الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد

سلْ «يَلدِزًا» ذاتَ القصورِ
هل جاءَها نبأُ البدورِ١
لو تستطيعُ إجابةً
لبكَتكَ بالدَّمعِ الغزيرِ
أخنى عليها ما أنا
خَ على الخوَرنَقِ والسَّديرِ٢
ودها الجزيرةَ بعد إسـ
ـماعيل والملكِ الكبيرِ٣
ذهب الجميعُ فلا القصو
رُ تُرى ولا أهلُ القصورِ
فلكٌ يدورُ سُعودُهُ
ونُحوسُه بيدِ المديرِ
أين الأوانسُ في ذُرا
ها من ملائكة وحُورِ٤
المُترَعاتُ من النعيـ
ـمِ الرواياتُ من السرورِ٥
العاثراتُ من الدلا
لِ الناهضاتُ من الغُرورِ
الآمراتُ على الولا
ةِ الناهياتُ على الصدورِ٦
الناعماتُ الطيبا
تُ العَرْفِ أمثالُ الزهورِ٧
الذاهلاتُ عن الزما
نِ بنشوةِ العيشِ النضيرِ
المُشرِفاتُ وما انتقلْـ
ـنَ على الممالكِ والبحورِ
مِن كلِّ بلقيسٍ على
كرسيِّ عِزَّتِها الوثيرِ٨
أمضى نفوذًا من زُبيْـ
ـدةَ في الإمارةِ والأميرِ٩
بين الرَّفارف والمَشا
رفِ والزخارفِ والحريرِ١٠
والرَّوضِ في حجم الدُّنا
والبحرِ في حجمِ الغديرِ
والدرِّ مُؤتلِقِ السَّنا
والمِسكِ فيَّاحِ العبيرِ
في مسكنٍ فوق السِّما
كِ وفوقَ غاراتِ المُغيرِ١١
بين المَعاقلِ والقَنا
والخيلِ والجمِّ الغفيرِ
سمَّوه «يَلدِزَ» والأُفو
لُ نهايةُ النجمِ المُغِيرِ
دارت عليهنَّ الدَّوا
ئرُ في المَخادعِ والخدورِ١٢
أمسَينَ في رِقِّ العبيـ
ـل وبِتنَ في أَسرِ العشيرِ١٣
ما ينتهِينَ من الصلا
ةِ ضراعةً ومن النذورِ
يطلُبنَ نُصرةَ ربِّهنَّ
وربُّهنَّ بِلا نصيرِ١٤
صبَغَ السوادُ حَبيرَهنَّ
وكان مِن يَقَقِ الحُبورِ١٥
أنا إن عجَزتُ فإنَّ في
بُرديَّ أشعَرَ من «جَريرِ»
خَطْبُ الإمامِ على النَّظيـ
ـم يعزُّ شرحًا والنثيرِ
عِظةُ الملوكِ وعِبرةُ الـ
أيام في الزمنِ الأخيرِ
شيخُ الملوكِ وإن تضعـ
ـضعَ في الفؤادِ وفي الضميرِ
نستغفرُ المَولى لهُ
واللهُ يعفو عن كثيرِ
ونراه عند مُصابِهِ
أَولى بباكٍ أو عَذيرِ
ونَصونُه ونُجِلُّهُ
بينَ الشماتةِ والنكيرِ
عبدَ الحميدِ حسابُ مِثـ
ـلِكَ في يدِ الملكِ الغفورِ
سُدْتَ الثلاثينَ الطِّوا
لَ ولسْنَ بالحُكمِ القصيرِ١٦
تَنهى وتَأمر ما بدا
لك في الكبيرِ وفي الصغيرِ
لا تستشيرُ وفي الحِمى
عددُ الكواكبِ من مُشِيرِ
كم سبَّحوا لك في الرَّوا
حِ وألَّهوكَ لدى البُكورِ
ورأيتَهم لك سُجَّدًا
كسجودِ موسى في الحضورِ١٧
خفَضوا الرُّءوسَ ووتَّروا
بالذلِّ أقواسَ الظهورِ١٨
ماذا دهاكَ من الأمو
رِ وكنتَ داهيةَ الأمورِ
ما كنتَ إن حدَثَت وجلَّـ
ـتْ بالجَزوعِ ولا العَثورِ
أين الرَّوِيَّةُ والأنا
ةُ وحكمةُ الشيخِ الخبيرِ
إنَّ القضاءَ إذا رمى
دكَّ القواعد من «ثَبيرِ»١٩
دخلوا السرير عليكَ يحـ
ـتكمون في ربِّ السريرِ٢٠
أَعظِمْ بهم من آسرِيـ
ـنَ وبالخليفةِ من أسيرِ
أسدٌ هَصورٌ أنشبَ الـ
أظفارَ في أسدٍ هَصورِ٢١
قالوا اعتزِلْ قُلتَ اعتزلـ
ـتُ الحُكمُ للهِ القديرِ
صبَروا لدَولتكَ السنيـ
ـنَ وما صبَرتَ سوى شهورِ
أُوذيتَ من دُستورهم
وحنَنتَ للحُكمِ العسيرِ
وغضِبتَ كالمنصورِ أو
هارونَ في خالي العصورِ٢٢
ضَنُّوا بِضائعِ حقِّهم
وضنَنتَ بالدنيا الغَرورِ
هلَّا احتفظتَ به احتفا
ظَ مُرحِّبٍ فرِحٍ قريرِ
هو حِليةُ المَلِكِ الرشيـ
ـدِ وعِصمةُ المَلِكِ الغريرِ
وبه يُبارَك في المَما
لكِ والملوكِ على الدُّهورِ

•••

يا أيُّها الجيشُ الذي
لا بالدَّعِيِّ ولا الفَخورِ
يَخفى فإن رِيعَ الحِمى
لفَتَ البرِيَّةَ بالظهورِ٢٣
كالليث يُسرِفُ في الفِعا
لِ وليس يُسرِفُ في الزئيرِ٢٤
الخاطِب العلياءِ بالـ
أَرواحِ غاليةِ المهورِ
عند المُهيمِن ما جرى
في الحق من دَمِك الطَّهورِ
يتلو الزمانُ صحيفةً
غَرَّا مُذهَّبةَ السُّطورِ
في مدحِ «أنوَرِكَ» الجري
ءِ وفي «نِيازِيكَ» الجَسورِ
يا «شوكت» الإسلام بل
يا فاتحَ البلدِ العسيرِ٢٥
وابنَ الأكارمِ من بَنِي
«عُمَرَ» الكريمِ على «البشيرِ»٢٦
القابضين على الصَّليـ
ـلِ كجَدِّهم وعلى الصَّريرِ٢٧
هل كان جَدُّك في رِدا
ئِك يومَ زحفِك والكرورِ
فقنصتَ صيَّادَ الأُسو
دِ وصِدتَ قنَّاصَ النسورِ
وأخذتَ «يَلدِزَ» عَنوةً
وملكتَ عنقاءَ الثُّغورِ٢٨

•••

المؤمنون «بمصرَ» يُهـ
ـدُون السلامَ إلى الأميرِ
ويُبايعونك يا «محمـ
ـدُ» في الضمائرِ والصدورِ٢٩
قد أمَّلوا لِهلالِهم
حظَّ الأهِلَّةِ في المَسيرِ
فابلغْ به أوْجَ الكما
لِ بقوةِ اللهِ النصيرِ
أنت الكبيرُ يُقلِّدو
نَكَ سيفَ «عثمانَ» الكبيرِ
شيخُ الغُزاةِ الفاتحيـ
ـنَ حُسامُهُ شيخُ الذكورِ٣٠
يُمضى ويُغمَد بالهدى
فكأنه سيفُ النذيرِ٣١
بُشرى الإمامِ محمدٍ
بخلافةِ اللهِ القديرِ
بُشرى الخلافةِ بالإما
مِ العادلِ النَّزِهِ الجديرِ
الباعثِ الدستورَ في الـ
ـإسلام مِن حُفَرِ القبورِ
أوْدَى «معاويةٌ» به
وبَعثْتَه قبلَ النُّشورِ٣٢
فعَلى الخلافةِ منكما
نورٌ تَلألأَ فوقَ نورِ٣٣
١  يلدز، في لغة الترك: اسم نجم، وقد سُمِّي به قصرٌ عظيم في الآستانة، كان يسكنه السلطان عبد الحميد أيام ملكه. والمخاطَب بقوله «سل … إلخ» هو هذا السلطان.
٢  أخنى عليه الدهر: أتى عليه وأهلكه. والخورنق: قصر كان في الحيرة بالعراق للملك النعمان الأكبر أحد ملوك بني المنذر. والسدير: قصر كان بالحيرة أيضًا للمناذرة.
٣  دهاه الأمر: أصابه. والجزيرة: هي جزيرة الروضة في النيل شرقيَّ القاهرة، وكان بها قصر عظيم من قصور الخديو إسماعيل، وهو المراد.
٤  الأوانس: جمع آنسة، وهي الطيِّبة النفس. والحور: جمع حورية، وهي المرأة البيضاء الناعمة.
٥  المترعات: جمع مترعة، من أترع الإناء؛ أي ملأه.
٦  الولاة: جمع والٍ. الصدور: جمع صدر، ويقال له الصدر الأعظم، وهو كبير وزراء السلطان في الدولة التركية.
٧  العرف: الرائحة الطيبة.
٨  بلقيس: ملكة سبأ من أرض اليمن، وقصتها مع الملك سليمان مبسوطة في كتب التاريخ الديني. والوثير: الليِّن الموطَّأ.
٩  زبيدة: زوجة الخليفة هارون الرشيد.
١٠  الرَّفارف: جمع رفرف، وهو الفراش. والمشارف: جمع مشرف، وهو الموضع يُشرَف منه، ومشارف الأرض: أعاليها.
١١  السِّماك: كوكب.
١٢  الدوائر: جمع دائرة، وهي النائبة من صروف الدهر. والمخادع: جمع مخدع، بضم الميم وكسرها، بيت يكون في البيت الكبير يُحرَز فيه الشيء.
١٣  العبيل: الضخم الغليظ.
١٤  ربهن: سيدهن، وهو السلطان عبد الحميد.
١٥  الحبير: الناعم الجديد. اليقق: الشديد البياض.
١٦  الثلاثين الطوال: الأعوام التي مضت له وهو سلطان.
١٧  كسجود موسى في الحضور: أي حضوره حين تجلَّى له الله فكلَّمه.
١٨  وتَّروا بالذلِّ أقواس الظهور: أي جعلوا الذلَّ وترًا لأقواس ظهورهم؛ يعني أن الذلَّ قوَّس ظهورهم كما يفعل الوتر بالقوس إذا شُدَّ عليها.
١٩  ثبير: جبلٌ معروف.
٢٠  يحتكمون في ربِّ السرير: يتصرَّفون فيه وفق مشيئتهم.
٢١  أنشب أظفاره في الشيء: أعلقها فيه.
٢٢  أبو جعفر المنصور، وهارون الرشيد: من الخلفاء العباسيين.
٢٣  رِيعَ الحمى: أي راعه شيء وأفزعه.
٢٤  الزئير: صوت الأسد.
٢٥  أنور، ونيازي، وشوكت: كانوا من كبار القُوَّاد في الجيش العثماني، وكانوا على رأس الحركة التي قام بها هذا الجيش لحمل السلطان عبد الحميد على إعادة الدستور، وجعلِه أساسَ الحكم في البلاد التركية.
٢٦  عمر: هو الخليفة عمر بن الخطاب، كان شوكت باشا من سلالته. والبشير: من أسماء النبي محمد .
٢٧  الصليل: الصوت يُسمَع عند المقارعة بالسيوف. الصرير: صوت القلم عند الكتابة به.
٢٨  أخذ الشيء عنوة: أي قهرًا. العنقاء: طيرٌ معروف الاسم مجهول الجسم، يُضرَب مثلًا لكل عزيز ممتنع. والمراد أنه ملك ثغر الآستانة الذي يُشبِه العنقاء في عزَّته وامتناعه.
٢٩  محمد: هو السلطان محمد رشاد الخامس، الخليفة بعد السلطان عبد الحميد.
٣٠  الذكور: جمع ذكر، وهو السيف.
٣١  النذير: من أسماء النبي.
٣٢  أودى به: ذهب به وأضاعه. ومعاوية بن أبي سفيان: أول ملوك الدولة الأموية، وكان حُكم الخلفاء الراشدين قبله شورى بين المسلمين، وهي معنى حكم الدستور، فلمَّا أخذ معاوية الملك استقلَّ فيه برأيه.
٣٣  منكما: أي من الخليفة ومن الدستور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤