الدعوة السنوسية
وصاحِب هذه الدعوة السنوسية السيد محمد بن علي السنوسي الخطَّابي الحسَني الإدريسي، ينحدِر من أسرة عريقة، فهو من سلالة ملوك الأدارسة الذين أسَّسوا الدولة الإدريسية، فمُكِّنوا، بفضل هذا الفتح، من انتشار الإسلام وتوطيد أركانه في الغرب. والمعروف أن أول خلفاء الأدارسة هو إدريس الأكبر ابن عبد الله الكامل بن السيد الحسن المُثنَّى بن الإمام السيد الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب، فكأن نسَب صاحِب الدعوة السنوسية يتَّصل بأحد الخلفاء الذين تولَّوا الخلافة الإسلامية الكبرى، وهو السيد حسن السبط، كما أنه من أحفاد الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وأحد الخلفاء الراشدين وزوج فاطمة الزهراء بنت رسول الله ﷺ.
ونشأ صاحب الدعوة في بيت علمٍ ودين وفضل، هو بيت آل سيدي عبد الله بن الخطَّابي ببلدة مستغانم بالجزائر، حيث وُلِد في ١٢ ربيع الأول ١٢٠٢ﻫ (٢٢ ديسمبر ١٧٨٧م) على ضفتي وادي شلف ومينا من ضواحيها في محلةٍ يُقال لها «الواسطة». وكان أبناء البيت السنوسي كلهم مُنتسبين إلى العلم، فوالدُه وجدُّه وأعمامه وأبناء أعمامه وكثير من نساء هذا البيت الكريم، مثل جدةِ السيدِ لأبيه السيدة الزهراء وعمَّته السيدة فاطمة، كانوا جميعًا علماء، وكانت السيدة فاطمة من فُضليات أهل زمانها، مُتبحِّرة في العلوم منقطعةً للتدريس والوعظ، يحضر دروسَها ومواعيظها الرجال. وكان والده السيد علي يجمع إلى العلم والصلاح والتقوى الفروسيةَ والرماية إلى الدرجة القصوى. ولكن السيد علي لم يلبث أن تُوفِّي وهو في شرخ الشباب بعد عامَين فقط من ازدياد ولدِه، فتولَّت السيدة فاطمة تربيته وتنشئته تنشئةً صالحة. ومن أول الأمر أظهر السيد محمد بن علي شغفًا عظيمًا بتحصيل العلوم، فأخذ يتطلَّب العلوم من ذويها بالحضرة المستغانمية والحضرة المازونية وغيرهما من بلاد الواسطة، فقرأ على السيد محمد السنوسي القرآن الكريم وأتقنه، وأخذ عنه العربية والفقه والحديث والتصوُّف، وكان من العلماء الأجلَّاء الذين درس عليهم السيد محمد بن علي في بلدة مستغانم الشيخ مُحيي الدين ابن شهلة والشيخ عبد الحليم والشيخ محمد بن عبد القادر بن أبي زوينة والسيد عبد القادر ابن عمور وسيدي محمد بن الكندوز (القندوز). وكان سيدي محمد بن الكندوز قد نال شهرةً كبيرة بسبب اعتداده برأيه وابتعاده عن طلَب الزُّلفى لدى الحكام، فأثار مسلكُه هذا حفيظة حاكِم الجزائر في ذلك الوقت «حسن بك»، وكان يبغض «الإخوان» ويجد في السيد محمد بن الكندوز خطرًا من واجبه التخلُّص منه، فقبض عليه وأحضره إلى «مازونة» وأعدمَه في عام ١٨٢٩م. ومما يُذكَر أن سيدي ابن الكندوز عندما بلغَه عزم الحاكم الغدْر به لم يشأ الخروج والنجاة بنفسه، بل قال: «سوف ينزل السوء بمازونة من جرَّاء أخطائه (أي أخطاء حسن بك)، وسوف ينزل بالأتراك السوء بسبب ابن الكندوز.» وتحقَّقت نبوءة سيدي ابن الكندوز عندما أغار الفرنسيون على الجزائر بعد عامٍ واحد وفقدَها الأتراك. وكان لهذا الحادث وقْع عظيم في نفس السيد محمد بن علي السنوسي، فظلَّ من ذلك الحين شديد الحيطة والحذَر من العثمانيين، ولا يستطيع أن يركن إليهم في شيء. وفي «مازونة» درس السيد على الشيخ أبي طالب المازوني، وسيدي محمد بن علي الشارف المازوني، وفي «المعسكرة» كان أستاذه الشيخ أبو راس المعسكري (١٧٥١–١٨٢٣م).
ومما هو جدير بالذِّكر أن السيد في حداثته كان يميل إلى الانزواء والانفراد، يُمضي وقته في التفكير فيما يرى حوله من أحوال الإسلام، وكان وهو في هذه السنِّ شديد الشعور بضرورة العمل من أجل إحياء الملَّة الإسلامية وتوحيد الصفوف في العالم الإسلامي للنهوض بالدين الحنيف نهضةً صحيحة قوية. حدث ذات مرةٍ أن وجدَه بعض الشيوخ جالسًا فوق كثيبٍ من الرمال، تبدو عليه دلائل التفكير العميق، فلمَّا استوضحوه السبب في ذلك كان جوابه أنه إنما يُفكر في حال العالم الإسلامي الذي لا يعدو عن كونه قطيعًا من الغنم لا راعيَ له، على الرغم من وجود سلاطينه وأمرائه ومشايخ طرُقه وعلمائه. فمع أن هناك عددًا كبيرًا من المُرشِدين وعلماء الدين الموجودين في كل مكانٍ فإن العالم الإسلامي لا يزال مفتقرًا أشدَّ الافتقار إلى مرشدٍ حقيقي يكون هدفه سَوق العالم الإسلامي أجمع إلى غايةٍ واحدة ونحو غرَضٍ واحد. والسبب في هذا أن انعدام الغيرة الدينية لدى العلماء والشيوخ وانصرافهم إلى الخلافات القائمة بينهم قد فرَّقتهم شيعًا وجماعات، فأصبحوا لا يُعنَون بنشر العلم والمعرفة ولا يعملون بأوامر الدين الحنيف، وهو دين توحيد أساسُه الاتحاد وجمع الكلمة، زِد على هذا أنَّ على هؤلاء العلماء والشيوخ واجبًا عظيمًا في حق الملة الإسلامية، إذ إن الشعوب المجاورة في السودان والصحراء من أفريقية الغربية لا تزال تعبُد الأوثان، ومع هذا فإنهم بدلًا من وعظ هذه الشعوب الوثنية وإرشادهم إلى الدين القويم ما زالوا يُفضلون القبوع «في كل مسجدٍ من مساجد المعمورة غير عامِلين بعِلمهم لا همَّ لهم إلا راحة أجسامهم، حريصين على لذَّاتهم، غير قائمين بواجبات مراكزهم، لا ضمائر لهم تؤنِّبهم على إهمالهم إرشاد هؤلاء المساكين.» الوثنيِّين. ومع ذلك فقد بلغ السيد من القوافل الواصلة إلى بلده مستغانم أن الإسلام مغلوب على أمره في كلِّ محل، «وأن المُقاطعات والخطط المعمورة تذهب من أيدي المسلمين في كل وقتٍ وبسرعة البرق، فالإسلام في حالة التدهور المُخيف.» ثم ختم السيد كلامه بقوله: «هذا ما أفكر فيه!» فلمَّا سألوه: وماذا يجب على المُسلمين عمله لتلافي ما ذكرتَ؟ أجاب: «سأجتهد، سأجتهد.»
وهذا الحادث يدلُّ على ما انطوى عليه روح السيد الكبير من علوِّ الهمة، فهو من عهد تَلقُّنِه العلمَ في حداثته وصباه ما كان يقلُّ عن كاملي الرجولة والكهول حصافةَ عقلٍ وبُعد نظرٍ وإعمال فكرٍ وتدبُّر، لم تفُته ملاحظة ما يجري حوله، يجمع أخبار الأقطار المجاورة، ولا يبغي من ذلك سوى الوقوف على حال المسلمين.
وواضح أنه كان يؤلِمه وهو في هذه السن ما كان عليه المسلمون من ضعفٍ وتخاذُل. وحَقٌّ علينا، ونحن لا نزال في هذا الطور من تكوين السيد، أن نذكُر أمرَين ظاهرَين: أولهما أنه قد فطن إلى حقيقة حال العالم الإسلامي وعرف جيِّد المعرفة أن هذا العالم مريض، بل «في حال التدهور المُخيف» عندما كانت تذهب من أيدي المسلمين — كما قال — المقاطعات والخُطط المعمورة بسرعة البرق! وثانيهما أنه فطن إلى سبب هذا التدهور المُخيف كما فهِمه وأدركه، وهذا لم يكن إلا نتيجة خمول العلماء والشيوخ، وانصرافهم إلى الراحة والدعة، وابتعادهم عن إجهاد الجسد والعقل في نشر كلمة اللهِ العليِّ العظيم، ورفْع ألوية السنة والشريعة عالية، وإحياء نور الإسلام وسط دياجير الوثنية. وكان لوصول السيد إلى هذه النتيجة عند بحثِه علة تدهور الإسلام نتائج خطيرة في تفسير أسباب الضعف الذي لحق بالعالَم الشرقي الإسلامي عمومًا أمام عالَم الغرب المُستبد الغشوم، ثم في تعيين الأهداف والأغراض التي عمل السيد في سبيل تحقيقها من حينِه، ثم ضمَّنها دعوته الرشيدة إلى الإصلاح الديني واليقظة الإسلامية لنُصرة الدين وإنعاش الإسلام في أرجاء ما كان يُريد أن يُصبح عالمًا إسلاميًّا موحَّدًا ومُتحدًا قويًّا، وكان لذلك كله آثار بعيدة في حياته وتفكيره.
وأما ما نجم مباشرةً عن تفكير السيد في حال هذا العالم الإسلامي، فكان شدة انكبابِه على تحصيل العِلم بنَهم وشغَف عظيمَين، حتى إنه لم يكتفِ بما حصَّله في بلده، بل قصد إلى محروسة «فاس» محط رحال العلماء «والوقت إذ ذاك وقتٌ والعلماء علماء»، ومكث بها سبع سنوات تقريبًا (١٨٢٢–١٨٢٩م)، فأخذ العلم بالرواية عن أفاضل علماء «فاس» مثل سيدي الشيخ حمودة بن الحاج، وسيدي حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج وسيدي الطيب الكيراني «ابن كيران» وسيدي محمد بن عامر المعواني وسيدي أبي بكر الإدريسي، والشيخ إدريس بن زيان العراقي والشيخ محمد بن منصور والشيخ محمد بن عمر الزروالي والشيخ محمد البازعي وسيدي العربي بن أحمد الدرقاوي وغيرهم. ومما تجدُر ملاحظته أن السيد الدرقاوي كان من أشياخ الطريقة الشاذلية، فإن السيد محمد بن علي السنوسي ما كان يدَع فرصةً تفوت من غير التبحُّر في معرفة الطرُق إلى جانب التفقُّه في علوم الدين وغيرها كما سيأتي في أدوار تكوينه المُقبلة. وهكذا فإن السيد لم يلبث طويلًا حتى أجازه في العلوم التي درسها مَن كان أهلًا لذلك، فحصل على المشيخة الكُبرى وعُيِّن مُدرسًا بالجامع الكبير بمدينة «فاس».
وفي أثناء إقامته بفاس ظهر فضل السيد وأقبل عليه تلاميذه ونال شهرة علمية عظيمة. ولمَّا كان حُبه لمنفعة المسلمين ورغبتُه في أن يرى العدل باسطًا جناحَيه على أهل السلطنة «مراكش»، وعلى شعوب الإسلام طرًّا، هما كل ما يريد في حياته، فقد أكثر من الموعظة الحسنة في أثناء دروسه، وجرَّب مع الأهلين وأصحاب الشأن، بمقرِّ السلطنة في فاس، طُرق الإرشاد بالحُسنى تارةً وبالشدة أخرى. ولكنَّ دعوته إلى العدل والخير وجمع كلمة المسلمين وتطهير النفوس والابتعاد عن المُنكر لم تُثمر ثمرتَها، بل إن كل ما حدث هو تنبُّه حكومة السلطان «مولاي سليمان» إلى هذه الدعوة وتلمُّس الخطر من جانبها، خشية أن تنقلِب الدعوة الدينية إلى أخرى سياسية، قد تعصف بالسلطنة على غرار ما يحدُث من أزمنةٍ بعيدة؛ حيث كانت تبتدئ الحكومات في هذه الديار أوَّلًا بالمشيخة والإرشاد ثم تنتهي بالحُكم والسلطان. وعلى ذلك شدَّدت الحكومة في مُراقبة السيد، فوجد أن لا فائدة تُرجى من بقائه بفاس، وقرَّر الارتحال عنها في عام ١٢٤٥ﻫ (أواخر ١٨٢٩م)، ولكنه لم يعُد إلى مستغانم بلده؛ لأنه إنما كان يريد الاستمرار في بثِّ دعوته إلى الدين القويم ونشْر ألوية الهداية والإرشاد بين الشعوب المجاورة، أضف إلى هذا أنه كان يريد دراسة جميع الطرائق المعروفة وزيارة زواياها الشهيرة، ومقابلة «مُقدمي» هذه الزوايا وسؤالهم. وقد عُنِيَ السيد في أثناء إقامته بفاس بدراسة الطرائق القادرية والشاذلية والدرقاوية والناصرية والحبيبية والجزولية وغيرها؛ وعلى ذلك فقد سافر السيد سفرًا طويلًا، وصار يتنقَّل من مكانٍ إلى آخر، وعمد في أثناء رحلته هذه إلى زيارة الزوايا والاجتماع بالإخوان ومعرفة مُختلِف الطرائق، مثل الزيانية والمحمدية، حتى بلغ «عين مهدي»، فدرس بها الطريقة التيجانية، ثم قصد «لاغوات» وفضَّل — رحمه الله — الإقامة بها مدةً لأهمية موقعها بجنوب الجزائر بجوار «خطة توات»، حيث كانت مُعتبرةً من مفاتيح الصحراء وتجتمع بها القوافل الآتية من السودان «الغربي» والذاهبة إليه، فمكث بها بعض الوقت يُلقي دروسًا في الفقه والشريعة.
بيد أن السبب الذي جعله يترك «فاس»، وهو رغبة السيد في العمل من أجل إصلاح العالم الإسلامي، سرعان ما جعله يرى أيضًا فائدة التنقُّل من «لاغوات» إلى غيرها من المراكز الصالحة لبثِّ الدعوة ونشر الموعظة، فارتحل من هذه المدينة إلى «مسعد» ثم إلى «جلفة»، ومنها إلى «بوسعدة»، فأقام بها بضعة شهور، حدث في أثنائها مجيء الحملة الفرنسية إلى الجزائر ثم سقوط مدينة الجزائر في أيدي الأجانب الفاتحين، فأراد الرجوع أولًا إلى وطنه علَّه يستطيع أن يدفع عنه الضرَر وأن يُقاوم المحتلِّين، ولكنه سرعان ما عدل عن ذلك عندما جاءه في «رؤيا» مشهورة أن مِن الخير والواجب أن يستمر في سيرِه صوب «الشرق».
ومع أن السيد عندما غادر بوسعدة (١٨٣٠م) لم يكن قد أصبح رئيسًا لطريقة مُعينة من الطرائق التي درسها أو «مقدمًا» لزاوية من الزوايا التي زارها، فإنه من جانبٍ آخر لم يكن «ذلك الطالب» الذي يبغي التزوُّد من العلم والمعرفة وحسب، بل صار علَمًا من الأعلام الموهوبين والمشهود لهم بالكفاءة والمقدرة، يجمع حوله «الطلاب» ويُلقي عليهم الدروس ويُحرِّك شعورهم الديني ويجذب إليه القلوب. وقد ذكر السيد في «الفهرسة» التي تركها — وهي التي ضمَّنها أسماء الكتب الكثيرة التي درسها، والشيوخ العديدين الذين أخذ عنهم العِلم حتى اكتمل له ما صار يؤهِّله للتدريس والمحاضرة — شيئًا من نشاطه في هذه الفترة الزاخرة من حياته، فبيَّن كيف أنه استطاع في أثناء أسفاره هذه أن يوثِّق أواصر المحبَّة والصداقة ويُنشئ الصِّلات العتيدة التي ساعدته فيما بعد مساعدةً كبيرة على نشر تعاليمه وبثِّ دعوته في هذه الجهات؛ حتى يتسنَّى له إنشاء ذلك العالم الإسلامي اليقِظ والمُتَّحد الذي أراده. وأما السيد فقد غادر «بوسعدة» ومرَّ ببلدة تمسين ثم زار قابس وطرابلس الغرب وبنغازي، وفي كلٍّ من هذه المدن الثلاث الأخيرة لم يشغل السيد وقتَه بشيءٍ غير الوعظ والإرشاد للمصلحة الإسلامية العامة.
ومع هذا وبالرغم من علوِّ كعب السيد في علوم الدين وغيرها ودراسته الواسعة وقيامه بالوعظ والإرشاد بين المُسلمين عن جدارةٍ ومقدرة، فقد كان — رحمه الله — عظيم الشغَف بالجلوس إلى كبار علماء الشرع الشريف والدين الحنيف ممَّن اشتهر ذكرُهم وعرف العالم الإسلامي أمرَهم وعلا قدرُهم؛ ولذلك فقد رغب السيد في الأخذ عن هؤلاء العلماء الأفاضل، والسفر إلى مراكز التعليم والتفكير الديني في أقطار الإسلام الشرقية في مصر وفي الحجاز من أجل ذلك. أضِف إلى هذا أن الأحوال في بلاد الجزائر سرعان ما تبدَّلت ودخلها الاضطراب من جرَّاء غزو الفرنسيس لها، فشهد السيد دليلًا جديدًا أضافَه إلى ما سبقَه من أدلَّة ذلك «التدهور المُخيف» الذي انغمس فيه العالم الإسلامي. ولا يبعد أن يكون السيد قد أدرك ما يعترِض في هذه الظروف دعوتَه إلى إصلاح حال المسلمين وجمع كلمتِهم من صعوباتٍ، إذا ظلَّ مستقرًّا بالجزائر أو أقام في طرابلس، وأن مِن المفيد أن يتقوَّى في عزمه بزيادة الارتشاف من مناهل العلوم، ثم يقصد إلى حيث يستطيع أن يُبلِّغ دعوته الإصلاحية إلى أعظم جمهورٍ من المسلمين في ديارٍ كان يعلو ذكرُها في ذلك الحين (مصر)، أو في أُخرى كانت من مسارح حركة الوهابيين الدينية الخطيرة وهي أرض الحجاز.
وعلى هذا يمَّم السيد محمد بن علي السنوسي وجهه شطر الديار المصرية، ووليُّها وقتذاك وصاحب شأنها محمد علي باشا الكبير مُنشئ الدولة المصرية الحديثة ومؤسِّس حكومتها المدنية العتيدة، وقد اشتهر من بين علمائها في الأزهر الشريف جُملة من الأئمة منهم الشيخ حسن العطار والشيخ الأمير والشيخ القويسني وغيرهم. فحضر السيد السنوسي مع هؤلاء العلماء واجتمع بهم، ثم كان من بين مَن أخذ عنهم بمصر أيضًا الميلي التونسي والشيخ ثعيلب والشيخ الصاوي. بيد أن السيد عندما حضر إلى مصر كان يتمتع بشهرةٍ كبيرة كعالِمٍ جليل، و«أستاذ» حضر عليه تلامذة كثيرون، كما أن ما أظهره من شدَّة تمسُّكه باستقلاله في الرأي واعتداده بشخصِه وعلمه وكفاءته وعدم مُبالاته بالحكَّام أو اهتمامه باجتذاب رِضاهم إليه كما حدث له (في فاس وغيرها)؛ لم يلبث ذلك كله أن جعله موضوع خوفٍ ووجَل كبير من جانب علماء عصره الذين كانت تربطهم بالسلطات الزمنية روابط وثيقة، ويخشون من بطش هذه السلطات وقوَّتها؛ ولذلك فقد كانت زيارته للقاهرة في هذه الآونة مليئةً بجُملة صعوبات منشؤها أن السيد لم تطِب نفسه للإقامة في الأزهر في وقتٍ كانت تسود فيه هذه المؤسسة الدينية القديمة علاقات شبيهة بالرسمية، تربط علماءه وشيوخه بالسلطات القائمة — حكومة محمد علي الكبير — أو بكبار الرجال (العثمانلي)، فلم يجد فيه بُغيتَه من الاهتمام بالعلم والروحانيات بالدرجة التي كان يتوقَّعها أو يرجوها. ثم لم تلبث أن زادت متاعِبُه عندما وجد بعد فترةٍ قصيرة أن يبدأ هو بإلقاء الدروس بدلًا من الاقتصار على تلقِّي العلم وحضور الدروس، على أمل أن يستطيع نشر دعوته وأن يبثَّ تعاليمَه، فأثار بعمَلِه هذا مُعارضةً شديدة من جانب شيوخ الأزهر وعلمائه الذين عدُّوا السيد مُتطرفًا في آرائه الدينية وتعاليمه. ثم زادت مُعارضتهم له لدرجة أن انبرى أحدُهم «الشيخ الحنيش» مُخطِّئًا السيد، وطلب من جمهور المسلمين الابتعاد عنه كمُبتدعٍ في الدين. ويُقال إن الشيخ الحنيش هذا حاول، زيادةً على ذلك، أن يدسَّ السُّمَّ للسيد للتخلُّص منه.
ومع أن السيد السنوسي لم يلبث أن غادر القاهرة إلى الحجاز بعد هذا الحادث، فقد أُتيحت له الفرصة، كما سيأتي، لزيارة القاهرة بعد ذلك في طريق أسفاره بين الحجاز والمغرب، وكان لهذه الزيارات، خصوصًا في أيام محمد علي الكبير، أثر ظاهر في تفكير السيد وشدَّة تمسُّكه بعقيدتِه، وهي التي كانت تدعو في جوهرها إلى إصلاح العالم الإسلامي ونشر ألوية الدِّين الحنيف. ولم يكن السيد مرتاحًا إلى نوع الحُكم الذي أقامه محمد علي باشا في مصر لجُملة أسباب، منها أن حكومة الوالي الكبير ما كانت تنظُر إلى العلماء بتلك العين التي تعوَّد مَن سبقَه من الولاة أن ينظروا بها إليهم، زِد على ذلك ما كان السيد يشعُر به من غضاضةٍ وألَم بسبب انصراف الوالي العظيم عن دعوة «نقباء الأمة» لاستشارتهم في تدبير شئون الحكم، وكذلك لم تُبهر نظر السيد تلك الانتصارات التي أحرزَها محمد علي باشا في نضالِه مع السلطان العثماني صاحب الخلافة في العالم الإسلامي، كما لم تظفر بإعجابه وتقديره تلك الإصلاحات الواسعة التي حاول بها محمد علي إنشاء حكومةٍ مدنية قادرة وفي استطاعتها السير إلى جنب الدول الأوروبية في طريق الحضارة والعمران، فكان للسيد في ذلك كله آراء لم يتحوَّل عنها، ووصل من مشاهداته إلى نتائج زادَته إيمانًا وثقةً بما كان قد أخذَه على عاتقه ووطَّد العزم على تحقيقه منذ زمنٍ بعيد.
والذي يُهمُّنا الآن أن السيد كان يعزو السبب في اضمحلال دولة الخلافة من جهةٍ ثم قيام حكوماتٍ في العالم الشرقي على غرار حكومة محمد علي باشا في مصر من جهةٍ أخرى، إلى حقائق ظاهرة؛ هي أن المسلمين كانوا في حاجةٍ ملحَّةٍ إلى وجود المُصلحين الذين يقومون بنشر الدعوة للدين القويم. و(ثانيًا) تشتُّت كلمة المسلمين وتفرُّقهم شيعًا وأحزابًا وعدم تضافُرهم، ثم ركونهم إلى الاستبداد في الرأي، وتفضيل أنواع الحكومة المُطلقة على غيرها من الحكومات التي تأخُذ بمبدأ الشورى وفق التعاليم الإسلامية الصحيحة. و(ثالثًا) خمول علماء المُسلمين وتقاعدهم وتقاعد حكوماتهم عن نشر التعليم بين جميع الطبقات وتعلُّم الصنائع وتعميمها لسدِّ حاجات الشعب، وتعميم الرياضة واستعمال السلاح، ثم تَحبيب الفروسية إلى قلوب العامة والخاصة، كما أنه كان من أسباب تدهور الإسلام التسويف وعدم الإقدام على العمل. وظاهر أن السيد السنوسي الكبير إنما كان يتَّفق في الحقيقة مع ما ذهب إليه مِن بعدِه حكيم الشرق وفيلسوفه الأفغاني، ثم تلميذه الإمام الشيخ محمد عبده، عند وصف العلَّة التي أضعفت الإسلام وساقته إلى التدهوُر.
ولذلك فقد كان من المُنتظَر أن يصِل السيد السنوسي من إعمال الفكر والرأي فيما شهد ولحظ إلى نتيجتَين هامَّتَين، لخَّصهما أيضًا المؤرخ التركي السابق في قوله: إن إحداهما كانت تأكُّدَه من أنه في حاجةٍ عظيمة إلى تحصيل علومٍ كثيرة خلاف العلوم العقلية والنقلية التي استفادها أيام مُقامِه في بلاد المغرب، فمع أن «السيد السنوسي كان بعيدًا عن أوروبا وعن التأثُّر بها، ولم يكن عنده عِلم بما جدَّ فيها من اختراعات ونهضة في جميع مرافق الحياة … فإن الأسباب الحقيقية التي وفَّقت أوروبا للتقدُّم لم تكن مجهولةً لدَيه؛ لأن ما له من الدهاء والذكاء النادر المِثال خوَّله الوقوف على أنَّ تفوُّق أوروبا هو وليدُ العِلم وثمرة الأخلاق، وأن هذه العلوم التي سبَّبت هذا التفوُّق لم تكُن هي العلوم النقلية والشرعية والمنطق واللغة فحسب كما ظنَّ أوَّلًا، بل أهمها العلوم الصناعية والرياضة والفنون الحربية العملية.» وأما النتيجة الثانية فهي تحقُّقه من أن الحواجز والعقبات التي منعت تقدُّم الإسلام وعطَّلت اتحاده في الآمال والأفعال إنما كانت اختلاف المذاهب وكثرة الطرُق والحُكم الفردي والاستبدادي. والذي لا شكَّ فيه أن آمال السيد من مدةٍ طويلة كانت تنحصِر في اتحاد جميع شعوب الإسلام وتعاوُنهم على المصلحة العامة التي تضمن حقوق المسلمين وتمنع عنهم أطماع المُعتدِين.
•••
هذا ولمَّا كان غرَض السيد الأول لا يزال الإكثار من تحصيل العلوم، فقد قصد بعد خروجه من القاهرة الأقطار الحجازية لتأدِية فريضة الحج، وحتى يظفر، كما يقول أحد أفاضل الكتَّاب الشيخ محمد الأخضر العيساوي، بِمقابلة «ضالَّته المنشودة، وهو الشيخ الكامل المُربي الذي طالما اشتاقت نفسه إلى لقائه ليتكمَّل به، حيث إن «الديار الحجازية» مهبط الوحي، وهي لا تخلو من ثمرات الرجال، كما لا تخلو من الثمرات الأخرى، كما نوَّهت به الآية الشريفة.»
ويذكر السيد محمد بن علي السنوسي نفسه سبب خروجِه من القاهرة، فيقول إنه حدث ذات يومٍ عند فراغه من الوضوء في الجامع الأزهر أنِ اصطدم بفلَّاح فقير غير مُتعمِّدٍ لضيق الباب الذي همَّ بالخروج منه، فقال الرجل: «ولماذا تصنع معي هكذا يا سنوسي؟» فتعجَّب السيد من مُخاطبة الرجل له باسمِه، وسأله كيف عرفَه وهو الذي لم يرَه في حياته قط، فأجاب الفلَّاح بكلامٍ يُفهَم منه أنه كان من أولياء الله الصالحين. فلما قال السيد إنه يكون إذَن ذلك القطب الذي ينشد لقاءه منذ أمدٍ بعيدٍ أجاب الرجل: «كلَّا، إن الذي تقصده موجود بمكة، فعليك بالذهاب إليها.» فلم يتردَّد السيد في مغادرة القاهرة بعد ذلك والسفر إلى الحجاز، وكان هذا في أوائل الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي.
وكانت زيارة السيد لمكة ذات أثرٍ كبير في قيام الدعوة السنوسية وظهور شأنها، وساعد على هذا جُملة أسباب، منها وجود السيد وإقامته بمكة وهي المدينة المُقدَّسة التي يقصدها ويحجُّ إليها المسلمون من مختلف الأقطار، فأعطى السيد ذلك الفرصةَ حتى يقِف على معلوماتٍ عظيمة عن أحوال وأخلاق المسلمين الوافِدين على مكة على اختلاف أجناسِهم ولُغاتهم وتبايُن طباعهم. وكان السيد ينتهز الفرصة لمباحثة جميع فضلاء ومُفكري الإسلام عند وفودِهم إلى هذه الديار، يتلقَّى عنهم المعلومات ويتعمَّق معهم في البحث والتمحيص، حتى إذا اطمأنَّ إلى صِدق نظرهم وعلوِّ تفكيرهم وتشوُّقهم إلى خدمة الملَّة ورفع ألوية الإسلام عالية، تحدَّث إليهم فيما يسعى إليه ويُريده ويُمنِّي النفس بتحقيقه، وهو إصلاح أحوال المسلمين على أساس الاتحاد وجمع الكلمة والتآزُر وشدِّ الصفوف. وعندما استكمل السيد درسَه وبحثَه واطمأنَّ إلى تفقُّهه وعلوِّ منزلته في الدين والعبادة، أخذ يُلقِّن هؤلاء الأفاضل الذين اجتمع بهم وخبرَهم ووثق بطهارة نفوسهم، الطريقة المحمدية التي عُرفت فيما بعدُ باسم الطريقة السنوسية المشهورة.
والحق أن السيد أقام بمكة مدة يشتغِل بنشر العلوم وتحصيلها والمناظرة فيها، واجتهد في دراسة المذاهب الإسلامية، وكان غرَضه من هذه الدراسة الواسعة أن يحذق مخاطبة جميع العالم الإسلامي حتى يتسنَّى له إقناع هذا العالم باتخاذ مذهبٍ واحدٍ يُعينه على الاتجاه نحو هدفٍ واحد، هو الاتحاد الإسلامي وسيلة الخلاص والنجاة، ووقْف ذلك «التدهور المُخيف» الذي ما برَح يُزعج السيد ويقضُّ مضجعه منذ طلبِه العلم في حداثته وصباه في بلده مستغانم ثم في فاس.
وعلى ذلك فقد أخذ السيد بأرض الحجاز عن الشيخ سليمان العجيمي حفيد أبي البقاء، ومولاي عبد الحفيظ بن محمد والشيخ أبي حفص بن عبد الكريم العطار، ثم الإمام أبي العباس أحمد بن عبد الله بن إدريس الفاسي مؤسِّس الإدريسية، وحصل على إجازتهم له، ثم طفق بعد هذا يدرُس الطريقة الشاذلية بجميع فروعِها عن الإمام أحمد بن إدريس المُشار إليه، ثم الطريقة الناصرية عن الإمام ابن ناصر، ثم القادرية عن العرائشي، ثم التيجانية عن أبي العباس التيجاني نفسه. وقد سبق ذكر أثر هذه الطرائق كعاملٍ حاسم من عوامل إحياء قوة العالم الإسلامي ويقظته في القرن الميلادي الماضي.
وكان من محاسن الصدف حقيقةً أن وجد السيد السنوسي بمكة «ضالَّته المنشودة» العارف بالله المُربي السيد أحمد بن إدريس المُتقدِّم ذكره. وكان سيدي ابن إدريس الفاسي رئيسًا للخضيرية منذ ثلاثٍ وثلاثين سنة، فاجتمع به السيد ولازم دروسه، وتوثَّقت العلاقة بين السيد السنوسي والشيخ؛ فكان السيد لا يقطع أمرًا دونه، وكان الشيخ يُشاور السيد في كل الشئون، وظلَّ أمرُهما على ذلك حتى ارتحل الشيخ إلى «صبيا» اليمن.
وكان سبب ارتحال السيد ابن إدريس ما لقِيه من عُنف السلطات الحكومية، ومُعارضة علماء مكة الذين صاروا ينقدون السيد على اعتبار أنه كانَ لا يتَّفق في منهجه ودرسِه مع ما اعتاد عليه هؤلاء العلماء منذ أزمانٍ طويلة، حتى صاروا يَعدُّونه مُبتدعًا، ثم انقلب نقدُهم إلى اضطهادٍ اضطُر بسببه السيد ابن إدريس إلى مغادرة مكة في النهاية إلى «صبيا» العسير.
وأما السيد محمد بن علي السنوسي فقد تبع أستاذه إلى «صبيا»، وأقام معه هناك حتى تُوفِّي السيد ابن إدريس في عام ١٨٣٥م (وفي قولٍ، عام ١٨٣٧م). وعند وفاة السيد ابن إدريس انضمَّت أقلية من أتباعِه (الخضيرية) إلى سيدي محمد صالح المغراني، وأسَّسوا زاوية في «دار خيزران» بمكة، وسمَّوا أنفسهم إدريسيين، بينما انضمَّت الأكثرية إلى السيد محمد بن علي السنوسي الذي رجع إلى مكة ثم أنشأ بها زاوية في «جبل أبي قُبيس» في عام ١٨٣٧م، فكانت هذه أولى زواياه، ثم أقام السيد بهذه الزاوية مدةً يُلقي دروسه وينشر تعاليمه حتى تضافرَت الأسباب التي دعت السيد إلى مغادرة مكة والانتقال إلى برقة في عام ١٨٤٠م.
فقد استطاع السيد بفضل ما آتاه الله من سعة العلم وطَلاقة اللسان ودقة الفكر، ثم ما حباه جلَّ شأنُه من ميزاتٍ أخرى عديدة، أهمُّها شدة التمسُّك بالمبدأ والعقيدة مع لُطف المَعشر والهيبة، أن يجمَع حوله من التلاميذ والأشياع والمُريدين أعدادًا عديدة، مما حرَّك ضدَّه عداوة شيوخ مكة وعلمائها الذين كانوا يُخالفونه وينقدون اعتماده الصريح الخالص على الكتاب والسُّنة في دروسه، واقتفاء أثر السلف الصالح في إرشاده وتعليمه، وإقامته الحجَّة على أن الاجتهاد لم ينقطِع وهكذا، كما فعلوا مع أستاذه السيد ابن إدريس الفاسي من قبل. زد على ذلك أن السلطات الحكومية بدأت تشعر بالأخطار التي كانت ولا شكَّ تُهدِّد نفوذها من جرَّاء الْتفاف كثيرين من الأهلِين المُتذمِّرين من السلطات العثمانية والعربية (الشريفية) معًا بهذه الأقطار، عندما كان السيد نفسه على عادته المعروفة يبتعِد كل البُعد عن الهيئات الحكومية، وتمنعه مبادئه وتعاليمه ثم شمَمُه وإباؤه من أن يسعى للتقرُّب منها أو نوال الحظوة عندَها. وكان مما أخافَ السلطات الحكومية أن السيد ظلَّ يتَّصل بأبناء أستاذه السيد ابن إدريس الفاسي في «صبيا» وهي أرض وهَّابية، وكان العداء مُستحكمًا بين الحكومة العثمانية والأشراف بمكة وبين الوهابيين.
ومع هذا فقد كانت هناك أسباب أخرى دعَتْه إلى ترك مكة والعودة إلى الأقطار الليبية (اللوبية)؛ ذلك أنه كان من بين المسلمين الذين اجتمعوا حوله عددٌ كبير من أهل طرابلس الغرب، حضروا إلى السيد حتى ينالوا البركة منه، وإن كانت أفهامُهم تدقُّ عمومًا عن إدراك حقيقة تعاليمه السامية. وقد وجد السيد أن يطلُب منهم الإكثار من العبادة والتقشُّف والصوم على أمَل أن يؤدي ذلك كلُّه إلى تنقية نفوسِهم وصفائها، حتى إذا عجز ضعاف الإرادة عن سلوك هذا السبيل الصارم انصرفوا إلى شأنهم، واستطاع أهل الزاوية — في أبي قبيس — أن يتفرَّغوا للدرس والعبادة. ومع هذا فقد ظلَّ يَكثُر عدد هؤلاء المُتحمِّسين للطريقة حتى حدث ذات مرةٍ عندما كان يُشرِف بعضهم على الهلاك من كثرة الصوم مدةً طويلة أن ذهب أحدُهم إلى قبر الرسول الكريم ﷺ يشكو ما وصل إليه ويرجو الرُّشد والهداية، فشهد السيد السنوسي بعد ذلك النبي الكريم ﷺ في رؤيا يطلُب إليه أن يعمل هؤلاء الأتباع والمُريدون في بناء بيوتِ العبادة والزوايا، فصدع السيد بما أُمِر به وتقرَّر أن يغادر هؤلاء مكة، لإنشاء الزوايا في البلدان الأخرى، كما قرَّر السيد نفسه أن يعود إلى برقة لهذا الغرَض نفسه. وكان انتقال السيد من الحجاز إلى برقة بدء انتشار الدعوة السنوسية في الأقطار الليبية.