الْغَنَمُ وَالذِّئَابُ

مُنْذُ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَغَلْغِلَةِ فِي الْقِدَمِ، وَالصِّرَاعُ قَائِمٌ بِلَا هَوَادَةٍ بَيْنَ قَبَائِلِ الْغَنَمِ وَعَشَائِرِ الذِّئَابِ.

وَكَانَتْ كِفَّةُ الظَّفَرِ — دَائِمًا أَبَدًا — رَاجِحَةً فِي نَاحِيَةِ الذِّئَابِ الْمُفْتَرِسَةِ، الَّتِي لَا نَفْعَ مِنْهَا يُرْتَجَى؛ ذلك لأن الطَّبِيعَةَ الْعَمْيَاءَ قَدْ سَلَّحَتْهَا اعْتِبَاطًا بِأَفْضَلِ مُعِدَّاتِ الْهُجُومِ وَالدِّفَاعِ، بَيْنَمَا حَرَمَتِ الْغَنَمَ الْوَادِعَ، النَّافِعَ بِصُوفِهِ وَلَبَنِهِ وَلَحْمِهِ، مُعِدَّاتِ الْهُجُومِ، وَلَمْ تُزَوِّدْهُ إِلَّا بِأَضْعَفِ مُعِدَّاتِ الدِّفَاعِ.

وَلَمَّا ضَاقَتِ الْغَنَمُ ذَرْعًا بِهَذَا الظُّلْمِ الصَّارِخِ، الْتَجَأَتْ إِلَى الزُّعَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ، تَطْلُبُ الْعَوْنَ وَالتَّدْبِيرَ لِوَضْعِ حَدٍّ لِهَذِهِ الْحَالِ؛ الَّتِي لَا يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهَا.

وَأَظْهَرَ الزُّعَمَاءُ اهْتِمَامَهُمْ بِالْأَمْرِ، وَعَطْفَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَاجْتَمَعُوا وَتَشَاوَرُوا وَتَبَاحَثُوا وَتَنَاقَشُوا، وَبَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي تَمَكَّنُوا مِنْ جَعْلِ رُؤَسَاءِ عَشَائِرِ الذِّئَابِ يَرْضَوْنَ بِحُضُورِ مَجْلِسِهِمْ لِلِاسْتِئْنَاسِ بِرَأْيِهِمْ؛ إِذْ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ أَنْ نَعْتَرِفَ بِمَا لِبَعْضِهِمْ مِنَ الْعَوَاطِفِ الطَّيِّبَةِ، وَالزُّهْدِ فِي لُحُومِ الضَّأْنِ، إِلَّا عِنْدَمَا يَعَضُّهُمُ الْجُوعُ بِأَنْيَابِهِ.

وَانْعَقَدَتِ الْجَلْسَةُ بِحُضُورِ نُوَّابِ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، وَأَدْلَى كُلٌّ بِرَأْيِهِ، وَبَعْدَ الْأَخْذِ وَالرَّدِّ تَقَرَّرَ بِالْإِجْمَاعِ الْمُوَافَقَةُ عَلَى سَنِّ قَانُونٍ اقْتَرَحَهُ زُعَمَاءُ الذِّئَابِ.

وَإِلَيْكَ نَصُّهُ، كَمَا وَرَدَ فِي مَحْضَرِ وَقَائِعِ الْجَلْسَةِ، بَعْدَ الدِّيبَاجَةِ: «… فَإِذَا اجْتَرَأَ أَحَدُ الذِّئَابِ عَلَى مُضَاَيقَةِ قَطِيعٍ مُسَالِمٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَتَمَادَى حَتَّى هَاجَمَ شَاةً قَاصِدًا إِلَى افْتِرَاسِهَا، فَيُصْبِحُ لِتِلْكَ الشَّاةِ مُطْلَقُ الْحَقِّ، ارْتِكَانًا عَلَى هَذَا الْقَانُونِ، فِي أَنْ تُمْسِكَ بِتَلَابِيبِ هَذَا الذِّئْبِ الْمُعْتَدِي، وَتَجُرَّهُ إِلَى الْمَحْكَمَةِ؛ لِيَنَالَ الْجَزَاءَ الْعَادِلَ، إلخ …»

•••

وَبِرَغْمِ قِيَامِ هَذَا الْقَانُونِ الْعَادِلِ … فَإِنَّنَا مَا زِلْنَا نَرَى وَنَسْمَعُ: أَنَّ الذِّئَابَ هِيَ الَّتِي مَا بَرِحَتْ تَفْتَرِسُ الْغَنَمَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤