صفات الحروف ومخارجها

لا نريد أن نطيل في بيان مخارج الحروف العربية وضبطها على وجوهها الصحيحة المتناقلة عن العرب؛ فذلك خارج عن غرضنا في هذا الكتاب، ثم هو موضوع فن برأسه، وهو فن التجويد الذي وضعه حفص بن عمرو الدوري صاحب القراءة المشهورة ﺑ «قراءة حفص»، وقد أخذ عن عاصم عن التابعين عن أصحاب رسول الله ؛ وذلك بعد مستفيض في كتب التصريف، وقد وضع فيه ابن جني كتابه «سر الصناعة»، وهو أتم كتاب في ذلك، قسمه على أبواب بعدد الحروف، فذكر فيه أسماءها وأجناسها ومخارجها ومدارجها وفروعها وخلافَ العلماء في ذلك مستقْصًى مشروحًا.

ولكننا نذكر أنواع هذه الحروف باعتبار صفاتها، لأن هذه الصفات إنما هي مصطلحات تاريخية في اللغة، وهم يسمون الخطأ فيها — صفات الحروف — لحنًا خفيًّا، وقد سمينا بعضها فيما تقدم لنا من الكلام، فنذكر جملتها في هذا الفصل ترجمةً لتلك وتوفيةً للفائدة، ثم نلم بمخارجها بعد.

الصفات

يقسمون الحروف باعتبار صفاتها إلى تسعة عشر نوعًا، وبعضهم يبلغ بها إلى أربعة وأربعين، وكثير ينقصون أو يزيدون؛ أما الأنواع المشهورة عند علماء هذا الفن والتي هي كالأصول، فهي حروف: همس، وجهر، وشدة، ورخاوة، وبينَ بينَ، وحروف استعلاء، واستفال، وإطباق، وانفتاح، وتفخيم، وترقيق، وتفشٍّ، وتكرير، واستطالة، وغنَّة، وذَلاقة، ومدٍّ، ولين، وصفير، وقلقلة.

  • (١)

    فالحرف المهموس هو الذي ضَعُف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه، وحروف هذا النوع عشرة: (ﻫ ح خ ك ش س ت ص ث ف).

  • (٢)

    والحرف المجهور هو الذي أشبع الاعتماد في موضعه — أي على مخرج الحرف — ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت، وحروف هذا النوع تسعة عشر، لأنها كل ما كان غير مهموس.

  • (٣)

    والشديد هو الذي يمتنع الصوت أن يجري فيه لكمال قوة الاعتماد على مخرج الحرف، ولهذا النوع ثمانية حروف: «ء ق ك ج ط ت د ب».

  • (٤)

    والرخو هو الذي يجري فيه الصوت لضعف الاعتماد على مخرجه مع نَفَس قليل، وذلك في الرخو المجهور، أو كثير وهو في الرخو المهموس؛ وحروف الرخاوة ستة عشر: (ذ ظ غ ض ز و ي ا ﻫ ح خ ش س ت ص ث)، وهذه الثمانية الأخيرة هي كل حروف الهمس ما عدا الفاء والكاف.

  • (٥)

    وأما الحرف الذي هو بَيْن بَيْن فهو المتوسط بين الرخاوة والشدة وذلك من عدم كمال احتباس الصوت وعدم كمال جريه؛ وحروفه خمسة: (ل ن ع م ر)، وهذه الحروف المتوسطة كلها مجهورة.

    أما الأنواع السابقة فمنها الشديد المجهور، وهو ستة حروف: (ء ق ط ب ج د).

    ومنها الشديد المهموس وهو حرفان: (ك ت).

    ومنها الرخو المجهور وحروفه ثمانية: (ض ظ ذ غ ز ا و ي).

    ومنها الرخو المهموس وهو ثمانية أيضًا: (ﻫ ح خ ش س ص ث ف)، وهذه الثمانية هي جميع الحروف المهموسة ما عدا الكاف والتاء.

  • (٦)

    الاستعلاء: هو أن يستعلي اللسان عند النطق بالحرف إلى جهة الحنك العليا، وحروفه سبعة (خ ص ض غ ط ق ظ) وأشدها استعلاءً القاف.

  • (٧)

    والاستِفال: ضد الاستعلاء، وحروفه كل ما عدا السبعة المتقدمة.

  • (٨)

    الإطباق: وهو انحصار الصوت فيما بين اللسان والحنك، لانطباق الحنك على وسط اللسان بعد استعلاء أقصاه ووسطه إلى جهة الحنك، كما تعرف ذلك عند النطق بحروفه، وهي أربعة (ط ظ ص ض)، وجملتها من حروف الاستعلاء، ولا يكون الإطباق تامًّا إلا مع الطاء.

  • (٩)

    والانفتاح: هو عدم انحصار الصوت بين وسط اللسان والحنك عند النطق بالحرف لانفتاح ما بينهما، سواء انطبق الحنك على أقصى اللسان أو لا؛ وحروفه كل ما عدا الأربعة المطبقة؛ وكل حروف الاستفالة منفتحة.

  • (١٠)

    التفخيم: وهو تغليظ الحرف في مخرجه بحيث يمتلئ الفم بصداه وحروف الاستعلاء كلها مفخمة، ولا يجوز تفخيم شيء من حروف الاستفالة إلا الراء واللام في بعض أحوالهما، وإلا ألف المد، فإنها تابعة لما قبلها تفخيمًا وترقيقًا.

  • (١١)

    والترقيق: وهو نحافة الحرف بحيث يكون جسمه ناحلًا لا يمتلئ الفم بصداه.

  • (١٢)

    والتفشي: كثرة انتشار خروج الهواء بين اللسان والحنك وانبساطه في الخروج عند النطق بالحروف، وحرف التفشي هو الشين فقط على المشهور، وبعضهم يجعله في الضاد والثاء والفاء، وبعضهم يقول: إن في الصاد والسين تفشيًا أيضًا، وكل ذلك غير مجمع عليه.

  • (١٣)

    والتكرير: ارتعاد رأس اللسان عند النطق بالحروف؛ وحرفه الراء فقط، وأكثر ما يظهر تكريره إذا كان مشددًا نحو: مرة، وكرة.

  • (١٤)

    والاستطالة: امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى آخرها وهي جنب اللسان لا طرفه، وحرفها الضاد فقط، وبعضهم يقول: إن الشين مستطيلة أيضًا لأنها تفشت واستطالت حتى خالطت أعلى الثنيتين، وهذا نقله صاحب المخصص.

  • (١٥)

    والغنة: صوت يخرج من الخيشوم — أقصى الأنف — ولذلك لو أمسك المتكلم بأنفه لم يمكن خروجها، وحرفاها النون «ولو تنوينًا» والميم إذا سُكِّنتا ولم تظهرا.

  • (١٦)

    والذلاقة: حروف سميت بذلك لخروج بعضها من ذلق اللسان وبعضها من ذلق الشفة، أي طرفهما، وهي «ف ر م ن ل ب» وضدها حروف الإصمات، وهي ما عدا هذه الستة.

  • (١٧)
    والمد: هو إطالة الصوت بحرف من حروف المد واللين زيادة على المد الطبيعي، وحروفه «ا و ي» لأن مخرجها متسع لانتهائها إلى هواء الفم، ومخرج الحرف إذا اتسع انتشر فيه الصوت وامتد ولان، وإذا ضاق انضغط فيه الصوت وصلب، وكل حرف تجده مساويًا لمخرجه إلا هذه الثلاثة.١ وللمد في علم التجويد ألقاب عشرة ليس هذا موضعها.
  • (١٨)

    والصفير: صوت يخرج مع الحرف يشبه صفير الطائر، وحروفه ثلاثة: «س ص ز».

  • (١٩)

    والقلقة: صوت زائد يحدث بفتح مخرج الحرف بتصويت، ويشترط عندهم في إطلاق اسم القلقة على ذلك الصوت، أن يكون شديدًا جهريًّا؛ وحروفها خمسة: «ق ط ب ج د»، والمبِّرد يعد الكاف من حروف القلقة، كأنه لم يشترط قوة الصوت الزائدة، وعلى ذلك تكون التاء منها أيضًا، وهو ما يفهم من كلام سيبويه، لأنها كالكاف، والصوت فيهما يلابس جري النفس، وهو صوت همس ضعيف، ولذلك عُدَّا شديدين مهموسين.

المخارج

تلك صفات الحروف المجمع عليها أما مخارجها الطبيعية فهي خمسة عشر على ترتيب ذهابها مع الصوت من ابتداء الصدر إلى شفتين كما ترى:
  • (١)

    حروف المد «ا و ي» تخرج من جوف الصدر وتنتهي إلى هواء هواء الفم.

  • (٢)

    «ء، ﻫ» مخرجهما من أقصى الحلق، غير أن الهمزة أدخل فيها.

  • (٣)

    «ع، ح» من وسط الحلق، والعين أدخل من أختها.

  • (٤)

    «غ، خ» من أدنى الحلق إلى الفم: والغين أدخل.

  • (٥)

    «ق» من بين أقصى اللسان وما فوقه من الحنك.

  • (٦)

    «ك» مما يلي مخرج القاف من اللسان والحنك.

  • (٧)

    «ج، ش، ي» من بين وسط اللسان وما فوقه من الحنك، غير أن الجيم أدخل والياء أخرج.

  • (٨)

    «ض» من بين جانب اللسان من أقصاه إلى قرب رأسه وبين ما يقابل ذلك من الأضراس العليا فتستغرق أكثر حافة اللسان.

  • (٩)
    «ل» من بين جانب اللسان حيث ينتهي مخرج الضاد إلى منتهى طرفه وبين ما يقابل ذلك من الحنك الأعلى فوق الأسنان، فالضاد واللام يتوزعان حافة اللسان.٢
  • (١٠)
    «ر، ن» من بين طرف اللسان إلى رأسه وبين لثة الثنيتين العلويتين، غير أن الراء أدخل في ظهر اللسان قليلًا.٣
  • (١١)

    «ط، د، ت» من بين طرف اللسان وبين أصول الثنايا العليا مصعدًا إلى الحنك، غير أن الطاء أدخل والتاء أخرج.

  • (١٢)

    «ص، س، ز» من بين رأس اللسان والثنايا من غير أن يتصل بها الحرف وإنما يحاذيها ويسامتها، غير أن الصاد أدخل والزاي أخرج.

  • (١٣)

    «ظ، ذ، ث» من بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، غير أن الظاء أدخل والثناء أخرج.

  • (١٤)

    «ف» من بين الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا.

  • (١٥)

    «ب، م، و» من بين الشفتين منطبقتين للباء والميم، ومنفتحتين للواو، غير أن الباء أدخل والواو أخرج.

هوامش

(١) سيبويه يعتبر لين حرفين: الواو والياء، ويسمى الألف «الهاوي» لأنه حرف اتسع لهواء الصوت، مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو، قال: لأنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك.
(٢) سيبويه يسمي اللام والراء حرفي الانحراف؛ لأن اللسان ينحرف عند النطق باللام إلى داخل الحنك، فلا يخرج الصوت من موضع اللام بل من ناحية مستدق اللسان فويق ذلك؛ وينحرف عند النطق بالراء إلى جهة اللام، قال: ولهذا يلثغ فيها الأطفال فيخرجونها لامًا.
(٣) المراد بهذه النون ما يسمونه النون المظهرة، والإظهار والإدغام والإقلاب والإخفاء هي أحكام هذا الحرف؛ فالمظهرة النون الساكنة إذا كان بعدها حرف من حروف الحلق، نحو أنعمت، والمدغمة التي يتلوها من كلمة أخرى حرف من الحروف المجموعة في قولهم «يرملون»، ويكون الإدغام بغنة إذا كان الحرف التالي ميمًا أو نونًا، وتقلب النون ميمًا إذا تلاها باء: نحو منبع، وتكون خفيفة أي بين الإظهار والإدغام إذا تلاها حرف من الخمسة عشر الباقية بعد الحروف التي أشرنا إليها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤