عيد الدهر وليلة القدر١

المُلكُ بين يدَيكَ في إقبالِهِ
عوَّذتُ مُلكَك بالنبيِّ وآلِهِ٢
حُرٌّ وأنت الحرُّ في تاريخِهِ
سمحٌ وأنت السمحُ في أقيالِهِ٣
فِيضَا على الأوطانِ من حُريةٍ
فكِلاكما المفتكُّ من أغلالِهِ٤
سعِدَت بعهدِكما المباركِ أُمةٌ
رقَّت لحالِكَ حقبةً ولحالِهِ٥
يَفديكَ نصرانيُّه بصليبِهِ
والمُنتمي ﻟ «محمدٍ» بهلالِهِ
وفتى الدروزِ على الحُزونِ بشيخِهِ
والموسويُّ على السهولِ بمالِهِ٦
صدَقوا الخليفةَ طاعةً ومحبةً
وتمسَّكوا بالطُّهرِ من أذيالِهِ
يجِدون دولتَك التي سَعِدوا بها
من رحمةِ المَولى ومن أفضالِهِ
جدَّدتَ عهد «الراشدين» بسيرةٍ
نسَجَ «الرشادُ» لها على مِنوالِهِ
بُنيَت على الشورى كصالحِ حُكمِهم
وعلى حياةِ الرأي واستقلالِهِ
حقٌّ أعزَّ بك المُهيمنُ نصرَهُ
والحقُّ منصورٌ على خُذَّالِهِ٧
شرُّ الحكومة أن يُساسَ بواحدٍ
في المُلكِ أقوامٌ عِدادُ رمالِهِ
مُلْكٌ تُشاطِرُه مَيامنَ حالِهِ
وترى بإذنِ اللهِ حُسْنَ مآلِهِ٨
أخذَت حكومتُكَ الأمانَ لظبيِهِ
في مُقفِراتِ البِيدِ مِن رِئبالِهِ٩
مكَّنتَ للدستور فيه وحُزتَهُ
تاجًا لوجهِك فوقَ تاجِ جلالِهِ١٠
فكأنَّك «الفاروقُ» في كرسيِّهِ
نعِمَت شعوبُ الأرضِ تحتَ ظلالِهِ١١
أو أنت مِثلُ «أبِي ترابٍ» يُتَّقى
ويهابُه الأملاكُ في أسمالِهِ١٢
عهدُ النبيِّ هو السماحةُ والرضا
ﺑ «محمد» أولى وسَمحِ خلالِهِ
بالحقِّ يحملُه «الإمامُ» وبالهدى
في حاضرِ الدستورِ واستقبالِهِ
يا ابنَ الخواقينِ الثلاثينَ الأُلى
قد جمَّلوا الإسلامَ فوقَ جمالِهِ١٣
المُبلِغِين الدِّينَ ذروةَ سعدِهِ
الرافعين المُلكَ أوجَ كمالِهِ١٤
المُوطِئين من الممالك خيلَهم
ما لم يفُز «إسكندرٌ» بوصالِهِ١٥
في عدلِ «فاتحهم» و«قانونيِّهم»
ما يَحتذي الخلفاءُ حذْوَ مثالِهِ١٦
أما الخلافةُ فهي حائطُ بيتِكم
حتى يُبينَ الحشرُ عن أهوالِهِ
أُخِذَت بحدِّ المشرفيِّ وحازَها
لكم القنا بِقِصارِه وطِوالِهِ١٧
لا تسمعوا للمُرجِفين وجهلِهم
فمصيبةُ الإسلامِ من جُهَّالِهِ١٨
طمعُ القريب أو البعيد بِنَيلِها
طمعُ الفتى من دهرِه بمُحالِهِ
ما الذئبُ مُجترِئًا على ليثِ الشَّرى
في الغابِ مُعتديًا على أشبالِهِ١٩
بأضلَّ عقلًا وهْي في أيمانكم
ممَّن يُحاوِل أخْذَها بشمالِهِ

•••

رضِيَ المُهيمنُ والمسيحُ وأحمدٌ
عن جيشِك الفادي وعن أبطالِهِ
الهازئين من الثرى بسهولِهِ
الدائسين على رءوسِ جِبالِهِ
القاتلين عدوَّهم في حصنه
بالرأي والتدبير قبلَ قتالِهِ
الآخذين الحصنَ عزَّ سبيلُهُ
مِثلَ السها أو في امتناعِ مَنالِهِ٢٠
المُعرِضين ولو بساحةِ يَلدزٍ
في الحربِ عن عِرضِ العدوِّ ومالِهِ
القارئين على «عليٍّ» علمَها
وعلى الغُزاةِ المتَّقِين رجالِهِ٢١
المُلكُ زُلزِلَ في «فروقٍ» ساعةً
كانوا له الأوتادَ في زلزالِهِ
لولا انتظامُ قلوبِهم ككفوفِهم
لنثرتُ دمعي اليومَ في أطلالِهِ٢٢
والمرءُ ليس بصادقٍ في قوله
حتى يؤيِّد قولَه بِفعالِهِ
والشعبُ إن رامَ الحياةَ كبيرةً
خاضَ الغمارَ دمًا إلى آمالِهِ٢٣
شكرُ الممالك للسَّخيِّ بروحه
لا للسخيِّ بقِيلِه أو قالِهِ
إيهٍ «فروق» الحُسن نجوى هائم
يسمو إليك بجَدِّه وبخالِهِ٢٤
أخرجتِ للعربِ الفِصاحِ بيانَهُ
قبسًا يُضيءُ الشرقَ مِثلَ كمالِهِ٢٥
لم تُكثِر «الحمراءُ» من نظرائه
نسلًا ولا «بغدادُ» من أمثالِهِ٢٦
جعل الإلهُ خيالَه «قَيسَ» الهوى
وجُعلتِ «ليلى» فِتنةً لخيالِهِ٢٧
في كلِّ عامٍ أنتِ نزهةُ روحِهِ
ونعيمُ مهجتِه وراحةُ بالِهِ
يَغشاكِ قد حنَّت إليكِ مَطيُّهُ
ويَئوبُ والأشواقُ مِلءُ رِحالِهِ
أفراحُه لمَّا رآكِ طليقةً
أفراحُ «يوسفَ» يوم حلِّ عِقالِهِ٢٨
وسرورُه بك من قيودك حُرَّةً
كسرورِ «قيس» بانفلاتِ غزالِهِ٢٩
الله صاغَكِ جنتَين لخلقِهِ
محفوفتَين بأنعُمٍ لِعيالِهِ
لو أنَّ لله اتخاذَ خميلةٍ
ما اختار غيرَك روضةً لجلالِهِ٣٠
فكأنَّما الصفتان في حُسنَيهما
ديباجتا خدٍّ يتيهُ بخالِهِ٣١
وكأنَّما «البسفورُ» حوضُ «محمدٍ»
وسطَ الجنان وهنَّ في إجلالِهِ٣٢
وكأن شاهقةَ القصورِ حيالَهُ
حُجراتُ «طه» في الجنانِ وآلِهِ٣٣
وكأن عيدَكِ عيدُها لمَّا مشى
فيها البشيرُ ببِشرِه وجمالِهِ٣٤
تِيهي بعيدِك في الممالك واسلمي
في السِّلمِ للآلاف من أمثالِهِ
واستقبلي عهدَ الرشادِ مُجمَّلًا
بمَحاسنِ الدستورِ في استهلالِهِ
دارُ السعادة أنتِ ذلك بابُها
شُلَّت يدٌ مُدَّت إلى إقفالِهِ
١  قِيلَت في احتفال بالمولد النبوي الشريف.
٢  الملك بين يديك: الخطاب للخليفة محمد رشاد الخامس.
٣  حرٌّ: أي الملك، يريد أنه غير مقيَّد بسلطة الفرد المستبد. وأنت الحرُّ في تاريخه: لأن الخليفة محمد رشاد أول خليفة دستوري. وسمح: يقال رجلٌ سمح؛ أي ذو سماحة وعطاء. والأقيال: جمع قَيْل، وهو المَلِك.
٤  كلاكما: أي أنت والملك. والمفتكُّ: المُطلَق. والأغلال: جمعُ غُلٍّ، بضم الغين، وهو طوق من حديد يُجعَل في العنق.
٥  الحقبة: المدة من الدهر.
٦  الحزون: جمع حَزن، بفتح الحاء؛ ما غلُظ من الأرض.
٧  الخذال: جمع خاذل، وهو الذي لا ينصرك.
٨  الميامن: جمع ميمنة، وهي اليُمن والبركة.
٩  الرئبال: الأسد.
١٠  مكَّنت للدستور: أي جعلته مكينًا ثابتًا. والدستور: هو القانون الذي يُنظِّم حكم الشورى.
١١  الفاروق: لقب عمر بن الخطاب.
١٢  أبو تراب: كنية علي بن أبي طالب. والأسمال: الثياب البالية، واحدها سمَل، بفتح الميم.
١٣  الخواقين: جمع خاقان، وهو اسمٌ لكل ملك من ملوك التُّرك.
١٤  الأوج: العلو.
١٥  إسكندر: هو المقدوني الفاتح العظيم.
١٦  فاتحهم وقانونيهم: لقبان أولهما للسلطان محمد الفاتح؛ لُقِّب به لأنه أول ملك في الإسلام استطاع أن يفتح القسطنطينية ويقضي على كل سلطة للروم بها، وثانيهما للسلطان سليمان القانوني؛ لُقِّب به لأنه أول واضع قانون للدولة التركية.
١٧  المشرفي: السيف، نسبة إلى موضع في اليمن كانت تُصنع به السيوف.
١٨  المرجفون: مَن يخوضون في الأخبار السيئة ليُوقِعوا الناس في الاضطراب.
١٩  الأشبال: جمع شبل، وهو ولد الأسد.
٢٠  السها: كوكبٌ خفي من بنات نعش الصغرى.
٢١  علي: هو علي بن أبي طالب، والضمير للحرب.
٢٢  الأطلال: ما شخص من آثار الديار.
٢٣  الغمار، بضم الغين وفتحها: لفيف الناس.
٢٤  إيه: اسم فعل للاستزادة من الحديث. والنجوى: المسارَّة بالكلام، وهي السرُّ أيضًا. الهائم: المحبُّ، والذاهب من العشق أو غيره لا يدري أين يتوجَّه، يريد نفسه؛ أي إنه هائم بحب فروق، وهي الآستانة، لِما بها من حسن. ومعنى «يسمو إليك بجده وبخاله» أنه من أصلٍ تركي من ناحية أبوَيه.
٢٥  أخرجت: الخطاب لفروق، والضمير للهائم في البيت قبله.
٢٦  الحمراء: هي مدينة غرناطة بالأندلس. وبغداد: حاضرة العراق.
٢٧  قيس: هو ابن الملوح، وقيل هو قيس بن معاذ المعروف بالمجنون. وليلى: هي محبوبته التي جُنَّ بها. يقول: إن الله صرف خياله في الشعر إلى الآستانة، فهو يجيد المعاني في وصفها، حتى شُغِف بها كشغف قيس بليلى.
٢٨  يقول: إنه فرح لها كما فرح يوسف — عليه السلام — بخروجه من السجن.
٢٩  يشير بقوله «كسرور قيس بانفلات غزاله» إلى ما قيل من أن المجنون رأى ظبية في حبالة صيادين، فسألهما أن يُطلِقاها ويضع مكانها شاة من غنمه، ففعلا.
٣٠  الخميلة: الشجر الكثير الملتف. والروضة: ما اجتمع من الحدائق.
٣١  الديباجتان: تثنية ديباجة، وهي الوجه، يقال فلان يصون ديباجته، والديباجتان أيضًا الخدَّان. والخال: شامة في الخد.
٣٢  حوض محمد: يريد الحوض المورود يوم القيامة. ومحمد: هو النبي .
٣٣  حياله: أي قبالته وإزاءه. والحجرات: جمع حجرة، وهي الغرفة. وطه: اسم من أسماء النبي أيضًا.
٣٤  البشير: من أسماء النبي أيضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤