الذِّئْبُ وَجَرْوُهُ
         
         
         
            			لَمَّا رَأَى الذِّئْبُ أَنَّ جَرْوَهُ الْعَزِيزَ قَدِ اشْتَدَّ سَاعِدُهُ، وَحَانَ
            وَقْتُ تَعْلِيمِهِ وَتَدْرِيبِهِ وَتَثْقِيفِهِ، بَدَأَ يَسْتَصْحِبُهُ فِي رَوْحَاتِهِ
            وَجَيْآتِهِ وَبَعْضِ غَزَوَاتِهِ، وَلَمْ يَدَّخِرْ وُسْعًا فِي تَلْقِينِهِ مَا يَجِبُ
            أَنْ يُلِمَّ بِهِ؛ كَيْ يَسْتَطِيعَ خَوْضَ مُعْتَرَكِ الْحَيَاةِ لِكَسْبِ قُوتِهِ
            وَقُوتِ عِيَالِهِ.
            				
         
         
         
            				وَفِي صَبَاحِ أَحَدِ الْأَيَّامِ، أَرْسَلَهُ إِلَى ضَوَاحِي الْغَابَةِ، عَسَاهُ
            يَجِدُ
            فُرْصَةً سَانِحَةً لِاقْتِنَاصِ خَرُوفٍ يَتَصَبَّحُونَ
١ بِهِ، وَعَادَ الْجَرْوُ يَتَقَمَّزُ فَرَحًا، وَقَالَ لِأَبِيهِ: تَعَالَ
            حَالًا، كَيْ أُرِيَكَ مَصَادًا
٢ قَرِيبًا نَجِدُ فِيهِ صُبْحَةً
٣ شَهِيَّةً، فَقَدْ رَأَيْتُ عِنْدَ مُنْعَطَفِ الْوَادِي قَطِيعًا، كُلُّ
            خِرْفَانِهِ سَمِينَةٌ، فَأَسْرِعْ وَتَعَالَ مَعِي؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا عَلَيْنَا عَمَلُهُ،
            هُوَ الِاخْتِيَارُ، ثُمَّ الْخَطْفُ، ثُمَّ الْأَكْلُ …
            					
         
            			وَقَالَ الْأَبُ لِابْنِهِ: «مَهْلًا يَا وَلَدِي الْعَزِيز! وَخَبِّرْنِي أَوَّلًا
            مَاذَا عَرَفْتَ عَنْ رَاعِي هَذَا الْقَطِيعِ؟»
            				
         
         
         
            			فَقَالَ الِابْنُ: «قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ رَاعٍ دَائِمُ الْيَقَظَةِ، وَأَنَّهُ
            يَرْعَى
            غَنَمَهُ بِكُلِّ فِطْنَةٍ وَنَشَاطٍ، وَلَكِنِّي جُلْتُ حَوْلَ الْقَطِيعِ، وَفَحَصْتُهُ،
            وَاخْتَبَرْتُ كِلَابَ حِرَاسَتِهِ، وَهُمْ قَلِيلُو الْعَدَدِ؛ فَلَمْ أُعِرْهُمْ أَقَلَّ
            اهْتِمَامٍ؛ لِأَنَّهُمْ لِفَرْطِ سِمَنِهِمْ وَكَسَلِهِمْ، لَا يُخْشَى
            بَأْسُهُمْ.»
            				
         
         
         
            				فَهَزَّ الذِّئْبُ رَأْسَهُ، وَهَمْهَمَ
٤ قَائِلًا: «إِنَّ مَا ذَكَرْتَهُ يَا بُنَيَّ لَا يُغْرِينِي بِمُدَاعَبَةِ
            حَظِّنَا مَعَ هَذَا الْقَطِيعِ؛ لِأَنَّكَ قُلْتَ: إِنَّ رَاعِيَهُ فَطِينٌ حَكِيمٌ،
            وَبِمَا أَنَّهُ كَذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُ عَرَفَ كَيْفَ يَخْتَارُ الْكِلَابَ
            الصَّالِحَةَ لِحِرَاسَةِ خِرْفَانِهِ، وَهَيَّا بِنَا أَدُلُّكَ عَلَى قَطِيعٍ آخَرَ،
            يَحْرُسُهُ عَدَدٌ وَافِرٌ مِنَ الْكِلَابِ؛ وَلِأَنِّي أَعْرِفُ أَنَّ رَاعِيَهُ غَبِيٌّ
            قَلِيلُ الْفِطْنَةِ، فَلَسْتُ أَخْشَى كِلَابَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ
            يَخْتَارُهَا.
            					
         
            			فَحَيْثُمَا تَجِدُ أَنَّ الرَّاعِي عَدِيمُ الْفِطْنَةِ فَكُنْ وَاثِقًا مِنْ أَنَّ
            كِلَابَهُ لَا يُخْشَى بَأْسُهَا.»