الملك حسين١

لك في الأرضِ والسماءِ مآتمْ
قام فيها أبو الملائكِ هاشمْ٢
قعد الآلُ للعَزاءِ وقامت
باكياتٍ على الحُسين الفَواطمْ٣

•••

يا أبا العِليةِ البَهاليلِ سَلْ آ
باءَك الزُّهْرَ هل من الموتِ عاصمْ؟٤
المنايا نَوازلُ الشَّعَرِ الأبـ
ـيضِ جاراتُ كلِّ أسودَ فاحم٥
ما الليالي إلا قِصارٌ ولا الدُّنـ
ـيا سِوى ما رأيتَ أحلام نائم
انحسارُ الشِّفاهِ عن سنِّ جَذلا
نَ وراءَ الكرى إلى سنِّ نادم
سنةٌ أفرحَت وأخرى أساءت
لم يدُم في النعيم والكرب حالم

•••

المَناحاتُ في ممالكِ أبنا
ئِكَ بَدريَّةُ العزاءِ قوائم٦
تلك «بغدادُ» في الدموعِ وعمَّا
نُ وراءَ السَّوادِ والشامُ واجم٧
والحِجازُ النبيلُ رَبعٌ مُصلٍّ
من رُبوعِ الهُدى وآخرُ صائم٨
واشتركنا فمِصرُ عَبْرى ولُبنا
نُ سَكوبُ العيونِ باكي الحمائم

•••

قُم تأمَّلْ بَنِيك في الشرقِ زينُ التَّـ
ـاجِ مِلءُ السَّريرِ نورُ العواصم٩
الزكيُّون عُنصرًا مثلَ إبرا
هيمَ والطيِّبون مثلَ القاسم١٠
وعليهم إذا العيونُ رمَتهم
عُوَذٌ من محمدٍ وتمائم١١
قد بنَى اللهُ بيتَهم فهْو باقٍ
ما بنى اللهُ ما له من هادم
دبَّروا الملكَ في العراقِ وفي الشا
مِ فسنُّوا الهدى وردُّوا المظالم
أمِنَ الناسُ في ذَراهم وطابت
عربُ الأرضِ تحتَهم والأعاجم
وبنَوا دولةً وراءَ فِلَسطِيـ
ـنَ كعابَ الهدى فتاةَ العزائم
ساسَها بالأناةِ أروَعُ ﮐ «الدا
خلِ» ماضي الجنانِ يقظانُ حازم١٢
قُبرصٌ كانت الحديدَ وقد تَنـ
ـزِل قُضبانَه اللُّيوثُ الضَّراغم١٣
كرِهَ الدهرُ أن يقومَ لِواءٌ
تُحشَرُ البِيدُ تحتَه والعماعم١٤

•••

قم تحدَّثْ «أبا عليٍّ» إلينا
كيف غامرتَ في جِوار الأراقم١٥
لم تُبالِ النُّيوبَ في الهامِ خُشْنًا
وتعلَّقتَ بالحواشي النواعم
هاتِ حدِّثْ عن العَوانِ وصِفْها
لا تُرَعْ في التراب ما أنا لائم١٦
كلُّنا وارِدُ السَّرابِ وكلٌّ
حمَلٌ في وَليمةِ الذئبِ طاعم١٧
قد رجَونا من المغانمِ حظًّا
وورَدْنا الوغى فكُنَّا الغنائم

•••

قد بعثتَ القضيَّةَ اليومَ ميْتًا
رُبَّ عظمٍ أتى الأمورَ العظائم
أنت كالحقِّ ألَّف الناسَ يَقظا
نَ وزادَ ائتلافَهم وهْو نائم
إنما الهِمَّةُ البعيدةُ غَرْسٌ
مُتأتِّي الجَنى بطيءُ الكمائم١٨
ربما غابَ عن يدٍ غرَسَته
وحوَته على المَدى يدُ قادم
حبَّذا موقفٌ غُلِبتَ عليه
لم يقِفْه للعُربِ قبْلَك خادم
ذائدًا عن ممالكٍ وشعوبٍ
نُقِلتْ في الأكفِّ نقْلَ الدراهم
كلُّ ماءٍ لهم وكلُّ سماءٍ
مَوطئُ الخيلِ أو مَطارُ القشاعم١٩
لِمَ لم تدْعُهم إلى الهمَّةِ الشمَّـ
ـاءِ والعلمِ والطِّماحِ المُزاحم
وركوبِ اللِّجاجِ وهْي طَواغٍ
والسمواتِ وهْي هُوجُ الشكائم٢٠
وإلى القُطبِ والجَليدُ عليه
والصَّحاري وما بها من سمائم٢١
اغسلوه بطيِّبٍ من وَضوءِ الرُّ
سْلِ كالوَردِ في رُباه البواسم٢٢
وخذوا من وِسادِهم في المُصلَّى
رُقعةً كفِّنوا بها فرعَ هاشم
واستعيروا لِنعشِه من ذُرا المِنـ
ـبرِ عودًا ومن شريفِ القوائم
واحملوه على البُراقِ إنِ اسْطَعـ
ـتُم فقد جلَّ عن ظهورِ الرواسم٢٣
وأديروا إلى العتيق «حُسينًا»
يَبتهلْ رُكنُه وتدعو الدعائم٢٤
واذكروا للأميرِ مكَّةَ والقصـ
ـرَ وعهدَ الصفا وطِيبَ المواسم
ظمِئ الحُرُّ للديارِ وإن كا
نَ على مَنهلٍ من الخُلدِ دائم

•••

نَقِّلوا النعشَ ساعةً في رُبا الفتـ
ـحِ وطوفوا برَبِّه في المعالم
وقِفوا ساعةً به في ثرى الأقـ
ـمار من قومِه وتُربِ الغمائم
وادفِنوه في القُدسِ بينَ سُليما
نَ وداوودَ والملوكِ الأكارم
إنما القدسُ منزلُ الوَحي مَغنى
كلِّ حَبرٍ من الأوائل عالم
كُنِّفَت بالغيوب فالأرضُ أسرا
رٌ مَدى الدهرِ والسماءُ طلاسم
وتحلَّت من البُراقِ بطُغرا
ءَ ومن حافرِ البُراقِ بخاتم٢٥
١  هو ملك الحجاز الحسين بن علي، زعيم الحركة العربية في طلب تحرير أصقاع الجزيرة من حكم الأتراك، وقد توفي سنة ١٩٣١م، ودُفِن بالقدس الشريف.
٢  أبو الملائك: أي أبو الملوك. وهاشم: هو أحد جدود النبي صلوات الله عليه.
٣  الآل: آل البيت النبوي الشريف، والمقصود هنا رجاله. والفواطم: يريد بهن نساء هذا البيت من ذرية السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول ، وزوج الإمام علي كرم الله وجهه.
٤  علية (بكسر العين): جمعُ عليٍّ، وهو الشريف العالي القدر من الناس. والبهاليل: جمع بهلول، وهو السيد الجامع لكل خير. والآباء الزهر: هم المُشرقو الوجوه المشابهون للنجوم الزهر في صفاء اللون والتلألؤ والظهور.
٥  يقول: إن المنايا تنزل بالشيب كما تنزل بالشباب، فليس هناك من عاصم منهن.
٦  يشبِّه الحزن على الفقيد بالحزن على صرعى بدر، أولى غزوات الرسول .
٧  بغداد: عاصمة العراق، والمراد بها القطر كله. وعمَّان: عاصمة الأردن، كنى بها عن الإقليم جميعه. والشام: يقصد بها سوريا وما إليها من الأقاليم المحصورة بين تركيا وبلاد العرب ونهر الفرات والبحر المتوسط.
٨  الحجاز النبيل: يقصد الحجاز الذي بقي محافظًا على عهده للفقيد. والرَّبع: الدار.
٩  العواصم: جمع عاصمة، وهي البلدان الكبيرة التي تقيم فيها الحكومات.
١٠  إبراهيم والقاسم: هما من أولاد النبي صلوات الله عليه.
١١  عُوذ: جمع عوذة، وهي الرقية تحفظ من العين كالتميمة، وجمع التميمة تمائم.
١٢  الأناة: الرفق. ويريد ﺑ «الأروع»: الملك فيصل، يشبِّهه بالداخل، وهو عبد الرحمن الداخل صقر قريش مؤسِّس دولة بني أُميَّة في الأندلس.
١٣  قبرص: جزيرة في البحر الأبيض المتوسط، قضى فيها الملك حسين بقية عمره بعدما اعتزل المُلك، يشبِّهها أمير الشعراء في حالة إقامة الفقيد فيها بالقفص الحديد الذي يُحبس فيه الأسد، وصنع الأقفاص الحديدية لحبس الأسود مألوف لمنظمي الحدائق في عصرنا هذا.
١٤  العماعم: الجماعات المتفرقون.
١٥  يشير إلى انضمام الفقيد في صف الحلفاء ضد تركيا في أثناء الحرب الكبرى، وقد كان لهذا الانضمام أثره في نهاية تلك الحرب.
١٦  العوان: الحرب.
١٧  كلنا في وليمة الذئب طاعم: يريد كلنا مطعوم مأكول لهذا الذئب.
١٨  الجنى: الثمار. الكمائم: محلُّ ما تنبت تلك الثمار.
١٩  القشاعم: النسور، جمع قشعم. ويريد ﺑ «النسور»: الطيارين الذين يشبهون النسور.
٢٠  يريد ﺑ «ركوب السموات»: ركوب الطيارات. ويريد ﺑ «هوج الشكائم»: اللجم؛ أي اللجم الصعبة القياد.
٢١  السمائم: جمع سَموم، وهي الريح الحارة المُحرِقة.
٢٢  الوضوء (بفتح الواو): ما يُتوضأ به.
٢٣  الرواسم: الإبل أو الخيل أو الركائب عامة.
٢٤  العتيق: مسجد بيت المقدس حيث دُفِن الفقيد.
٢٥  الطغراء: ما يُكتب في أول الكتاب. والبراق: هو ركوبة النبي صلوات الله عليه ليلةَ أُسري به.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤