الدوبيت

وهذا الاسم من كلمتين، إحداهما فارسية وهي (دو) بمعنى اثنين، والأخرى (بيت) العربية؛ وسموه كذلك لأنه لا يكون أكثر من بيتين، وقد أخذه أدباء العرب عن الفرس، ويُعرف عندهم بالرباعي، واختص بالإجادة فيه بعض شعرائهم، كعمر الخيام، ورباعياته مشهورة مترجمة باللغات الأجنبية، وهي ٥٠٠ بيت، ولا نعرف أول من استعمل هذا النوع في العربية، ولكن نشأته كانت في بغداد، ولا ندري كيف يعده ابن خلدون من شعر عامتها، وهو كالموشح والشعر: لا تكون ثلاثتها إلا معربة، فإذا دخلها اللحن خرجت عن هذه الأسماء إلى أسماء أخرى، كالشعر الحميني في الموشح عند أهل اليمن، (وعروض البلد) فيه نفسه عند أهل الأمصار بالمغرب.

ونحن نرجح أن هذا النوع لم يكن في العربية قبل القرن السابع؛ لأننا لم نجده في شعر أحد قبل ذلك الزمن ولا وجدنا إشارة إليه، ولم نجد للشعراء ولعًا به إلا في أواخر تلك المائة وما بعدها، والرباعي يعد من المخترعات الحديثة في اللغة الفارسية؛ لأن أول من وضعه أبو سعيد بن الخير المتوفى سنة ٤٦٥، وبعضهم يقول إنه كان موجودًا قبل ذلك ولا يرجع اختراعه إلى تاريخ معين، غير أن ممن عرفوا بنظمه أبا جعفر رودكي الشاعر المتوفى سنة ٣٠٢ حتى افتن فيه الخيام وأجاده فاشتهر بما نظمه فيه شهرة بعيدة؛ لأنه ضمَّنه أفكارًا سامية وانتقادات مرة، ثم أقبل الأدباء عليه من بعده … وقد عارضها في العربية سديد الدين الأنباري كما ذكر صاحب خلاصة الأثر١ ولم يقع لنا شيء من رباعياته.

وللدوبيت وزن واحد، وهو فعْلن (بسكون العين) متفاعلن (وتارة يغيَّر إلى متفاعلين)، فعولن، فعلن (بتحريك العين وسكونها) وأمثلته كثيرة، وقد يُضَمِّنُونه أنواعًا من البديع، ومن أكثر الشعراء ولوعًا بذلك، الصفي الحليُّ، وله في ديوانه منه مقاطيع كثيرة. وللدوبيت باعتبار القوافي خمسة أنواع: الأوَّل يسمونه الرباعي المعرج ويشترط في قوافيه أن يكون بين الثلاثة منهم أو بين أربعتها الجناس التام، كقول بعضهم:

يا من بسنان رمحه قد طَعَنا
والصارم من لحظه قطَّعنا
أرحم دَنِفًا في سنِّه قد طَعَنا
في حبك لا يصيبه قطّ عنا

والرباعي الخاص، ويشترط فيه أن تكون كل قافيتين متقابلتين بينهما جناس تام، ويقولون إن مثاله:

أهوى رشًا بلحظه كلَّمنا
رمزًا وبسيف لحظه كلَّمنا
لو كان من الغراب قد سلَّمنا
ما كان له بيده سلَّمنا

والرباعي الممنطق ومثاله:

قدْ قدَّ لمهجتي غرام ونَشَر
والقلب مَلَك
من كان يراك قال ما أنت بَشَر
بل أنت مَلَك

والرباعي المرفَّل كقوله:

بَدْرٌ إذا رأته شمسُ الأفُقِ
كسفتْ ورقى في يوم أَحَدْ
عوَّذت جمالَه برب الفَلَق
وبما خَلَقا من كل أحد

وهذان النوعان لا يشترط في قوافيهما الجناس.

والخامس الرباعي المردوف، ويحسن فيه التزام الجناس، ومثاله:

يا مرسلًا للأنام جاهًا وحمى
ها أنت لنا عزا وهدى
في أي مدد
يا أفضل من مَشَى بأرض وسما
يا شافعنا في الحشر غدا
غَوْثًا ومَدَدْ

هوامش

(١) خلاصة الأثر: ٤ / ٣٩٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤