الْبِرْمِيلُ يَنْضَحُ بِمَا كَانَ فِيهِ

اسْتَعَارَ جَارٌ مِنْ جَارِهِ بِرْمِيلًا لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ، فَأَعَارَهُ بِرْمِيلَهُ الَّذِي كَانَ يَسْتَعْمِلُه فِي نَقْلِ مَاءِ شُرْبِهِ أَوْ خزنِهِ.

وَرَدَّ الْجَارُ الْبِرْمِيلَ بَعْدَ أَنْ قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَمَلَأَهُ صَاحِبُهُ مَاءً زُلَالًا؛ لِيَشْرَبَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ غَسَلَهُ بِكُلِّ عِنَايَةٍ؛ كَيْ يُنَظِّفَهُ مِمَّا عَلِقَ بِهِ مِنْ ثُفْلِ الْخَمْرِ الَّذِي كَانَ الْجَارُ قَدْ خَمَّرَهُ فِيهِ، وَعِنْدَمَا اسْتَقَى مِنَ الْبِرْمِيلِ وَجَدَ طَعْمَ الْخَمْرِ وَرَائِحَتَهُ قَدْ أَفْسَدَا الْمَاءَ، فَمَجَّ بِهِ مِنْ فَمِهِ، وَدَلَقَ — صَبَّ — مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْبِرْمِيلِ، وَأَعَادَ غَسْلَهُ بِالْمَاءِ السَّاخِنِ وَالصَّابُونِ الْكَثِيرِ، وَبِكُلِّ مَا خَطَرَ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ مِنْ وَسَائِلِ التَّطْهِيرِ وَالتَّنْظِيفِ، ثُمَّ مَلَأَهُ، وَجَرَّبَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَائِهِ، وَلَكِنَّهُ وَجَدَ أَنَّ الْبِرْمِيلَ لَمْ يَزَلْ يَنْضَحُ بِطَعْمِ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْخَمْرِ، وَعَبَثًا كَرَّرَ عَمَلِيَّاتِ التَّنْظِيفِ، وَلَمَّا أَعْيَتْهُ الْحِيَلُ، اضْطُرَّ إِلَى بَيْعِهِ بِأَبْخَسِ الْأَثْمَانِ؛ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهُ.

•••

وَفِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ عِظَةٌ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْمُرَبِّينَ، يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَحُطُّوا مِنْ قَدْرِهَا، فَالْعَقْلُ كَالْبِرْمِيلِ، لَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْ رَائِحَةِ مَا تَضَعُهُ فِيهِ، خَلًّا كَانَ أَوْ خَمْرًا؛ أَيْ: خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا.

فَلَا تَسْمَحُوا لِفِلْذَةِ أَكْبَادِكُمْ أَنْ يَنْغَمِسُوا فِي تَعَالِيمَ ضَارَّةٍ، لَا بُدَّ وَأَنْ تَعْلَقَ بِعُقُولِهِمْ وَنُفُوسِهِمْ إِلَى آخِرِ رَمَقٍ مِنْ حَيَاتِهِمْ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤