الْمُوسِيقِيُّونَ

تَفَاهَمَ تَيْسٌ أَشْقَرُ، وَحِمَارٌ أَحْمَرُ، وَدُبٌّ أَسْمَرُ، وَقِرْدٌ أَبْتَرُ، عَلَى تَأْلِيفِ جَوْقَةٍ مُوسِيقِيَّةٍ، وَحَصَلُوا عَلَى كُلِّ مَا يَلْزَمُ لِلشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ مِنْ آلَاتٍ، وَمُجَسَّدَاتٍ،١ وَحَامِلَاتِ الْمُجَسَّدَاتِ وَالْمَقَاعِدِ وَاتَّخَذُوا مَجْلِسَهُمْ تَحْتَ شَجَرَةِ «زَيْزَفُون» وَارِفَةٍ عِنْدَ مُلْتَقَى الطُّرُقِ، وَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِهِمُ الْمُقَامُ، طَفِقُوا يَعْزِفُونَ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ آلَاتِ الطَّرَبِ لِتَشْنِيفِ الْآذَانِ.

فَصَاحَ الْقِرْدُ قَائِلًا: «رُويدكُمْ أَيُّهَا الرِّفَاقُ؛ لِأَنِّي أَشْعُرُ أَنَّ ضَوْضَاءَ مُوسِيقَانَا مُزْعِجَةٌ حَقًّا، أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ وَضَعَ الْمُسْتَمِعُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ؟ لَعَلَّنَا إِنْ نَحْنُ بَدَّلْنَا مَوَاضِعَنَا يَتَحَسَّنُ عَزْفُنَا.

فَيَا أَخِي الدُّبَّ، تَعَالَ وَاجْلِسْ هُنَا أَمَامَ أَخِينَا التَّيْسِ، وَأَنَا أَجْلِسُ هُنَاكَ خَلْفَ زَمِيلِنَا الْحِمَارِ.»

وَلَمَّا انْتَظَمَ مَجْلِسُهُمْ أَخَذُوا يُوقِّعُونَ عَلَى آلَاتِهِمْ أَلْحَانًا تُزْعِجُ الشَّيَاطِينَ.

فَنَهَقَ الْحِمَارُ، ثُمَّ قَالَ: «أَرَى أَنِّي قَدِ اكْتَشَفْتُ سِرَّ هَذِهِ الْفَوْضَى فِي مُوسِيقَتِنَا، فَإِذَا غَيَّرْنَا وَضْعَنَا، وَجَلَسْنَا جَنْبًا لِجَنْبٍ، لَا بُدَّ أَنَّ عَزْفَنَا يَصِلُ إِلَى دَرَجَةٍ مِنَ الْإِتْقَانِ، تُرْضِي كُلَّ الْآذَانِ.»

وَجَلَسَ الْأَرْبَعَةُ كَمَا اقْتَرَحَ الْحِمَارُ، وَبَدَءُوا يُوقِّعُونَ أَنْغَامًا مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ.

وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِتَبَادُلِ اللَّوْمِ وَالشَّتْمِ، وَسَمِعَ صَخَبَهُمْ عَنْدَلِيبٌ كَانَ جَاثِمًا فِي أَعْلَى فَرْعٍ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَاقْتَرَبَ مِنْهُمْ، وَلَمَّا رَأَوْهُ رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ نَحْوَهُ، وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ، بِصِفَتِهِ مُوسِيقَار الطُّيُورِ الْأَشْهَر، أَنْ يُرْشِدَهُمْ إِلَى الْوَضْعِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَتَّخِذُوهُ فِي جُلُوسِهِمْ لِكَيْ يَضْمَنُوا حُسْنَ الْعَزْفِ عَلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ آلَاتٍ مُوسِيقِيَّةٍ لَا بَأْسَ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ سَبَبَ فَشَلِهِمْ يَرْجِعُ إِلَى جَهْلِهِمْ هَذَا الْأَمْرَ فَقَطْ.

•••

وَنَظَرَ إِلَيْهِمُ الْعَنْدَلِيبُ مِنْ مَجْثَمِهِ، وَهَزَّ رَأْسَهُ أَسَفًا وَحَسْرَةً، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا الرِّفَاقُ الْأَعِزَّاءُ، يُؤْسِفُنِي جِدًّا أَنْ أُجِيبَكُمْ بِمَا يُخَيِّبُ أَمَلَكُمْ؛ فَقَدْ قَالُوا: «حَقٌّ يَضُرُّ، خَيْرٌ مِنْ بَاطِلٍ يَسُرُّ»، أَو «الْحَقُّ خَيْرُ مَا يُقَالُ.»

فَإِنَّ الَّذِي كَانَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْلَمُوهُ، قَبْلَ التَّفْكِيرِ فِي تَأْلِيفِ فِرْقَتِكُمْ، هُوَ أَنَّ الْمُوسِيقَى فَنٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْسِنَهُ إِلَّا الَّذِينَ دَرَسُوهُ وَمَارَسُوهُ مِنْ أَصْحَابِ الذَّوْقِ السَّلِيمِ، أَمَّا نِظَامُ جُلُوسِ أَفْرَادِ الْفِرْقَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقَدِّمُ وَلَا يُؤَخِّرُ عَلَى مَا أَعْلَمُ!»

١  المجسَّدة، وجمعها مجسدات، كلمة اختارها مجمع فؤاد الأول للغة العربية لتستبدل بها كلمة «نوتة موسيقية».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤