الفصل الثالث

في الأحداث السياسية والعسكرية منذ السنة السادسة للهجرة إلى وفاة النبي

(١) في السنة السادسة

كان أجمل الأحداث العسكرية في هذه السنة غزوة الحديبية وبيعة الرضوان. والحديبية على مقربة من مكة، خرج إليها الرسول أول ذي القعدة في ألف وخمسمائة رجل، فلما وصلها بَعَثَ عثمان بن عفان رسولًا ليعرِّفهم أن الرسول لم يأتِ إلا للزيارة والعمرة، فاحتبسته قريش عن الدخول إلى الكعبة، وشاع أن قريشًا قتلت عثمان، فدعا الرسول الناس إلى بيعة الرضوان تحت الشجرة على الموت والشهادة في سبيل الله وألا يفرُّوا. ثم خافت قريش، وجاء رسول من أهل مكة، وهو سهيل بن عمرو، فوادعَ النبيَّ على صلح عشرة أعوام، وأن يرد الرسول من يأتيه من قريش مسلمًا بدون إذن وليِّه، وألا تُلزَم قريش بردِّ من يأتي إليها من عند محمد، وأن من أحب الدخول في عهد محمد فليدخل، ومن أحب الدخول في عهد قريش فله ذلك، وأن يرجع الرسول هذا العام من غير عمرة، وأن يأتي في العام المقبل بعد أن تخرج منها قريش، ويقيم المسلمون بها ثلاثة أيام وليس معهم سلاح إلا السيوف في قرابها.١ وقد صعب هذا الأمر على المسلمين وكَبُر عليهم أن يعودوا من غير اعتمار، وكاد الشيطان أن يفرق كلمة المسلمين؛ فإن الرسول لما أمرهم بالنحر لم يَقُم منهم أحدٌ، ثم دخل على أم سلمة فشكى إليها ما لقي من المسلمين، فقالت له: يا نبيَّ الله، اخرج ولا تكلِّم أحدًا حتى تنحر بدنتك وتحلق. ففعل ما قالته، فقام الناس ففعلوا مثله، ثم عاتب المسلمين ورجع إلى المدينة، وانتهز هذه الفرصة لنشر الإسلام وتبليغ الرسالة والعمل على تنظيم شئون المدينة. وقد عدَّ الزهري هذا الصلح فتحًا عظيمًا للإسلام؛ إذ يقول: «فما فُتح في الإسلام فتحٌ قبله أعظم منه … فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها وآمن الناس كلهم بعضهم بعضًا فالتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه؛ فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر …»٢ وفي هذه الغزوة نزل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وفي هذه الغزوة نزلت سورة الفتح فتسلى المسلمون بها بعد أن ضايقتهم شروط الصلح القاسية، وعلموا أنها إيذان بفتح مكة، وأنهم لا بد داخلوها آمنين محلقين.

(١-١) مراسلة الملوك

بعد عودة الرسول إلى المدينة راسل الملوك في أنحاء العالم المتمدن، واتخذ خاتمًا من فضَّة نقشه «محمد رسول الله»، فكتب إلى قيصر الروم، ولأمير بصرى الشام، وأمير دمشق الحارث بن أبي شمر الغساني، والمقوقس صاحب مصر، والنجاشي صاحب الحبشة، وكسرى ملك الفرس، والمنذر بن ساوى هوذة بن علي ملك اليمامة، وجعيفر وعبد ابني الجلندي ملك عمان، فأسلم من أسلم، وكفر من كفر، ورد بعضهم ردًّا لطيفًا، ورد بعضهم ردًّا قبيحًا، وكان شرهم ملك الفرس؛ فقد مزَّق الكتاب استكبارًا.٣

(٢) وفي السنة السابعة

غزا الرسول خيبر، وهي مدينة ذات حصون ومزارع تبعد ثمانمائة بريد عن المدينة جهة الشام، وكانت حصونها ثلاثة، وسكانها بنو النضير الذين كانوا أعظم مهيِّج للأحزاب والقبائل ضد النبي يوم الخندق. وقد رأى الرسول أن بقاءهم في الجزيرة مما يفسد عليه أمره، فخرج إليهم في المحرَّم ومعه ألف وستمائة رجل، فلما أتاهم حاصرهم ستة أيام، ثم قال في الليلة السابعة: «لأعطينَّ الراية غدًا رجلًا يحبه الله ورسوله ويفتح على يديه المدينة.» فلما كان الصباح أعطاها عليًّا، فأبلى أحسن بلاء، وشدَّد الحصار حتى فتحها الله على يديه، وغنم المسلمون غنائم عظيمة، وطلب أهل فدك أن يصالحوا النبي ويساقوه بنصف الثمار ويخرجهم متى شاء، وأن يتركوا الأموال، وأن يحقن دماءهم، وجعلت موارد فدك للرسول خالصة من دون المؤمنين؛ لأنه فتحها بلا إيجاف. وانصرف الرسول بعد ذلك إلى وادي القرى وفتحه عنوة، ثم ذهب إلى المدينة فقدم نفرٌ من المسلمين الذين كانوا في الحبشة وفيهم جعفر بن أبي طالب، فقال الرسول مرحبًا به؛ ما أدري بأيهما أُسَرُّ؛ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وفي هذه السنة أمر الرسول أصحابه أن يعمروا عمرة القضاء قضاءً لعمرتهم التي صدَّهم المشركون عنها يوم الحديبية، وألَّا يتخلَّف أحد ممن شهد الحديبية، فلما وصل مرَّ الظهران على مرحلة من مكة وعلمت قريش بمقدمه، بعثت إليه من قال له: يا محمد، ما عُرِفت بالغدر صغيرًا ولا كبيرًا، وإنا لم نُحدِث حدثًا ونحن على عهد معك. فأخبرهم أنه لا يريد إلا العمرة. ولما قرب المسلمون من مكة خرج المشركون إلى رءوس الجبال خشية أن يلتقوا بالمسلمين، فدخل الرسول مكة واعتمر ورجع إلى المدينة بعد أن أقام بمكة ثلاثة أيام.

(٣) وفي السنة الثامنة

كانت وقعة مؤتة، وهي من عمل البلقاء بالشام، وقد كان النبي بعث رسولًا إلى أمير بصرى الشام، فلما وصل مؤتة قتله أهلها، فجهَّز النبي جيشًا من ثلاثة آلاف رجل بإمارة زيد بن حارثة وقال لهم: «سيروا على بركة الله، فإن قُتل زيد فالأمير جعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة.» ثم قال لهم إنهم سيجدون رجالًا حبسوا أنفسهم في الصوامع فلا يتعرضوا لهم، ولا يقتلوا امرأة ولا صغيرًا ولا شيخًا فانيًا، ولا يقطعوا شجرًا. ثم سار زيد بالجيش حتى وصلوا مؤتة، فوجدوا الروم قد جمعوا لهم جموعًا في مائة ألف مقاتل، فقاتلوهم وقتل زيد، فأخذ الراية جعفر فقاتل حتى قُطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله فقُطعت، فاحتضنها ثم قُتل، فأخذها عبد الله فقُتل، وعند ذلك اضطرب المسلمون وخافوا من الانكسار، فأمَّروا عليهم خالد بن الوليد، فقاتل حتى قتل من الأعداء مقتلة عظيمة، وأصاب من الغنائم الكثيرة، وأنقذ هذا الجيش الصغير من الوقوع بمخالب الروم الأشداء الكثيرين، ورجع إلى المدينة، فأثنى النبي عليه.٤

(٣-١) فتح مكة

وفي تلك السنة أيضًا فتح الله مكة، وذلك أن قريشًا نقضت شروط صلح الحديبية؛ لأنهم أعانوا بني بكر التي دخلت في حلفهم على بني خزاعة التي دخلت في حلفٍ مع الرسول، وذلك أن رجلًا خزاعيًّا ضرب آخر بكريًّا؛ لأنه سمعه يسب الرسول، فقررت بكر محاربة خزاعة وطلبوا النجدة من قريش، فأعانتهم سرًّا، ثم دهموا خزاعة على حين غفلة فقتلوا منهم نحوًا من عشرين رجلًا، فلما خبَّروا الرسول بذلك قال: «لأمنعنَّكم مما أمنع منه نفسي.» ثم إن قريشًا ندمت على ما فعلت حين لا ينفعها الندم، فأرسلوا أبا سفيان إلى المدينة ليجدِّد عهد الحديبية ويمدِّده، فأتى الرسول وهو في المسجد فقال له: «هل من حدث؟» فقال: لا. فقال الرسول: «فنحن على مدتنا وصلحنا.» ورجع أبو سفيان إلى المدينة فاشلًا. أما الرسول فإنه تجهَّز للسفر إلى مكة في عشرة آلاف مجاهد من أهل المدينة وقبائل أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع، وسليم، وبينما كان في طريقه جاءه عمُّه العباس وأبو سفيان بن حرب فأسلما، وأكرمهما الرسول، ودخل الرسول مكة فطاف الكعبة سبعًا، ثم أمر بإزالة الأصنام والتماثيل والأنصاب من الكعبة والمشاعر المقدسة والصور، ومنها صورتا إبراهيم وإسماعيل، وهو يقول: «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا.» وأمَّن الرسول أهل مكة ونادى مناديه: «من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن …»

وكان فتح مكة من أكبر العوامل على إنجاح الدعوة الإسلامية لمكانة الكعبة لدى العرب أجمعين، فسارع كثير منهم إلى الدخول في الإسلام. ولما استقر الرسول في مكة جلس في المسجد الحرام والأبصار خاشعة إليه لترى ماذا سيفعل بمشركي قريش وأعداء الدين الذين آذوه وأخرجوه من بلده الحبيب، فخطب الناس وقال: «أيها الناس، إنَّ الله حرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض؛ فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحلُّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخَّص فيها لقتال رسول الله فقولوا إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم. أُحِلَّت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب … يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء.» ثم أخذ الناس يتوافدون عليه مبايعين مسلمين، ومن أعيان من أسلم في ذلك اليوم معاوية وأبو قحافة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أبي أمية، والحارث بن هشام، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وهند زوج أبي سفيان، وكعب بن زهير.

(٣-٢) غزوة حنين

وفي تلك السنة سار الرسول قبل أن يرجع من فتح مكة ومعه عشرة آلاف من أهل المدينة وألفان من أهل مكة يريد قبيلتَي ثقيف وهوازن، ولما وصلوا حنينًا سمع الرسول بعض المسلمين يقول: لن نُغلب اليوم من قلة. وأُعجِب المسلمون من كثرة عددهم، فصعب ذلك على الرسول، ولما التقوا بعدوِّهم قابلهم بعدد كثير وحزم وقوة، فانهزم المسلمون، ولم يثبت مع الرسول إلا جماعة منهم أبو بكر وعمر وعلي والعباس وأبو سفيان بن الحارث ابن عم الرسول، ثم نادى العباس الأنصار أن ينعطفوا إلى النبي، فتراجعوا وقاتلوا أشد قتال وأصدقه، وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنودًا لم يروها، وقُتل من المشركين أكثر من سبعين وأُسر منهم الكثير، وأخذ المسلمون نساءهم وذراريهم، وقُتل من المسلمين أربعة.

(٣-٣) غزوة الطائف

سار الرسول بمن معه بعد غزوة حنين إلى الطائف لطلب الفارِّين، فوجدهم قد تحصَّنوا فيها وتزوَّدوا زادًا كثيرًا، فلما رأوا المسلمين نضحوهم بالنبال، وأصيب كثير من المسلمين ومات اثنا عشر رجلًا، وبقي الحصار تسعة عشر يومًا، فلم يَفِد ذلك شيئًا، واضطر المسلمون إلى الرجوع عنهم، ومرَّ النبي في رجوعه بالجعرانة حيث ترك سبي حنين، فأقام فيها ثلاثة عشر يومًا، ثم أحرم بعمرة ودخل مكة ليلًا، فطاف واستلم الحجر، ورجع بالجيش من ليلته إلى المدينة، وكان غيابه عنها هذه المرة شهرين وستة عشر يومًا.

(٤) وفي السنة التاسعة

كانت سرية عليٍّ إلى طي: وقد أرسله الرسول في مائة وخمسين مقاتلًا إلى طي، فقاتلهم وغنم سبيًا وغنمًا وهدم الفلس؛ وهو صنم كبير لهم، وكان في السبي سفانة بنت حاتم الطائي، فأكرمها الرسول، فقالت له فيما قالت: شكرتْكَ يدٌ افتقرت بعد غنًى، ولا ملكتك يدٌ استغنت بعد فقر، وأصاب بمعروفك مواضعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة كريم إلا وجعلك سببًا لردها عليه … وقدم عليه عديُّ بن حاتم فأسلم.

(٤-١) غزوة تبوك أو غزوة العسرة

سببُها أن الرسول بلغه أن الروم قد جمعوا جموعًا في الشام بزعامة هرقل يريدون غزو المسلمين في ديارهم، فجمَّع من عرب المدينة ومكة والقبائل العربية جموعًا كبيرة، وطلب من الميسورين أن يجهِّزوا جيشًا، فتبرع عثمان بعشرة آلاف دينار وثلاثمائة بعير وخمسين فرسًا، وتبرع أبو بكر بكل ماله؛ وهو أربعة آلاف درهم، وجاء عمر بنصف ماله، وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية، وجاء العباس وطلحة بمال كثير، وتبرع عاصم بن عدي بتسعين وسقًا من التمر، وأرسل نساء المسلمين بكل ما قدرن عليه من حلِّيهن، ولما تأهب الجيش للخروج قال نفر من المنافقين: لا تنفروا في الحر. فأنزل الله تعالى فيهم قوله: وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ، وجاءه المعذرِّون من الأعراب يستأذنونه فأذن لهم، وقعد آخرون من المنافقين لأسباب واهية ورئيسهم عبد الله بن أبيٍّ، فنزل فيهم قوله تعالى: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ، واستأذن نفر من المنافقين في التخلف فأذن لهم، فنزلت الآية: عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. وقد استخلف الرسول في هذه الغزوة عليًّا على أهله، ومحمد بن مسلمة على المدينة، ثم سار في ثلاثين ألفًا، فلما وصل تبوك لم يجد أحدًا، وقبل انصرافه من تبوك جاءه يوحنا صاحب أيلة ومعه أهل جرباء وأزرح وميناء من بلاد الشام، فصالحوه وأعطوه الجزية، وكتب لهم كتاب الأمان لهم ولأموالهم ما داموا على العهد، ثم استشار الرسول أصحابه في أن يجاوز تبوك، فقال عمر: إن كنتَ أمرت بالسير فسِرْ. فقال الرسول: «لو أمرتُ لم أستشر.» ثم اتفق رأيهم على العودة بعد أن أقاموا في تبوك عشرين يومًا، وبنى الرسول في طريقه عدة مساجد، ولما دنا من المدينة قال الرسول تطييبًا لقلوب المعذرين: «إن في المدينة قومًا ما سرتم سيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم حبسهم العذر.» ولما دخل المدينة سأله العباس أن يمدحه، فقال له: «قل، لا يفضض الله فاك.» فقال قصيدته التي فيها:

وأنت لما ولدت أشرقت اﻟ
أرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي اﻟ
ـنور وسبل إرساله تخترق

(٤-٢) وفود ثقيف

وفي هذه السنة أيضًا وفدت ثقيف فأسلمت ورجعت إلى الطائف راضية مرضية.

(٥) وفي السنة العاشرة

كانت البعثة إلى اليمن؛ فقد أرسل الرسول إلى اليمن بعثةً في ثلاثمائة فارس إلى قبيلة مذحج، وعلى رأسها الإمام علي، وقال له: «سِرْ حتى تنزل في ساحتهم فادعهم إلى قول لا إله إلا الله، فإن قالوا نعم فمرْهُم بالصلاة ولا تبغِ منهم غير ذلك، ولأنْ يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس، ولا تقاتلهم حتى يقاتلوك.» فسار علي حتى وصل إلى مذحج فدعاها إلى الإسلام فأبت فحمل عليها، ثم جاءه شيوخها فعرض عليهم الإسلام فأجابوه ثم قفل راجعًا.

ثم بعث الرسول معاذ بن جبل إلى الكورة العليا من عدن، وأبا موسى الأشعري إلى الكورة السفلى منها، وأمرهما أن يدعُوَا الناس للإسلام وييسِّرا ولا يعسِّرا ويبشِّرا ولا ينفِّرا، وقال لمعاذ: «إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتقِّ دعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.» ثم انطلقَ كلٌّ منهما إلى عمله، فمكث معاذ باليمن إلى أن مات رسول الله، وسار أبو موسى وعاد فشهد حجة الوداع.

(٥-١) إِسلام جمهرة العرب في هذه السنة

في هذه السنة جاءت إلى رسول الله وفود العرب من أقاصي الجزيرة تطلب الإسلام فاعتنقته، ودخل جماهير الناس في دين الله أفواجًا بعد ما جاء النصر والفتح.

(٥-٢) حجة الوداع

وفي هذه السنة أيضًا حجَّ الرسول حجة الوداع، فأتى مكة يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة، وفي الثامن منه ذهب إلى منًى، وفي التاسع توجَّه إلى عرفة، وفيها خطب خطبته المشهورة بخطبة الوداع وخطبة البلاغ التي فيها يقول: «الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأوصيكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير. أما بعد: أيها الناس، اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليها، وإن ربا الجاهلية موضوع، ولكن لكم رءوس أموالكم ولا تَظلمون ولا تُظلمون، قضى الله أن لا ربا، وإن أول ربا أبدأ به هو عمي العباس بن عبد المطلب.

وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به هو دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية.

والعَمْد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية، ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد.

أما بعد: أيها الناس، إن الشيطان قد يئس أن يُعبَد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقِّرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم.

أيُّها الناس، إنما النسيء زيادة في الكفر يُضَل به الذين كفروا، يحلُّونه عامًا ويحرِّمونه عامًا ليواطئوا عدة ما حرَّم الله فيحلُّوا ما حرم الله، ويحرِّموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم؛ ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد.

أما بعد: أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهن حق، لكم عليهم أن لا يُوطئن فرشَكم غيرَكم ولا يُدخِلن أحدًا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، استوصوا بهن خيرًا، ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد.

أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة، ولا يحلُّ لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد. فلا ترجعنَّ بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد.

أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد.»

قالوا: نعم.

قال: «فليبلغ الشاهد الغائب.»

«أيها الناس، إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصية، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر، من ادعى لغير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يُقبل منه صرف ولا عدل.

أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، لا فضل لعجمي على عربي إلا بالتقوى.»٥

وقد بيَّن في هذه الخطبة أصول الدين وفروعه. وفي هذا اليوم أنزل الله عليه قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا، ثم رجع الرسول إلى المدينة.

(٦) السنة الحادية عشرة

(٦-١) بعثة أبنى

لما رجع الرسول من حجة الوداع جهَّز حملة بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة إلى أبنى بالبلقاء، بالقرب من مؤتة، حيث قُتل زيد بن حارثة، وكان في الجيش بعض كبار صحابة الرسول كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص، وكان أسامة شابًّا لم يتجاوز السابعة عشرة، ولم يتم لهذه البعثة أن تسافر لمرض الرسول واشتداد وطأة المرض عليه.

(٦-٢) مرض الرسول

لم يمضِ على حجة الوداع ثلاثة أشهر حتى مرض الرسول بالحمى، فلما اشتد المرض استأذن نساءه أن يمرَّض في بيت عائشة، وأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ولما وجد في يومٍ بعض النشاط خرج متوكئًا على علي والفضل، والعباس أمامهم والنبي معصوب الرأس يخط برجليه حتى جلس في أسفل مرقاة المنبر، ثم نهض فحمد الله وأثنى عليه وقال: «أيها الناس، بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم، هل خلَّد نبيٌّ من قبلي فيمن بُعث فأخلَّد فيكم؟ ألا وإني لاحقٌ بربي وإنكم لاحقون بي، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرًا، وليوصي المهاجرين فيما بينهم؛ فإن الله يقول: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. وإن الأمور تجري بإذن الله، ولا يحملنَّكم استبطاء أمرٍ على استعجاله؛ فإن الله عز وجل لا يعجل بعجلة أحد. ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. وأوصيكم بالأنصار خيرًا، فإنهم الذين تبوَّءُوا الدار والإيمان من قبلكم، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم في الثمار؟ ألم يوسعوا لكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن وُلِّي أن يحكم بين رجلين فليقبل من مُحسنهم وليتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وإني فرط لكم وأنتم لاحقون بي، ألا فإن موعدكم الحوض، ألا فمن أحبَّ أن يرده عليَّ فليكفَّ يده ولسانه، إلا فيما ينبغي.»

ولما كان يوم الأحد اشتدَّ الوجع عليه ، ولما دخل يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول المتمم عشر سنين للهجرة، فارقَ الرسول الكريم هذه الدنيا الفانية واختار الرفيق الأعلى، وكان ذلك حين زاغت الشمس، وصادف ذلك يوم ٨ حزيران من سنة ٦٣٢ للميلاد، وهو في الثالثة والستين من عمره.

ولما علم المسلمون بنبأ وفاة الرسول طاش حلمهم، ووقف عمر رافعًا سيفه مهددًا بالقتل من يقول بموت النبيِّ، ولكنه ذهب كما ذهب موسى، وإنه ليرجعنَّ. ثم أقبل أبو بكر وعمر يتكلم في الناس، فلم يلتفت إليه حتى دخل على الرسول وهو مغطًّى بثوبه، فكشف عنه وقال: بأبي أنت وأمي، طِبتَ حيًّا وطِبتَ ميتًا، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوة، فعظمت عن الصفة، وجللت عن البكاء، وخصصت حتى صرت مسلاة، وعممت حتى صرنا فيك سواء، ولو أن موتك كان اختيارًا منك لجُدْنا لموتك بالنفوس، ولولا أنك نهيتَ عن البكاء لأنفذنا عليك ماء الشئون، فأما ما لا نستطيع نفيه عنا فكمدٌ وإدناف يتحالفان ولا يبرحان، اللهم فأبلغه عنا السلام، اذكرنا يا محمد عند ربك، ولنكن من بالك، فلولا ما خلَّفت من السكينة لم نَقُم لما خلَّفت من الوحشة. اللهم أبلغ نبيَّك عنا واحفظه فينا.

ثم خرج إلى الناس وهم يموجون حزنًا وعويلًا، فخطب فيهم هذه الخطبة الحكيمة التي أرجعتهم إلى الصواب، وأثابتهم إلى رشدهم، حين قال: الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وأشهد أن الكتاب كما نزل، وأن الدين كما شرَّع، وأن الحديث كما حدَّث، وأن القول كما قال، وأن الدين هو الحق المبين. أيها الناس، من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وإن الله قد تقدَّم إليكم في أمره، فلا تدعوه جزعًا، وإن الله قد اختار لنبيه عنده على ما عندكم، وقبضه إلى ثوابه، وخلَّف فيكم كتابه، وسنَّة نبيه، فمن أخذ بهما عرف، ومن فرَّق بينهما أنكر. يا أيها الذين آمنوا، كونوا قوامين بالقسط، ولا يشغلنَّكم الشيطان بموت نبيكم، ولا يفتننَّكم عن دينكم، فعاجلوه بالذي تُعجزونه، ولا تستنظرونه فيلحق بكم.٦
ودُفن الرسول يومَي الثلاثاء والأربعاء، وصلَّى الناس عليه أفواجًا: الرجال، والنساء، والأطفال، لا يؤمُّهم أحد. ودُفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، ودفن في المكان الذي تُوفي فيه في جوف الليل، ودخل القبر عليه علي والعباس وولده الفضل وقثم ومولاه شقران، وهم الذين تولَّوا غسله وتكفينه وأمره كله، وحضرهم أوس بن خولي، ولم يكن شيئًا سوى حمل الماء. وكان غسله في قميص من بئر يقال لها قوس ثلاث غسلات بماء وسدر، وجعل عليٌّ على يده خرقة وأدخلها تحت القميص، وحفر له أبو طلحة الأنصاري، ورشَّ قبره الطاهر بالماء بلال مؤذنه، ووضع شقران في حفرته قطيفة نجرانية حمراء أصابها يوم خيبر، وكان رسول الله يلبسها ويفرشها، فطرحها تحته، وقال: لا يلبسها أحدٌ بعدك. وبنى في قبره اللبِن، يقال تسع لبنات، ورفع قبره عن الأرض قدر شبر.٧ ولما فرغوا من دفنه خرجت فاطمة فقالت لعلي: يا أبا الحسن، دفنتم رسول الله؟ قال: نعم. قالت: كيف طابت قلوبكم أن تحثوا التراب عليه، أليس كان نبي الرحمة؟ قال: نعم، ولكن لا مردَّ لأمر الله. فقعدت تندب على رسول الله وتقول: وا أبتاه، وا رسول الله، وا نبي الرحمتاه، الآن لا يأتي الوحي، الآن ينقطع عنا جبريل، اللهم ألحق روحي بروحه، واشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة. وأخذت تربة من تراب رسول الله فشمَّته وأنشأت تقول:
ماذا على مَن شمَّ تربة أحمد
أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صُبت عليَّ مصائب لو أنها
صبت على الأيام صرن لياليا

ومما قالته عائشة في ذلك اليوم: يا مَن لم يشبع من خبز الشعير، يا من اختار الحصير على السرير، يا من لم يَنَم الليل كله من خوف السعير.

ومما قالته صفية بنت عبد المطلب:

ألا يا رسول الله كنت رجاءنا
وكنت بنا برًّا ولم تكُ جافيا
وكنت رحيمًا هاديًا ومعلمًا
ليبكِ عليك اليوم من كان باكيا
كأن على قلبي بذكر محمد
وما خفت من بعد النبي المكاويا
فدًى لرسول الله أمي وخالتي
وعمي وآبائي ونفسي وماليا
فلو أن رب العرش أبقى نبيَّنا
سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
لعمرك ما أبكي النبي لفقده
ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
أفاطم صلى الله رب محمد
على جدثٍ أمسى بيثرب ثاويا
صدقتَ وبلَّغت الرسالة صادقًا
ومُتَّ صليب العود أبلج صافيا
عليك من الله السلام تحية …
وأُدخلت جنات من العدن راضيا٨
١  مجموعة الوثائق السياسية للحيدر أبادي، ص١٣.
٢  الطبري، ٣: ٨١.
٣  مجموعة الوثائق السياسية للحيدر أبادي، ٢٣–٣٩.
٤  سنفصِّل الحديث عن أمر مؤتة في فتوح بلاد الشام أيام أبي بكر.
٥  البيان والتبيين، طبعة مصر سنة ١٣٥١، ٢: ٢٤؛ وسيرة ابن هشام، ص٩٦٨؛ وتاريخ اليعقوبي، ٢: ١٢٢؛ والطبري، ١ ص١٧٥٣.
٦  الطبري، ٣: ١٩٧؛ وابن هشام، ٣: ٤٦٧؛ وزهر الآداب، ١: ٣٥.
٧  انظر تاريخ الخميس، ٢: ١٩١–١٩٣؛ ابن هشام، ٣: ٤٧٦.
٨  انظر تاريخ الخميس، ٢: ١٩١–١٩٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤