من شعر الصِّبا

وقال في صِباه يهنِّئ الخديو توفيق بعيد الفطر، ويشير إلى صلة أنفذها إليه وهو في الدراسة بأوروبا:

قصْرَ الأعِزَّةِ ما أعَزَّ حِماكا
وأجَلَّ في العَلياءِ بَدْرَ سَماكا
تتساءلُ العربُ المُقدَّسُ بيتُها
أأُعِيدَ بانِي رُكنِه فبَناكا
وتقول إذ تأَتيكَ تَلتمسُ الهُدى
سِيَّانِ هذا في الجلالِ وذاكا
يا مُلتقى القمرَين ما أبهاكَ بل
يا مَجمعَ البحرَين ما أصفاكا
إن الأمانةَ والجلالةَ والعُلا
في هالةٍ دارت على مَغناكا
ما العِزُّ إلا في ثرى القَدَمِ التي
حسَدَت عليها النيِّراتُ ثراكا
يا سادِسَ الأُمراءِ من آبائِهِ
ما للإمارةِ من يُعَدُّ سِواكا
التُّركُ تقرأُ بِاسمِ جَدِّك في الوَغى
والعُربُ تذكُرُ في الكتاب أباكا١
نَسَبٌ لوِ انتمَتِ النُّجومُ لِعقدِهِ
لَترفَّعَت أن تسكنَ الأفلاكا
شرفًا عزيزَ العصرِ فُتَّ مُلوكَهُ
فضلًا وفاتَ بَنيهمُ نَجلاكا
لك جَنَّةُ الدنيا وكَوثرُها الذي
يجري به في المُلكِ شرطُ غِناكا
ولك المدائنُ والثُّغورُ مَنيعةً
في مَجمعِ البحرَين تحتَ لِواكا
مُلكٌ رعيتَ اللهَ فيه مؤيَّدًا
بِاسمِ النبيِّ مُوفَّقًا مَسعاكا
فأقمتَ أمرًا يا أبا العباسِ مأ
مونَ السبيلِ على رَشيدِ نُهاكا
إن يَعرضوهُ على الجبالِ تهُن له
وهِيَ الجبالُ فما أشدَّ قُواكا
بسياسةٍ تقفُ العقولُ كلِيلةً
لا تستطيع لكُنهِها إدراكا
وبحكمةٍ في الحكمِ توفيقيةٍ
لك يَقتفي فيها الرجالُ خُطاكا
مَولايَ عيدُ الفطرِ صُبحُ سُعودِهِ
في مِصرَ أسفَر عن سَنا بُشْراكا
فاستقبلِ الآمالَ فيه بشائرًا
وأشائرًا تُجلى على عَلياكا
وتلقَّ أعيادَ الزمانِ مُنِيرةً
فهَناؤه ما كان فيه هَناكا
أيامُكَ الغُرُّ السعيدةُ كلُّها
عيدٌ فعِيدُ العالمين بَقاكا
فلْيَبقَ بيتُكَ ولْيَدُمْ ديوانُهُ
ولْيَحيَ جُندُكَ ولْتَعِشْ شُوراكا
ولْيَهنِني بك كلَّ يومٍ أنني
في ألفِ عيدٍ من سُعودِ رِضاكا
يا أيها الملِكُ الأريبُ إليكها
عذراءَ هامت في صفاتِ عُلاكا
فطوَت إليكَ البحرَ أبيضَ نِسبةً
لِنظيرِه المورودِ من يُمناكا
قدِمَت على عيدٍ لبابِك بعدما
قدِمَت عليَّ جديدةً نُعماكا
أوَكلما جادَت نَداكَ رَوِيَّتي
سبَقَت ثَنايَ بالِارتجالِ يداكا
أنتَ الغنيُّ عن الثناءِ فإن تُرِدْ
ما يُطرِبُ الملِكَ الأديبَ فهاكا!

قصر المُنتزَه

وقال يصف قصر المنتزه العامر بالإسكندرية بعد رؤية معالمه الشائقة بدعوة من الجناب العالي سنة ١٨٩٥م:

مُنتَزهُ العبَّاسِ للمُجتلي
آمنتُ باللهِ وجَنَّاتِهِ
العيشُ فيه ليس في غيرِهِ
يا طالِبَ العيشِ ولذَّاتِهِ
قصورُ عزٍّ باذخاتُ الذُّرا
يودُّها كِسرى مَشيداتِهِ
من كلِّ راسي الأصلِ تحت الثرى
مُحيِّرِ النجمِ بِذرواتِهِ
دارت على البحرِ سلاليمُهُ
فبِتنَ أطواقًا لِلَبَّاتِهِ
مُنتظِماتٌ مائجاتٌ به
مُنمَّقاتٌ مِثلَ لُجَّاتِهِ
من الرخامِ الندرِ لكنها
تُنازِعُ الجوهرَ قيماتِهِ
من عملِ الإنسِ سِوى أنها
تُنسِي سليمانَ وجِنَّاتِهِ
والريحُ في أبوابِه والجوا
ري ماثلاتٌ دونَ ساحاتِهِ
وغابُه من سارَ في ظلِّها
يأتي على البُسفورِ غاباتِهِ
بالطولِ والعرضِ تُباهِي فذا
وافٍ وهذا عند غاياتِهِ
والرَّملُ حالٍ بالضُّحى مُذهَبٌ
يُصدِّئُ الظلُّ سَبيكاتِهِ
وتُرعةٌ لو لم تكُن حُلوةً
أنسَت «لَمَرْتِينَ» بُحَيراتِهِ٢
أو لم تكُن ثَم حياةَ الثرى
لم تُبقِ في الوصفِ لحيَّاتِهِ
وفي فمِ البحرِ لمَن جاءَهُ
لِسانُ أرضٍ فاقَ فُرْضاتِهِ
تَنحشدُ الطيرُ بأكنافِهِ
ويَجمعُ الوحشُ جماعاتِهِ
من مَعزٍ وَحْشيَّةٍ إن جرَت
أرَت من الجريِ نِهاياتِهِ
أو وثبَت فالنجمُ من تحتِها
والسُّورُ في أسْرِ أسيراتِهِ
وأرنبٌ كالنَّملِ إن أُحصيَت
تَنبتُ في الرَّملِ وأبياتِهِ
يَعلو بها الصَّيدُ ويعلو إذا
ما قيصرٌ ألْقَى حِبالاتِهِ
ومن ظِباءٍ في كِناساتِها
تَهيجُ للعاشقِ لَوْعاتِهِ
والخيلُ في الحيِّ عراقيَّةٌ
تَحمِي وتُحمَى في بُيوتاتِهِ
غُرٌّ كأيامِ عزيزِ الوَرى
مُحجَّلاتٌ مِثلُ أوقاتِهِ

وقال يهنِّئ الخديو توفيق بقدوم نجلَيه من سياحتهما بأوروبا:

ما باتَ يُثني على عَلياكَ إنسانُ
إلا وأنت لعَينِ الدهرِ إنسانُ
وما تَهلَّلتَ إذ وافاكَ ذو أملٍ
إلا وأدهشَه حُسنٌ وإحسان
لله ساحتُكَ المسعودُ قاصِدُها
فإنما ظِلُّها أمنٌ وإيمان
لئن تَباهى بك الدِّينُ الحنيفُ لَكَم
تقوَّمَت بك للإسلام أركان
تُراقِبُ اللهَ في مُلكٍ تُدبِّرُهُ
فأنت في العدلِ والتقوى سُليمان
أنْجَى لك اللهُ أنجالًا يُهيِّئُهم
لرِفعةِ المُلكِ إقبالٌ وعِرفان
أعِزَّةٌ أينَما حلَّت ركائبُهم
لهم مكانٌ كما شاءوا وإمكان
لم تَثنِهم عن طِلابِ العلمِ في صِغَرٍ
في عزِّ مُلكِك أوطارٌ وأوطان
تأبى السعادةُ إلا أن تُسايِرَهم
لأنهم لملوكِ الأرضِ ضِيفان
نجلانِ قد بلَغا في المجدِ ما بَلغا
مُعظَّمٌ لهما بين الورى شان
يكفيهما في سبيلِ الفخرِ أن شهِدَت
بفضلِ سَبقِهما رُوسٌ وألمان
هُما هُما تَعرِفُ العَلياءُ قَدرَهما
كِلاهما كَلِفٌ بالمجدِ يَقظان
ما الفَرْقدانِ إذا يومًا هُما طلعا
في مَوكبٍ بهما يَزهو ويَزدان
يا كافِيَ الناسِ بعدَ اللهِ أمرَهمُ
النَّصرُ إلا على أيديكَ خِذلان
ويا مُنِيلَ المعالي والنَّدى كرمًا
الربحُ من غيرِ هذا البابِ خُسران
مولايَ هل لفتًى بالبابِ مَعذرةٌ
فعقلُه في جلالِ المُلكِ حَيران
سعى على قدمِ الإخلاصِ مُلتمِسًا
رِضاك فهْو على الإقبالِ عُنوان
أرى جَنابَكَ رَوضًا للندى نَضِرًا
لأن غُصْنَ رجائي فيه رَيَّان
لا زالَ مُلكُكَ بالأنجالِ مُبتهِجًا
ما باتَ يُثنِي على عَلياكَ إنسان

وقال مهنِّئًا للخديو عباس بولادة إحدى الكريمات:

أعطى البرِيَّةَ إذ أعطاكَ باريها
فهل يُهنِّيك شِعري أم يُهنِّيها
أنت البرِيَّةُ فاهنأ وهْي أنت فمَن
دعاكَ يومًا لِتَهنا فهْو داعيها
عيدُ السماءِ وعيدُ الأرضِ بينهما
عيدُ الخلائقِ قاصِيها ودانيها
فبارَكَ اللهُ فيها يومَ مَولدِها
ويومَ يرجو بها الآمالَ راجِيها
ويومَ تُشرِقُ حوْلَ العرشِ صِبيتُها
كهالةٍ زانتِ الدنيا دَراريها
إن العنايةَ لمَّا جامَلتْ وعَدَت
ألا تكفَّ وأن تَتْرى أياديها٣
بكلِّ عالٍ من الأنجالِ تحسَبُهُ
من الفراقدِ لو هشَّت لِرَائيها
يقومُ بالعهدِ عن أوْفَى الجدودِ به
عن والدٍ أبلجِ الذِّمَّاتِ عاليها
ويأخذُ المجدَ عن مصرٍ وصاحبِها
عن السَّراةِ الأعالي من مَواليها
الناهضين على كرسيِّ سُؤددِها
والقابضين على تاجَي مَعاليها
والساهرين على النِّيل الحفيِّ بها
وكأسها وحُميَّاها وساقيها
مولاي للنفسِ أن تُبدي بَشائرَها
بما رزقتَ وأن تُهدي تهانيها
الشمسُ قدرًا بل الجَوزاءُ منزلةً
بل الثُّريَّا بل الدنيا وما فيها
أُمُّ البنينَ إذا الأوطانُ أعْوَزها
مُدبِّرٌ حازمٌ أو قلَّ حاميها
من الإناثِ سِوى أن الزمان لها
عبدٌ وأن الملا خُدَّامُ ناديها
وأنها سرُّ عباسٍ وبَضعتُهُ
فهْي الفضيلةُ ما لي لا أُسمِّيها
أغَرُّ يستقبلُ العصرُ السلامَ به
وتُشرِقُ الأرضُ ما شاءت لياليها
عالي الأريكةِ بين الجالسين له
من المَفاخرِ عاليها وغاليها
عباسُ عِش لنفوسٍ أنت طِلبتُها
وأنت كلُّ مُرادٍ من تَناجيها
تُبدي الرجاءَ وتدعوه ليَصدُقَها
واللهُ أصدَقُ وعدًا وهْو كافيها

بيني وبين أبي العلاء

بيني وبين أبي العلاءِ قضيَّةٌ
في البِرِّ أسترعي لها الحُكماءَ
هو قد رأى نُعْمى أبيه جِنايةً٤
وأرى الجِنايةَ من أبي نعماءَ

دواء المُتيَّم

داوِ المُتيَّمَ داوِهِ
من قبلِ أن يَجِدَ الدَّوا
إن النَّواصحَ كلَّهم
قالوا بتبدِيلِ «الهوا»٥
فتحتُمُ بابًا على صَبِّكم
للصدِّ والهجرِ وطُولِ النَّوى
فلا تَلومُوه إذا ما سَلا
قد فُتِحَ البابُ ومرَّ «الهوا»٦

وكتب على صورةٍ مُهداة لصديق:

سعَت لكَ صُورتي وأتاكَ شَخصي
وسارَ الظِّلُّ نحوَك والجِهاتُ
لأن الرُّوحَ عندك وهْي أصلٌ
وحيث الأصلُ تسعى المُلحَقاتُ
وهَبْها صورةً من غيرِ رُوحٍ
أليس من القَبولِ لها حياةُ
١  هو توفيق بن «إسماعيل».
٢  لامرتين: شاعر فرنسا العظيم، وقصيدته عن «البحيرة» ذائعة، وقد تُرجمَت إلى العربية مرات.
٣  تترى: متواترة متتابعة، وقد استعملها الشاعر هنا بمعنى تتواتر.
٤  يشير إلى قول أبي العلاء المعري:
هذا جناه أبي عليَّ
وما جنيتُ على أحد
وأبو العلاء لم يتزوج ولم يُنجِب.
٥  يستعمل الشاعر كلمة «الهوا» على طريقة الإيهام عند البديعيين، فيقصد معنًى ويُوهم معنًى غيره، والهوا (مقصور الهواء) غير الهوى بمعنى العشق والمحبة.
٦  يستعمل الشاعر كلمة «الهوا» على طريقة الإيهام عند البديعيين، فيقصد معنًى ويُوهم معنًى غيره، والهوا (مقصور الهواء) غير الهوى بمعنى العشق والمحبة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤