أصل اللغات

اللغة بنت الاجتماع، وليس من السهل أن نحدد الطفولة التاريخية للإنسان، ولكن العلماء وأهل البحث ممن تقدم نظرهم يهجمون من ذلك على المتشابهات، ويعقدون من النِّسَب المختلفة سلسلة طويلة يسلكون فيها العصور التي جمعها التاريخ وينتهون من ذلك إلى طرف دقيق يتلمسه التصور؛ لأن مادته من الوهم المصمت، وهذا الصرف هو عندهم أصل الإنسان أو طفولة تاريخه الهرم.

منذ خُلق اللسان خُلقت الأصوات، وهي مادة اللغة، ولكن الطفولة الفردية تدلنا على أن الطفل يبتدئ من أبسط درجات النطق الطبيعي الذي هو محض أصوات مصبوغة بصبغة من الشعور تكون هي حقيقة الدلالة المعنوية فيها، فيكون كأنما يلُهْمَ المنطق بهذه الأصوات التي هي لغة روحه، ثم يدرك معاني تلك الدلالة ويميز بين وجوهها المختلفة، ثم ينتهي إلى الفهم فيقلد من حوله في طريقة البيان عنها بالألفاظ، متوسعًا في ذلك على حسب ما يتسع له من معاني الحياة، إلى أن تنقاد له اللغة التي يحكيها؛ ولولا التقليد الذي فطر عليه ما بلغ من ذلك شيئًا.

وعلى هذا القياس رجع العلماء إلى طفولة التاريخ، فمنهم من رأى أن الإنسان كان محاطًا بالسكوت المطلق، فذهب إلى أن اللغة وحي وتوفيق من الله في الوضع أو الموضوع، وهو مذهب أفلاطون من القدماء، به أخذ ابن فارس والأشعري وأتباعه من علماء العرب.

وفريق آخر ذهب إلى أن الإنسان طفل تاريخي، فاللغة درس تقليدي طويل مداره على التواطؤ والاصطلاح؛ وهذا هو المذهب الوضعي، وبه قال ديودورس وشيشرون، وإليه ذهب أبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني وطائفة من المعتزلة.١

وبالجملة فإنه لم يبق من أصول الاستدلال على تحقق هذا الرأي إلا تتبع منطق الحيوان الذي يسرح في حضيض الإنسانية، وتبيُّن وجوه الدلالة في أموره، واستقراء مثل ذلك في الأمم المتوحشة التي لا تزال من نوع الإنسان الأدنى؛ وقد رأوا أن الحيوان يفهم بضروب الحركات والإشارات والشمائل وتباين الأصوات باختلاف معاني الدلالة، وهذا أمر تحققه رُوَّاض الدواب وسوَّاسها وأصحاب القنص بالكلاب والفهود ونحوها، فإنهم يدركون ما في أنفسها الحيوانية باختلاف الأصوات والهيئات والتشوف واستحالة البصر والاضطراب وأشباه ذلك؛ ومن ثم قيل إن أول النطق المعقول في الإنسان كان بدلالة الإشارة كما يصنع الخرس؛ فكأن معاني الحياة لما لم تجد منصرفًا من اللسان فاضت على أعضاء البدن؛ وترى أثر ذلك لا يزال باقيًا في الدلالة على المعاني الطبيعية الموروثة من أول الدهر: كالتقطيب وتزوية بعض عضلات الوجه واستحالة البصر، في الغضب؛ ثم انبساط الأسارير واستقرار النظر، في الرضا والسرور؛ ونحو ذلك مما تراه لغة طبيعية في الخليقة الإنسانية.

ورأوا أيضًا أن لبعض القبائل المتوحشة من سكان أستراليا وأواسط أمريكا الجنوبية ألفاظًا، ولكنها محض أصوات لا تدل على المعاني المقصودة منها إلا إذا صحبتها الإشارة والحركة والاضطراب، بحيث إن العين هي التي تفهمها لا الأذن؛ وهم إذا انسدل الليل وأغمدت الألحاظ في أجفانها حبسوا ألسنتهم وباتوا بحياة نائمة؛ ومن ثم قيل إن الإنسان استعمل الصوت للدلالة بعد أن استكمل علم الإشارة؛ ولذلك بقي الصوت محتاجًا إليها احتياجًا وراثيًّا، ثم ارتقى الإنسان في استعمال الأصوات بارتقاء حاجاته وساعده على ذلك مرونة أوتار الصوت فيه؛ وبتجدد هذه الحاجات كثرت مخارج الأصوات، واتسع الإنسان في تصريف ألفاظه، فتهيأ له من المخارج ما لم يتهيأ لسائر الحيوان؛ فإن منطق الكلب مثلًا قد لا يخرج عن العين والواو في «عو» و«وَوْ»، وقس عليه ما يسمع من منطق الغراب والسنور وسائر أنواع الحيوان؛ ومن ذلك كان منشأ اللغة.

المواضعة على الألفاظ

إذا تدبرت ما تقدم رأيت القول بأن اللغة وحي وتوقيف إنما هو من باب التقوى التاريخية لا أكثر؛ لأن الإنسان خُلق مستعدًّا منفردًا ليصير بعد ذلك عالمًا مجتمعًا، وليجري في كماله المقسوم له على سنة الله التي لم تتبدل ولن تجد لها تبديلًا؛ وهذه السنة هي أن المتغير لا يوجد كاملًا، بل لا بد له من نشأة يمر في أدوارها حتى يتحقق معنى التغير فيه؛ ولعل أصل هذا المذهب كان مبالغة في تصور الاستعداد الإنساني؛ لأنه إلهام لا مرية فيه ولذلك ترى أهله منقسمين: فمنهم من يقول بأن الإنسان ألهم أصول المواضعة، ومنهم من يقول بأنه أُلهم اللغة نفسها.

والحقيقة أن الإنسان ملهم بفطرته أصول الحياة، وليست اللغة بأكثر من أن تكون بعض أدواتها التي تعين عليها؛ ولذا تراها في كل أمة على مقدار ما تبلغ من الحياة الاجتماعية قوةً وضعفًا، وإذا كان من أصول الحياة: الاجتماع، فمن أصول الاجتماع: اللغة، وهذه من أصولها المواضعة.

وأقرب ما يصح في الظن مما لا يبعد أن يكون الوجه المتقبل — وإن كان الظن لا يغني من الحق شيئًا — أن الأصوات الحيوانية هي المثال المحتذى في لغة الإنسان؛ لأنها محيطة به تتقلب على سمعه كلما سمع، خصوصًا والإنسان في أول اجتماعه مضطر لمغالبة الحيوان، فهو بهذا الاضطرار يتدبر اختلاف هيآت الصوت الواحد ومعاني ما فيه من النبر، ودليله في ذلك أفعال الحيوان التي تؤدي معاني هذا الاختلاف، من نحو الغضب والألم والذعر وغيرها.

ومن هنا يتعين أن تكون أوائل الألفاظ التي نطق بها الإنسان وأدارها على معان متنوعة، هي ألفاظ الإحسان وما يصرح به عن الوجدان، على الصور البسيطة التي لا يزال أكثرها ميراثًا في الجنس كله على تباين اللغات، وهي التي تشبه في تركيبها مقاطع الصوت الحيواني؛ إذ يكثر فيها الحرف الهاوي الذي هو أخف الحروف، بل هو الصوت الطبيعي في الحياة، وهو حرف اللين بأنواعه: الألف، والواو، والياء؛ وما عدا هذا الحرف فقلما يكون فيها، إلا أحرف الحلق: كالعين والغين والهاء والحاء؛ لأنها قريبة من الحنجرة، وذلك في الإنسان نحو: آه، وأخ، وأمثالهما من المقاطع الصوتية التي لا يزال يعبر بها عن أنواع من الإحساس إلى اليوم.

ولما أدرك الإنسان حقيقة هذا الاستعمال وتقلب فيه واصطلحت عليه الجماعات منه، فتق له استعداده للإلهام أن يتأمل في الأصوات الطبيعية الأخرى، من قصف الرعد، وانقضاض الصواعق، وخرير الماء، وهزيز الريح، وحفيف الشجر، واصطكاك الأجسام، وما إليها من أصوات هذه اللغة الجامدة وهي ربما تبلغ المائة عدًّا — فقلدها واهتدى بها إلى مخارج حروف أخرى غير التي تتهيأ في الأصوات الحيوانية، فدار بها لسانه، وابتدأ يجمع بينه على طريق المحاكاة، دالًّا بالصوت على مُحدثه. ولا يزال ذلك طبيعة في لغة الأطفال، فهم يسمون الدجاجة: كاكا، والشاة: ماما، والسنور: نو … نو؛ وذكر الجاحظ في الحيوان أن طفلًا سئل عن اسم أبيه فقال: وَو … وَو وكان أبوه يسمى كلبًا!

وهذه الحالة كانت بدء اختراع اللغة، أي حين كانت حاجات الاجتماع قليلة لا تتجاوز الإشارة إلى أمهات المعاني الطبيعية بالمقاطع الثنائية، كانهمال المطر، وانفلات الحجر، وانكسار الشجر، وأمثالها؛ فلما بدأ الاجتماع يرتقي بنسبة أحوال الإنسان يومئذ، بدأ الاختراع الحقيقي في اللغة؛ وأمثل ما يُظن في ذلك أن الإنسان جعل يقلِّب المقاطع الثنائية التي عرفها على كل الوجوه التي تحدثها آلات الصوت، فلما استتم صورها ارتجل المقاطع الثلاثية، فدارت بها الحروف دورة جديدة، وفشت ألفاظ أخرى غير التي عهدها، وكان ذلك ابتداء تسلسل اللغة، فتواضعوا على اعتبار المقطع الثنائي أصلًا في مدلوله: كقط مثلًا، حكاية صوت القطع، ثم جعلوا كل صورة تتحصل من زيادة حرف عليه فرعًا من هذه الدلالة، ثم استفاضوا في الاستعمال على هذا التركيب بالقلب والإبدال؛ وبذلك اهتدى الإنسان إلى سر الوضع.

لا جرم أن هذا أبين وجوه الطريقة التي يمكن أن توحي بها الفطرة في تاريخ المواضعة على اللغات، وهي السنة التي لا تزال تجري عليها أحكام الخلق في كل ما يتكون وينشأ، ثم هي متحققة بما يقطع الريب في هذا الخلق السوي الذي يعقل ويفكر، وهو الإنسان معجزة المخلوقات الذي يتكون جنينًا كسائر الأجنة الحيوانية لا فرق بينه وبينها في التركيب.

ولكن هذا الذي أتى على اللغة إنما تم في دهور متطاولة، وعلى طريقة وراثية بطيئة؛ لأن جماعات الإنسان يومئذ لم تكن «أكاديميات» أو مجالس علماء يُبث فيها الرأي وتُقطع الكلمة، ولكنها كانت طبيعية، وأعمال الطبيعة لا حساب لها في عرف الإنسان: وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ.٢

ومما نستوفي به «الفائدة الظنية» في هذا الفصل، أن علماء طبقات الأرض حققوا بعد ما عانوا من البحث وما تهيأ لهم من أنواع الاكتشاف — أن الحيوانات التي كانت تكتنف الإنسان في أول نشأته الأرضية ليست من الأنواع التي نعهدها اليوم، بل كانت غاية في العِظَم والهول وشدة المراس. لا جرم كانت هذه الحالة مضطرة للإنسان إلى الاصطلاح في مخاطبة نوعه كلما نذر بها، كما كانت هي الباعثة له على انتقاله من أول أطواره إلى الطور الثاني الذي هو بداية تاريخ العقل الاجتماعي الساذج؛ وذلك أن العلماء يجعلون الزمن من نشأة الإنسان الأرضية إلى بداءة التاريخ ثلاثة عصور: عصر التوحش المطلق، وعصر الحجر، وعصر البرنز، ويليها عصر الحديد الذي يبتدئ مع إنسان التاريخ، وهذا التقسيم عنه يصح أن يطلق على اللغة أيضًا، فعصر التوحش فيها هو الذي خرجت فيه الأصوات الوجدانية مصحوبة بالإشارات أولًا ثم استقلت هذه عنها؛ وعصرها الحجري هو الذي ابتدأ فيه الإنسان ينحت من المقاطع الحيوانية والطبيعية لغته الأولى، وعصرها البرنزي الذي يدخل فيه شيء من الصناعة؛ هو العصر الذي اهتدى فيه الإنسان إلى الزيادة على المقاطع الثنائية وصنعة الألفاظ على هذا الوجه؛ ثم انقادت له اللغة وتماسكت، وذلك عصرها الحديدي الذي ابتدأ مع التاريخ.

ومما يستأنس به أن تلك المخلوقات الهائلة التي كانت لعهد النشأة الأولى وانقرضت، ربما كان في أصواتها بعض مقاطع متنوعة يتألف من مجموعها «أبجدية» صالحة، وهي التي ورثها الإنسان وركَّب منها أصول لغته، وذلك فضلًا عن جهارة الصوت وشدته التي تترك له أثرًا في النفس هنيهة يتمكن فيها الإنسان من استيقاء صنعة التقليد الصوتي على أتم وجوهها. والله أعلم بغيبه.

فاللغات قبل التاريخ بزمن لا يُذكر التاريخ في حسابه، وقد تمشت على سنن الاجتماع وجرت معه في طريق واحدة؛ ولا يزال ذلك من أمرها إلى اليوم في الشعوب المنحطة، فإن من أهل أستراليا من ليس في لغتهم من العدد إلا واحد واثنان «نتات، نايس» فإذا عدوا ثلاثة جمعوهما، وإذا أرادوا أربعة كرروا لفظ «نايس» ويكررونه مع لفظ الواحد إذا عدوا خمسة، فإذا بلغوا الستة كرروا ثلاث مرات، ثم يقرنون بها لفظ الواحد للسبعة، وذلك منتهى ما يعدون؛ أما ما وراء السبعة فيشيرون إليه بلفظ «كثير». وما كانت لفظة الكثرة لتطلق على الثمانية كما تطلق على الثمانين مثلًا إلا لأن ما بين المعنيين من الجزئيات غير مضبوط في نظام الاجتماع بل هو مطلق فيه، وكذلك يطلق الاسم عليه.

وقد وجد علماء اللغات أيضًا أن من أولئك من يعبرون عن معنى الصلابة، بلفظ الحجر؛ وعن معنى الاستدارة، بلفظ القمر؛ وهكذا من المترادفات التي هي أصول طبيعية ثابتة لتلك المعاني المتفرعة:

وذكروا أن أهالي «المكسيك» القدماء لما رأوا السفينة أول مرة سموها «بيت الماء»، وأن أهل «ميسوري» لم يكن عندهم غير الأدوات المتخذة من الصوان، فلما جيء إليهم بالحديد والنحاس سموا الأول حجرًا أسود والثاني حجرًا أحمر؛ وأن بعض أهالي أمريكا لما رأوا الخيل أول مرة ولم تكن في أرضهم اختلفوا في تسميتها، فبعضهم سمى الجواد «الكلب المسحور» وآخرون سموه «الخنزير الحامل للإنسان»؛ وكذلك لما رأى أهل «المكسيك» المعزى ولم يكونوا عرفوها من قبل سموها «رأس شجرة وشفة شعر». ومثل هذا كثير أحصاه علماء اللغات ودلوا عليه بألفاظه في منطق أهله، فلا بد أن تكون كل اللغات قد جرت في ارتقائها على هذا النحو الذي حفظه التاريخ في جملة أدلته، والذي هو بسبيل ما تخلده الطبيعة مما يعتبر به الآخرون من أمر الأولين.

ولما كانت اللغة كما أسلفنا تابعة لأحوال الاجتماع في البسط والقبض وما يتقلب عليه ويحدث فيه، بحيث لا تخرج عن أن تكون مرآة تظهره كما هو في نفسه مهما تنوعت أشكاله واختلفت أزياؤه — كان لا بد أن تتغير بحسبه ما دامت مستعملة فيه، وهذا التغير هو حقيقة الاصطلاح والمواضعة؛ فالإنسان لما ارتجل المقاطع الثلاثية دل بها على معان محصورة في حدود نظامه الاجتماعي، ثم ضرب في الكلام بمقدار ما يجد من أمره وما يتنبه إليه من حقائق الموجودات التي تكاشفه بنفسها، وما يقتضيه التبسط في مناحي المجتمعات شيئًا فشيئًا؛ وذلك على طريقة تكرار الألفاظ وتنويعها للمعاني المختلفة بدلالة القرينة. وهذا النحو لا يزال باقيًا في اللغة الأكادية؛ فإنهم يدلون بلفظة لا تعدو هجاءً واحدًا على خمسة عشر معنى، وهي لفظة “ga” أو “ca” يدلون بها على الفم والوجه والعين والأذن والشكل والقدم والرجل والنظر والتكلم والمدينة، وهذا أكثر معانيها.

ثم يعبر الإنسان عن المعاني بما يرادفها من ألفاظ المحسوسات، كما يعبر أهل المكسيك عن معنى الصلابة بلفظ الحجر، وكما وجدوا في الكتابة الهيروغليفية بمصر والصين والمكسيك أيضًا، وهي الكتابة الصورية؛ فإنهم يرسمون الشمس ويريدون بها التعبير عن الضوء، ويرسمون القمر ويعبرون به عن الليل، وإذا أرادوا أن يدلوا على المشي مثلًا رسموا ساقي رجل في حال الحركة، وهلم على هذا القياس، مع أن هؤلاء، وإن كانوا في أقدم عهد الكتابة إلا أنهم في أول عهد التاريخ، فأحر بالمتكلمين أن يكونوا كذلك في أول عهدهم بالدلالة المعنوية؛ ومن هذا القبيل أن زنوج «غريبو» يدلون على معنى الغضب بما ترجمته: «قد نتأ عظم في صدري!»

ويرتقي الإنسان من ذلك التعبير عن غرائب الاجتماع في عهده على نحو ما رأيت من تسمية الخيل والمعزى، وكما فعل سكان جزيرة «فاكومز»؛ فإنهم لما رأوا أول رجل أوربي دخل بلادهم سموه بما ترجمته «طويل وجه شعر رجل» ولفظها في لغتهم «يكبيكو كسالكوس»، ثم استمورا يصقلونها ويخففون من ثقلها بمقدار ما تخف هذه الدهشة الأولى، حتى صارت الكلمة في لغتهم بعد أن ألفوا الأوربيين «يكبوس».

ومتى بلغ الإنسان إلى هذه الدرجة فقد صار في أعلى سلم الاجتماع الطبيعي، وحينئذ تدخل اللغة في الطور الصناعي وتجري عليها أحكام الاشتقاق والنحت والقلب والإبدال، ويفعل الزمن فعله فيها كما يفعل في تكوين الجماعات، وبذلك تتنوع وتنشأ منها اللغات الكثيرة.

هوامش

(١) لما ألف ابن جني كتاب «الخصائص» تناول في بعض مواضعه الكلام عن أصل اللغة فأظهر ميله إلى المذهب الوضعي، إلا أنه لم يقطع به، بل وازن بين أدلة المذهبين ثم قال: «وإن خطر خاطر فيما بعد يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها عن صاحبتها قلنا به.» ثم جزم بهذا الرأي بعد ذلك. وقد أورد السيوطي في الزهر كلامًا طويلًا جمع فيه آراء المتكلمين في أصل اللغة، واستوعب ذلك أتم استيعاب، ولكن الفصل برمته «من صناعة الكلام».
(٢) سورة الحج: ٤٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤