محجوبيات

(كان بين الشاعر والدكتور محجوب ثابت صلةٌ متينة من الود، وكان بينهما مسامرات ومداعبات أوحت إلى الشاعر ببعض ما ننشره بعدُ من شعر الفكاهة.)

بيْنَ مَكْسُويني والأُوتُومُبيل

(كان للدكتور محجوب ثابت حِصانٌ يرتاد به ما شاء من أحياء القاهرة في أيام الثورة، وكان أصدقاؤه يُسمُّون حصانه «مكسويني»، وهو اسم بطل أيرلندي مشهور انتحر جوعًا؛ يُكنُون بذلك عن هزال الحصان وجوعه وعدم العناية به.)

(وقد استبدل به الدكتور محجوب سيارة، فنظم الشاعر هذه القصيدة يداعب الدكتور ويعزِّي حصانه، وقد نُشرَت هذه القصيدة في سنة ١٩٢٤م).

لكم في الخطِّ سيَّارة
حديثُ الجارِ والجارة
«أُوفرْلانْدُ» يُنبِّيكَ
بها القُنصُلُ «طمَّارة»١
كسيَّارةِ «شارْلوتَ»
على السَّواقِ جبَّارة٢
إذا حرَّكها مالت
على الجنبَينِ مُنهارة
وقد تَحرنُ أحيانًا
وتمشي وحْدَها تارة
ولا تُشبِعُها عَينٌ
من «البِنزينِ» فوَّارة
ولا تَرْوَى من الزَّيتِ
وإن عامت به الفارة
ترى الشارعَ في ذُعرٍ
إذا لاحت من الحارة
وصِبيانًا يضجُّونَ
كما يَلقَون طيَّارة
وفي مَقدمِها بوقٌ
وفي المُؤخَرِ زُمَّارة
فقد تمشي متى شاءت
وقد ترجعُ مُختارة
قضى اللهُ على السوَّا
قِ أن يجعلَها دارَهْ
يُقضِّي يومَه فيها
ويَلقى الليلَ ما زارَهْ

•••

أدُنيا الخيلِ «يا مَكسِي»
كدُنيا الناسِ غدَّارة
لقد بدَّلك الدهرُ
من الإقبالِ إدبارَهْ
فصبرًا يا فتى الخيلِ
فنفسُ الحُرِّ صبَّارة
أحقٌّ أن «مَحجوبًا»
سَلا عنك بفخَّارة
وباعَ الأبْلَقَ الحُرَّ
ﺑ «أُوفرْلانْدَ» نعَّارة
ولم يعرفْ له الفضلَ
ولا قدَّرَ آثارَهْ
قد اختارَ لك الشَّلحَ
وما كنتَ لتَختارَهْ
فسَلْه ما هو الشَّلحُ
عسى يُنبِيكَ أَخبارَهْ
كأن لم تَحمِلِ الرَّايَـ
ـةَ يومَ الرَّوعِ والشَّارة٣
ولم تَركبْ إلى الهولِ
ولم تحمِلْ على الغارة
ولم تَعطِفْ على جَرْحى
من الصِّبيةِ نظَّارة
فمضروبٌ برَشَّاشٍ
ومَقلوبٌ بغدَّارة
ولا والله ما كلَّفـ
ـتَ «محجوبًا» ولا بارَهْ
فلا البِرسيمُ تَدرِيهِ
ولا تعرِفُ نَوَّارة
وقد تَرْوَى على «صُلتٍ»٤
إذا نادَمتَ سُمَّارَهْ
وقد تَسكَرُ من خَودٍ
على الإفريزِ مِعقارة
وقد تشبَعُ يا ابنَ الليـ
ـلِ من رَنَّةِ قِيثارة
عسى اللهُ الذي ساقَ
إلى «يوسفَ» سيَّارة
فكانت خلفَهم دُنيا
له في الأرضِ كبَّارة
يهيِّئُ لك هَوَّارًا
كريمًا وابنَ هوَّارة٥
فإن الحظَّ جوَّالٌ
وإن الأرضَ دوَّارة

مَكْسويني

(وهذه مداعبة أخرى قيلَت في مكسويني حصان الدكتور محجوب أيام الثورة المصرية، حين كان الدكتور يرتاد بار اللواء وجريدة الأهرام.)

تُفدِّيك يا مَكسُ الجيادُ الصَّلادِمُ
وتفدي الأساةُ النُّطسُ من أنتَ خادمُ
كأنك إن حاربتَ فوقَكَ عنترٌ
وتحتَ ابنِ سينا أنت حينَ تُسالِمُ
ستُجزَى التماثيلَ التي ليس مِثلُها
إذا جاء يومٌ فيه تُجزَى البهائمُ
فإِنك شمسُ والجيادُ كواكبٌ
وإنك دينارٌ وهُنَّ الدراهمُ
مثالٌ بِساحِ البرلمانِ مُنصَّبٌ
وآخرُ في «بارِ اللِّوا» لك قائمُ
ولا تظفرُ «الأهرامُ» إلا بثالثٍ
«مزاميرُ» داوودٍ عليه نَواغمُ٦
وكم تدَّعي السُّودانَ يا مَكسُ هازلًا
وما أنت مُسوَدٌّ ولا أنت قاتمُ
وما بكَ مما تُبصِرُ العينُ شُهبةٌ
ولكن مَشِيبٌ عجَّلتْه العظائمُ
كأنك خيلُ التُّركِ شابت مُتونُها
وشابت نَواصيها وشاب القوائمُ
فيا رُبَّ أيامٍ شهدتَ عصيبةٍ
وقائعُها مشهورةٌ والملاحمُ

ذخيرة

(وهذه مداعبةٌ أخرى — لم تكمل — نظمها في أيام الثورة، وهو يشير فيها إلى ألفَي جنيه كان الدكتور محجوب قد اكتنزها وحرص عليها في بنك حسن باشا سعيد.)

قُل لابن سِينا لا طَبيـ
ـبَ اليومَ إلا الدِّرهمُ
هو قبلَ بقراطٍ وقبـ
ـلَكَ للجِراحةِ مَرهمُ
والناسُ مُذ كانوا عليـ
ـه دائرونَ وحُوَّمُ
وبسِحرِه تعلو الأسا
فلُ في العيونِ وتعظُمُ
يا هل تُرى الألفانِ وقْـ
ـفٌ لا يُمَسُّ ومَحرَمُ
بنكُ «السَّعيدِ» عليهما
حتى القيامةِ قيِّمُ
لا «شِيكَ» يظهرُ في البُنو
كِ ولا «حِوالةَ» تُخصَمُ
وأعَفُّ من لاقيتَ يلـ
ـقاهُ فلا يتكرَّمُ
… … …
… … …

براغيث محجوب

بَراغيثُ مَحجوبِ لم أنسَها
ولم أنسَ ما طعِمَت من دمي
تشقُّ خَراطيمُها جَوْربي
وتنفُذُ في اللحمِ والأعظُمِ
وكنتُ إذا الصيفُ راح احتَجمتُ
فجاءَ الخريفُ فلم أُحجَمِ
تُرحِّبُ بالضَّيفِ فوقَ الطريقِ
فبابِ العيادةِ فالسُّلَّمِ
قد انتشرَت جَوقةً جَوقةً
كما رُشَّتِ الأرضُ بالسِّمسِمِ
وترقصُ رقْصَ المَواسي الحِدادِ
على الجِلدِ والعَلَقِ الأسحمِ
بواكيرُ تَطلعُ قبلَ الشِّتاءِ
وترفعُ ألويةَ المَوسمِ
إذا ما «ابنُ سينا» رمى بلغمًا
رأيتَ البراغيثَ في البَلغمِ
وتُبصِرُها حول «بيبا» الرئيسِ٧
وفي شاربَيهِ وحولَ الفَمِ
وبينَ حفائرِ أسنانِهِ
مع السُّوسِ في طلبِ المَطعَمِ
١  الشيخ طمارة: كان إمامًا بالمفوضية المصرية في واشنطون.
٢  يعني شارلي شابلن الممثل الهزلي المشهور.
٣  يشير إلى ملازمته إياه في إبان الثورة المصرية سنة ١٩١٩م.
٤  مشرب عام في القاهرة كان يرتاده الصفوة من سكان القاهرة ونزلائها.
٥  هوارة: قبيلة عربية يشتهر بنوها بالكرم، ومنها بطن تستوطن صعيد مصر.
٦  نحسبه يعني المأسوف عليه داوود بركات رئيس الأهرام لذلك العهد.
٧  ابن سينا والرئيس: كناية عن الدكتور محجوب نفسه، ومن الأشياء الحبيبة إليه التدخين في «البيبا».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤