تمهيد

(١) الْهِنْدِبَادُ الْحَمَّالُ

كَانَ بِمَدِينَةِ «بَغْدَادَ» — فِي زَمَنِ الْخَلِيفَةِ «هَارونَ الرَّشِيدِ» — حَمَّالٌ فَقِيرٌ، اسْمُهُ «الْهِنْدِبَادُ».

فَفِي ذَاتِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الصَّيْفِ، جَلَسَ «الْهِنْدِبَادُ» تَحْتَ قَصْرٍ عَالٍ تُحِيطُ بِهِ حَدِيقَةٌ جَمِيلَةٌ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ عَنَاءِ السَّيْرِ، بَعْدَ أَنْ أَنْهَكَهُ التَّعَبُ وَالْحَرُّ الشَّدِيدُ، وَوَضَعَ — إِلَى جَانِبِهِ — حِمْلَهُ الثَّقِيلَ.

فَسَرَى إِلَيْهِ مِنَ الْحَدِيقَةِ نَسِيمٌ لَطِيفٌ حَمَلَ إِلَيْهِ رَائِحَةَ الْأَزْهَار الْعَطِرَةِ، وَهَبَّتْ عَلَيْهِ — مِنْ نَاحِيَةِ الْقَصْرِ — رَائِحةُ الشِّوَاءِ اللَّذِيذِ، وَالْأَطْعِمَةِ الشَّهِيَةِ.

وَسَمِعَ «الْهِنْدِبَادُ» الطُّيُورَ تُغَرِّدُ — عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا — فَوْقَ الْأَشْجَارِ، كَمَا سَمِعَ أَصْوَاتَ الْغِنَاءِ وَأنْغَامَ الْمُوسِيقَى الْمُطْرِبَةِ فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ، فَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ أَصْحَابَهُ فِي عُرُسٍ.

(٢) صَاحِبُ الْقَصْرِ

وَذَهَبَ «الْهِنْدِبَادُ» إِلَى أحَدِ الْخَدَمِ فَرَآهُ لَابِسًا أَبْهَى الْمَلَابِسِ وَأَحْسَنَهَا، وَلَمَّا سَأَلَهُ عَنِ اسْمِ صَاحِبِ هَذَا الْقَصْرِ الْبَدِيعِ قَالَ لَهُ الْخَادِمُ مَدْهُوشًا: «كَيْفَ تَسْأَلُ هَذَا السُّؤَالَ؟ أَفِي «بَغْدَادَ» كُلِّهَا مَنْ يَجْهَلُ «السِّنْدِبَادَ الْبَحْرِيَّ» — صَاحِبَ هَذَا الْقَصْرِ — الَّذِي مَلَأَتْ شُهْرَتهُ الْآفَاقَ، وَالَّذِي رَكِبَ الْبِحَارَ، وَجَابَ الْأَقْطَارَ وَرَأَى عَجَائِبَ الدُّنْيَا؟»

(٣) شَكْوَى الهندبادِ الحمَّالِ

ثمَّ عَادَ الْحَمَّالُ إِلَى مَكَانِهِ فَجَلَسَ يُفَكِّرُ فِي هَذَا النَّعِيمِ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَسْمَعُ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ بِمَا نَالَهُ «السِّنْدِبَادُ» مِنْ ثَرْوَةٍ طَائِلَةٍ.

figure

وَنَظَرَ «الْهِنْدِبَادُ الْحَمَّالُ» إِلَى جَمَالِ الْحَدِيقَةِ وَفَخَامَةِ الْقَصْرِ وَوَفْرَةِ مَا يَحْوِيهِ مِنْ غِنًى وَنِعْمَةٍ، وَرَأَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ بُؤْسٍ وَشَقَاءٍ، فَصَاحَ غَاضبًا: «سُبْحَانَكَ رَبِّي تُغْنِي مَنْ تَشَاءُ، وَتُفْقِرُ مَنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، فَأَنَا أَتَحَمَّلُ الْهُمُومَ وَالْآلَامَ، وَأُقَاسِي الْمَتَاعِبَ وَالْأَهْوَالَ لِلْحُصُولِ عَلَى قُوتِي وَقُوتِ عِيَالِي، بَيْنَمَا يَنْعَمُ «السِّنْدِبَادُ» بِهَذَا الْقَصْرِ الْفَخْمِ وَمَا يَحْوِيهِ مِنْ ثَرْوَةٍ وَنَعِيمٍ، دُونَ أَنْ يَتَكَبَّدَ أَيَّ عَنَاءٍ! فَمَاذَا صَنَعَ «السِّنْدِبَادُ» حَتَّى اسْتَحَقَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ؟ وَمَاذَا فَعَلْتُ أَنَا حَتَّى كُتِبَ عَلَيَّ هَذَا الشَّقَاءُ؟

أَأُصْبِحُ فِي تَعَبٍ دَائِمٍ
أَعِيشُ شَقِيًّا وَقَدْ زَادَ حِمْلِي
وَغَيْرِي سَعِيدٌ — بِلَا شِقْوَةٍ —
وَمَا حَمَلَ الدَّهْرَ يَوْمًا كَحِمْلِي؟»

•••

وَبَيْنَمَا «الْهِنْدِبَادُ» مُسْتَغْرِقٌ فِي هَذِهِ التَّأَمُّلَاتِ إِذْ خَرَجَ مِنَ الْقَصْرِ خَادِمٌ يَدْعُوه إِلَى مُقَابَلَةِ سَيِّدِهِ، فَخَشِيَ الْحَمَّالُ عَاقِبَةَ الْأَمْرِ، وَأَدْرَكَ أَنَّ «السِّنْدِبَادَ» قَدْ سَمِعَ — بِلَا شَكٍّ — كُلَّ مَا قَالَ، فَاعْتَذَرَ إِلَى الْخَادِمِ مُحَاوِلًا أَنْ يُفْلِتَ مِنْ يَدِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، فَذَهَبَ مَعَهُ خَائِفًا يَتَوَقَّعُ الشَّرَّ.

(٤) فِي حَضْرَةِ السِّندبادِ

وَسَارَ الْحَمَّالُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ غُرْفَةً فَخْمَةً، فِي وَسَطِهَا مَائِدَةٌ حَوَتْ مَا لَذَّ مِنْ أَطْيَبِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْفاكِهَةِ وَالنُّقْلِ، وَرَأَى جَمَاعَةً مِنْ سَرَاةِ الْقَوْمِ، كَمَا رَأَى فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ رَجُلًا حَسَنَ الصُّورَةِ جَلِيلَ الْقَدْرِ مَهِيبَ الطَّلْعَةِ وَقَدْ بَدَا فِي لِحْيَتِهِ الشَّيْبُ، فَعَرَفَ أَنَّهُ «السِّندِبَادُ» صَاحِبُ الْقَصْرِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ — وَهُوَ مُنَكِّسٌ رَأْسَهُ مِنْ شِدَّةِ الْخَجَلِ — فَهَشَّ إِلَيْهِ «السِّنْدِبَادُ» وَقَرَّبَهُ مِنْهُ حَتَّى أَذْهَبَ عَنْهُ خَوْفَهُ، وَدَعَاهُ إِلَى الطَّعَامِ فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ.

فَسَأَلَهُ «السِّنْدِبَادُ الْبَحْرِيُّ» عَنِ اسْمِهِ وَصِنَاعَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «أَعِدْ عَلَيَّ الْآنَ مَا كُنْتَ تَقُولُهُ — مُنْذُ زَمَنٍ يَسِيرٍ — تَحْتَ الْقَصْرِ!»

•••

هُنَالِكَ ارْتَبَكَ «الْهِنْدِبَادُ» الْحَمَّالُ وَبَدَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْحَيْرَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَعْذِرَةً يَا سَيِّدِي، فَقَدْ دَفَعَنِي مَا أُعَانِيهِ مِنَ الْفَقْرِ، وَمَا أُكَابدُهُ مِنَ الْمَتَاعِبِ، إِلَى التَّفَوُّهِ بِمَا قُلْتُ، فَتَجَاوَزْ عَنْ إِسَاءَتِي وَلَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا فَرَطَ مِنِّي!»

فَقَالَ لَهُ «السِّنْدِبَادُ»: «إِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أُؤَاخِذَكَ بِشَيْءٍ مِمَّا قُلْتَ، وَإِنَّمَا أَشْفَقْتُ عَلَيْكَ وَرَثَيْتُ لَكَ، وَقَدْ صِرْتَ لِي — مُنْذُ الْيَوْمِ — أَخًا وَصَدِيقًا، وَلَكِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أُبَيِّنَ لَكَ حَقِيقَةً غَابَتْ عَنْكَ، وَأُزِيلَ مَا عَلِقَ بِذِهْنِكَ مِنَ الْوَهْمِ، فَقَدْ ظَنَنْتَ أَنَّ هَذِهِ الثَّرْوَةَ الطَّائِلَةَ قَدْ جَاءَتْنِي دُونَ مَشَقَّةٍ أَوْ عَنَاءٍ، مَعَ أَنَّنِي لَمْ أَحْصُلْ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَاسَيْتُ مِنَ الْمَصَاعِبِ وَلَاقَيْتُ مِنَ الْأَهْوَالِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْوَصْفُ.

•••

وَسَأَقُصُّ عَلَيْكَ مَا حَدَثَ لِي فِي أَسْفَارِي السَّبْعَةِ، وَمَا تَعَرَّضْتُ لَهُ مِنَ الْمَهَالِكِ وَالْمَخَاطِرِ الَّتِي تَشِيبُ مِنْ هَوْلِهَا الْوِلْدَانُ، لِتُدْرِكَ بِنَفْسِكَ مِقْدَارَ مَا عَانَيْتُ مِنَ الْمَتَاعِبِ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى هَذِهِ السَّعَادَةِ الَّتي تَرَاهَا وتَعْجَبُ مِنْهَا.»

أسئلة

أتينا بهذه الأسئلة لتكون نموذجا لحضرات المدرسين ينسجون على منواله فيما يلي:
(س١) ما اسم الحمال؟
(س٢) في أي بلد كان يقيم؟
(س٣) في زمن أي خليفة؟
(س٤) ما اسم صاحب القصر؟
(س٥) ماذا قال الخادم حين سأله الحمال عن اسم صاحب القصر؟
(س٦) ماذا قال الحمال حين رأى فخامة القصر وجمال الحديقة؟
(س٧) ماذا رأى الحمال في غرفة السندباد؟
(س٨) كيف سلم عليه الحمال؟
(س٩) كيف قابله السندباد؟
(س١٠) هل وصل السندباد إلى هذه الثروة الطائلة بلا عناء؟
(س١١) من الذي ظن ذلك؟
(س١٢) ومن الذي بين هذا الخطأ؟
(س١٣) اكتب خلاصة وجيزة لهذه القصة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤