب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤