الْأَفْعَى الشِّرِّيرَةُ

اخْتَبَأَتِ الْأَفْعَى فِي كُومَةِ حَطَبٍ، وَأَخَذَتْ تَتَذَمَّرُ وَتجَدِّفُ عَلَى رَبِّهَا، وَتَشْكُو قَسْوَةَ الْعَالَمِ وَشَرَّهُ، وَكَانَتْ عَيْنَاهَا تَقْدَحَانِ شَرَرَ الْكُرْهِ وَالْبُغْضِ وَالْحِقْدِ، الْمُنْبَعِثِ مِنْ طَبِيعَتِهَا الشِّرِّيرَةِ، فَتَرَاهُ مُنْعَكِسًا عَلَى كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا.

وَفِيمَا هِيَ كَذَلِكَ؛ إِذْ مَرَّ بِقُرْبِ مَكْمَنِهَا حَمَلٌ وَدِيعٌ لَعُوبٌ، وَلَمْ يَفْطنْ لِمَا خَبَّأَهُ لَهُ الْقَدَرُ، إِلَّا عِنْدَمَا أَحَسَّ بِأَنْيَابِ الْحَيَّةِ الْخَبِيثَةِ تَنْهَشُ رَقَبَتَهُ.

فَأَنَّ الْمِسْكِينُ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ، وَصَرَخَ قَائِلًا: «مَا ذَنْبِي حَتَّى يَقْسُوَ عَلَيَّ قَلْبُكِ هَكَذَا؟»

فَأَجَابَتْهُ الْحَيَّةُ قَائِلَةً: «مِنْ أَيْنَ لِي أَنْ أَعْرِفَ ذُنُوبَكَ، أَوْ مَا كُنْتَ تُبَادِرُنِي بِهِ لَوْ كُنْتُ تَرَكْتُكَ وَشَأْنَكَ؟! وَمِمَّا لَا أَشُكُّ فِيهِ، هُوَ أَنَّنِي لَوْ لَمْ أُبَادِرْكَ لَكُنْتَ نَفَّذْتَ فِيَّ مَا حَضَرْتَ إِلَى هُنَا لِأَجْلِهِ؛ وَلِأَنِّي وَاثِقَةٌ مِنْ أَنَّكَ جِئْتَ لِقَتْلِي، عَاجَلْتُكَ وَسَبَقْتُ؛ فَبَدَأْتُ بِقَتْلِكَ حَتَّى لَا أَنْدَمَ عِنْدَمَا لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.»

وَقَالَ الْحَمَلُ الْمِسْكِينُ، وَهُوَ يَلْفِظُ نَفَسَهُ الْأَخِيرَ: «إِنِّي أُؤَكِّدُ لَكِ أَنَّكِ مُخْطِئَةٌ، وَقَدْ أَسَأْتِ ظَنَّكِ بِي!»

«وَكُلُّ إِنَاءٍ بِمَا فِيهِ يَنْضَحُ!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤