الهلال الأحمر١

يا قومَ عثمانَ والدنيا مُداوَلةٌ
تعاوَنوا بينكم يا قومَ عثمانا٢
كُونوا الجدارَ الذي يقوى الجدارُ به
فاللهُ قد جعل الإسلامَ بنيانا٣
أمسى السبيلُ لغيرِ المُحسِنين دمًا
فشأنُكم وسبيلًا نُورُه بانا
البِرُّ مِن شُعَبِ الإيمانِ أفضَلُها
لا يقبل اللهُ دونَ البِرِّ إيمانا٤
هل ترحمون لعل اللهَ يرحمُكم
بالبِيدِ أهلًا وبالصحراء جيرانا
في ذمَّةِ اللهِ أوْفَى ذمَّةٍ نَفَرٌ
على طرابُلُسٍ يقضُون شجعانا٥
إنْ سالَ جَرحاهمُ من غُربةٍ ووغًى
باتوا على الجمرِ أرواحًا وأبدانا٦
هذا يَحِنُّ إلى البسفور مُحتضَرًا
وذاك يبكي الغَضا والشِّيحَ والبانا٧
يُودِّعون على بُعدٍ ديارَهمُ
ويُنشِدون بُنيَّاتٍ وصِبيانا٨
أذَنْبُهم عندَ هذا الدهرِ أنهمُ
يحمون أرضًا لهم دِيسَت وأوطانا
ماتوا وعِرضُهم الموفورُ بعدَهمُ
والعِرضُ لا عِزَّ في الدنيا إذا هانا٩
قَومي — وجلَّت وُجوهُ القوم — مصرُ بكم
ألقت على كُرماءِ الدهرِ نسيانا١٠
لا تسألون عن الأعوان إن قعدوا
وتنهضون إلى الملهوف أعوانا١١
أكُلَّما هزَّكم داعٍ لصالحةٍ
قُمتم كُهولًا إلى الداعي وفِتيانا١٢
لو صُوِّر الشرقُ إنسانًا أخا كرمٍ
لكنتمُ الرُّوحَ والأقوامُ جثمانا١٣
إذا هُزِزتم تَلاقى السيفُ مُنصلِتًا
والريحُ مُرسَلةً والغيثُ هتَّانا١٤
إذا المكارمُ في الدنيا أُشيدَ بها
كانت كتابًا وكُنَّا نحن عُنوانا١٥
إنَّ الحياةَ نهارٌ أو سحابتُهُ
فعِشْ نهارَك من دنياك إنسانا
أرى الكريمَ بوجدانٍ وعاطفةٍ
ولا أرى لبخيلِ القومِ وجدانا١٦

•••

هذا الهلالُ الذي تُحيُون لَيلتَهُ
أبهى الأهِلَّةِ عندَ اللهِ ألوانا١٧
أراه من بينِ أعلامِ الوغَى مَلَكًا
وما سواه من الأعلامِ شيطانا١٨
قانٍ ففيه من الجَرحى مُشاكَلةٌ
حتى إذا قيل ماتوا اخضرَّ ريحانا١٩
لِحامِليه جلالٌ منه مُقتبَسٌ
كأنما رفعوا للناسِ قُرآنا٢٠
كأنَّ ما احمرَّ منه حوْلَ غُرَّتِهِ
دمُ البريء ذَكِيِّ الشَّيبِ عُثمانا٢١
كأن ما ابيضَّ في أثناءِ حُمْرتِهِ
نورُ الشهيدِ الذي قد مات ظمآنا٢٢
كأنه شفقٌ تسمُو العيونُ له
قد قلَّدَ الأُفْقَ ياقوتًا ومَرجانا
كأنه من دمِ العُشاقِ مُختضَبٌ
يُثيرُ حيثُ بدا وَجْدًا وأشجانا٢٣
كأنه من جمالٍ رائعٍ وهُدًى
خدودُ يوسفَ لمَّا عَفَّ وَلْهَانا٢٤
كأنه وردةٌ حمراءُ زاهيةٌ
في الخُلدِ قد فُتحَت في كفِّ رضوانا٢٥
١  كانت جماعة الهلال الأحمر المصرية قد أحيَت ليلة تجمع بها التبرعات لإعانة المقاتلين في طرابلس الغرب من الجيش العثماني حين أغارت إيطاليا عليها، فقال في ذلك هذه القصيدة.
٢  مداولة: من داول اللهُ الأيامَ بين الناس؛ أي صرفها بينهم.
٣  الجدار: الحائط.
٤  البرُّ: الخير والعطاء. والشعب: جمع شعبة، وهي غصن الشجرة، أو هي الطائفة من الشيء.
٥  يقضون: يموتون.
٦  جرحاهم: أي الجرحى منهم. والوغى: الحرب.
٧  هذا يحنُّ إلى البسفور … إلخ: أي مَن كان منهم تركيًّا يحنُّ إلى بلاده التي كنَّى عنها بالبسفور، ومَن كان عربيًّا بكى فُرقة بلاده التي كنَّى عنها بالغضا والبان، وهما نوعان من الشجر ينبتان في بلاد العرب. والشيح: هو نبات طيب الرائحة. والمحتضر: مَن حضرته الوفاة.
٨  ينشدون بنيات … إلخ: يطالبونها ويسألون عنها؛ أي ينشدون بنياتهم وصبيانهم.
٩  ماتوا وعرضهم الموفور: أي ماتوا في سبيل صيانة عرضهم، فتركوه عزيزًا موفورًا.
١٠  قومي: أي يا قومي. وجلَّت وجوه القوم: أي وجوهكم، وهذه جملةٌ معترضة بين المنادى وما كان من أجله النداء، وهو الإخبار بأنهم لمَّا جاءوا بالخبر العظيم نُسِي سواهم من الكرماء في غير مصر، فلم يعُد لهم ذِكر.
١١  لا تسألون: أي أنتم لا تسألون. وتنهضون: تقومون. والملهوف: المظلوم المستغيث.
١٢  أكلَّما: الهمزة للاستفهام، وكلما هي لفظ «كل» مضافة إلى «ما» المصدرية الظرفية، وهي حينئذٍ تفيد التكرار. ولصالحة: أي فعلةٍ صالحة. والكهول: جمع كهل، وهو الرجل من أربع وثلاثين إلى إحدى وخمسين.
١٣  الجثمان: الجسم.
١٤  السيف المنصلت: المجرَّد من غِمده. والهتَّان: المنصبُّ.
١٥  أشيد بها: أي ذُكِرت بالثناء عليها.
١٦  الوجدان والعاطفة: من استعمالات المولدين، يراد بهما الشعور القلبي.
١٧  الهلال: اسم لراية الدولة التركية، وهي حمراء اللون في وسطها رسم الهلال بلونٍ أبيض.
١٨  أراه من بين أعلام الوغى: أي من بين الأعلام المنشورة في الحرب. وملكًا: أي كالمَلَك في تنزُّهه وطهارة عمله، وهو واحد الملائكة.
١٩  المشاكلة: المشابهة.
٢٠  الجلال: التناهي في عِظم القدر. ومقتبس: متَّخَذ ومستفاد.
٢١  الغرة: بياض في جبهة الفرس قدرَ الدرهم، شبَّه بها رسم الهلال لأنه أبيض. وعثمان: هو الخليفة عثمان بن عفان.
٢٢  الأثناء: تضاعيف الشيء ومطاويه، واحدها ثِنْي، بكسر الثاء.
٢٣  مختضب: ملوَّن. والوجد: الحبُّ. والأشجان: الأحزان والهموم.
٢٤  الجمال الرائع: الذي يرُوع الرائي؛ أي يُعجِبه. ويوسف: هو يوسف الصديق. وعفَّ: كفَّ عما لا يحلُّ. والولهان: الحزين، أو الذي ذهب عقله حزنًا.
٢٥  رضوان: من الملائكة، وهو — كما يقول رجال الدين — موكَّل بأبواب الجنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤