ضجيج الحجيج١

ضجَّ الحجازُ وضجَّ البيتُ والحرَمُ
واستصرخَت ربَّها في مكَّةَ الأُمَمُ٢
قد مسَّها في حِماك الضُّرُّ فاقضِ لها
خليفةَ اللهِ أنتَ السيِّدُ الحَكَمُ
لك الربوعُ التي رِيع الحجيجُ بها
أللشريفِ عليها أم لكَ العلم؟٣
أُهِينَ فيها ضيوفُ اللهِ واضطُهِدوا
إنْ أنت لم تنتقمْ فاللهُ مُنتقِمُ
أفِي الضُّحى وعيونُ الجندِ ناظرةٌ
تُسبى النساءُ ويُؤذى الأهلُ والحشَمُ
ويُسفَك الدمُ في أرضٍ مقدَّسةٍ
وتُستباحُ بها الأعراضُ والحُرَمُ٤
يدُ الشريف على أيدي الولاةِ علَت
ونَعلُه دونَ رُكنِ البيتِ تُستلَمُ٥
«نِيرونُ» إنْ قِيسَ في باب الطُّغاةِ به
مُبالَغٌ فيه و«الحجَّاجُ» مُتَّهَمُ٦
أدِّبْهُ أدِّبْ، أميرَ المؤمنين، فما
في العفو عن فاسقٍ فضلٌ ولا كرمُ
لا ترجُ فيه وقارًا للرسول فما
بين البُغاة وبين المصطفى رَحِمُ٧
ابنُ الرَّسولِ فتًى فيه شمائلُهُ
وفيه نخوتُه والعهدُ والشَّمَمُ٨
ما كان طه لرهطِ الفاسقين أبًا
آلُ النبي بأعلامِ الهدى خُتِمُوا٩
خليفةَ الله شكوى المسلمين رقَت
لسُدَّةِ اللهِ هل ترقى لك «الكَلِمُ»١٠
الحجُّ ركنٌ من الإسلام نُكبِرُهُ
واليومَ يُوشِك هذا الركنُ ينهدمُ١١
مِن الشريف ومِن أعوانِه فعلَت
نُعمى الزيادةِ ما لا تفعلُ النِّقَمُ
عزَّ السبيلُ إلى طه وتُربتِهِ
فمَن أراد سبيلًا فالطريقُ دمُ١٢
محمدٌ رُوِّعَت في القبر أعظُمُهُ
وبات مُستأمَنًا في قومه الصنمُ١٣
وخان «عَونُ الرفيقُ» العهدَ في بلدٍ
منه العهودُ أتَت للناس والذِّمَمُ١٤
قد سال بالدم مِن ذِبحٍ ومن بَشَرٍ
واحمرَّ فيه الحِمى والأشهُرُ الحُرُمُ١٥
وفُزِّعَت في الخدورِ الساعياتُ له
الداعياتُ وقُربُ اللهِ مُغتنَمُ١٦
آبَت ثكالى أيامى بعدما أُخِذَت
مِن حَولِهنَّ النَّوى والأينُقُ الرُّسُمُ١٧
حُرِمنَ أنوارَ خيرِ الخلقِ من كثَبِ
فدمعُهنَّ من الحرمانِ مُنسجِمُ١٨
أيُّ الصغائرِ في الإسلام فاشيةٌ
تُودَى بأيسرِها الدولاتُ والأُمَمُ١٩
يجيشُ صدري ولا يجري بها قلمي
ولو جرى لبكى واستضحك القلمُ٢٠
أغضَيتُ ضنًّا بعِرضي أن أُلِمَّ به
وقد يرُوق العمى للحُرِّ والصممُ٢١
موِّه على الناسِ أو غالِطْهمُ عبثًا
فليس تكتمهم ما ليس ينكتمُ٢٢
من الزيادةِ في البلوى وإن عظُمَت
أن يعلَم الشامتون اليومَ ما علِمُوا
كلُّ الجِراح بآلامٍ فما لمَسَت
يدُ العدوِّ فثمَّ الجُرحُ والألمُ
والموتُ أهوَنُ منها وهْي داميةٌ
إذا أساها لسانٌ للعِدا وفمُ

•••

رَبَّ الجزيرةِ أدرِكْها فقد عبَثَت
بها الذئابُ وضلَّ الراعيَ الغَنَمُ٢٣
إن الذين تولَّوا أمرَها ظلموا
والظُّلمُ تصحبُه الأهوالُ والظُّلَمُ٢٤
في كلِّ يومٍ قِتالٌ تقشعرُّ له
وفتنةٌ في ربوعِ اللهِ تضطرمُ٢٥
أزْرَى الشريفُ وأحزابُ الشريفِ بها
وقسَّموها كإرثِ الميْتِ وانقسَمُوا٢٦
لا تجزِهم عنك حِلمًا واجزِهم عَنَتًا
في الحِلم ما يسِمُ الأفعالَ أو يَصِمُ٢٧
كفى الجزيرةَ ما جرُّوا لها سفهًا
وما يحاولُ من أطرافِها العَجَمُ٢٨
تلك الثغورُ عليها وهْي زينتُها
مَناهلٌ عذُبَت للقوم فازدحَمُوا٢٩
في كلِّ لُجٍّ حوالَيها لهم سُفُنٌ
وفوقَ كلِّ مكانٍ يابسٍ قَدَمُ٣٠
والَاهُمُ أمراءُ السوءِ واتفَقوا
مع العُداة عليها فالعُداة هُمُ
فجرِّدِ السيفَ في وقتٍ يُفيدُ به
فإن للسيف يومًا ثم ينصرمُ٣١
١  رُفِعَت إلى السلطان عبد الحميد استصراخًا من الشريف وأعوانه في ١٤ أبريل سنة ١٩٠٤م.
٢  ضجَّ: فزع من شيء خافه فصاح.
٣  الربوع: جمع ربع، وهو الدار. والحجيج: جمع الحاج.
٤  الحرم: جمع حرمة، وهي ما لا يحل انتهاكه.
٥  تستلم: من استلام الحجر وركن البيت الحرام وغيره، وهو لمسه باليد أو بالقُبلة.
٦  نيرون: طاغيةٌ رومانيٌّ قديم. والحَجَّاج: طاغيةٌ عربيٌّ كان واليًا على العراق لعبد الملك بن مروان أحد الخلفاء الأمويين.
٧  لا ترجُ: لا تخف، من رجا بمعنى خاف. والوقار هنا: العظمة، وفي القرآن الكريم: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ للهِ وَقارًا؛ أي لا تخافون لله عظمة.
٨  الشمائل: جمع شِمال، بكسر الشين، وهو الطبع. والنخوة: الحماسة والمروءة. والعهد: الوفاء والأمانة. والشمم: التكبُّر.
٩  طه: من أسماء النبي . والرهط: من ثلاثة إلى عشرة، ولا تكون فيهم امرأة.
١٠  رقت: صعدت. والكلم: اسم جنس جمعي لكلمة.
١١  نكبره: نعظمه. ويوشك: يقارب.
١٢  عزَّ السبيل: من قولهم عزَّ الشيء، إذا قلَّ فلا يكاد يوجد ولا يُقدَر عليه.
١٣  الصنم: صورة، أو تمثال يُتَّخذ للعبادة، وقيل هو كل ما عُبِد من دون الله.
١٤  عون الرفيق: اسم الشريف الذي اقترف تلك المظالم. والذمم: جمع ذمة، وهي العهد والأمان.
١٥  الأشهر الحرم: أربعة؛ ذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم ورجب؛ سُمِّيت كذلك لأن العرب كانت تجعل القتال فيها حرامًا، ما عدا بني خثعم وطيئ. والضمير في «سال» و«فيه»: للبلد في البيت المتقدِّم. واحمرار الحمى والأشهر الحرم: كناية عن اقترافه القتل فيهما.
١٦  فُزِّعت: خُوِّفت. والخدور: البيوت. والساعيات له: أي لذلك البلد.
١٧  الثكالى: جمع ثكلى، وهي مَن فقدت ولدها. والأيامى: جمع أيِّم، وهي من لا زوج لها. والنوى: البُعد. والأينق: جمع ناقة. والرسم: جمع رسوم، وهي الناقة تؤثِّر أخفافها في الأرض من شدة الوطء.
١٨  من كثب: أي من قرب. والمنسجم: السائل.
١٩  الصغائر: جمع صغيرة، وهي من الذنوب أخفُّ من الكبيرة في حكم الشرع. وتُودَى: تهلك. والدولات: جمع دولة.
٢٠  يجيش صدري: يغلي غيظًا. استضحك: بمعنى ضحك.
٢١  أغضيت: أي صبرت وأمسكت. وضنًّا: بخلًا. وألمَّ به: أي بما يؤذيه، من قولهم ألمَّ بالذنب إذا فعله. ويروق العمى: من راقه الشيء؛ أعجبه.
٢٢  موِّه على الناس: أي زخرف لهم الأخبار وزوِّرها عليهم.
٢٣  ربُّ الجزيرة: أي صاحب الجزيرة، وهي جزيرة العرب.
٢٤  الأهوال: جمع هول، وهو المخافة من الأمر لا يعرف الإنسان ما يهجم منه. والظُّلَم: جمع ظلمة.
٢٥  تضطرم: تشتعل.
٢٦  أزرى بها: تهاون.
٢٧  العنت: الشدة والهلاك. وما يسم: أي ما يكون سمة وعلامة. وما يَصِم: أي ما يكون وصمة وعيبًا.
٢٨  العجم هنا: أهل الغرب، ممَّن كانوا يحقدون على الدولة التركية وجودَها.
٢٩  المناهل: جمع منهل، وهو المورد. والمراد بالقوم: أولئك العجم.
٣٠  اللج: معظم الماء.
٣١  جرَّد السيف: سُلَّه. وينصرم: يمضي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤