باب الوصف

آيةُ العَصر في سماءِ مِصر

(نُظمَت عند قدوم «فدرين» و«بونيه» طائرَين من باريس إلى مصر سنة ١٩١٤م.)

يا فرنسا نِلتِ أسبابَ السماءْ
وتملَّكتِ مقاليدَ الجِواءْ١
غُلِبَ النَّسرُ على دولته
وتنحَّى لك عن عرشِ الهواءْ
وأتَتكِ الريحُ تمشي أَمَةً
لكِ يا بلقيسُ مِن أوفى الإماءْ٢
رُوِّضَت بعدَ جِماحٍ وجرَت
طوْعَ سُلطانَينِ علمٍ وذكاءْ
لكِ خَيلٌ بجَناحٍ أشبهَت
خيلَ جبريلَ لنصرِ الأنبياءْ
وبَريدٌ يسحبُ الذيلَ على
بُرُدٍ٣ في البَرِّ والبحرِ بِطاءْ٤
تطلعُ الشمسُ فيَجري دُونَها
فوقَ عُنْقِ الرِّيحِ أو متنِ العَماءْ٥
رحلةُ المَشرقِ والمَغربِ ما
لبثَت غيرَ صبَاحٍ ومساءْ
بُسلاءُ الإنسِ والجنِّ فِدًى
لِفريقٍ من بَنيكِ البُسلاءْ
ضاقت الأرضُ بهم فاتَّخَذوا
في السموات قبورَ الشهداءْ
فِتيةٌ يُمسُون جِيرانَ السُّها
سُمَراءَ النجمِ في أوجِ العَلاءْ٦
حُوَّمًا فوقَ جبالٍ لم تكن
للرياحِ الهُوجِ يومًا بِوِطاءْ
لِسليمانَ بِساطٌ واحدٌ
ولهم ألفُ بساطٍ في الفضاءْ
يركبون الشُّهْبَ والسُّحْبَ إلى
رِفعةِ الذِّكرِ وعلياءِ الثناءْ
يا «نُسورًا» هبطوا «الوادي» على
سالفِ الحُبِّ ومأثورِ الولاءْ
دارُكم مصرُ وفيها قومُكم
مرحبًا بالأقربينَ الكُرَماءْ
طِرتُمُ فيها فطارت فرَحًا
بأعزِّ الضيفِ خيرِ النُّزَلاءْ٧
هل شجَاكم في ثرى أهرامِها
ما أرَقتُم من دموعٍ ودماءْ
أين نَسرٌ قد تلقَّى قبلكم
عِظةَ الأجيال مِن أعلى بِناءْ٨
لو شهِدتُم عصرَه أضحى له
عالمُ الأفلاكِ معقودَ اللواءْ
جرَحَ الأهرامَ في عِزَّتها
فمشى للقبر مجروحَ الإباءْ
أخذَت تاجًا بتاجٍ ثأرَها
وجزَت مِن صلفٍ بالكبرياءْ٩
وتمنَّت لو حوَت أعظُمَهُ
بينَ أبناءِ الشُّموسِ العُظماءْ

•••

جلَّ شأنُ اللهِ هادي خَلقِهِ
بهُدَى العلمِ ونورِ العلماءْ
زفَّ من آياته الكبرى لنا
طِلْبةً طال بها عهدُ الرجاءْ
مَركبٌ لو سلف الدهرُ به
كان إحدى مُعجِزاتِ القُدماءْ
نِصفُه طيرٌ ونصفٌ بَشرٌ
يا لَها إحدى أعاجيبِ القضاءْ
رائعٌ مُرتفِعًا أو واقعًا
أنفُسَ الشجعانِ قبْلَ الجبناءْ
مُسرَجٌ في كلِّ حينٍ مُلجَمٌ
كامِلُ العُدَّة مرموقُ الرُّواءْ١٠
كبِساطِ الريحِ في القدرة أو
هُدهدِ السيرةِ في صِدقِ البلاءْ
أو كحُوتٍ يرتمي الموج به
سابحٍ بينَ ظُهورٍ وخفاءْ
راكبٍ ما شاءَ من أطرافه
لا يُرى من مَركبٍ ذي عُدَواءْ١١

•••

ملأ الجوَّ فِعالًا وغدَا
عجَبَ الغربانِ فيه والحِداءْ
وترى السُّحْبَ به راعدةً
من حديدٍ جُمِّعَت لا من رَواءْ١٢
حمل الفولاذَ ريشًا وجرى
في عِنانَينِ له نارٍ وماءْ
وجَناحٍ غيرِ ذي قادمةٍ
كجَناحِ النحلِ مصقولٍ سَواءْ١٣
وذُنابى كلُّ ريحٍ مسَّها
مسَّه صاعقةٌ من كهرباءْ
يتراءى كوكبًا ذا ذَنَبٍ
فإذا جَدَّ فسَهمًا ذا مَضاءْ
فإذا جاز الثُّريَّا للثرى
جرَّ كالطاووس ذيلَ الخُيَلاءْ
يملأ الآفاقَ صوتًا وصدًى
كعزيفِ الجنِّ في الأرضِ العَراءْ
أرسلَته الأرضُ عنها خبرًا
طَنَّ في آذانِ سُكانِ السماءْ

•••

يا شبابَ الغدِ وَابْنايَ الفِدى
لكُمُ أكرِمْ وأعزِزْ بالفِداءْ
هل يمدُّ اللهُ لي العيشَ عسى
أن أراكم في الفريقِ السُّعَداءْ
وأرى تاجَكمُ فوقَ السُّها
وأرى عرشَكمُ فوقَ ذُكاءْ١٤
مَن رآكم قال مصرُ استرجعَت
عِزَّها في عهدِ «خوفو» و«مِناءْ»
أُمَّةٌ للخُلدِ ما تبني إذا
ما بنى الناسُ جميعًا للعَفاءْ١٥
تَعصمُ الأجسامَ من عادي البِلى
وتَقِي الآثارَ من عادي الفَناءْ
إن أسَأنَا لكمُ أو لم نُسِئْ
نحن هَلكى فلكُم طُولُ البقاءْ
إنما مصرُ إليكم وبكُم
وحقوقُ البِرِّ أولى بالقضاءْ
عصرُكم حُرٌّ ومُستقبَلُكم
في يمينِ اللهِ خيرِ الأُمَناءْ
لا تقولوا حطَّنا الدهرُ فما
هو إلا من خيالِ الشعراءْ
هل علِمتُم أُمَّةً في جهلِها
ظهرَت في المَجدِ حسناءَ الرِّداءْ
باطنُ الأُمَّةِ من ظاهرِها
إنما السائلُ مِن لونِ الإناءْ
فخُذوا العلمَ على أعلامه
واطلبوا الحكمةَ عندَ الحكماءْ
واقرءوا تاريخَكم واحتفِظوا
بفصيحٍ جاءكم من فُصَحاءْ
أنزلَ اللهُ على ألسُنِهم
وَحيَه في أعصُرِ الوحي الوِضاءْ١٦
واحكموا الدنيا بسلطانٍ فما
خُلِقَت نَضرتُها للضعفاءْ
واطلبوا المَجدَ على الأرض فإن
هي ضاقت فاطلبوه في السماءْ

شيكسبير

أعلى الممالكِ ما كرسيُّه الماءُ
وما دِعامتُه بالحقِّ شمَّاءُ١٧
يا جِيرةَ «المَنشِ» حلَّاكم أُبوَّتُكم
ما لم يُطوِّقْ به الأبناءَ آباءُ
مُلكٌ يُطاوِل مُلكَ الشمسِ عِزَّتُهُ
في الغرب باذخةٌ في الشرقِ قَعساءُ١٨
تأوي الحقيقةُ منه والحقوقُ إلى
رُكنٍ بناهُ من الأخلاقِ بنَّاءُ
أعلاه بالنظرِ العالي ونطَّقه
بحائطِ الرأي أشياخٌ أجِلَّاءُ
وحاطَهُ بالقَنا فِتيانُ مملكةٍ
في السِّلمِ زَهرُ رُبًا في الرَّوعِ أرزاءُ
يُستصرَخون ويُرجى فضْلُ نجدتِهم
كأنهم عربٌ في الدهر عَرْباءُ١٩
ودولةٌ لا يراها الظنُّ من سَعةٍ
ولا وراءَ مَداها فيه علياءُ
عصماءُ لا سببُ الرحمنِ مُطَّرَحٌ
فيها ولا رَحِمُ الإنسانِ قَطعاءُ
تلك «الجزائرُ» كانت تحتَهم رُكُنًا
وراءَهنَّ لِباغي الصَّيدِ عَنقاءُ٢٠
وكان ودُّهمُ الصافي ونُصرتُهم
للمسلمين وراعيهم كما شاءوا

•••

دستورُهم عجَبُ الدنيا وشاعرُهم
يدٌ على خلقِه لله بيضاءُ
ما أنجبَت مِثلَ «شيكسبيرَ» حاضرةٌ
ولا نمَت من كريمِ الطيرِ غنَّاءُ٢١
نالت به وَحدَه «إنجلترا» شرفًا
ما لم تنَل بالنجوم الكُثْرِ جَوزاءُ٢٢
لم تُكشَفِ النفسُ لولاه ولا بُلِيَت
لها سرائرُ لا تُحصى وأهواءُ٢٣
شِعرٌ من النَّسَقِ الأعلى يُؤيِّدُهُ
من جانبِ اللهِ إلهامٌ وإيحاءُ
من كلِّ بيتٍ كآيِ الله تسكنُهُ
حقيقةٌ من خيالِ الشِّعرِ غرَّاءُ٢٤
وكلِّ معنًى كعيسى في مَحاسنِهِ
جاءت به من بناتِ الشِّعرِ عَذراءُ
أو قصةٍ ككِتابِ الدهرِ جامعةٍ
كلاهما فيه إضحاكٌ وإبكاءُ
مهما تُمثَّلْ تُرَ الدنيا مُمثَّلةً
أو تُتلَ فهْي من الإنجيل أجزاءُ

•••

يا صاحبَ العُصُرِ الخالي ألا خَبرٌ
عن عالَمِ الموتِ يرويه الألِبَّاءُ٢٥
أما الحياةُ فأمرٌ قد وصفتَ لنا
فهل لِما بعدُ تمثيلٌ وإدناءُ٢٦
بمَن أماتك قُل لي كيف جمجمةٌ
غبراءُ في ظُلماتِ الأرض جَوفاءُ٢٧
كانت سماءَ بيانٍ غيرَ مُقلِعةٍ
شُؤبُوبُها عسلٌ صافٍ وصهباءُ٢٨
فأصبحَت كأصيصٍ غيرِ مُفتقَدٍ
جفَتهُ ريحانةٌ للشِّعرِ فَيحاءُ٢٩
وكيف باتَ لسانٌ لم يدَع غرضًا
ولم تفُتْهُ من الباغين عَوراءُ٣٠
عفا فأمسى زُنابَى عقربٍ بَلِيَت
وسُمُّها في عروقِ الظلمِ مشَّاءُ
وما الذي صنعَت أيدي البِلى بيَدٍ
لها إلى الغيب بالأقلام إيماءُ
في كلِّ أنمُلةٍ منها إذا انبجسَت
برقٌ ورعدٌ وأرواحٌ وأنواءُ٣١
أمسَت من الدُّودِ مِثلَ الدُّودِ في جَدَثٍ
قُفَّازُها فيه حَصباءٌ وبَوغاءُ٣٢
وأين تحت الثرى قلبٌ جوانبُهُ
كأنهنَّ لِوادي الحقِّ أرجاءُ
تُصغِي إلى دَقِّه أُذْنُ البيانِ كما
إلى النواقيسِ للرُّهبانِ إصغاءُ
لئن تمشَّى البِلى تحت التراب به
لا يُؤكَلُ الليثُ إلا وهْوَ أشلاءُ٣٣

•••

والناسُ صِنفانِ موتَى في حياتِهمُ
وآخرون ببطنِ الأرضِ أحياءُ
تأبَى المواهبُ فالأحياءُ بينهمُ
لا يستوُون ولا الأمواتُ أكْفاءُ
يا واصفَ الدَّمِ يجري ها هنا وهُنا
قُمِ انْظُرِ الدَّمَ فهْو اليومَ دَأماءُ٣٤
لامُوكَ في جَعلِكَ الإنسانَ ذئبَ دمٍ
واليومَ تبدو لهم من ذاك أشياءُ
وقيل أكثَرَ ذِكرَ القتلِ ثم أتَوا
ما لم تسَعهُ خيالاتٌ وأنباءُ
كانوا الذئابَ وكان الجهلُ داءهمُ
واليومَ عِلمُهمُ الراقي هو الداءُ
لُؤمُ الحياةِ مشى في الناس قاطبةً
كما مشى آدمٌ فيهم وحوَّاءُ
قُم أيِّدِ الحقَّ في الدنيا ألَيسَ له
كتيبةٌ منكَ تحتَ الأرضِ خَرساءُ
وأين صوتٌ تَمِيدُ الراسياتُ له
كما تَمايَدَ يومَ النارِ سيناءُ٣٥
وأين ماضيةٌ في الظلمِ قاضيةٌ
وأين نافذةٌ في البَغيِ نَجلاءُ
أيَتركُ الأرضَ جانُوها وليس بها
صحيفةٌ منك في الجانِينَ سَوداءُ
تأوي إليها الأيامى فهْي تعزيةٌ
ويستريحُ اليتامى فهْي تأساءُ٣٦

أثَرُ البالِ في البال

(في وصفِ ليلةٍ راقصة أُقيمَت في قصر عابدين.)

حَفَّ كأسَها الحَبَبُ
فهْي فِضةٌ ذَهَبُ٣٧
أو دوائرٌ دُرَرٌ
مائجٌ بها لَبَبُ٣٨
أو فمُ الحبيبِ جلا
عن جُمانِه الشَّنَبُ٣٩
أو يداه باطنُها
عاطِلٌ ومُختضِبُ
أو شَقيقُ وَجْنتِهِ
حينَ لي به لَعِبُ٤٠
راحةُ النفوسِ وهَلْ
عندَ راحةٍ تَعَبُ
يا نديمُ خِفَّ بها
لا كبَا بكَ الطرَبُ
لا تقُل عواقبُها
فالعواقبُ الأدبُ
تنجلي ولي خُلُقٌ
ينجلي وينسكبُ
يرقُبُ الرِّفاقُ له
كُلَّما سرى شرِبوا
شاعرُ العزيز وما
بالقليلِ ذا اللَّقَبُ
ليلةٌ لسيِّدِنا
في الزمانِ تُرتقبُ
دونها الرشيدُ وما
أخلدَت له الكُتُبُ
يُهرَعُ النزيلُ لها
والرَّعيَّةُ النُّخَبُ٤١
فالسرايُ جَوهرةٌ
للعُقولِ تَختلبُ
أو كباقةٍ زَهَرَا
للعيونِ تأتشبُ٤٢
الجَلالُ قُبَّتُهُ
والسَّنا له طُنُبُ٤٣
ثابتٌ وذِروتُهُ
في الفضاءِ تضطربُ
أشرقَت نوافذُهُ
فهْي مَنظرٌ عَجَبُ
واستنارَ رَفرفُهُ
والسُّجوفُ والحُجُبُ٤٤
تعجَبُ العيونُ لَهُ
كيف تَسكنُ الشُّهُبُ٤٥
أقبلَت شُموسُ ضُحًى
ما لهنَّ مُنتقَبُ٤٦
الظلامُ رايتُها
وهْي جيشُه اللَّجِبُ٤٧
في هَوادجٍ عَجَلًا
بالجيادِ تنسحبُ
قامَ دُونَها سَبَبٌ
واستحثَّها سَبَبُ٤٨
فهْي تارةً مَهَلٌ
وهي تارةً خَبَبُ٤٩
تَرتمي بهنَّ حِمًى
لا يجُوزُه رَغَبُ٥٠
بابُه لِداخلِهِ
جَنَّةٌ هي الأرَبُ
قامتِ السُّراةُ به
والمَعيَّةُ النُّجُبُ٥١
وانبرى النساءُ له
عُجمُهنَّ والعَرَبُ
العفافُ زينتُها
والجمالُ والحَسَبُ
أنجُمٌ مَطالعُها
عابدينُ والرَّحَبُ٥٢
سيِّدي لها فلَكٌ
وهْي منه تقتربُ
عندَ رُكنِ حُجرتِهِ
بَدرُه لنا كَثَبُ٥٣
يزدهي السَّريرُ به
والمَطارفُ القُشُبُ٥٤
حوْلَ عرشِه عَجَمٌ
حوْلَ عرشِه عَرَبُ
رتبةُ الجُدودِ له
تستوي بها الرُّتَبُ
شُرِّفَت به وسَما
تالدٌ ومُكتسَبُ٥٥
اللُّيوثُ ماثلةٌ
والظباءُ تنسربُ
الحريرُ مَلبسُها
واللُّجَينُ والذَّهَبُ٥٦
والقصورُ مَسرحُها
لا الرِّمالُ والعُشُبُ
يستفزُّها نَغَمٌ
لا صدًى ولا لَجَبُ٥٧
يُستعادُ مُرقِصُهُ
تارةً ويُقتضَبُ
فالقدودُ بانُ رُبًا
بيْدَ أنها تَثِبُ٥٨
يلعبُ العِناقُ بها
وهْو مُشفِقٌ حَدِبُ٥٩
فهْي مَرَّةً صُعُدٌ
وهْي مَرَّةً صَبَبُ٦٠
وهْي ها هنا وهُنا
تَلتقي وتَصطحبُ
مِثلَما التقَت أَسَلٌ
أو تعانقَت قُضُبُ٦١
الرءوسُ مائلةٌ
في الصدورِ تحتجبُ
والنُّحورُ قائمةٌ
قاعدٌ بها الوَصَبُ٦٢
والنُّهودُ هامدةٌ
والخدودُ تلتهبُ
والخصورُ واهيةٌ
بالبنانِ تَنجذبُ
سالتِ الأكُفُّ بها
فهْي أغصُنٌ نُهَبُ٦٣
الخِوانُ دائرةٌ
المَلا لها قُطُبُ٦٤
للوفودِ مائدةٌ
منه أينما انقلَبُوا
والطريقُ مُتَّصِلٌ
نحوَه ومُنشعِبُ
والطعامُ حاضرِهُ
والمزيدُ مُنتهَبُ
باردٌ ومِن عَجَبٍ
يُشتهى ويُطَّلبُ
سائغٌ لِذِي سَغَبٍ
سائغٌ ولا سَغَبُ٦٥
حاضرٌ لدى طَلَبٍ
حاضرٌ ولا طَلَبُ
والمُدامُ أكؤُسُها
ما تغيضُ والعُلَبُ٦٦
وهْي بيننا سَلَبٌ
والنُّهَى لها سَلَبُ٦٧
شرُفَت مَنافحُها
واعتلى بها العِنَبُ
حوْلَها الحوائمُ ما
ينقضي لها قَرَبُ٦٨
يَغتبطنَ في حَرَمٍ
لا تنالُه الرِّيَبُ
ما سِوى الحديثِ به
يُبتغى ويُجتذَبُ
هكذا الكرامُ كرا
مٌ «وإن هُمُ طَرِبُوا»
ليلةٌ علَت وغلَت
ليتَ فجْرَها كَذِبُ
يكفلُ الأميرُ لنا
أن تُعِيدَها الحِقَبُ٦٩
عاشَ للندى مَلِكٌ
سيِّدٌ لنا وأبُ
حاتمُ الملوكِ إذا
ضاقَ بالنَّدى النَّشَبُ٧٠
السرورُ أنعُمُهُ
والهناءُ ما يَهَبُ
والنَّدى سجيَّتُهُ
والحنانُ والحَدَبُ٧١
يا عزيزُ دامَ لنا
روْضُ عِزِّك الأشِبُ٧٢
هذه عَروسُ نُهًى
في القَبولِ تَرتغبُ٧٣
زفَّها لكم وَجِلًا
شاعرُ الحِمى الأرِبُ
احتفى الحضورُ بها
واكتفى بها الغَيَبُ٧٤
أنتم الظِّلالُ لنا
والمنازلُ الخُصُبُ
لو مدَحتُكم زمني
لم أقُم بما يَجِبُ

مَرقص

(نُظِمَت هذه القصيدة في وصفِ مَرقصٍ أُقيمَ بسراي عابدين سنة ١٩٠٤م.)

مالَ واحتجَبْ
وادَّعى الغضبْ
ليت هاجِري
يشرحُ السببْ
عَتبُه رضًا
ليته عتَبْ
علَّ بيننا
واشيًا كذَبْ
أو مُفنِّدًا
يخلُقُ الرِّيَبْ٧٥
مَن لِمُدنَفٍ
دمعُه سُحُبْ٧٦
بات مُتعَبًا
همُّه اللعِبْ
يستوي خَلٍ
عندَه وَصَبْ
ذقتُ صدَّهُ
غيرَ مُحتسِبْ
ضِقتُ فيه بالرُّ
سْلِ والكتُبْ
كُلَّما مشى
أخجَلَ القُضُبْ
بينَ عينِهِ
والمَها نَسَبْ
ماءُ خدِّهِ
شفَّ عن لَهَبْ
ساقيَ الطِّلا
شُربُها وَجَبْ٧٧
هاتِها مشَت
فوقها الحِقَبْ٧٨
بابِليَّةٌ
تنفثُ الحَبَبْ٧٩
إنَّ كَرْمَها
آدمُ العِنَبْ
هُذِّبَت ففي
دَنِّها الأدَبْ
اسْقِها فتًى
خيرَ مَن شرِبْ
كُلَّما طغى
راضَها الحسَبْ
«عابدينُ» أم
هالةٌ عجَبْ٨٠
أُسُّهُ الهُدى
والعُلا طُنُبْ٨١
مُشرِفُ الذُّرا
مائجُ الرَّحَبْ
قام ربُّهُ
يرفعُ الحُجُبْ
عندَ عرشِهِ
عَرشِ «منحتُبْ»
دونَ عِزِّهِ
«تُبَّعُ» الغَلَبْ
السُّراةُ مِن
وفدِه النُّخَبْ
حوْلَ سُدَّةٍ
حقُّها الرَّغَبْ
طابَ عندَها الـ
ـعُجْمُ والعَرَبْ
وارتضى المَلا
من بني الصُّلُبْ
مِن حِسانِهم
سِرْبٌ انسرَبْ
بينَ كوكبٍ
يَسحبُ الذَّنَبْ
عندَ جُؤذَرٍ
فاتنِ الشَّنَبْ٨٢
عندَ شادنٍ
حاسِرِ اللَّبَبْ٨٣
تَذهبُ النُّهَى
أينما ذهَبْ
يَلفتُ المَلا
كُلَّما وثَبْ
في غلائلٍ
سُندسٍ قُشُبْ٨٤
دونهنَّ لا
يثبُتُ اليَلَبْ٨٥
قرَّ نَهدُهُ
عِطفُه اضْطرَبْ
خَصرُه هبا
صدرُه صبَبْ
يُركِضُ النُّهَى
مَشيُه الخَبَبْ
رائعًا كما
شاءَ في الكتُبْ
آنسًا إلى
شِبهِه انجذَبْ
يستخِفُّهُ
أينما انقلَبْ
مُطرِبٌ من اللَّـ
ـحْنِ مُنتخَبْ
يَجمعُ المَلا
يُحضِرُ الغَيَبْ
ما حدا المَها
قبْلَه طرِبْ

•••

يا ابنَ خيرِ أبْ
يا أبا النُّجُبْ
أنت «حاتمٌ»
للقِرى انتُدِبْ
في خِوانِهِ
كُلُّ ما يجِبْ
لم تُقَم على
مِثلِه القُبَبْ
أنهَلَ البرَا
يَا وما نضَبْ
أطعَمَ الورى
لم يقُل جدَبْ
ما بهم صدًى
ما بهم سغَبْ٨٦
قُم أبا «نُوَا
سَ» انظُرِ النَّشَبْ٨٧
ما الخصيبُ ما الْـ
ـبحرُ ذو العُبُبْ
هل عهدتَهُ
يُمطِرُ الذَّهَبْ
ذا هو الجَنا
بُ الذي خصِبْ
ظلَّلَ الورى
روضُه الأشِبْ٨٨
خيرُ مَن دعا
خيرُ مَن أدَبْ٨٩

•••

«رَبَّ مِصرَ» عشْ
وابلُغِ الأرَبْ
لم تزَل لَيَا
لِيكَ تُرتقَبْ
مِثلَ صفوِها الدَّ
هرُ ما وهَبْ
أحيِها لنا
عِدَّةَ الشُّهُبْ
هاكَ مِدحةَ الشَّـ
ـاعرِ الأرِبْ٩٠
زفَّها إلى
خيرِ مَن خَطَبْ
فارسِيَّةٌ
بزَّتِ العَرَبْ
لم يجِئْ بها
شاعرٌ ذهَبْ
إن تُراعِها
تسمَعِ العَجَبْ٩١
بيْدَ أنها
بعضُ ما وجَبْ

تحلية كِتاب

(قِيلَت بمناسبة تأليف كتاب فتح مصر الحديث لحافظ بك عوض.)

(صفة الكتاب – صفة التاريخ – صفة الجبرتي – واقعة الأهرام.)

أنا مَن بدَّل بالكُتْبِ الصِّحابا
لم أجِد لي وافيًا إلا الكِتابا
صاحبٌ إن عِبتَه أو لم تعِبْ
ليسَ بالواجدِ للصاحبِ عابا
كُلَّما أخلَقتُه جدَّدني
وكساني من حُلَى الفضلِ ثيابا
صُحبةٌ لم أشكُ منها رِيبةً
ووِدادٌ لم يُكلِّفني عتابا
رُبَّ ليلٍ لم نُقصِّر فيه عن
سَمَرٍ طالَ على الصمتِ وطابا
كان من همِّ نهاري راحتي
وندامايَ ونَقْلي والشَّرابا٩٢
إن يجِدْني يتحدَّثْ أو يجِدْ
مَللًا يَطوي الأحاديثَ اقتضابا
تجدُ الكُتْبَ على النقدِ كما
تجدُ الإخوانَ صِدقًا وكِذابا
فتَخيَّرْها كما تختاره
وادَّخِر في الصَّحْبِ والكُتْبِ اللُّبابا
صالحُ الإخوانِ يَبغيكَ التُّقى
ورشيدُ الكُتْبِ يَبغيكَ الصوابا

•••

غالِ بالتاريخ واجعل صُحْفَهُ
مِن كِتابِ اللهِ في الإجلالِ قابا
قلِّبِ الإنجيلَ وانظر في الهُدى
تَلقَ للتاريخ وزنًا وحِسابا
رُبَّ مَن سافر في أسفاره
بليالي الدهرِ والأيامِ آبا
واطلبِ الخُلدَ ورُمْهُ مَنزلًا
تجدِ الخُلدَ من التاريخ بابا
عاشَ خَلقٌ ومضَوا ما نقصوا
رُقعةَ الأرضِ ولا زادوا التُّرابا
أخذَ التاريخُ ممَّا تركوا
عملًا أحسنَ أو قولًا أصابا
ومن الإحسانِ أو من ضدِّهِ
نجحَ الراغبُ في الذِّكر وخابا
مَثلُ القومِ نسُوا تاريخَهم
كلقيطٍ عيَّ في الناس انتسابا
أو كمغلوبٍ على ذاكرةٍ
يشتكي من صِلةِ الماضي انقضابا٩٣

•••

يا أبا «الحُفَّاظِ» قد بلَّغتَنا
طِلْبةً بلَّغك اللهُ الرِّغابا
لكَ في الفتح وفي أحداثه
فتحَ اللهُ حديثًا وخِطابا
مَن يُطالعْه ويستأنسْ به
يجِدِ الجِدَّ ولا يَعدمْ دعابا
صُحُفٌ ألَّفتَها في شدةٍ
يتلاشى دونها الفكرُ انتهابا
لغة «الكامل» في استرساله
«وابنِ خَلدونَ» إذا صحَّ وصابا
إنَّ للفصحى زِمامًا ويدًا
تَجنبُ السهلَ وتقتادُ الصِّعابا٩٤
لغةُ الذِّكرِ لسانُ المُجتبى
كيف تعيا بالمُنادِين جوابا
كلُّ عصرٍ دارُها إن صادفت
منزلًا رحبًا وأهلًا وجَنابا٩٥
ائتِ بالعُمرانِ رَوضًا يانعًا
وادعُها تَجرِ يَنابيعَ عِذابا
لا تجِئْها بالمتاع المُقتنى
سَرَقًا من كلِّ قومٍ ونِهابا
سَل بها أندلسًا هل قصَّرَت
دونَ مِضمارِ العُلا حين أهابا
غُرِسَت في كلِّ تُربٍ أعجمٍ
فزكَت أصلًا كما طابت نِصابا
ومشَت مِشيتَها لم ترتكب
غيرَ رِجلَيها ولم تحجل غُرابا٩٦

•••

إنَّ عصرًا قُمتَ تجلُوه لنا
لبِسَ الأيامَ دَجنًا وضَبابا٩٧
المماليك تَمشَّى ظُلمُهم
ظُلماتٍ كدُجى الليل حِجابا
كلُّهم كافورُ أو عبدُ الخنا
غيرَ أن المتنبي عنه خابا٩٨
ولكلٍّ شِيعةٌ من جنسه
إن للشرِّ إلى الشرِّ انجذابا
ظلماتٌ لا ترى في جُنحِها
غيرَ هذا الأزهرِ السمحِ شِهابا٩٩
زِيدتِ الأخلاقُ فيه حائطًا
فاحتمى فيها رواقًا وقِبابا
وترى الأعزالَ من أشياخه
صيَّروه بسلاحِ الحق غابا١٠٠
قسَمًا لولاه لم يبقَ بها
رَجلٌ يقرأ أو يدري الكِتابا
حفِظَ الدينَ مَلِيًّا ومضى
يُنقِذُ الدنيا فلم يَملك ذَهابا١٠١
أُوذيَت هَيبتُه مِن عَجزه
وقُصارى عاجزٍ ألا يُهابا
لم تُغادر قلمًا في راحة
دولةٌ ما عرفَت إلا الحِرابا
أقعدَ اللهُ «الجبرتيَّ» لها
قلمًا عن غائبِ الأقلامِ نابا١٠٢
خبَّأ «الشيخُ» لها في رُدنِهِ
مِرقمًا أدهى من الصِّلِّ انسيابا١٠٣
مَلَكٌ لم يُغضِ عن سيئةٍ
يا له من مَلَكٍ يَهوى السِّبابا١٠٤
لا يراه الظُّلمُ في كاهِلِهِ
وهْو يكوي كاهِلَ الظلمِ عِقابا
صُحُفُ «الشيخِ» ويَومياتُهُ
كزمانِ الشيخِ سُقْمًا واضطرابا
من حواشٍ كجَليدٍ لم يذُبْ
وفصولٍ تُشبِه التِّبرَ المُذابا
و«الجبرتيُّ» على فِطنتِهِ
مَرَّةً يَغبى وحينًا يتغابَى١٠٥
مُنصِفٌ ما لم يَرُضْ عاطفةً
أو يُعالجْ لهوى النفسِ غِلَابا١٠٦
وإذا الحيُّ تولَّى بالهوى
سيرةَ الحيِّ بغى فيها وحابَى

•••

وقعةُ الأهرامِ جلَّت مَوقعًا
وتعالت في المغازي أن تُرابا١٠٧
عِظَةُ الماضي ومُلقى درسِهِ
لِعُقولٍ تجعلُ الماضي مَثابا١٠٨
من بناتِ الدهرِ إلا أنها
تَنشرُ الدهرَ وتطويه كَعابا١٠٩
ومن الأيام ما يَبقى وإن
أمعَنَ الأبطالُ في الدهر احتجابا
هي من أيِّ سبيلٍ جئتَها
غايةٌ في المَجدِ لا تدنو طِلابا
انظُرِ الشرقَ تجِدْها صرَّفَت
دولةَ الشرقِ استواءً وانقلابا
جلبَت خيرًا وشرًّا وسقَت
أُمَمًا في مَهدِهم شُهدًا وصابا١١٠
في «نَصيبِينَ» لبِسْنا حُسنَها
وعلى التلِّ لبِسْناها مَعابا١١١
إن سِربًا زحَفَ «النَّسرُ» به
قطَعَ الأرضَ بِطاحًا وهِضابا١١٢
إن ترامت بلدًا عِقبانُهُ
خطفَت تاجًا أو اصطادت عُقابا١١٣
شهِدَ «الجيزيُّ» منهم عُصبةً
لبِسُوا الغارَ على الغارِ اعتصابا١١٤
كذئابِ القفرِ من طُولِ الوغى
واختلافِ النَّقعِ لونًا وإهابا١١٥
قادَهم للفتح في الأرض فتًى
لو تأنَّى حظَّه قادَ السحابا
غرَّت الناسَ به نكبتُهُ
جمَعَ الجُرحُ على الليثِ الذُّبابا
برَزَت بالمَنظرِ الضاحي لهم
فَيلقٌ كالزَّهرِ حُسنًا والتهابا١١٦
حُلِّيَ الفُرسانُ فيها جوهرًا
وجِلالُ الخَيلِ دُرًّا وذَهابا١١٧
في سلاحٍ كحُلِيِّ الغِيدِ ما
لمَسَت طَعنًا ولا مسَّت ضِرابا
طُرِحَت مصرٌ فكانت «مُومِيا»
بينَ لِصَّينِ أراداها جُذابا
نالها الأعرضُ ظُفرًا منهما
من ذئابِ الحربِ والأطوَلُ نابا
وبنو الوادي رِجالاتُ الحِمى
وقَفوا من ساقةِ الجيشِ ذُنابى
مَوقفَ العاجزِ من خلفِ الوغى
يَحرسُ الأحمالَ أو يسقي مُصابا

الربيع ووادي النيل

(إلى «هول كين» الكاتب الروائي الشهير.)

آذارُ أقبلَ قُم بنا يا صاحِ
حيِّ الربيعَ حديقةَ الأرواحِ
واجمعْ نَدامى الظَّرفِ تحت لوائه
وانشرْ بساحتِه بِساطَ الرَّاحِ
صفوٌ أُتيحَ فخُذْ لنفسِك قِسطَها
فالصفوُ ليس على المَدى بمُتاحِ
واجلسْ بضاحكةِ الرياض مُصفِّقًا
لتجاوُبِ الأوتارِ والأقداحِ
واستأنِسنَّ من السُّقاةِ برُفقةٍ
غُرٍّ كأمثال النجوم صِباحِ
رقَّت كنُدمانِ الملوكِ خِلالُهم
وتجمَّلوا بمروءةٍ وسَماحِ
واجعل صَبوحَك في البكور سَليلةً
للمُنجِبَينِ الكرْمِ والتفاحِ١١٨
مهما فضضتَ دِنانَها فاستضحكَت
مُلِئ المكانُ سَنًا وطِيبَ نُفاحِ
تطغى فإن ذكرَت كريمَ أصولها
خلعَت على النشوانِ حِليةَ صاحي
«فرعونُ» خبَّأها ليومِ فُتوحه
وأعدَّ منها قُربةً ﻟ «فتاحِ»١١٩
ما بين شادٍ في المجالس أيْكُهُ
ومُحجَّباتِ الأيكِ في الأدواحِ١٢٠
غَرِدٍ على أوتارِه يُوحي إلى
غَرِدٍ على أغصانِه صدَّاحِ
بِيضُ القلانسِ في سوادِ جَلاببٍ
حُلِّينَ بالأطواقِ والأوضاحِ
رتَّلنَ في أوراقهن مَلاحِنًا
كالراهباتِ صبيحةَ الإفصاحِ
يخطرنَ بينَ أرائكٍ ومنابرٍ
في هيكلٍ من سُندسٍ فيَّاحِ

•••

مَلِكُ النبات فكلُّ أرضٍ دارُهُ
تلقاه بالأعراسِ والأفراحِ
منشورةٌ أعلامُه من أحمرٍ
قانٍ وأبيضَ في الرُّبَى لمَّاحِ
لبِسَت لمَقدَمِه الخمائلُ وَشيَها
ومرَحنَ في كنَفٍ له وجناحِ
يغشى المنازلَ من لواحظِ نرجسٍ
آنًا وآنًا من ثغورِ أقاحِ١٢١
ورءوسُ «منثورٍ» خفضنَ لعزِّهِ
تِيجانَهنَّ عواطرَ الأرواحِ
الوَردُ في سُرُرِ الغصونِ مُفتَّحٌ
مُتقابِلٌ يُثني على الفتَّاحِ
ضاحي المواكبِ في الرياض مُميَّزٌ
دون الزهور بشَوكةٍ وسلاحِ
مرَّ النسيمُ بصفحتَيه مُقبِّلًا
مرَّ الشِّفاهِ على خدودِ مِلاحِ
هتكَ الردى من حُسنِه وبهائه
بالليل ما نسجَت يدُ الإصباحِ
يُنبِيكَ مَصرعُه وكلٌّ زائلٌ
أن الحياةَ كغُدوةٍ ورَواحِ
ويقائقُ النِّسرِينِ في أغصانها
كالدُّرِّ رُكِّبَ في صدورِ رماحِ١٢٢
و«الياسَمينُ» لَطيفُه ونَقيُّهُ
كسريرةِ المتنزِّه المِسماحِ
مُتألِّقٌ خَلَلَ الغصونِ كأنه
في بُلجةِ الأفنانِ ضوءُ صباحِ١٢٣
و«الجُلَّنارُ» دمٌ على أوراقِهِ
قاني الحروفِ كخاتَمِ السفَّاحِ
وكأنَّ مخزونَ «البنفسجِ» ثاكلٌ
يَلقى القضاءَ بخشيةٍ وصلاحِ
وعلى «الخواطرِ» رِقَّةٌ وكآبةٌ
كخواطرِ الشُّعراءِ في الأتراحِ١٢٤
والسَّرْوُ في الحِبَرِ السوابغِ كاشفٌ
عن ساقِه كمليحةٍ مِفراحِ١٢٥
و«النخلُ» ممشوقُ العُذوقِ مُعصَّبٌ
مُتزيِّنٌ بمناطقٍ ووِشاحِ
كبناتِ فرعونٍ شهِدنَ مواكبًا
تحتَ «المراوحِ» في نهارٍ ضاحِ
وترى الفضاءَ كحائطٍ من مَرمرٍ
نُضِدَت عليه بدائعُ الألواحِ
الغَيمُ فيه كالنَّعامِ بَدينةٌ
بركَت وأخرى حلَّقَت بجَناحِ
والشمسُ أبهى من عروسٍ بُرقعَت
يومَ الزِّفافِ بعسجَدٍ وضَّاحِ
والماءُ بالوادي يُخالُ مَساربًا
من زئبقٍ أو مُلقَياتِ صِفاحِ١٢٦
بعثَت له شمسُ النهار أشِعَّةً
كانت حُلَى «النَّيلُوفرِ» السبَّاحِ
يزهو على وُرقِ الغصون نثيرُها
زهْوَ الجواهرِ في بطونِ الرَّاحِ
وجرَت سواقٍ كالنَّوادبِ بالقُرى
رُعْنَ الشجيَّ بأنَّةٍ ونُواحِ
الشاكياتُ وما عرفْنَ صبابةً
الباكياتُ بمَدمعٍ سحَّاحِ
من كلِّ باديةِ الضلوع غليلةٍ
والماءُ في أحشائها مِلواحِ١٢٧
تبكي إذا ونِيَت وتَضحكُ إن هفَت
كالعِيسِ بين تَنشُّطٍ ورَزاحِ١٢٨
هي في السلاسل والغلول وجارُها
أعمى ينوءُ بنِيرِه الفدَّاحِ

•••

إني لَأذكُرُ بالربيعِ وحُسنِهِ
عهدَ الشبابِ وطِرفِه المِمراحِ١٢٩
هل كان إلا زهرةً كزُهورِهِ
عجِلَ الفناءُ لها بغيرِ جُناحِ

•••

«هول كين» مصرُ روايةٌ لا تنتهي
منها يدُ الكُتابِ والشُّراحِ
فيها من البَرديِّ والمُزمورِ والتَّـ
ـوراةِ والفُرقانِ والإصحاحِ١٣٠
«ومِنَا» و«قمبيزٍ» على «إسكندرٍ»
فالقيصرَينِ فَذِي الجلالِ «صلاحِ»
تلك الخلائقُ والدُّهورُ خِزانةٌ
فابعثْ خيالَكَ يأتِ بالمِفتاحِ
أُفُقُ البلادِ وأنت بين رُبوعِها
بالنجمِ مُزْدانٌ وبالمِصباحِ

مسجد أيَا صُوفيا

كنيسةٌ صارت إلى مسجِدِ
هديَّةُ السيِّدِ للسيِّدِ
كانت لعيسى حَرَمًا فانتهَت
بنُصرةِ الرُّوحِ إلى أحمدِ
شيَّدَها الرومُ وأقيالُهم
على مِثالِ الهرمِ المُخلَدِ١٣١
تُنبئُ عن عزٍّ وعن صَولةٍ
وعن هوًى للدين لم يَخمدِ
مَجامرُ الياقوتِ في صَحنِها
تملؤه من نَدِّها المُوقَدِ١٣٢
ومِثلُ ما قد أُودعَت من حُلًى
لم تتَّخذ دارًا ولم تُحشَدِ
كانت بها العذراءُ من فضةٍ
وكان رُوحُ اللهِ من عسجدِ
عيسى من الأمِّ لدى هالةٍ
والأمُّ من عيسى لدى فَرقدِ
جلَّاهما فيها وحلَّاهما
مُصوِّرُ الرومِ القديرُ اليدِ
وأودَعَ الجدرانَ من نقشه
بدائعًا من فنِّه المُفرَدِ
فمِن مَلاكٍ في الدُّجى رائحٍ
عندَ ملاكٍ في الضُّحى مُغتدي
ومِن نباتٍ عاشَ كالببَّغا
وهْو على الحائطِ غَضٌّ نَدِي
فقُل لمَن شادَ فهَدَّ القُوى
قُوى الأجيرِ المُتعَبِ المُجهَدِ
كأنه فرعونُ لمَّا بنى
لربِّه بيتًا فلم يَقصِدِ١٣٣
أيُعبَدُ اللهُ بسَومِ الورى
ما لا يُسامُ العَيرُ في المِقوَدِ١٣٤
كنيسةٌ كالفَدَنِ المُعتلي
ومسجدٌ كالقصرِ من أصيَدِ١٣٥
واللهُ عن هذا وذا في غِنًى
لو يعقلُ الإنسانُ أو يهتدي
قد جاءها «الفاتحُ» في عُصبةٍ
من الأُسودِ الرُّكَّعِ السُّجَّدِ
رمى بهم بنيانَها مِثلَما
يصطدمُ الجلمدُ بالجلمدِ١٣٦
فكبَّروا فيها وصلَّى العِدا
واختلطَ المَشهدُ بالمَشهدِ
وما توانى الرومُ يَفدُونَها
والسيفُ في المُفدِيِّ والمُفتدي
فخِلْتُها من قيصرٍ سعدُهُ
وأُيِّدَت بالقيصرِ الأسعدِ
بفاتحٍ غازٍ عفيفِ القَنا
لا يحملُ الحقدَ ولا يعتدي
أجار مَن ألقى مقاليدَهُ
منهم وأصفى الأمنَ للمُرتدي
وناب عمَّا كان من زُخرفٍ
جلالةُ المعبودِ في المَعبَدِ
فيا لَثأرٍ بيننا بعده
أقام لم يقرُبْ ولم يبعُدِ
باقٍ كثأرِ «القدسِ» من قبله
لا ننتهي منه ولا يبتدي
فلا يغرَّنْكَ سكونُ المَلا
فالشرُّ حولَ الصَّارمِ المُغمَدِ
لن يتركَ الرومُ عباداتِهم
أو ينزلَ التُّركُ عن السُّؤددِ
هذا لهم بيتٌ على بيتِهم
ما أشبَهَ المسجدَ بالمسجدِ
فإنْ يُعادُوا في مفاتيحِهِ
فيا لَيومٍ للورى أَسودِ
يَشيب فيه الطفلُ في مَهدِهِ
ويُزعَج الميْتُ من المَرقدِ
فكُنْ لنا اللهمَّ في أمسِنا
وكُن لنا اليومَ وكُنْ في غدِ
لولا ضلالٌ سابقٌ لم يقُمْ
من أجلِكَ الخَلقُ ولم يَقعُدِ
فكلُّ شرٍّ بينه أو أذًى
أنت بَراءٌ منه طُهْرُ اليدِ

غابُ بُولونيا١٣٧

يا غابَ بولونٍ ولِي
ذِمَمٌ عليكِ ولي عُهودْ
زمنٌ تقضَّى لِلهوى
ولنا بِظلِّكَ هل يعودْ
حُلُمٌ أُريدُ رجوعَهُ
ورجوعُ أحلامي بعيدْ
وهَبِ الزمانَ أعادَها
هل للشبيبةِ مَن يُعيدْ
يا غابَ بولونٍ وبي
وجْدٌ مع الذكرى يَزيدْ
خفَقَت لرؤيتِكَ الضُّلو
عُ وزُلزِلَ القلبُ العَميدْ١٣٨
وأراكَ أقسى ما عَهِدْ
تُ فما تَميلُ ولا تَميدْ
كم يا جمادُ قساوةً
كَم؟ هكذا أبدًا جُحودْ؟
هلَّا ذكرتَ زمانَ كُنَّـ
ـا والزمانُ كما نُريدْ
نطوي إليك دُجى الليا
لي والدُّجى عنَّا يَذودْ
فنقولُ عندكَ ما نقو
لُ وليس غيْرُك مَن يُعِيدْ
نُطْقِي هوًى وصبابةٌ
وحديثُها وتَرٌ وَعُودْ
نَسري ونَسرحُ في فضا
ئِكَ والرِّياحُ به هُجودْ
والطيرُ أقعَدَها الكرى
والناسُ نامت والوجودْ
فنَبيتُ في الإيناسِ يغـ
ـبطُنا به النجمُ الوحيدْ
في كلِّ رُكنٍ وقفةٌ
وبكلِّ زاويةٍ قُعودْ
نَسقي ونُسقى والهوى
ما بين أعيُننا وليدْ
فمِن القلوب تمائمٌ
ومن الجُنوبِ له مُهودْ
والغصنُ يسجدُ في الفضا
ءِ وحبَّذا منه السجودْ
والنجمُ يلحظُنا بعَيـ
ـنٍ ما تحُولُ ولا تَحِيدْ
حتى إذا دعَت النَّوى
فتبدَّدَ الشملُ النضيدْ
بِتْنا وممَّا بيننا
بحرٌ ودون البحر بِيدْ
ليلي بمصرَ وليلُها
بالغرب وهْو بها سعيدْ

المرأة العثمانية

يا مَلَكًا تعَبَّدا
مُصَلِّيًا موحِّدا
مُبارَكًا في يومِه
والأمسِ ميمونًا غدا
مُسخَّرًا لأُمَّةٍ
من حقِّها أن تَسعَدا
قد جعلَته تاجَها
وعِزَّها والسُّؤددا
وأعرضَت حيث مشى
وأطرقَت حيث بدا
تُجِلُّه في حُسنِهِ
كما تُجِلُّ الفَرقَدا
أنت شُعاعٌ من عَلٍ
أنزله اللهُ هُدَى
كم قد أضاءَ منزلًا
وكم أنار مَسجدا
وكم كسا الأسواقَ من
حُسنٍ وزانَ البلدا
لولا التُّقى لقُلتُ لم
يَخلُقْ سواك الولدا
إن شئتَ كان العَيرَ أو
إن شئت كان الأسدا
وإن تُرِدْ غيًّا غَوى
أو تبغِ رُشدًا رَشَدا
والبيتُ أنت الصوتُ فيـ
ـهِ وهْو للصوتِ صَدَى
كالببَّغا في قفصٍ
قِيل له فقلَّدا
وكالقضيبِ اللَّدنِ قد
طاوَعَ في الشكل اليدا
يأخذ ما عوَّدتَهُ
والمرءُ ما تعوَّدا
ممَّا انفردتَ في الورى
بفضله وانفردا
وكلُّ ليثٍ قد رَمى
به الإمامُ في العِدا
أنتَ الذي جنَّدتَهُ
وسُقتَه إلى الرَّدى
وقُلتَ كُنْ لله والسُّـ
ـلطانِ والتُّركِ فِدى

الهلال

سِنُونَ تُعادُ ودهرٌ يُعِيدْ
لَعَمرُكَ ما في الليالي جديدْ
أضاءَ لِآدمَ هذا الهلالُ
فكيف تقولُ الهلالُ الوليد
نُعِدُّ عليه الزمانَ القريبَ
ويُحصي علينا الزمانَ البعيدْ
على صفحتَيه حديثُ القُرى
وأيامُ «عادٍ» ودنيا «ثمودْ»
و«طِيبةُ» آهِلةٌ بالملوكِ
«وطِيبةُ» مُقفِرةٌ بالصعيدْ
يزولُ ببعضِ سناه الصَّفا
ويفنى ببعض سناه الحديدْ١٣٩
ومِن عجَبٍ وهْو جَدُّ الليالي
يُبيدُ اللياليَ فيما يُبيدْ

•••

يقولون يا عامُ قد عُدتَ لي
فيا ليت شِعري بماذا تعودْ
لقد كنتَ لي أمسِ ما لم أُرِدْ
فهل أنت لي اليومَ ما لا أريدْ
ومَن صابَرَ الدهرَ صبري له
شكا في الثلاثينَ شكوى «لَبيدْ»١٤٠
ظمِئتُ ومِثلي بِرِيٍّ أحَقُّ
كأني حُسينٌ ودهري يَزيدْ١٤١
تغابَيتُ حتى صحِبتُ الجَهولَ
وداريتُ حتى صحِبتُ الحَسودْ

مَنظر الشروق والغروب في عالم الماء من أعلى السفينة

لِمَن غُرَّةٌ تنجلي من بعيدْ
بمَرأًى كما الحُلْمُ ضاحٍ سعيدْ
تَهُزُّ الوجودَ تباشيرُها
كما هزَّ مِن والدَيه الوليدْ
ويغشى الدُّنا من حُلاها سَنًا
أضاءَ لنا كلَّ حالٍ نضيدْ١٤٢
من الموج مُلتمِعٌ مِثلَما
تحلَّت نحورُ الدُّمى بالعقودْ١٤٣
أتَتْنا من الماءِ مُهتزَّةً
منوَّرةً تعتلي للوجودْ
وتصعد من غيرِ ما سُلَّمٍ
فيا لَلمُصوِّر هذا الصعودْ
وهذا المُنيرُ القريبُ القريبُ
وهذا المُنيرُ البعيدُ البعيدْ
وهذا المُنيرُ الذي لن يُرى
وهذا المُنيرُ وكلٌّ شهيدْ
وهذا الجُسامُ الخفيفُ الخُطا
وهذا الجُسامُ الذي ما يَميدْ
ويا لَلمُصوِّر آثارَها
بكلِّ بِحارٍ وفي كلِّ بِيدْ
وتقليلها كلَّ جمِّ السَّنا
وتصغيرها كلَّ عالٍ مَشيدْ
من النار لكنَّ أطرافَها
تدورُ بياقوتةٍ لن تَبيدْ
من النار لكنَّ أنوارَها
إلهيَّةٌ زُيِّنَت للعبيدْ
هي الشمسُ كانت كما شاءها
مَماتُ القديمِ حياةُ الجديدْ
تردُّ المياهَ إلى حدِّها
وتُبِلي جبالَ الصفا والحديدْ١٤٤
وتطلعُ بالعيشِ أو بالرَّدى
على الزرعِ قائمِه والحَصيدْ
وتسعى لذا الناسِ مهما سعَت
بخيرِ الوعودِ وشرِّ الوعيدْ
وقد تتجلَّى إذا أقبلَت
بنُعمى الشقيِّ وبُؤسى السعيدْ
وقد تتولَّى إذا أدبرَت
وليست بمأمونةٍ أن تعودْ
فما للغروبِ يَهيجُ الأسى
وكان الشروقُ لنا أيَّ عيدْ
كذا المرءُ ساعةَ مِيلادِهِ
وساعةَ يدعو الحِمامُ العنيدْ
وليس بجارٍ ولا واقعٍ
سِوى الحق ممَّا قضاه المُريدْ

مَنظر طلوع البدر من سفينة

مَلِكَ السماءِ بهَرتَ في الأنوارِ
ففداك كلُّ مُتوَّجٍ من ساري
لمَّا طلعتَ على المياه تُنِيرُها
سكنَت وقد كانت بغيرِ قرارِ
وزهَت لناظرِها السماءُ وقرَّ ما
في البحر من عُبُبٍ ومن تيَّارِ١٤٥
وأهَلَّ للهِ السُّراةُ وأزلَفوا
لك في الكمال تحيَّةَ الإكبارِ
وتأمَّلوك فكلُّ جارحةٍ لهم
عينٌ تُسامِرُ نورَها وتُساري
والبدرُ منكَ على العوالم يَجتلي
بِشْرَ الوجوهِ وزحمةَ الأبصارِ
مُتقدِّمٌ في النُّورِ محجوبٌ به
مُوفٍ على الآفاق بالأسفارِ
يا دُرَّةَ الغوَّاصِ أخرَج ظافرًا
يُمناه يجلُوها على النُّظَّارِ
مُتهلِّلًا في الماءِ أبدى نِصفَهُ
يسمُو بها والنصفُ كاسٍ عارِ
وافى بك الأُفُقُ السماءَ فأسفرَت
عن قُفْلِ ماسٍ في سِوارِ نُضارِ
ونهضتَ يزهو الكونُ منكَ بمَنظرٍ
ضاحٍ ويحملُ منك تاجَ فَخَارِ
الماءُ والآفاقُ حولك فضةٌ
والشُّهْبُ دينارٌ لدى دينارِ
والفُلْكُ مُشرِقةُ الجوانبِ في الدُّجى
يبدو لها ذيلٌ من الأنوارِ
بيْنَا تَخطَّرُ في لُجَينٍ مائجٍ
إِذ تَنثني في عسجدٍ زَخَّارِ
وكأنها والموجُ مُنتظِمٌ وقد
أَوفَيتَ ثم دنَوتَ كالمُحتارِ
غَيداءُ لاهيةٌ تخطُّ لأغيَدٍ
شِعرًا ليقرأه وأنتَ القاري
فلْيَهنِ بدرَ الأرضِ أنكَ صِنوُهُ
ونظيرُه قُربًا وبُعْدَ مَزارِ
وحلاكما ما البدرُ إلا أنتما
وسواكما قمرٌ من الأقمارِ
أنت الكريمُ على الوجود بوجهه
وهي الضنينةُ بالخيالِ الساري
هيفاءُ أهواها وأعشقُ ذِكرَها
لكنْ أُداري والمُحِبُّ يُداري
لي في الهوى سِرٌّ أبِيتُ أصُونه
واللهُ مُطَّلِعٌ على الأسرارِ

بلدة المؤتمر لناظرها في بهجة مَناظرها

جنيف وضواحيها
لا السُّهْدُ يُدنيني إليه ولا الكرى
طيْفٌ يزورُ بفضله مهما سرى
تَخِذَ الدُّجى وسماءَه ونجومَهُ
سُبُلًا إلى جفنَيك لم يرضَ الثرى
وأتاكَ موفورَ النعيم تخالُهُ
ملَكًا تنمُّ به السماءُ مُطهَّرا
علِمَ الظلامُ هبوطَه فمشَت له
أهدابُه يأخذْنَه مُتحدِّرا
وحَمى النسائمَ أن تروحَ وأن تَجِي
حذَرًا وخوفًا أن يُراعَ ويُذعَرا
ورقدتَ تُزلِفُ للخيال مكانَهُ
بين الجفون وبين هُدبِك والكرى
فهَنِئتَه مِثلَ السعادةِ شائقًا
مُتصوِّرًا ما شئتَ أن يتصوَّرا
تطوي له الرُّقباءُ منصورَ الهوى
وتَدوس ألسنةَ الوشاةِ مُظفَّرا
لولا امتنانُ العين يا طيفَ الرضا
ما سامحت أيامَها فيما جرى
باتت مُشوَّقةً وبات سوادُها
زُونا بتمثالِ الجمال مُنوَّرا
تُعطَى المُنى وتُنِيلهنَّ خليقةٌ
بك أن تُقدِّم في المُنى وتُؤخِّرا
وتُعانِقُ القمرَ السَّنِيَّ عزيزةً
حتى إذا ودَّعتَ عانَقَت الثرى
في ليلةٍ قَدِمَ الوجودَ هلالُها
فدنَت كواكبُها تُعلِّمه السُّرى
وتُريه آثارَ البدورِ ليقتفي
ويرى له الميلادُ أن يتصدَّرا
ناجيتُ مَن أهوى وناجاني بها
بينَ الرياضِ وبينَ ماءِ «سُوَيْسِرا»
حيث الجبالُ صِغارُها وكبارُها
من كلِّ أبيضَ في الفضاءِ وأخضرا
تَخِذَ الغمامُ بها بيوتًا فانجلت
مشبوبةَ الأجرام شائبةَ الذُّرا
والصخرُ عالٍ قام يُشبِه قاعدًا
وأنافَ مكشوفَ الجوانبِ مُنذِرا
بين الكواكب والسحاب ترى له
أُذُنًا من الحجرِ الأصمِّ ومِشفَرا١٤٦
والسفحُ من أيِّ الجهاتِ أتيتَهُ
ألفَيتَه دَرَجًا يَموجُ مُدوَّرا
نثَرَ الفضاءُ عليه عِقدَ نجومِهِ
فبدا زبرجدُه بهنَّ مُجوهَرا
وتنظَّمَت بِيضُ البيوت كأنها
أوكارُ طيرٍ أو خَميسٌ عسكرا١٤٧
والنجمُ يبعث للمياه ضياءَهُ
والكهرباءُ تُضيءُ أثناءَ الثرى
هامَ الفَراشُ بها وحامَ كتائبًا
يحكي حوالَيها الغمامَ مُسيَّرا
خُلِقت لرحمتِه فباتت نارُهُ
بَرْدًا ونارُ العاشقين تَسعُّرا
والماءُ من فوقِ الدِّيار وتحتَها
وخِلالِها يجري ومن حولِ القُرى
مُتصوِّبًا مُتصعِّدًا مُتمهِّلًا
مُتسرِّعًا مُتسلسِلًا مُتعثِّرا
والأرضُ جِسرٌ حيث دُرْتَ ومَعبَرٌ
يَصِلان جِسرًا في المياه ومَعبَرا
والفُلكُ في ظلِّ البيوتِ مَواخِرًا
تطوي الجداولَ نحوَها والأنهُرا
حتى إذا هَدأ المَلا في ليله
جاذبتُ ليلي ثوبَه مُتحيِّرا
وخرجت من بين الجسور لعلَّني
أستقبِل العَرْفَ الحبيبَ إذا سرى
آوِي إلى الشجرات وهْي تهزُّني
وقد اطمأنَّ الطيرُ فيها بالكرى
ويهزُّ منِّي الماءُ في لمعانِهِ
فأميلُ أنظر فيه أطمعُ أن أرى
وهنالك ازدهَت السماءُ وكان أن
آنَستُ نورًا ما أتمَّ وأبهَرا
فسرَيتُ في لألائِه وإذا به
بدرٌ تُسايِره الكواكبُ خُطَّرا
حُلُمٌ أعارَتني العنايةُ سمْعَها
فيه فما استتممتُ حتى فُسِّرا
فرأيتُ صفوي جَهرةً وأخذتُ أنـ
ـسى يقظةً ومُنايَ لبَّت حُضَّرا
وأشرتُ هل لُقْيا فأُوحيَ أنْ غدًا
بالطَّودِ أبيضَ من جبالِ «سُوَيْسِرا»
إن أشرقَت زهراءَ تسمو للضحى
وإذا هوَت حمراءَ في تلك الذُّرا
فشروقُها منه أتمُّ مَعانيًا
وغروبُها أجلى وأكملُ مَنظرا
تبدو هنالك للوجود وَليدةً
تهْنَا بها الدنيا ويغتبط الثرى
وتُضيءُ أثناءَ الفضاءِ بغُرَّةٍ
لاحت برأسِ الطَّودِ تاجًا أزهَرا
فسمَت فكانت نِصفَ طارٍ ما بدا
حتى أنافَ فلَاحَ طارًا أكبرا
يعلو العوالمَ مُستقِلًّا ناميًا
مُستعصيًا بمكانه أن يُنقَرا
سالت به الآفاقُ لكنْ عسجدًا
وتغطَّتِ الأشباحُ لكنْ جوهرا
واهتزَّ فالدُّنيا له مُهتزَّةٌ
وأنارَ فانكشفَ الوجودُ مُنوَّرا
حتى إذا بلَغَ السُّمُوُّ كمالَهُ
أذِنَت لداعي النقصِ تهوي القهقرى١٤٨
فدنَت لناظرِها ودانَ عِنانُها
وتبدَّل المُستعظَمُ المُستصغَرا
واصفرَّ أبيضُ كلِّ شيءٍ حولَها
واحمرَّ بُرقعُها وكان الأصفرا
وسما إليها الطَّودُ يأخذُها وقد
جعلَت أعاليَه شريطًا أحمرا
مسَّته فاشتعلَت بها جَنَباتُهُ
وبدَت ذُراه الشُّمُّ تحملُ مِجمرا
فكأنما مدَّت به نِيرانَها
شَرَكًا لتصطادَ النهارَ المُدبِرا
حرقَته واحترقت به فتولَّيا
وأتى طُلولَهما الظلامُ فعسكرا
فشروقُها الأملُ الحبيبُ لمَن رأى
وغروبُها الأجلُ البغيضُ لمَن درى
خَطْبانِ قاما بالفناءِ على الصَّفا
ما كان بينهما الصفاءُ لِيَعمُرا
تتغير الأشياءُ مهما عاوَدا
واللهُ عزَّ وجلَّ لن يتغيرا
أنهارُنا تحت «السليف» وفوقَهُ
ولدى جوانبِه وما بينَ الذُّرا
رَجْلًا ورُكْبانًا وزَحلقةً على
عَجَلٍ هنالك كهربائيِّ السُّرى
في مركبٍ مُستأنَسٍ سالت به
قُضُبُ الحديدِ تعرُّجًا وتحدُّرا
ينساب ما بين الصخور تمهُّلًا
ويخفُّ بينَ الهُوَّتَين تخطُّرا
وإذا اعتلى بالكهرباءِ لذروةٍ
عصماءَ هَمَّ مُعانِقًا مُتسوِّرا
لمَّا نزلْنا عنه في أُمِّ الذُّرا
قُمنا على فرعِ «السليف» لِنَنظرا
أرضٌ تموجُ بها المَناظرُ جمَّةٌ
وعوالمٌ نِعْمَ الكتابُ لمَن قرا
وقُرًى ضرَبنَ على المدائنِ هالةً
ومدائنٌ حلَّينَ أجيادَ القُرى
ومَزارعٌ للناظرين روائعٌ
لبِسَ الفضاءُ بها طرازًا أخضرا
والماءُ غُدْرٌ ما أرَقَّ وأغزَرا
وجداولٌ هُنَّ اللُّجَينُ وقد جرى
فحشَونَ أفواهَ السهولِ سبائكًا
وملأنَ أقبالَ الرواسخِ جوهرا١٤٩
قد صغَّرَ البُعدُ الوجودَ لنا فيا
لَلهِ ما أحلى الوجودَ مُصغَّرا

وقال يصف مَشاهد الطبيعة في طريقه إلى الآستانة قادمًا من أوروبا:

تلك الطبيعةُ قِفْ بنا يا ساري
حتى أُريكَ بديعَ صُنعِ الباري
الأرضُ حولَك والسماءُ اهتزَّتا
لروائعِ الآياتِ والآثارِ
من كلِّ ناطقةِ الجلالِ كأنها
أُمُّ الكتابِ على لسانِ القاري١٥٠
دلَّت على مَلِكِ الملوكِ فلم تدَعْ
لأدلةِ الفقهاءِ والأحبارِ١٥١
مَن شكَّ فيه فنظرةٌ في صُنعِهِ
تمحو أثيمَ الشكِّ والإنكارِ

•••

كشفَ الغطاءُ عن «الطرول» وأشرقَت
منه الطبيعةُ غيرَ ذاتِ سِتارِ
شبَّهتُها «بلقيسَ» فوقَ سريرها
في نَضرةٍ ومواكبٍ وجواري
أو ﺑ «ابنِ داوودٍ» وواسعِ مُلكه
ومعالمٍ للعزِّ فيه كبارِ١٥٢
هُوجُ الرياحِ خواشعٌ في بابه
والطيرُ فيه نواكسُ المِنقارِ١٥٣

•••

قامت على ضاحي الجِنانِ كأنها
رضوانُ يُزجِي الخُلدَ للأبرارِ١٥٤
كم في الخمائل وهْي بعضُ إمائها
من ذاتِ خلخالٍ وذاتِ سوارِ١٥٥
وحَسيرةٍ عنها الثيابُ وبضَّةٍ
في الناعماتِ تجرُّ فضْلَ إزارِ١٥٦
وضَحوكِ سنٍّ تملأُ الدنيا سنًا
وغريقةٍ في دمعِها المِدرارِ
ووحيدةٍ بالنجدِ تشكو وحشةً
وكثيرةِ الأترابِ بالأغوارِ١٥٧

•••

ولقد تمرُّ على الغدير تخالُهُ
والنَّبتَ مِرآةً زهَت بإطارِ١٥٨
حُلوِ التسلسل موجُه وجريرُهُ
كأناملٍ مرَّت على أوتارِ
مُدَّت سواعدُ مائه وتألَّقَت
فيها الجواهر من حصًى وجِمارِ١٥٩
ينساب في مُخضلَّةٍ مُبتلَّةٍ
منسوجةٍ من سُندسٍ ونُضارِ١٦٠
زهراءَ عَونِ العاشقين على الهوى
مختارةِ الشعراءِ في آذارِ
قام الجَليدُ بها وسالَ كأنه
دَمعُ الصبابةِ بلَّ غُصْنَ عذارِ
وترى السماءَ ضُحًى وفي جُنحِ الدُّجى
مُنشقَّةً عن أنهُرٍ وبِحارِ١٦١
في كلِّ ناحيةٍ سلكتَ ومَذهبٍ
جبلانِ من صخرٍ وماءٍ جاري
من كلِّ مُنهمِرِ الجوانبِ والذُّرا
غَمرِ الحضيضِ مُجلَّلٍ بوقارِ١٦٢
عقدَ الضَّريبُ له عمامةَ فارعٍ
جَمِّ المهابةِ من شيوخِ نِزارِ١٦٣
ومُكذِّبٍ بالجنِّ رِيعَ لصوتها
في الماءِ منحدرًا وفي التيارِ
ملأ الفضاءَ على المسامعِ ضجَّةً
فكأنما ملأ الجهاتِ ضَواري
وكأنما طوفانُ نوحٍ ما نرى
والفلكُ قد مُسِخَت حثيثَ قِطارِ
يجري على مِثلِ الصراطِ وتارةً
ما بينَ هاويةٍ وجُرْفٍ هاري

•••

جابَ الممالكَ حَزْنَها وسُهولَها
وطوى شِعابَ «الصِّربِ» و«البلغارِ»١٦٤
حتى رمى برحالنا ورجائنا
في ساحِ مأمولٍ عزيزِ الجارِ
مَلِكٌ بمَفرَقِه إذا استقبلتَهُ
تاجان تاجُ هُدًى وتاجُ فَخَارِ
سكَنَ «الثريَّا» مُستقَرَّ جلالِهِ
ومشَت مكارمُه إلى الأمصارِ
فالشرقُ يُسقى دِيمةً بيمينه
والغرب تُمطِره غيوثُ يَسارِ١٦٥
ومدائنُ البرَّينِ في إعظامه
وعوالمُ البحرَينِ في الإكبارِ
الله أيَّده بآسادِ الشَّرى
في صورةِ المُتدجِّجِ الجرَّارِ
الصاعدين إلى العدوِّ على الظُّبا
النازلين على القنا الخطَّارِ١٦٦
المَشترِين اللهَ بالأبناءِ والـ
أزواجِ والأموالِ والأعمارِ
القائمين على لواءِ نبيِّهِ
المُنزَلين مَنازلَ الأنصارِ

•••

يا عرشَ «قسطنطينَ» نِلتَ مكانةً
لم تُعطَها في سالفِ الأعصارِ
شُرِّفتَ بالصِّدِّيقِ والفاروق بل
بالأقربِ الأدنى من المُختارِ
حامي الخلافةِ مَجدِها وكِيانِها
بالرأيِ آونةً وبالبتَّارِ١٦٧

•••

تاهَت «فَروقُ» على العواصم وازدَهَت
بجلوسِ أصيَدَ باذخِ المقدارِ١٦٨
«جَمِّ الجلالِ كأنما كرسيُّهُ
جُزءٌ من الكرسيِّ ذي الأنوارِ»
أخذَت على «البسفور» زُخرَفَها دُجًى
وتلألأتْ كمَنازلِ الأقمارِ
فالبدرُ ينظرُ من نوافذِ مَنزلٍ
والشمسُ ثَمَّ مُطِلَّةٌ من دارِ
وكواكبُ الجوزاء تَخطرُ في الرُّبَى
«والنَّسرُ» مَطلعُه من الأشجارِ
واسمُ الخليفة في الجهاتِ مُنوِّرٌ
تَبدو السبيلُ به ويهدي السَّاري
كتبوه في شُرَفِ القصور وطالما
كتبوه في الأسماعِ والأبصارِ

•••

يا واحدَ الإسلامِ غيرَ مُدافَعٍ
أنا في زمانِك واحدُ الأشعارِ
لي في ثنائِك وهْو باقٍ خالدٌ
شِعرٌ على الشِّعرى المَنيعةِ زاري١٦٩
أخلصتُ حُبِّي في الإمام ديانةً
وجعلتُه حتى المَماتِ شِعاري
لم ألتمسْ عَرَضَ الحياةِ وإنما
أقرضتُه في اللهِ والمُختارِ
إن الصنيعةَ لا تكون كريمةً
حتى تُقلِّدَها كريمَ نِجارِ
والحُبُّ ليس بصادقٍ ما لم تكن
حَسَنَ التكرُّمِ فيه والإيثارِ
والشِّعرُ إنجيلٌ إذا استعملتَهُ
في نشرِ مَكرُمةٍ وسَترِ عَوارِ
وثنَيتَ عن كدَرِ الحِياضَ عِنانَهُ
إنَّ الأديبَ مُسامِحٌ ومُداري
عندَ العواهلِ من سياسةِ دهرِهم
سِرٌّ وعندَك سائرُ الأسرارِ
«هذا مُقامٌ أنت فيه محمدٌ
أعداءُ ذاتِك فِرقةٌ في النارِ»
«إن الهلالَ وأنتَ وحدَك كهفُهُ
بينَ المعاقلِ منك والأسوارِ»
لم يبقَ غيرُك مَن يقول أَصونُهُ
صُنْهُ بحولِ الواحدِ القهَّارِ

البسفور كأنك تراه

على أيِّ الجِنانِ بنا تَمُرُّ
وفي أيِّ الحدائقِ تَستقرُّ
رُوَيدًا أيها الفُلْكُ الأبرُّ
بلَغتَ بنا الرُّبوعَ فأنتَ حُرُّ١٧٠

•••

سهرتَ ولم تنَم للرَّكبِ عَينُ
كأنْ لم يُضوِهم ضَجَرٌ وأينُ١٧١
يَحُثُّ خُطاكَ لُجٌّ بل لُجَينُ
بل الإبريزُ بل أُفُقٌ أغرُّ١٧٢

•••

على شِبهِ السهولِ من المياهِ
تُحيطُ بك الجزائرُ كالشِّياهِ
وأنت لهنَّ راعٍ ذو انتباهِ
تَكرُّ مع الظلامِ ولا تفرُّ

•••

يُنيفُ البدرُ فوقَك بالهَباءِ
رفيعًا في السموِّ بلا انتهاءِ١٧٣
تَخالُكما العيونُ إلى الْتقاءِ
ودونَ المُلتقى كوْنٌ ودهرُ

•••

إلى أن قِيلَ هذا «الدردنيلُ»
فسِرتُ إليه والفجرُ الدليلُ
يُجيزكَ والأمانُ به سبيلُ
إذا هو لم يُجِزْ فالماءُ خمرُ

•••

تَمرُّ من المعاقلِ والجبالِ
بعالٍ فوقَ عالٍ خلفَ عالي
إذا أومَأنَ وقَّفتِ الليالي
وتحمي الحادثاتِ فلا تمرُّ

•••

مَدافعُ بعضها مُتقابِلاتُ
ومنها الصاعداتُ النازلاتُ
ومنها الظاهراتُ وأُخرياتُ
تَوارى في الصخورِ وتستسرُّ

•••

فلو أنَّ البِحارَ جرَت مِئينا
وكان اللُّجُّ أجمَعُه سفينا
لِتَلقى مَنفذًا لَلَقِينَ حَينا
ولمَّا يمسَسِ «البوغازَ» ضُرُّ

•••

وبعدَ الأرخبيلِ وما يلِيهِ
وتِيهٍ في العيالمِ أيِّ تِيهِ١٧٤
بدا ضوءُ الصباحِ فسِرتَ فيهِ
إلى «البسفورِ» واقترَبَ المَقرُّ

•••

تُسايِرُك المدائنُ والأناسي
وفُلْكٌ بين جوَّالٍ وراسي١٧٥
وتحضُنُك الجزائرُ والرَّواسي
وتجري رِقَّةً لك وهْي صخرُ

•••

تسيرُ من الفضاءِ إلى المَضيقِ
فآنًا أنتَ في بَحرٍ طليقِ
وآونةً لدى مَجرًى سحيقِ
كما الشلالُ قام لدَيه نهرُ

•••

وتأتي الأُفْقَ تطويه سِجِلَّا
لآخَرَ كالسَّرابِ إذا أضَلَّا
إذا قُلنا المَنازلُ قِيلَ كلَّا
فدُونَ بُلوغِها ظُهرٌ وعصرُ

•••

إلى أنْ حلَّ في الأوجِ النهارُ
ولِلرَّائي تبيَّنَتِ الدِّيارُ
فقُلنا الشمسُ فيها أم نُضارُ
وياقوتٌ ومَرجانٌ ودُرُّ

•••

ودِدْنا لو مشَيتَ بنا الهُوَينا
وأينَ لنا الخلودُ لديك أينا
لِنَبهجَ خاطرًا ونَقَرَّ عَينا
بأحسنِ ما رأى في البحرِ سَفْرُ

•••

بلَوحٍ جامعِ الصُّوَرِ الغوالي
وديوانٍ تفرَّدَ بالخيالِ
ومِرآةِ المناظرِ والمَجالي
تمرُّ بها الطبيعةُ ما تمُرُّ

•••

فضاءٌ مُثِّلَ الفِردوسُ فيهِ
ومَرأًى في البِحارِ بلا شبيهِ
فإيهٍ يا بناتِ الشِّعرِ إيهِ
فما لَكِ في عُقوقِ الشِّعرِ عُذْرُ

•••

لأجلِكِ سِرتُ في بَرٍّ وبحرِ
وأنتِ الدهرَ أنتِ بكلِّ قُطْرِ
حننتِ إلى الطبيعةِ دونَ مصرِ
وقُلتِ لدى الطبيعةِ أين مصرُ

•••

فهَلَّا هزَّكِ التِّبرُ المُذابُ
وهذا اللَّوحُ والقلمُ العُجابُ
وما بيني وبينهما حِجابُ
ولا دُوني على الآياتِ سِتْرُ

•••

جهاتٌ أم عذارى حالياتُ
وماءٌ أم سماءٌ أم نباتُ
وتلك جزائرٌ أم نَيِّراتُ
وكيف طُلوعُها والوقتُ ظُهْرُ

•••

جلَاها الأُفْقُ صُفرًا وهْي خُضْرُ
كزَهرٍ دُونَه في الرَّوضِ زهرُ
لوى بحرٌ بها والتفَّ بَحرُ
كما ملَكَت جهاتِ الدَّوحِ غُدْرُ١٧٦

•••

تلُوحُ بها المساجدُ باذخاتِ
وتتَّصلُ المعاقلُ شامخاتِ
طِباقًا في العُلا متفاوتاتِ
سما بَرٌّ بها وانحطَّ بَرُّ

•••

وكم أرضٍ هنالك فوقَ أرضِ
وروضٍ فوقَ روضٍ فوقَ روضِ
ودُورٌ بعضُها من فوقِ بعضِ
كسَطرٍ في الكِتابِ علاه سطرُ

•••

سُطورٌ لا يُحيطُ بهنَّ رَسمُ
ولا يُحصي مَعانيهنَّ عِلمُ
إذا قُرِئَت جميعًا فهْي نَظمُ
وإن قُرِئَت فُرادى فهْي نثرُ

•••

تأرَّجُ كُلَّما اقتربَت وتزكُو
ويجمعُها من الآفاق سِلكُ١٧٧
تشاكَلَ ما به فالقصرُ فُلْكُ
على بُعدٍ لنا والفُلْكُ قصرُ

•••

ونونٌ دُونَها في البحرِ نونُ
من البسفورِ نقَّطها السَّفينُ
كأنَّ السُّبْلَ فيه لنا عيونُ
وإنسانُ السفينةِ لا يَقِرُّ

•••

هنالك حفَّت النُّعمى خُطانا
وحاطَتنا السلامةُ في حِمانا
فألقَينا المراسيَ واحتوانا
بِناءٌ للخلافةِ مُشمخِرُّ

•••

فيا مَن يطلبُ المَرأى البديعا
ويعشقه شهيدًا أو سميعا
رأيتُ مَحاسنَ الدنيا جميعا
فهُنَّ الواو والبسفورُ عمرُو

الرحلة إلى الأندلس

لمَّا وضعَت الحربُ الشُّؤمى أوزارها،١٧٨ وفضحها الله بين خلقه وهتك إزارَها،١٧٩ ورمَّ لهم ربوع السِّلم وجدَّد مَزارها،١٨٠ أصبحتُ وإذا العوادي١٨١ مُقصِرة! والدواعي غير مقصِّرة، وإذا الشوق إلى الأندلس أغلَب، والنفس بحق زيارته أطلَب، فقصدته من برشلونة وبينهما مسيرة يومَين بالقطار المُجِد، والبخار المشتدِّ، أو بالسفن الكبرى الخارجة إلى المحيط، الطاوية القديم نحو الجديد من هذا البسيط،١٨٢ فبلغتِ النفس بمَرآه الأرَب، واكتحلَت العين في ثراه بآثار العرب، وإنها لشتى المواقع، متفرِّقة المطالع، في ذلك الفلكِ الجامع، يسري زائرها من حرَمٍ إلى حرَم، كمن يُمسي بالكرنك ويُصبح بالهرم، فلا تُقاربَ غيرَ العِتق والكرم؛ «طُليطلة» تُطِلُّ على جسرها البالي، و«أشبيلية» تُشبِل١٨٣ على قصرها الخالي، و«قرطبة» منتبِذةٌ ناحيةً بالبِيعة١٨٤ الغرَّاء، و«غرناطة» بعيدةُ مَزار الحمراء. وكان «البحتري» — رحمه الله — رفيقي في هذا الترحال، وسميري في الرِّحال، والأحوال تصلح على الرجال، كل رجل لحال؛ فإنه أبلغُ مَن حلَّى الأثر، وحيَّا الحجر، ونشر الخبر، وحشرَ العِبَر، ومَن قام في مأتم على الدول الكُبَر، والملوك البهاليل الغُرَر، عطف على «الجعفري» حين تَحمَّل١٨٥ عنه الملا، وعطَّل منه الحُلى، ووُكِل بعد «المتوكل» لِبِلى، فرفع قواعده في السَّير، وبنى رُكنَه في الخبر، وجمع معالمه في الفِكَر، حتى عاد كقصور الخُلدِ امتلأت منها البصيرة وإن خلا البَصر، وتكفَّل بعد ذلك ﻟ «كسرى» بإيوانه، حتى زال عن الأرض إلى ديوانه، وسينيَّتُه المشهورة في وصفه، ليست دونه وهو تحت «كسرى» في رصِّه ورَصفِه١٨٦ وهي تُريك حُسْن قيام الشعر على الآثار، وكيف تتجدَّد الديار في بيوته بعد الاندثار. قال صاحب الفتح القسي في الفتح القدسي، بعد كلام: «فانظروا إلى إيوان كسرى وسينية البحتري في وصفه، تجدوا الإيوانَ قد خرَّت شعَفاته، وعُفِّرت شرفاته، وتجدوا سينية «البحتري» قد بَقِي بها «كسرى» في ديوانه، أضعافَ ما بَقِي شخصُه في «إيوانه».»

وهذه السينية هي التي يقول في مطلعها:

صُنتُ نفسي عمَّا يُدنِّسُ نفسي
وترفَّعتُ عن ندى كلِّ جِبسِ

والتي اتفقوا على أن البديع الفرد من أبياتها قوله:

والمنايا مَواثلٌ وأنوشر
وانَ يُزجِي الجيوشَ تحتَ الدَّرَفسِ

فكنت كلما وقفتُ بحجَر، أو أطفتُ بأثر، تمثَّلتُ بأبياتها، واسترحتُ من مَواثل العبر إلى آياتها، وأنشدت فيما بيني وبين نفسي:

وعَظَ البحتريَّ إيوانُ كسرى
وشفَتني القصورُ من عبدِ شمسِ

ثم جعلتُ أرُوضُ القولَ على هذا الرويِّ، وأُعالجه على هذا الوزن، حتى نظمت هذه القافية المُهلهَلة، وأتممت هذه الكلمةَ الريِّضة، وأنا أعرضها على القُراء راجيًا أن يلحظونها بعين الرضاء، ويسحبون على عيوبها ذيل الإغضاء، وهذه هي:

اختلافُ النَّهارِ والليلِ يُنسي
اذكُرا لي الصِّبا وأيامَ أُنسي
وصِفا لي مُلاوةً من شبابٍ
صُوِّرَت من تصوُّراتٍ ومسِّ١٨٧
عصفَت كالصَّبا١٨٨ اللعوبِ ومرَّت
سِنةً١٨٩ حُلوةً ولذَّةَ خَلْسِ١٩٠
وسلا مصرَ هل سلا القلبُ عنها
أو أسا١٩١ جُرحَه الزمانُ المؤسِّي
كُلَّما مرَّت الليالي عليه
رقَّ والعهدُ في الليالي تُقسِّي١٩٢
مُستطارٌ١٩٣ إذا البواخرُ رنَّت١٩٤
أوَّلَ الليلِ أو عوَت بعدَ جَرْسِ١٩٥
راهبٌ١٩٦ في الضلوعِ للسُّفْنِ فَطْنٌ١٩٧
كُلَّما ثُرْنَ شاعَهنَّ بَنقسِ١٩٨
يا ابنةَ اليمِّ١٩٩ ما أبوكِ بخيلٌ
ما لَه مُولَعًا بمنعٍ وحبسِ
أحَرامٌ على بلابله الدَّو
حُ٢٠٠ حلالٌ للطير من كلِّ جنسِ
كلُّ دارٍ أحَقُّ بالأهل إلا
في خبيثٍ من المذاهبِ رِجسِ٢٠١
نفَسي مِرجلٌ٢٠٢ وقلبي شِراعٌ
بهما في الدموع سِيرِي وأرسي
واجعلي وجهَكِ «الفنارَ» ومَجرا
كِ يدَ «الثغرِ» بينَ «رملٍ» و«مكسِ»
وطني لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنه
نازَعَتني إليه في الخُلدِ نفسي
وهفا٢٠٣ بالفؤاد في سلسبيلٍ
ظمأٌ للسوادِ من «عينِ شمسِ»٢٠٤
شهِدَ اللهُ لم يَغِب عن جفوني
شخصُه ساعةً ولم يخلُ حِسِّي
يُصبح الفكرُ و«المسلَّةُ» نادِيـ
ـهِ و«بالسَّرحةِ الزكيَّةِ» يُمسي
وكأني أرى الجزيرةَ أيكًا٢٠٥
نغَمَت طيرُه بأرخمِ جَرْسِ٢٠٦
هي «بلقيسُ» في الخمائلِ صرْحٌ٢٠٧
من عُبابٍ٢٠٨ وصاحبٌ غيرُ نِكسِ٢٠٩
حسْبُها أن تكونَ للنيلِ عِرْسًا
قبْلَها لم يُجنَّ يومًا بعرسِ
لبِسَت بالأصيل حُلَّةَ وَشيٍ
بينَ صنعاءَ٢١٠ في الثيابِ وقَسِّ٢١١
قدَّها النيلُ فاستحَت فتوارَت
منه بالجسرِ بين عُريٍ ولُبسِ
وأرى النيلَ ﮐ «العقيق»٢١٢ بِواديـ
ـهِ وإن كان كوثرَ المُتحسِّي٢١٣
ابنُ ماءِ السماءِ ذو الموكبِ الفخـ
ـمِ الذي يَحسرُ العيونَ ويُخسي٢١٤
لا ترى في ركابه غيرَ مُثْنٍ
بخميلٍ وشاكرٍ فضْلَ عُرسِ
وأرى «الجيزة» الحزينة ثَكلى
لم تُفِقْ بعدُ من مَناحةِ «رمسي»٢١٥
أكثرَت ضجَّةَ السواقي عليه
وسؤالَ اليراعِ عنه بهَمسِ٢١٦
وقيامَ النخيلِ ضفَّرنَ شعرًا
وتجرَّدنَ غيْرَ طَوقٍ وسَلسِ٢١٧
وكأنَّ الأهرامَ ميزانُ فرعو
نَ بيومٍ على الجبابرِ نَحسِ
أو قناطيرُه تأنَّقَ فيها
ألفُ جابٍ٢١٨ وألفُ صاحبِ مَكسِ٢١٩
روعةٌ في الضحى مَلاعبُ جِنٍّ
حين يغشى الدُّجى حِماها ويُغسي٢٢٠
و«رهينُ الرمالِ» أفطسُ إلا
أنه صُنْعُ جِنَّةٍ غيرِ فُطْسِ٢٢١
تتجلَّى حقيقةُ الناس فيه
سَبُعُ الخَلقِ في أساريرِ إنسي
لعِبَ الدهرُ في ثراه صبيًّا
والليالي كواعبًا غيرَ عُنسِ٢٢٢
ركِبَت صُيَّدُ٢٢٣ المقادير عينَيـ
ـهِ لنَقدٍ ومِخلبَيه لفَرْسِ٢٢٤
فأصابت به الممالكَ: «كسرى»
و«هِرقلًا» و«العبقريَّ الفرنسي»
يا فؤادي لكلِّ أمرٍ قرارٌ
فيه يبدو وينجلي بعدَ لَبسِ
عقَلَت٢٢٥ لُجَّةُ الأمورِ عقولًا
طالت الحوتَ طُولَ سَبحٍ وغَسِّ٢٢٦
غرِقَت حيثُ لا يُصاحُ بطافٍ
أو غريقٍ ولا يُصاخُ لِحِسِّ
فلَكٌ يكسفُ الشموسَ نهارًا
ويسومُ البدورَ ليلةَ وَكْسِ٢٢٧
ومواقيتُ للأمورِ إذا ما
بلَغَتها الأمورُ صارت لِعَكسِ
دُوَلٌ كالرجالِ مُرتهَناتٌ
بقيامٍ من الجُدودِ وتَعسِ
وليالٍ من كلِّ ذاتِ سِوارٍ
لطَمَت كلَّ رَبِّ «رُومٍ» «وفُرسِ»
سدَّدَت بالهلال قوسًا وسلَّت
خِنجرًا يَنفذانِ من كلِّ تُرسِ
حكَّمَت في القرون «خوفو» و«دارا»
وعفَت٢٢٨ «وائلًا» وألوَت ﺑ «عَبسِ»
أين «مروانُ» في المشارق عرشٌ
أُمويٌّ وفي المغاربِ كُرسِي٢٢٩
سقِمَت شمسُهم فردَّ عليها
نُورَها كلُّ ثاقبِ الرأيِ نَطْسِ٢٣٠
ثم غابت وكلُّ شمسٍ سِوى ها
تِيكَ تَبلى وتنطوي تحتَ رَمسِ٢٣١
وعَظَ «البحتريَّ» إيوانُ «كسرى»
وشفَتني٢٣٢ القصورُ من «عبدِ شمسِ»
رُبَّ ليلٍ سرَيتُ والبرقُ طِرْفي
وبِساطٍ طوَيتُ والريحُ عَنسي٢٣٣
أَنظمُ الشرقَ في «الجزيرة» بالغر
بِ وأطوي البلادَ حَزْنًا٢٣٤ لِدَهسِ٢٣٥
في ديارٍ من الخلائفِ٢٣٦ دَرسٍ
ومَنارٍ٢٣٧ من الطوائفِ طَمسِ
ورُبًا كالجِنانِ في كنَفِ الزَّيـ
ـتونِ خُضْرٍ وفي ذَرا الكَرْمِ طُلْسِ٢٣٨
لم يرُعني سِوى ثرًى قُرطبيٍّ
لمَسَت فيه عِبرةَ الدهرِ خَمسي
يا وقى اللهُ ما أُصبِّحُ منه
وسَقى صَفوةَ الحيَا ما أُمسِّي
قريةٌ لا تُعَدُّ في الأرضِ كانت
تُمسِكُ الأرضَ أن تَميدَ وتُرسي
غشِيَت ساحِلَ المحيط وغطَّت
لُجَّةَ الرُّومِ من شِراعٍ وقَلسِ٢٣٩
ركِبَ الدهرُ خاطري في ثراها
فأتى ذلك الحِمى بعدَ حَدسِ٢٤٠
فتجلَّت ليَ القصورُ ومَن فيـ
ـها من العزِّ في مَنازلَ قُعْسِ٢٤١
ما ضفَت٢٤٢ قطُّ في الملوكِ على نَذ
لِ المعالي ولا تردَّت بنَجْسِ
وكأني بلغتُ للعلمِ بيتًا
فيه ما لِلعقولِ من كلِّ دَرسِ
قُدُسًا في البلادِ شرقًا وغربًا
حجَّه القومُ من فقيهٍ وقَسِّ
وعلى الجمعةِ الجلالةُ و«النا
صرُ» نورُ الخميس تحتَ الدَّرَفسِ٢٤٣
يُنزِلُ التاجَ عن مَفارقِ «دُونٍ»
ويُحلِّي به جبينَ «البرنسِ»
سِنةٌ من كرًى وطيفُ أمانٍ
وصحا القلبُ من ضلالٍ وهَجسِ٢٤٤
وإذا الدارُ ما بها من أنيسٍ
وإذا القومُ ما لهم من مُحِسِّ٢٤٥
ورقيقٌ من البيوتِ عتيقٌ
جاوَزَ الألفَ غيرَ مذمومِ حَرْسِ٢٤٦
أثَرٌ من «محمدٍ» وتُراثٌ
صارَ ﻟ «الروح» ذي الولاءِ الأَمَسِّ٢٤٧
بلَغَ النَّجمَ ذروةً وتَناهى
بينَ «ثَهلانَ»٢٤٨ في الأساسِ و«قُدسِ»٢٤٩
مَرمرٌ تسبَحُ النواظرُ فيه
ويطول المدى عليها فتُرسي
وسَوارٍ٢٥٠ كأنها في استواءٍ
أَلِفاتُ الوزيرِ في عَرضِ طِرْسِ٢٥١
فترةُ الدهرِ قد كسَت سَطَرَيْها٢٥٢
ما اكتسى الهُدبُ من فتورٍ ونَعسِ
ويْحَها كَم تزيَّنَت لعليمٍ
واحدِ الدهرِ واستعدَّت لخَمسِ٢٥٣
وكأن الرفيفَ٢٥٤ في مَسرحِ العيـ
ـنِ مُلاءٌ مُدنَّراتُ الدِّمَقسِ٢٥٥
وكأن الآياتِ في جانبَيه
يتنزَّلن في معارجِ قُدسِ٢٥٦
مِنبرٌ تحتَ «مُنذِرٍ»٢٥٧ من جلالٍ
لم يزَل يكتسيه أو تحتَ «قُسِّ»
ومكانُ الكِتاب يُغرِيكَ ريَّا
وَردِه غائبًا فتدنو لِلَمسِ٢٥٨
صَنعةُ «الداخل»٢٥٩ المُبارَكِ في الغر
بِ وآلٍ له مَيامينَ شُمْسِ٢٦٠

•••

مَن ﻟ «حمراءَ» جُلِّلَت بغُبارِ الد
هرِ كالجُرحِ بين بُرءٍ ونُكسِ
كسَنا البرقِ لو محا الضوءُ لحظًا
لمحَتها العيونُ من طُولِ قَبْسِ
حِصنُ «غرناطةَ» ودارُ بني «الأحـ
ـمر» من غافلٍ ويقظانَ نَدْسِ٢٦١
جلَّلَ الثلجُ دونَها رأسَ «شِيرى»
فبدا منه في عصائبَ بِرْسِ٢٦٢
سرمدٌ شيْبُه ولم أرَ شيبًا
قبْلَه يُرجي البقاءَ ويُنسِي
مشَت الحادثاتُ في غُرَف «الحمـ
ـراءِ» مشْيَ النَّعِيِّ في دارِ عُرْسِ
هتَكَت عِزَّةَ الحِجابِ وفضَّت
سُدَّةَ البابِ من سميرٍ وأُنْسِ
عرَصاتٌ تخلَّت الخيلُ عنها
واستراحت من احتراسٍ وعَسِّ٢٦٣
ومَغانٍ على الليالي وِضاءٌ
لم تجد للعَشِيِّ تَكرارَ مَسِّ
لا ترى غيرَ وافدين على التا
ريخِ ساعِينَ في خشوعٍ ونكسِ
نقَّلوا الطرفَ في نضارةِ آسٍ
من نقوشٍ وفي عصارةِ وَرْسِ٢٦٤
وقِبابٍ من لازَوَردٍ وتِبرٍ
كالرُّبا الشُّمِّ بين ظلٍّ وشمسِ
وخطوطٍ تكفَّلَت للمعاني
ولألفاظها بأزيَنَ لُبْسِ
وترى مجلسَ السِّباعِ خَلاءً
مُقفِرَ القاعِ من ظِباءٍ وخُنْسِ
لا «الثريا» ولا جواري الثريا
يتنزَّلنَ فيه أقمارَ إنْسِ
مرمرٌ قامت الأُسودُ عليه
كَلَّةَ الظُّفرِ ليِّناتِ المَجَسِّ
تنثرُ الماءَ في الحِياضِ جُمانًا
يَتنزَّى على ترائبَ مُلْسِ
آخرَ العهدِ بالجزيرة كانت
بعدَ عَركٍ من الزمان وضَرْسِ٢٦٥
فتراها تقول رايةُ جيشٍ
بادَ بالأمس بينَ أسرٍ وحَسِّ٢٦٦
ومفاتيحُها مقاليدُ مُلكٍ
باعها الوارثُ المُضِيعُ بِبَخسِ
خرج القومُ في كتائبَ صُمٍّ
عن حِفاظٍ كموكبِ الدَّفنِ خُرْسِ٢٦٧
ركِبوا بالبِحارِ نعشًا وكانت
تحتَ آبائهم هي العرشَ أمسِ
رُبَّ بانٍ لهادمٍ وجَمُوعٍ
لمُشِتٍّ ومُحسِنٍ لمُخِسِّ
إمْرةُ الناسِ هِمَّةٌ لا تأتَّى
لجبانٍ ولا تَسنَّى لجِبسِ٢٦٨
وإذا ما أصاب بُنيانَ قومٍ
وهْيَ خُلقٍ فإنه وهْيُ أُسِّ
يا ديارًا نزلتُ كالخُلدِ ظِلًّا
وجنًى دانيًا وسَلسالَ أُنْسِ
مُحسِناتِ الفُصولِ لا ناجرٌ٢٦٩ فيـ
ـها بِقَيظٍ ولا جُمادى بِقَرسِ٢٧٠
لا تُحِسُّ العيونُ فوقَ رُباها
غيرَ حُورٍ حُوِّ٢٧١ المَراشفِ٢٧٢ لُعْسِ٢٧٣
كُسِيَت أفرُخي بظلِّكِ رِيشًا
ورَبا في رُباكِ واشتدَّ غَرسي
هم بنو مصرَ لا الجميلُ لديهم
بمُضاعٍ ولا الصنيعُ بمَنسي
من لسانٍ على ثنائكِ وَقْفٍ
وجَنانٍ على ولائكِ حَبْسِ
حسْبُهم هذه الطُّلولُ عِظاتٍ
من جديدٍ على الدهورِ ودَرسِ
وإذا فاتك الْتفاتٌ إلى الما
ضي فقد غاب عنك وجهُ التأسِّي

كُوكْ صُو

قال يصف «كوك صو»، وهو موقعٌ جميل في الآستانة العليَّة، ومعنى اللفظَين اللذين سُمِّي بهما «ماء السماء»:

تحيةُ شاعرٍ يا ماءَ «جَكْسُو»
فليس سِواك للأرواح أُنْسُ
فدَتك مياهُ «دجلةَ» وهْي سعْدٌ
ولا جُعلَت فداءَك وهْي نحْسُ
وجاءَكَ ماءُ «زمزمَ» وهْو طُهْرٌ
وأمواهٌ على الأردُنِّ قُدْسُ
وكان «النيلُ» يُعرِس كلَّ عامٍ
وأنت على المدى فَرْحٌ وعُرْسُ
وقد زعموه للغاداتِ رَمْسًا
وأنت لِهَمِّهنَّ الدهرَ رَمْسُ
ورَدنَك كوثرًا وسفَرنَ حُورًا
وهل بالحورِ إن أسفَرنَ بأسُ
فقُل للجانحين إلى حِجابٍ
أتُحجَبُ عن صنيعِ الله نَفْسُ
إذا لم يَسترِ الأدبُ الغواني
فلا يُغنِي الحريرُ ولا الدِّمَقسُ
تأمَّلْ هل ترى إلا جلالًا
تُحِسُّ النفسُ منه ما تُحِسُّ
كأن الخُودَ٢٧٤ «مريمُ» في سُفورٍ
ورائيها حواريٌّ وقَسُّ
تهيَّبَها الرجالُ فلا ضميرٌ
يهمُّ بها ولا عينٌ تُحِسُّ
غشِيتُك والأصيلُ يَفيضُ تِبرًا
ويَنسجُ للرُّبى حُلَلًا ويكسو
وتذهب في الخليج له وتأتي
أناملُ تنثرُ العِقيانَ٢٧٥ خَمْسُ
وفي جِيدِ الخميلةِ٢٧٦ منه عِقدٌ
وفي آذانها قُرْطٌ وسَلْسُ٢٧٧
ولألأتِ الجبالُ فضاءَ سَفْحٍ
يسُرُّ الناظرين ونارَ رأسُ
على فُلكٍ تسير بنا الهُوَينى
ومِن شِعري نديمٌ لي وجِلْسُ
تُنازِعُنا المذاهبَ حيثُ مِلْنا
زَوارقُ حولنا تجري وترسو
لها في الماءِ مُنسابٌ كطيرٍ
تُسِفُّ٢٧٨ عليه أحيانًا وتحسو
صغارِ الحجم مُرهَفةِ الحواشي
لها عُرفٌ٢٧٩ إذا خطرَت وجَرْسُ٢٨٠
إذا المِجدافُ حرَّكَها اطمأنَّت
وإن هو لم يُحرِّكْ فهْي رَعْسُ٢٨١
وإن هو جَدَّ في الماءِ انسيابًا
فكُلُّ طريقِه وتَرٌ وقَوْسُ
حمَلنَ اللؤلؤَ المنثورَ عِينًا٢٨٢
كما حمَلَت حَبابَ الراحِ كأسُ
كأن سوافرَ٢٨٣ الغاداتِ فيها
مَلائكُ همُّها نظرٌ وهَمْسُ
كأن براقعَ الغاداتِ تهفو
على وجناتها غيمٌ وشمسُ
كأن مآزرَ٢٨٤ العِينِ انتسابًا
زهورٌ لا تُشَمُّ ولا تُمَسُّ
إذ نُشِرَت فرَيحانٌ ووَردٌ
وإن طُويَت فنَسرينٌ ووَرْسُ
عجبتُ لهنَّ يجمعُهنَّ حُسنٌ
ولكنْ ليس يجمعُهنَّ لُبْسُ
فكان لنا بظلِّكَ خيرُ وقتٍ
وخيرُ الوقتِ ما لَك فيه أُنْسُ
نمتِّعُ منكَ يا «جكسو» نفوسًا
بها من دهرِها همٌّ وبُؤسُ
على أنْ بانَ سِرُّك فانثنَينا
وقد طُوِيَ النهارُ ومات أمسُ

وقال في كلاب الآستانة، وكان يُضرَب بها المَثل في الكثرة والقذارة:

قالوا «فروقُ» المُلكِ دارُ مَخاوفٍ
لا ينقضي لنزيلِها وسْواسُ
وكلابُها في مأمنٍ فاعجبْ لها
أمِنَ الكلابُ بها وخاف الناسُ

أنس الوجود

إلى المستر روزفلت الرئيس الأسبق للولايات المتحدة

أتأذن لرجلٍ تعوَّد أن يخرج عن دائرة «الموظف» كلما عرضَت حالٌ يخدم الوطنَ فيها الرجالُ أن يرفع لشِعره ذِكره، ويُشرِّف قدره، مُهديًا إليك منه هذه القصيدة في لغة «الضاد»، وهي مما قُلتُ في «أنس الوجود» ذلك الأثر المحتضر، الذي جمع العِبر، ومحاه الدهر أو كاد، وكان إحدى آياته الكبرى هياكل ﻟ «فرعون» و«بطليموس»، تَورَاثها عن «الكهنة» «القسوس»، وصارت ﻟ «المسيح» وكانت ﻟ «هوروس»، ثم ظهر «الأذان» فيها على «الناقوس»، ثم لا تكون عشية أو ضُحاها حتى يهوي في الماء كل حجر كان يُقبَّل ﮐ «الأَسود»،٢٨٥ وكل ركن كان يُستلم ﮐ «الحطيم».٢٨٦ شهدتُ على «أنس الوجود» ما يُعلِّم الإنسانَ — ولو أنه «روزفلت» علمًا وحكمة وأدبًا — كيف يحتقر الدنيا ويحترم الدين جميعًا.

دخلتُه ذات يوم وكان «الدوق أوف كونوت» لديه يتمشى في ظِلاله، ويتنقل بين رسومه وأطلاله، عيناه ونفسه في إكباره وإجلاله، فكانت مني التفاتةٌ فرأيت «فلَّاحًا» أقبَل ثم ألقى عباءته وتوجَّه يصلي «العصر»، غيرَ مُلقٍ بالًا ﻟ «فرعون» كيف كان يعبد ويُعبد، ولا ﻟ «بطليموس» كيف كان يُعظَّم ويُمجَّد، ولا للمسيحية السمحة كيف دخلت على «الوثنية» المَعبد، ولا ﻟ «الملك إدوارد» الذي تحتل جنوده الآن مصر وهو في ثياب أخيه «الدوق» يرفع البصرَ ويُسدِله ممتلئًا من آيات الدهر مهابة وإعجابًا، مشتغِلًا بالتاريخ القائم المجسَّم يقرؤه كتابًا كتابًا. دينٌ سهلٌ سمْحٌ يسر، وإلهٌ واحدٌ يُعبَد حيث وُجِد العابد، على العَراء كما في الهياكل والكنائس والمساجد.

التاريخ — أيها الضيف العظيم — غابرٌ متجدِّد؛ قديمه مِنوال، وحاضره مِثال، والغد بيد الله المتعال، وأنت اليوم تمشي فوق مَهد الأعصُر الأُوَل، ولحد قواهر الدول؛ أرضٌ اتَّخذها «الإسكندر» عرينًا، وملأها على أهلها «قيصرُ» سفينًا، وخلَّف «ابن العاص» فيها لسانًا وجنسًا ودينًا، فكان أعظَم المستعمرين حقيقةً وأكبرهم يقينًا، وهو الذي لم يُعلَم عليه أن بغى أو ظلم أو سفك الدم أو نهى أو أمر، إلا بين الرجاءِ والحذر، من عدل «عمر»، الذي تُنبِيك عنه السِّيَر.

قمتَ — أيها الضيف العظيم — في السودان خطيبًا فأنصت العصر، والتفتت مصر، وأقبل أهلها بعضهم على بعض يتساءَلون: «كيف خالف الرئيس سُنة الأحرار من قادة الأمم وساسة الممالك أمثاله، فطارد الشعور وهو يهبُّ، والوجدانَ وهو يشبُّ، والحياةَ وهي تدبُّ، في هذا الشعب؟! ومن حرمة العواطف السامية، ألا تُطارَد كأنها وحوشٌ ضارية، على صحراء، أو بادية، كما طاردتَ السباع بالأمس نقمًا من طبائعها الجافية.»

المصريُّ — أيها الضيف العظيم — سمحٌ كريمٌ كثير التجاوز؛ فقد ظفِرتَ بمَن مهَّد عذرك، ونفى الظن عن كرمك، وادَّخر وُدَّك الذي تخطبه الأمم المستضعَفة، والشعوب المتلهِّفة، المتشوِّفة؛ إذ قيل: «إنما أراد الرئيس أن يمدح دينًا من حقه أن يُمدَح بكل لسان، وفي كل مكان، فكيف به في بعض معاهده في السودان؟! وأراد كذلك أن يحذِّر من الفتنة في الجيوش، وينهى عن إيقاظها، ويذكر للمُحسِن من الحكام ما رأى أو سمع من حسناته، ويدعو هذه الأمة التي حرَكتُها المستقبلة في السكون، إلى العمل في ظل الحق والصبر بإذن الله مضمون، ومستقبل بمشيئة الله مأمون، وقديمًا فاز بالصبر الصابرون.»

فإن كان ذلك — أيها الضيف العظيم — وهو ما لا نعتقد غيره، فمِثلك مَن نصح للأمم، وبعث العزائم والهمم، وعلَّم باللسان والقلم.

على أننا نرجو أن ستذكُرنا عند قومك الكرام الأحرار بما أنتم جميعًا أهله، وأن ستُعطينا عهدك، وتُصفينا وُدَّك، وتملأ من أجمل الظنون وأحسنها بُرْدَك، يوم تُقِلُّ السفينة عظمتك ومَجدَك، وتنقل من أقصى البروج إلى أقصاها سعدَك.

على يد الله تجري إن هي اندفعَت
وفي حِمى الله لا في الماء تحتجبُ

•••

أيها المُنتحي ﺑ «أُسوان» دارًا
كالثريَّا تريد أن تنقضَّا
اخلع النعلَ واخفِض الطرفَ واخشع
لا تُحاولْ من آيةِ الدهر غضَّا
قِف بتلك «القصورِ» في اليمِّ غَرقى
مُمسِكًا بعضُها من الذُّعرِ بعضا
كعذارى أخفَينَ في الماءِ بَضًّا٢٨٧
سابحاتٍ به وأبدَينَ بضَّا
مُشرِفاتٍ على الزوالِ وكانت
مُشرِفاتٍ على الكواكبِ نهضا
شابَ من حولها الزمانُ وشابت
وشبابُ الفنونِ ما زال غضَّا
رُبَّ «نقشٍ» كأنما نفض الصا
نعُ منه اليدَينِ بالأمس نفضا
و«دهانٍ» كلامعِ الزيت مرَّت
أعصُرٌ بالسراجِ والزيت وضَّا٢٨٨
و«خُطوطٍ» كأنها هُدْبُ ريمٍ٢٨٩
حسُنَت صنعةً وطولًا وعرضا
و«ضحايا» تكاد تمشي وترعى
لو أصابت من قدرةِ الله نبضا
و«محاريبَ» كالبروج بنَتها
عزَماتٌ من عزمةِ الجنِّ أمضى٢٩٠
شيَّدَت بعضَها الفراعينُ زُلفى٢٩١
وبنى البعضَ أجنبٌ يترضَّى٢٩٢
و«مقاصيرُ» أُبدِلَت بفُتاتِ الـ
ـمِسكِ تُربًا وباليواقيت قضَّا٢٩٣
حظُّها اليومَ هَدَّةٌ وقديمًا
صُرِّفَت في الحظوظ رفعًا وخَفضا
سقَتِ العالمينَ بالسعدِ والنحـ
ـسِ إلى أن تعاطت النحسَ محضا٢٩٤
صنعةٌ تُدهِشُ العقولَ وفنٌّ
كان إتقانُه على القومِ فرضا

•••

يا قصورًا نظَرتُها وهْي تقضي٢٩٥
فسكبتُ الدموعَ والحقُّ يُقضى
أنتِ سَطرٌ ومجدُ مصرَ كِتابٌ
كيف سامَ البِلى كِتابَك فضَّا
وأنا المُحتفي بتاريخِ مصرٍ
مَن يصُنْ مَجدَ قومه صانَ عِرضا
رُبَّ سرٍّ بجانبَيك مُزالٍ
كان حتى على «الفراعينِ» غمضا
قُل لها في الدعاءِ لو كان يُجدِي
يا سماءَ الجلالِ لا صِرتِ أرضا
حارَ «فيك» المهندسون عقولًا
وتولَّت عزائمَ العلمِ مَرضى
أين مُلكٌ حِيالَها وفريدٌ
من نظامِ النعيمِ أصبح فضَّا٢٩٦
أين «فرعونُ» في المواكب تَترى
يركض المالكين كالخيل ركضا
ساقَ للفتح في الممالك عَرضًا
وجلا للفَخارِ في السِّلم عَرضا
أين «إيزيس» تحتها النيلُ يجري
حكمَت فيه شاطئَينِ وعَرضا
أسدَلَ الطرفَ كاهنٌ ومليكٌ
في ثراها وأرسلَ الرأسَ خَفْضا
يُعرَضُ المالكون أسْرَى عليها
في قيودِ الهوانِ عانِينَ جَرْضى٢٩٧
ما لها أصبحَت بغيرِ مُجيرٍ
تشتكي من نوائبِ الدهر عضَّا
هي في الأَسرِ بين صخرٍ وبحرٍ
مَلْكةٌ في السجون فوق حَضَوْضى٢٩٨
أين «هوروسُ» بينَ سيفٍ ونِطعٍ
أبِهذا في شرعِهم كان يُقضى
ليت شِعري قضى شهيدَ غرامٍ
أم رَماه الوشاةُ حِقدًا وبُغْضا
رُبَّ ضَربٍ من سَوطِ فرعونَ مَضٍّ٢٩٩
دونَ فعلِ الفِراقِ بالنفسِ مَضَّا
وهلاكٍ بسيفه وهْو قانٍ
دونَ سيفٍ من اللواحظِ يُنضى٣٠٠
قتلوه فهل لذاك حديثٌ
أين راوي الحديثِ نثرًا وقرضا

•••

يا إمامَ الشعوبِ بالأمس واليو
مَ ستُعطى من الثناء فتَرضى
«مصرُ» بالنازلين من ساحِ «مَعْنٍ»٣٠١
وحِمى الجودِ «حاتمِ» الجودُ أفضى
كُنْ ظهيرًا٣٠٢ لأهلها ونصيرًا
وابذُلِ النصحَ بعد ذلك مَحضا
قُل لقومٍ على «الولايات» أيقا
ظٍ إذا ذاقت البرِيَّةُ غُمضا
شِيمةُ «النيل» أن يفي وعجيبٌ
أخرَجوه فضيَّعَ العهدَ نَقْضا
حاشَه٣٠٣ الماءُ فهْو صَيدٌ كريمٌ
ليت بالنيلِ يوم يسقطُ غيضا٣٠٤
شِيدَ والمالُ والعلومُ قليلٌ
أنقذوه بالمال والعلم نَقْضا٣٠٥

النفس

قال الرئيس ابن سينا:

هبطَت إليك من المحلِّ الأرفعِ
ورْقاءُ ذاتُ تَعزُّزٍ وتمنُّعِ
محجوبةٌ عن كلِّ مُقلةِ عارفٍ
وهي التي سفَرَت ولم تتبرقعِ
وصَلَت على كرهٍ إليك وربما
كرِهَت فِراقَك وهْي ذاتُ تفجُّعِ
ألِفَت وما سكنَت فلَّما واصلَت
ألِفَت مُجاوَرةَ الخرابِ البَلقعِ
وأظنُّها نسِيَت عهودًا بالحِمى
ومَنازلًا بفِراقها لم تَقنعِ
حتى إذا اتصلتْ بِهاءِ هبوطها
عن ميمِ مركزها بذاتِ الأجرَعِ
علِقَت بها ثاءُ الثقيل فأصبحت
بينَ المعالمِ والطُّلولِ الخُضَّعِ
تبكي وقد ذكرَت عهودًا بالحِمى
بمدامعٍ تَهمي ولمَّا تُقلِعِ
… … …
… … إلخ

وقد قال المقتطف في الشاعرَين بعد كلام طويل: «والاثنان جرَيا مجرى أفلاطون في حسبان النفس روحًا كانت عند الخالق، ثم هبطت ودخلت جسم الإنسان، إلا أن أفلاطون تصوَّرها فرسًا مجنَّحة، غذاؤها الجمال والحكمة والصلاح، فلمَّا هبطت فقدت جناحَيها ودخلت جسم الإنسان. والفلاسفة يشعرون بشيءٍ لا يستطيعون معرفته، فيصفونه كما يتصوَّرونه، ويجاريهم الشعراءُ في التصوُّر، ويفوقونهم في الوصف.»

ضُمِّي قِناعَك يا سُعادُ أوِ ارْفَعي
هذي المَحاسنُ ما خُلِقنَ لِبُرقُعِ٣٠٦
الضاحياتُ الضاحكاتُ ودُونَها
سِترُ الجلالِ وبُعدُ شَأوِ المَطلعِ٣٠٧
يا دُميةً لا يُستزادُ جمالُها
زِيدِيه حُسْنَ المُحسِنِ المُتبرِّعِ
ماذا على سلطانِه من وقفةٍ
للضَّارِعين وعَطفةٍ للخُشَّعِ
بل ما يضرُّكِ لو سمحتِ بجَلوةٍ
إنَّ العروسَ كثيرةُ المُتطلَّعِ
ليس الحِجابُ لمَن يَعزُّ مَنالُهُ
إنَّ الحِجابَ لِهَيِّنٍ لم يمنعِ
أنتِ التي اتَّخَذ الجمالُ لعزِّهِ
مِن مَظهرٍ ولسرِّه مِن مَوضعِ٣٠٨
وهو الصَّنَاعُ يَصوغُ كلَّ دقيقةٍ
وأدقَّ منكِ بَنانُه لم تَصنَعِ٣٠٩
لمَسَتكِ راحتُه ومسَّكِ روحُهُ
فأتى البديعُ على مِثالِ المُبدِعِ
اللهَ في الأحبار مِن مُتهالكٍ
نِضوٍ ومَهتوكِ المُسوحِ مُصرَّعِ٣١٠
من كلِّ غاوٍ في طويَّةِ راشدٍ
عاصي الظواهرِ في سريرةِ طيِّعِ
يتوهَّجون ويطفئون كأنهم
سُرُجٌ بمُعترَكِ الرِّياحِ الأربعِ
علِموا فضاقَ بهم وشقَّ طريقُهم
والجاهلون على الطريقِ المَهيَعِ
ذهب «ابنُ سينا» لم يَفُز بكِ ساعةً
وتولَّت الحكماءُ لم تتمتَّعِ
هذا مَقامٌ كلُّ عِزٍّ دونَهُ
شمسُ النهارِ بمِثلِه لم تَطمَعِ
ﻓ «محمدٌ» لكِ و«المسيحُ» ترجَّلا
وترجَّلَت شمسُ النهارِ ﻟ «يُوشَعِ»٣١١
ما بالُ «أحمدَ» عيَّ عنكِ بيانُهُ
بل ما ﻟ «عيسى» لم يَقُل أو يدَّعِ
ولسانُ «موسى» انحلَّ إلا عقدةً
مِن جانبَيك عِلاجُها لم يَنجعِ
لمَّا حللتِ ﺑ «آدمٍ» حلَّ الحِبا
ومشى على الملأِ السُّجودِ الرُّكَّعِ٣١٢
وأرى النبوَّةَ في ذَراكِ تكرَّمَت
في «يوسفٍ» وتكلَّمَت في المُرضَعِ٣١٣
وسقَت «قريشَ» على لسانِ «محمدٍ»
بالبابليِّ من البيانِ المُمتِعِ٣١٤
ومشَت ﺑ «موسى» في الظلام مُشرَّدًا
وحَدَته في قُلَلِ الجبالِ اللُّمَّعِ٣١٥
حتى إذا طُوِيَت ورِثتِ خِلالَها
رُفِعَ الرَّحيقُ وسِرُّه لم يُرفَعِ٣١٦
قسَمَت مَنازلَكِ الحُظوظُ فمَنزلًا
أُترَعنَ منكِ ومَنزلًا لم تُترَعِ
وخليةً بالنحل منك عَميرةً
وخليةً معمورةً ﺑ «التُّبَّعِ»٣١٧
وحظيرةً قد أُودعَت غُرَرَ الدُّمى
وحظيرةً محرومةً لم تُودَعِ٣١٨
نظر «الرئيسُ» إلى كمالِك نظرةً
لم تخلُ من بصرِ اللبيبِ الأروَعِ
فرآه منزلةً تعرَّضَ دُونَها
قِصَرُ الحياةِ وحالَ وَشْكُ المَصرَعِ
لولا كمالُكِ في «الرئيس» ومِثلِه
لم تَحسُنِ الدُّنيا ولم تَترعرعِ٣١٩
اللهُ ثبَّت أرضَه بدعائمٍ
هم حائطُ الدنيا وركنُ المَجمعِ
لو أن كلَّ أخِي يراعٍ بالغٌ
شأوَ «الرئيسِ» وكلَّ صاحبِ مِبضَعِ
ذهب الكمالُ سُدًى وضاعَ مَحلُّهُ
في العالمِ المُتفاوتِ المتنوِّعِ

•••

يا نفسُ مثلُ الشمسِ أنتِ؛ أشِعَّةٌ
في عامرٍ وأشِعَّةٌ في بَلقعِ
فإذا طوى اللهُ النهارَ تراجعَت
شتَّى الأشعةِ فالتقَت في المَرجِعِ
لمَّا نُعِيتِ إلى المَنازلِ غُودِرَت
دَكًّا ومِثلُكِ في المَنازلِ ما نُعي
ضجَّت عليكِ مَعالمًا ومَعاهدًا
وبكَت فِراقَكِ بالدُّموعِ الهُمَّعِ٣٢٠
آذَنتِها بنوًى فقالت ليتَ لم
تَصِلِ الحبالَ وليتَها لم تَقطعِ
ورِداءَ جُثمانٍ لبِستِ مُرقَّمٍ
بيدِ الشباب على المشيب مُرقَّعِ
كم بِنْتِ فيه وكم خفِيتِ كأنه
ثوبُ الممثِّل أو لباسُ المَرفعِ٣٢١
أسَئِمتِ من دِيباجِه فنزَعتِهِ
والخَزُّ أكفانٌ إذا لم يُنزَعِ
فزِعَت وما خفِيَت عليها غايةٌ
لكنَّ مَن يَرِدِ القيامةَ يَفزعِ٣٢٢
ضرَعَت بأدمُعِها إليك وما درَت
أنَّ السفينةَ أقلعَت في الأدمُعِ
أنتِ الوفيَّةُ لا الذِّمامُ لديكِ مَذْ
مومٌ ولا عهدُ الهوى بمُضيَّعِ
أزمَعتِ فانهلَّت دموعُكِ رِقَّةً
ولوِ استطعتِ إقامةً لم تُزمِعي
بانَ الأحِبَّةُ يومَ بَينِكِ كلُّهم
وذهَبتِ بالماضي وبالمُتوقَّعِ

ميدان الكونكورد

(ميدان الكونكورد (الوفاق) بباريس، وهو الذي أُعدِمَ فيه الملك لويس السادس عشر في أيام الثورة الفرنساوية.)

أميدانَ الوِفاقِ وكنتَ تُدعى
بميدانِ العداوةِ والشِّقاقِ
أتدري أيَّ ذنبٍ أنتَ جانٍ
وأيَّ دمٍ ذهبتَ بِه مُراقِ
هَوَى فيك السريرُ ومَن عليه
وماتَ الثائرون وأنتَ باقِ
أصابوا واستراح «لويسُ» منهم
لذا سُمِّيتَ ميدانَ الوفاقِ

أيها النيل

إلى الأستاذ مرجليوت مدرِّس اللغة العربية في جامعة أكسفورد
أيها الأستاذ الكريم

تذكَّرتُ «أثينا» مدينة الحكمة في الدهور الخالية، وأيامًا غنِمْناها على رسومها العافية، وأطلالها البالية، فكأني أنظر إلى المؤتمر، علماؤه الهالة، وأنت القمر، أو زُمَر الحجيج وأنت حادي الزُّمَر، وأرى الملوك في الحُفَر، بُنيانهم مصدوع الجُدُر، وبيانهم نور البشر، نزلنا بهم فإذا الدول خبر، وإذا الممالك أثر، والطلول شُغْل الفؤاد والبصر، منَّا العبرات ومنها العِبَر، صمَت الإنسان ونطق الحجر، فسبحان العزيز المقتدر، القاهر فوق عباده بالقدَر. كان ذلك والحوادث أجِنَّة، والأمور في أحسن الأعِنَّة، والأرض بالسلم مطمئنة، مغتبطة بسلامة الشباب، منبسطة بتلاقي الأحباب، والصفو في الدار والأكدار بالباب، ثم أخذ الله الأممَ بذنوبهم فرماهم بعَوانٍ في الماء، ضَروسٍ في الأرض والسماء، منهومةٍ بالأموال مُدمِنةٍ للدماء، نزلت بالبرِيَّة فعصفت بأحسن شبابها ونباتها، ونقضت موفور أمنها وأقواتها، وهتكت في الثرى مَصونَ رُفاتها، وخلطت في الخنادق أحياءها بأمواتها، وعدَت على الوحش في فلواتِها، وعلى الطير في وكناتِها، وعلى الرياح في مخترقاتها، وعلى بلَمِ٣٢٣ البِحار وأخواتها، وهوامِّ القِفار وحشراتها، وعلى بيوت الله في ستراتها، والنواقيس في قِبابها، والمآذن في سمواتها، فسبحان الملك الأكبر، الذي يَقهر ولا يُقهر، ويُغيِّر ولا يَتغيَّر، والذي يُقيم القيامة في مِيقاتها.

الشِّعر كالأحلام، تُدخِل على المسرور الكرى، وتَكثر على المحزون في السُّرى. وقريحة الشاعر كعَينِ صاحب الأيام، عندها للحزن عَبرة، وللسرور عَبرة، وهذه أيها — الأستاذ الكريم — كلمة قِيلَت والهموم سارية، والأقدار بالمخاوف جارية، والدموع متبارية، وذئاب البشر يقتتلون على الفانية، نظَمتُها تغنِّيًا بمحاسن الماضي، وتقييدًا لمآثر الآباء، وقضاءً لحق «النيل» الأسعد الأمجد، ونسبتها إليك عِرفانًا لفضلك على لغة العرب، وما أنفقت من شباب وكهولة في إحياء علومها، ونشر آدابها، وإلقائها كلما طلعت الشمس خلف الضَّباب دروسًا نافعة على أنبل شباب العصر، في أعظم جامعات العالم، فلعلها تقع إليك، فنتذاكر على النوى تلك الأيام، ونتنادم من بُعدٍ على بِساط الأدب والكلام، ونسأل الله أن يحقن الدماء، ويُقيم جدار السلام.

مِن أيِّ عهدٍ في القُرَى تتدفَّقُ
وبأيِّ كفٍّ في المدائنِ تُغدِقُ
ومن السماءِ نزلتَ أم فُجِّرتَ من
عَلْيا الجِنانِ جداولًا تترقرقُ
وبأيِّ عينٍ أم بأيةِ مُزنةٍ٣٢٤
أم أيِّ طُوفانٍ تَفيضُ وتَفهَقُ٣٢٥
وبأيِّ نَولٍ٣٢٦ أنت ناسجُ بُردةٍ
للضفَّتَين جديدُها لا يخلَقُ٣٢٧
تَسودُّ ديباجًا إذا فارقتَها
فإذا حضرتَ اخضَوضرَ الإستبرَقُ٣٢٨
في كلِّ آونةٍ تُبدِّل صِبغةً
عجبًا وأنت الصابغُ المُتأنِّقُ
أتَت الدهورُ عليك مَهدُك مُترَعٌ٣٢٩
وحِياضُك الشُّرُق٣٣٠ الشهيَّةُ دُفَّقُ
تَسقي وتُطعِمُ لا إناؤكَ ضائقٌ
بالواردين ولا خوانُك ينفُقُ٣٣١
والماءُ تسكبُه فيُسبَكُ عَسجدًا٣٣٢
والأرضُ تُغرِقها فيحيا المُغرَقُ
تُعيِي مَنابعُك العقولَ ويستوي
مُتخبِّطٌ في عِلمِها ومُحقِّقُ
أخْلقتَ راوُوقَ٣٣٣ الدهور ولم تزَل
بك حمأةٌ٣٣٤ كالمِسكِ لا تتروَّقُ٣٣٥
حمراءُ في الأحواض إلا أنها
بيضاءُ في عُنُقِ الثرى تتألَّقُ
دِينُ الأوائل فيك دِينُ مروءةٍ
لِمَ لا يُؤلَّه مَن يقُوتُ ويرزُقُ
لو أن مخلوقًا يُؤلَّه لم تكن
لِسِواكَ مَرتبةُ الألوهةِ تخلُقُ٣٣٦
جعلوا الهوى لك والوقارَ عبادةً
إنَّ العبادةَ خشيةٌ وتعلُّقُ
دانوا ببحرٍ بالمكارمِ زاخرٍ
عذبِ المَشارعِ مَدُّه لا يُلحَقُ
مُتقيِّدٍ بعهودِه ووعودِهِ
يَجري على سَننِ الوفاءِ ويَصدُقُ٣٣٧
يتقبلُ الوادي الحياةَ كريمةً
من راحتَيكَ عميمةً تتدفَّقُ
متقلِّبُ الجنبَين في نَعمائه
يَعرى ويُصبَغُ في نَداك فيُورِقُ
فيَبيتُ خصبًا في ثراه ونعمةً
ويعُمُّه ماءُ الحياةِ المُوسِقُ٣٣٨
وإليك بعدَ اللهِ يرجعُ تحته
ما جفَّ أو ما مات أو ما ينفُقُ٣٣٩

•••

أين الفراعنةُ الأُلى استذرى٣٤٠ بهم
«عيسى» و«يوسفُ» و«الكليمُ» المُصعَقُ
المُورِدونَ الناسَ مَنهَلَ٣٤١ حكمةٍ
أفْضَى إليه الأنبياءُ ليَستقُوا
الرافعون إلى الضحى آباءهم
فالشمسُ أصلُهم الوَضيءُ المُعرِقُ٣٤٢
وكأنما بين البِلى وقبورِهم
عهدٌ على أن لا مِساسَ ومَوثِقُ
فحِجابُهم تحت الثرى من هَيبةٍ
كحِجابِهم فوقَ الثرى لا يُخرَقُ
بلَغوا الحقيقةَ من حياةٍ عِلمُها
حُجُبٌ مُكثَّفةٌ وسِرٌّ مُغلَقُ
وتبيَّنوا معنى الوجودِ فلم يرَوا
دُونَ الخلودِ سعادةً تتحققُ
يَبنون للدنيا كما تَبني لهم
خِرَبًا غرابُ البَين فيها يَنعقُ
فقصورُهم كُوخٌ وبيتُ بَداوةٍ
وقبورُهم صرحٌ أشَمُّ وجَوسَقُ٣٤٣
رفعوا لها من جندلٍ وصفائحٍ
عَمَدًا فكانت حائطًا لا يُنتَقُ٣٤٤
تتشايعُ الدارانِ فيه فما بدا
دنيا وما لم يبدُ أخرى تصدُقُ
للموتِ سِرٌّ تحته وجدارُهُ
سُورٌ على السرِّ الخفيِّ وخندقُ
وكأن منزلهم بأعماقِ الثرى
بينَ المحلَّةِ٣٤٥ والمحلَّةِ فُندقُ
موفورةٌ تحت الثرى أزْوادُهم٣٤٦
رَحْبٌ بهم بين الكهوفِ المُطبِقُ٣٤٧

•••

ولِمَن هياكلُ قد علا الباني بها
بين الثريا والثرى تتنسقُ٣٤٨
منها المُشيَّدُ كالبروج وبعضُها
كالطَّودِ مُضطجِعٌ أشَمُّ مُنطَّقُ٣٤٩
جُدُدٌ كأوَّلِ عهدها وحِيالَها
تتقادَمُ الأرضُ الفضاءُ وتعتُقُ٣٥٠
من كلِّ ثِقلٍ كاهلُ الدنيا به
تَعِبٌ ووجهُ الأرضِ عنه ضيِّقُ
عالٍ على باعِ البِلى لا يهتدي
ما يعتلي منه وما يتسلقُ
مُتمكِّنٌ كالطَّودِ أصلًا في الثرى
والفرعُ في حَرَمِ السماءِ مُحلِّقُ
هي من بناءِ الظلمِ إلا أنه
يَبيضُّ وجهُ الظلمِ منه ويُشرِقُ
لم يُرهِقِ الأُممَ الملوكُ بمِثلِها
فخرًا لهم يَبقى وذِكرًا يعبَقُ
فُتِنَت بشطَّيكَ العِبادُ فلم يزَل
قاصٍ يحجُّهما ودانٍ يرمقُ
وتضوَّعَت مِسكَ الدهورِ كأنما
في كلِّ ناحيةٍ بخورٌ يُحرَقُ
وتقابلَت فيها على السُّرُرِ الدُّمى٣٥١
مُستردِياتُ٣٥٢ الذل لا تتفنَّقُ٣٥٣
عطَلَت٣٥٤ وكان مكانُهنَّ من العُلا
«بلقيسُ» تقبسُ من حُلاهُ وتَسرقُ
وعَلا عليهن الترابُ ولم يكن
يزكُو بهنَّ سِوى العبير٣٥٥ ويَلبَقُ٣٥٦
حُجُراتُها موطوءةٌ وستورُها
مهتوكةٌ بيدِ البِلى تتخرَّقُ
أوْدَى بزينتها الزمانُ وحَليِها
والحُسنُ باقٍ والشبابُ الرَّيِّقُ٣٥٧
لو رُدَّ فرعونُ الغداةَ لَراعَهُ
أنَّ الغرانيقَ٣٥٨ العُلا لا تَنطقُ
خلع الزمانُ على الورى أيامَهُ
فإذا الضُّحى لك حِصَّةٌ والرَّونقُ
لكَ من مَواسمه ومن أعياده
ما تَحسِرُ٣٥٩ الأبصارُ فيه وتَبرقُ
لا «الفُرسُ» أُوتوا مِثلَه يومًا ولا
«بغدادُ» في ظلِّ «الرشيدِ» و«جِلَّقُ»٣٦٠
فتحُ الممالك أو قيامُ «العجل» أو
يومُ القبور أو الزفافُ المُونِقُ
كم موكبٍ تتخايلُ الدنيا به
يُجلى كما تُجلى النجومُ ويُنسقُ
«فرعونُ» فيه من الكتائبِ مُقِبلٌ
كالسُّحْبِ قرنُ الشمسِ منها مُفتِقُ٣٦١
تَعنو٣٦٢ لعِزَّتِه الوجوهُ ووجهُهُ
للشمسِ في الآفاقِ عانٍ مُطرِقُ
آبَت من السفرِ البعيدِ جنودُهُ
وأتَته بالفتحِ السعيدِ الفَيلَقُ٣٦٣
ومشى الملوكُ مُصفَّدِين خدودُهم
نعلٌ لفرعونَ العظيمِ ونُمرُقُ٣٦٤
مملوكةٌ أعناقُهم ليمينِهِ
يأبى فيَضربُ أو يمنُّ فيُعتِقُ
ونجيبةٍ بينَ الطفولةِ والصِّبا
عذراءَ تشربُها القلوبُ وتَعلَقُ
كان الزفافُ إليك غايةَ حظِّها
والحظُّ إن بلَغَ النهايةَ مُوبِقُ٣٦٥
لافَيتَ أعراسًا ولافَت مأتمًا
كالشيخِ ينعمُ بالفتاةِ وتُزهَقُ
في كلِّ عامٍ دُرَّةٌ تُلقى بِلا
ثمنٍ إليك وحُرَّةٌ لا تُصدَقُ٣٦٦
حَوْلٌ٣٦٧ تُسائِل فيه كلُّ نجيبةٍ
سبقَت إليك متى يحُولُ فتَلحقُ
والمَجدُ عند الغانياتِ رغيبةٌ
يُبغى كما يُبغى الجمالُ ويُعشَقُ
إن زوَّجوكَ بهنَّ فهْي عقيدةٌ
ومن العقائدِ ما يَلِبُّ٣٦٨ ويَحمقُ
ما أجملَ الإيمانَ لولا ضَلَّةٌ
في كلِّ دِينٍ بالهدايةِ تُلصَقُ
زُفَّت إلى ملكِ الملوكِ يحثُّها
دِينٌ ويدفعها هوًى وتشوُّقُ
ولرُبَّما حسَدَت عليكَ مَكانَها
تِربٌ٣٦٩ تَمسَّحُ بالعروسِ وتُحدِقُ
مَجلوَّةٌ في الفُلْكِ يَحدو٣٧٠ فُلْكَها
بالشاطئَينِ مُزغرِدٌ ومُصفِّقُ
في مِهرجانٍ هزَّت الدنيا به
أعطافَها واختالَ فيه المَشرقُ
فرعونُ تحتَ لوائِه وبَناتُهُ
يَجري بهنَّ على السفينِ الزَّورقُ
حتى إذا بلَغَت مواكبُها المَدى
وجرى لغايته القضاءُ الأسبَقُ
وكسا سماءَ المِهرجانِ جلالةً
سيفُ المنية وهْو صَلتٌ٣٧١ يَبرقُ
وتلفَّتَت في اليمِّ كلُّ سفينةٍ
وانثالَ٣٧٢ بالوادي الجموعُ وحدَّقوا
ألقَت إليك بنفسها ونفيسها
وأتَتكَ شيِّقةً حواها شيِّقُ
خلعَت عليكَ حياءَها وحياتَها
أأعَزُّ من هذين شيءٌ يُنفَقُ
وإذا تَناهى الحبُّ واتَّفقَ الفِدى
فالروحُ في بابِ الضحية أليَقُ
ما العالمُ السُّفليُّ إلا طِينةٌ
أزليةٌ٣٧٣ فيه تُضيءُ وتَغسِقُ٣٧٤
هي فيه للخصبِ العميمِ خميرةٌ
يَندَى بما حملَت إليه ويَبثُقُ٣٧٥
ما كان فيها للزيادة مَوضعٌ
وإلى حِماها النقصُ لا يتطرَّقُ
مُنبثَّةٌ في الأرضِ تَنتظمُ الثَّرى
وتنالُ ممَّا في السماءِ وتَعلَقُ
منها الحياةُ لنا ومنها ضِدُّها
أبدًا نعوُدُ لها ومنها نُخلَقُ
والزَّرعُ سُنبلُه يطيبُ وحَبُّهُ
منها فيخرج ذا وهذا يُفلَقُ
وتشدُّ بيتَ النحلِ فهْو مُطنَّبٌ
وتمدُّ بيتَ النملِ فهْو مُروَّقُ
وتظلُّ بين قُوى الحياة جوائلًا
لا تستقرُّ دوائلًا لا تُمحَقُ٣٧٦
هي كِلمةُ الله القديرِ ورُوحُهُ
في الكائنات وسرُّه المُستغلِقُ
في النجم والقمرَين مَظهرُها إذا
طلعَت على الدنيا وساعةَ تَخفُقُ
والذَّرُّ٣٧٧ والصخراتُ ممَّا كوَّرَت
والفيلُ مما صوَّرَت والخِرنِقُ٣٧٨
فتنَت عقولَ الأولين فألَّهوا
من كلِّ شيءٍ ما يرُوعُ ويَخرُقُ
سجَدوا لمخلوقٍ وظنُّوا خالقًا
مَن ذا يُميِّزُ في الظلام ويَفرُقُ
دانت ﺑ «آبيسَ» الرعيةُ كلُّها
مَن يستغلُّ الأرضَ أو مَن يَعزقُ
جاءوا من المَرعى به يمشي كما
تمشي وتَلتفتُ المَهاةُ وتَرشقُ
داجٍ كجنحِ الليل زانَ جبينَهُ
وَضَحٌ عليه من الأهِلَّةِ أشرَقُ٣٧٩
العسجدُ٣٨٠ الوهَّاجُ وشْيُ جلالِهِ
والوردُ مَوطئُ خُفِّه والزَّنْبقُ٣٨١
ومن العجائبِ بعدَ طُولِ عبادةٍ
يُؤتى به حوضَ الخُلودِ فيُغرَقُ
يا ليت شِعريَ هل أضاعوا العهدَ أم
حَذِروا من الدنيا عليه وأشفقوا
قومٌ وقارُ الدِّين في أخلاقهم
والشعبُ ما يَعتاد أو يتخلَّقُ
يدعُون خلفَ السِّترِ آلهةً لهم
مَلئوا النَّدِيَّ جلالةً وتأبَّقوا٣٨٢
واستحجَبوا٣٨٣ الكُهانَ هذا مُبلِغٌ
ما يهتفون به وذاك مُصدِّقُ
لا يُسألون إذا جرَت ألفاظُهم
مِن أين للحجرِ اللسانُ الأذلَقُ
أو كيف تخترقُ الغيوبَ بهيمةٌ
فيما ينُوب من الأمور ويَطرُقُ
وإذا هُمُ حَجُّوا القبورَ حسِبتَهم
وفْدَ «العتيقِ»٣٨٤ بهم تَرامى الأينُقُ٣٨٥
يأتون «طِيبةَ» بالهديِّ٣٨٦ أمامَهم
يغشى المدائنَ والقُرى ويُطبِّقُ
فالبَرُّ مشدودُ الزواحلِ مُحدَجٌ٣٨٧
والبحرُ ممدودُ الشِّراعِ مُوسَّقُ
حتى إذا ألقَوا بهيكلِها العصا
وفُّوا النذورَ وقرَّبوا واصَّدَّقوا
وجرَت زوارقُ بالحجيج كأنها
رُقْطٌ تَدافعُ أو سهامٌ تَمرُقُ٣٨٨
من شاطئٍ فيه الحياةُ لشاطئٍ
هو مَضجعٌ للسابقين ومِرفقُ٣٨٩
غرَبوا غروبَ الشمسِ فيه واستوى
شاهٌ ورُخٌّ٣٩٠ في الترابِ وبَيدقُ٣٩١
حيث القبورُ على الفضاءِ كأنها
قِطَعُ السحابِ أو السرابُ الدَّيسقُ٣٩٢
للحقِّ فيه جَولةٌ وله سَنًا
كالصبحِ من جنَباتِها يَتفلَّقُ
نزلوا بها فمشى الملوكُ كرامةً
وجثا المُدِلُّ بمالِه والمُملِقُ٣٩٣
ضاقت بهم عرَصاتُها فكأنما
ردَّت ودائعَها الفلاةُ الفَيهَقُ٣٩٤
وتَنادَم الأحياءُ والموتى بها
فكأنهم في الدهر لم يتفرَّقوا

•••

أصلُ الحضارةِ في صعيدِكَ ثابتٌ
ونَباتُها حَسنٌ عليك مُخلَّقُ٣٩٥
وُلِدَت فكنتَ المَهدَ ثم ترعرعَت
فأظلَّها منكَ الحَفِيُّ المُشفِقُ
ملأتْ ديارَك حكمةً مأثورُها
في الصخرِ والبَرْدي الكريمِ مُنبَّقُ٣٩٦
وبنَت بيوتَ العلمِ باذخةَ الذُّرا
يسعى لهنَّ مُغرِّبٌ ومُشرِّقُ
واستحدثَت دِينًا فكان فضائلًا
وبِناءَ أخلاقٍ يطُولُ ويَشهَقُ٣٩٧
مهَدَ السبيلَ لكلِّ دِينٍ بعدَهُ
كالمِسكِ ريَّاه بأخرى تُفتَقُ٣٩٨
يدعو إلى بِرٍّ ويرفعُ صالِحًا
ويَعافُ ما هو للمروءةِ مُخلِقُ
للناس من أسرارِه ما عُلِّموا
ولشُعبةِ الكهنوتِ ما هو أعمَقُ
فيه محلٌّ للأقانيم٣٩٩ العُلا
ولجامعِ التوحيدِ فيه تعلُّقُ
تابوتُ موسى لا تزال جلالةٌ
تبدو عليك له وريَّا تُنشَقُ٤٠٠
وجمالُ يوسفَ لا يزال لواؤه
حوْلَيك في أفُقِ الجلالِ يُرنَّقُ٤٠١
ودموعُ إخوته رسائلُ توبةٍ
مسطورُهنَّ بشاطئَيك مُنمَّقُ
وصلاةُ مريمَ فوقَ زرعِك لم يزَل
يزكو لذكراها النباتُ ويَسمُقُ٤٠٢
وخُطى المسيحِ عليك روحًا طاهرًا
بركاتُ ربِّك والنعيمُ الغَيدقُ٤٠٣
وودائعُ «الفاروقِ»٤٠٤ عندك دِينُهُ
ولواؤه وبيانُه والمنطقُ
بعث الصحابةَ يحملون من الهدى
والحقِّ ما يُحيِي العقولَ ويفتقُ
فتحُ الفتوح من الملائك رَزدَقٌ٤٠٥
فيه ومن «أصحابِ بدرٍ» رَزدَقُ
يبنون لله الكنانةَ بالقنا
والله من حولِ البِناءِ مُوفِّقُ
أحلاسُ٤٠٦ خيلٍ بيْدَ أن حسامَهم
في السِّلم من حذرِ الحوادثِ مُقلَقُ
تُطوى البلادُ لهم ويُنجِدُ جيشَهم
جيشٌ من الأخلاقِ غازٍ مُورِقُ٤٠٧
في الحقِّ سُلَّ وفيه أُغمِدَ سيفُهم
سيفُ الكريم من الجَهالةِ يَفرَقُ٤٠٨
والفتحُ بغيٌ لا يُهوِّن وقْعَهُ
إلا العفيفُ حسامُه المُترفِّقُ
ما كانت «الفسطاطُ» إلا حائطًا
يأوي الضعيفُ لركنِه والمُرهَقُ
وبه تلوذُ الطيرُ في طلبِ الكرى
ويبيتُ «قيصرُ» وهْو منه مُؤرَّقُ
«عمرٌو» على شُطَبِ٤٠٩ الحصيرِ مُعصَّبٌ٤١٠
بقلادةِ اللهِ العليِّ مُطوَّقُ
يدعو له «الحاخامُ» في صلواته
«موسى» ويسأل فيه عيسى البَطرَقُ
يا نِيلُ أنت بطِيبِ ما نعتَ «الهدى»
وبمدحةِ «التوراةِ» أحرَى أخلَقُ
وإليك يُهدِي الحمدَ خلْقٌ حازَهم
كنَفٌ على مَرِّ الدهورِ مُرهَّقُ٤١١
كنَفٌ «كمَعنٍ» أو كساحةِ «حاتمٍ»
خَلقٌ يُودِّعه وخَلقٌ يَطرُقُ
وعليك تُجلى من مصوناتِ النُّهى
خُودٌ عرائسُ خِدرُهنَّ المُهرَقُ٤١٢
الدُّرُّ في لَبَّاتهنَّ٤١٣ مُنظَّمٌ
والطِّيبُ في حبراتِهنَّ مُرقرَقُ
لي فيك مدحٌ ليس فيه تكلُّفٌ
أملاه حُبٌّ ليس فيه تملُّقُ
ممَّا يُحمِّلنا الهوى لك أفرُخٌ
سنطير عنها وهْي عندك تُرزَقُ
تهفُو إليهم في الترابِ قلوبُنا
وتكاد فيه بغيرِ عِرقٍ تَخفقُ
تُرجى لهم واللهُ جلَّ جلاله
منَّا ومنك بهم أبَرُّ وأرفَقُ
فاحفظ ودائعَك التي استُودِعتَها
أنت الوفيُّ إذا اؤتُمنتَ الأصدَقُ
للأرضِ يومٌ والسماءِ قيامةٌ
وقيامةُ «الوادي» غداةَ تُحلِّقُ٤١٤

نكبة دمشق

(قِيلَت في حفلة أُقيمَت لإعانة منكوبي سوريا بتياترو وحديقة الأزبكية في يناير سنة ١٩٢٦م.)

سلامٌ من صَبا «بَرَدَى»٤١٥ أرقُّ
ودمعٌ لا يُكفكَفُ يا دمشقُ
ومعذرةُ اليَراعةِ والقوافي
جلالُ الرُّزءِ٤١٦ عن وصفٍ يدِقُّ
وذكرى عن خواطرِها لقلبي
إليكِ تلفُّتٌ أبدًا وخفْقُ٤١٧
وبي ممَّا رمَتكِ به الليالي
جِراحاتٌ لها في القلبِ عُمْقُ
دخلتُكِ والأصيلُ له ائتلاقٌ٤١٨
ووجهُك ضاحكُ القسَماتِ طَلْقُ
وتحت جِنانِك الأنهارُ تجري
ومِلءُ رُباك أوراقٌ ووُرْقُ٤١٩
وحولي فِتيةٌ غُرٌّ صِباحٌ
لهم في الفضلِ غاياتٌ وسَبْقُ
على لَهَواتِهم٤٢٠ شعراءُ لُسْنٌ٤٢١
وفي أعطافِهم خُطباءُ شُدْقُ٤٢٢
رُواةُ قصائدي فاعجبْ لشعرٍ
بكلِّ محلَّةٍ يَرويه خَلقُ
غمَزتُ إباءهم حتى تلظَّت
أُنوفُ الأُسْدِ واضطرمَ٤٢٣ المدقُّ٤٢٤
وضجَّ من الشكيمةِ٤٢٥ كلُّ حُرٍّ
أبيٍّ من أُميَّةَ فيه عِتقُ٤٢٦

•••

لحاها اللهُ أنباءً توالت
على سمعِ الوليِّ بما يشقُّ٤٢٧
يُفصِّلها٤٢٨ إلى الدنيا بريدٌ
ويُجمِلُها إلى الآفاقِ برْقُ٤٢٩
تكادُ لروعةِ الأحداثِ٤٣٠ فيها
تُخالُ من الخرافةِ وهْي صِدقُ
وقِيلَ معالمُ التاريخ دُكَّت
وقِيلَ أصابها تلفٌ وحرقُ
ألستِ دمشقُ للإسلام ظِئرًا٤٣١
ومُرضِعةُ الأُبوَّةِ لا تُعَقُّ
صلاحُ الدينِ تاجُك لم يُجمَّل
ولم يُوسَم بأزيَنَ منه فرْقُ
وكلُّ حضارةٍ في الأرضِ طالت
لها من سَرحِكِ العُلويِّ عِرقُ٤٣٢
سماؤكِ من حُلى الماضي كِتابٌ
وأرضُكِ من حُلى التاريخ رَقُّ٤٣٣
بنَيتِ الدولةَ الكبرى ومُلْكًا
غبارُ حضارتَيه لا يُشَقُّ
له بالشامِ أعلامٌ وعُرسٌ
بشائرُه بأندلسٍ تُدَقُّ

•••

رِباعُ الخُلدِ ويْحَك ما دهاها
أحقٌّ أنها درَسَت أحَقُّ
وهل غُرَفُ الجِنانِ مُنضَّداتٌ٤٣٤
وهل لنعيمِهنَّ كأمسِ نَسْقُ
وأين دُمى٤٣٥ المقاصرِ٤٣٦ من حِجالٍ
مُهتَّكةٍ وأستارٍ تُشَقُّ
برَزنَ وفي نواحي الأيْكِ نارٌ
وخلفَ الأيْكِ أفراخٌ تُزَقُّ
إذا رُمْنَ السلامةَ من طريقٍ
أتَت من دونه للموت طُرْقُ
بلَيلٍ للقذائفِ والمنايا
وراءَ سمائه خطفٌ وصعقُ
إذا عصفَ الحديدُ احمرَّ أُفْقٌ
على جنباتِه واسودَّ أُفْقُ
سَلِي مَن راعَ غِيدَك بعدَ وهْنٍ٤٣٧
أبَينَ فؤادِه والصخرِ فَرْقُ
وللمُستعمِرين وإن ألانوا
قلوبٌ كالحجارةِ لا تَرِقُّ
رماكِ بطَيشِه ورمى فرنسا
أخو حربٍ به صَلَفٌ وحمقُ
إذا ما جاءه طُلابُ حقٍّ
يقول عصابةٌ خرجوا وشقُّوا
دمُ الثُّوارِ تعرفه فرنسا
وتعلَم أنه نورٌ وحقُّ
جرى في أرضِها فيه حياةٌ
كمُنهلِّ السماءِ وفيه رزقُ٤٣٨
بلادٌ ماتَ فِتيتُها لِتَحيا
وزالوا دونَ قومِهمُ لِيَبقوا
وحُرِّرَت الشعوبُ على قَناها
فكيف على قناها تُسترَقُّ٤٣٩
بني سوريةَ اطَّرِحوا الأماني
وألقُوا عنكم الأحلامَ ألقُوا
فمِن خِدَعِ السياسة أن تُغَرُّوا
بألقابِ الإمارةِ وهْي رِقُّ٤٤٠
وكم صَيَدٍ٤٤١ بدا لك من ذليلٍ
كما مالت من المصلوب عُنْقُ
فُتوقُ المُلكِ تحدثُ ثم تمضي
ولا يمضي لمُختلِفين فتْقُ
نصَحتُ ونحن مختلفون دارًا
ولكنْ كلُّنا في الهمِّ شرقُ
ويجمعُنا إذا اختلفَت بلادٌ
بيانٌ غيرُ مختلفٍ ونُطْقُ
وقَفتُم بينَ موتٍ أو حياةٍ
فإن رُمتُم نعيمَ الدهر فاشقُوا
وللأوطانِ في دمِ كلِّ حُرٍّ
يدٌ سلفَت ودَينٌ مُستحِقُّ
ومَن يَسقي ويَشربُ بالمنايا
إذا الأحرارُ لم يُسقَوا ويَسقُوا
ولا يبني الممالكَ كالضحايا
ولا يُدني الحقوقَ ولا يُحِقُّ
ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ
وفي الأسرى فِدًى لهمُ وعِتقُ٤٤٢
وللحريةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مُضرَّجةٍ يُدَقُّ
جزاكم ذو الجلالِ بني دمشقٍ
وعزُّ الشرقِ أوَّلُه دِمشقُ
نصرتُم يومَ مِحنتِه أخاكم
وكلُّ أخٍ بنصرِ أخيه حقُّ
وما كان الدُّروزُ قَبِيلَ٤٤٣ شرٍّ
وإن أُخِذوا بما لم يَستحقُّوا
ولكنْ ذادةٌ٤٤٤ وقُراةُ ضيفٍ
كينبوعِ الصَّفا خشُنوا ورقُّوا
لهم جبلٌ أشَمُّ له شِعافٌ
مواردُ في السحابِ الجُونِ بُلْقُ
لكلِّ لَبُوءةٍ ولكلِّ شِبلٍ
نِضالٌ دونَ غايتِه ورشقُ
كأن من السمَوءلِ٤٤٥ فيه شيئًا
فكلُّ جِهاتِه شرفٌ وخُلْقُ

رمضان ولَّى

(الأبيات التي بين قوسَين ترجمتها جريدة الطان بقلم المرحوم عثمان باشا غالب.)

رمضانُ ولَّى هاتِها يا ساقي
مُشتاقةً تسعى إلى مُشتاقِ
ما كان أكثَرَه على أُلَّافِها
وأقَلَّه في طاعةِ الخلَّاقِ
اللهُ غفَّارُ الذُّنوبِ جميعِها
إن كان ثَمَّ من الذنوب بَواقي
بالأمس قد كُنَّا سجينَي طاعةٍ
واليومَ مَنَّ العيدُ بالإطلاقِ
ضحِكَت إليَّ من السرور ولم تزَل
بنتُ الكُرومِ كريمةَ الأعراقِ
هاتِ اسقِنِيها غيرَ ذاتِ عواقبٍ
حتى نُراعَ لصيحةِ الصَّفَّاقِ٤٤٦
صِرفًا مُسلَّطةَ الشُّعاعِ كأنما
من وجْنتَيك تُدارُ والأحداقِ
حمراءَ أو صفراءَ إن كريمَها
كالغِيد كلُّ مليحةٍ بمذاقِ
وحَذارِ من دمِها الزكيِّ تُريقُهُ
يَكفيك يا قاسي دمُ العُشَّاقِ
لا تَسقِني إلا دِهاقًا٤٤٧ إنني
أُسقَى بكأسٍ في الهموم دِهاقِ
فلعلَّ سلطانَ المُدامةِ مُخرِجي
مِن عالَمٍ لم يحوِ غيرَ نِفاقِ
«وطني أسِفتُ عليكَ في عيدِ المَلا
وبكيتُ من وجْدٍ ومن إشفاقِ»
«لا عيدَ لي حتى أراك بأُمةٍ
شمَّاءَ راويةٍ من الأخلاقِ»
«ذهب الكرامُ الجامعون لأمرهم
وبقِيتُ في خلَفٍ بغير خلَاقِ»
«أيَظلُّ بعضُهمُ لبعضٍ خاذلًا
ويقال شعبٌ في الحضارة راقي»
«وإذا أراد اللهُ إشقاءَ القُرى
جعلَ الهُداةَ بها دُعاةَ شِقاقِ»

•••

العيدُ بينَ يدَيكَ يا ابنَ محمدٍ
نثَرَ السُّعودَ حُلًى على الآفاقِ
وأتى يُقبِّل راحتَيكَ ويرتجي
ألا يفوتَكما الزمانَ تَلاقِ
قابَلتَه بسُعودِ وجهك والسَّنا
فازدادَ من يُمْنٍ ومن إشراقِ
فاهنأْ بطالعِه السعيدِ يَزينُهُ
عيدُ الفقيرِ وليلةُ الأرزاقِ
يتنزَّلُ الأجرانِ٤٤٨ في صُبحَيهما
جَزلَينِ عن صومٍ وعن إنفاقِ
إني أُجِلُّ عن القتالِ سرائري
إلَّا قِتالَ البؤسِ والإملاقِ٤٤٩
وأرى سُمومَ العالَمين كثيرةً
وأرى التعاونَ أنجَعَ التِّرياقِ٤٥٠
قسَمَت بَنِيها واستبدَّت فوقَهم
دُنيا تعقُّ لَئيمةُ الميثاقِ
واللهُ أتعبَها وضلَّل كيدَها
من راحتَيك بِوابلٍ غَيداقِ٤٥١
يأسُو جِراحَ اليائسين من الورى
ويُساعِدُ الأنفاسَ في الأرماقِ٤٥٢
بلَغَ الكرامُ المَجدَ حين جرَوا له
بسوابقٍ وبلَغتَه ﺑ «بُراقِ»
ورأوا غُبارَك في السُّها وتَراكَضوا
مَن للنجومِ ومَن لهم بِلَحاقِ
مولايَ طِلبةُ مصرَ أن تَبقى لها
فإذا بَقِيتَ فكلُّ خيرٍ باقِ
سبَقَ القريضُ إليك كلَّ مُهنِّئٍ
من شاعرٍ مُتفرِّدٍ سبَّاقِ
لم يدَّخرْ إلا رِضاكَ ولا اقتنى
إلا ولاءك أنفَسَ الأعلاقِ٤٥٣
إن القلوبَ وأنت مِلءُ صميمِها
بعثَت تَهانيها من الأعماقِ
وأنا الفتى «الطَّائيُّ»٤٥٤ فيك وهذه
كَلِمي هزَزتُ بها أبا إسحاقِ٤٥٥

مِصر

قال وقد كان أعدَّ وليمة إلى الكاتب الإنجليزي المستر هول كين:

أيُّها الكاتبُ المصوِّرُ صوِّرْ
مصرَ بالمنظرِ الأنيقِ الخليقِ
إن مصرًا روايةُ الدهرِ فاقرأ
عِبرةَ الدهرِ في الكتابِ العتيقِ
مَلعبٌ مثَّل القضاءُ عليه
في صِبا الدهرِ آيةَ «الصِّدِّيقِ»٤٥٦
وامِّحاءَ٤٥٧ «الكليمِ»٤٥٨ آنَسَ نارًا
والْتجاءَ «البَتُولِ»٤٥٩ في وقتِ ضِيقِ
ومنايا «مِنا» ﻓ «كسرى» فذِي «القَرْ
نَينِ» فالقيصرَين ﻓ «الفاروقِ»٤٦٠
دُوَلٌ لم تَبِدْ ولكنْ توارت
خلفَ سِترٍ من الزمانِ رقيقِ
رَوْضتي ازَّيَّنَت وأبدَت حُلاها
حين قالوا رِكابُكم في الطريقِ
مِثلَ عذراءَ من عجائزِ «روما»
بشَّروها بزَورةِ البطريقِ
ضَحِكُ الماءِ والأقاحي٤٦١ عليها
قابَلتْه الغصونُ بالتصفيقِ
زُرْتَها والربيعُ فصلًا فخفَّت
نحوَ رَكْبَيكما خُفوفَ المَشُوقِ
فانزلا في عيونِ نرجسِها الغضِّ
صِيانًا وفوقَ خدِّ الشقيقِ٤٦٢

البحر الأبيض المتوسط

أيُّ الممالكِ أيُّها
في الدهرِ ما رفعَت شِراعَكْ
يا أبيضَ الآثارِ والصَّـ
ـفَحاتِ ضُيِّعَ مَن أضاعَك
إنَّ البيانَ وإنَّ حُسْـ
ـنَ العقلِ ما زالا مَتاعَك
أبدًا تُذكِّرنا الذيـ
ـن جلَوا على الدنيا شُعاعَك
وبنَوا مَنارَك عاليًا
مُتألِّقًا وبنَوا قِلاعَك
وتحكَّموا بك في الوجو
دِ تحكُّمًا كان ابتداعَك
حتى إذا جئتَ الأنا
مَ بأهلِ حكمتِه أطاعَك
واليومَ عقَّ كأنما
ينسى جميلَك واصطناعَك
فابْلع فدَيتُك كلَّ ما
ئِكَ فالمَلا ينوي ابتلاعَك

وقال عندما زار قسم الأزهار والثمار في المعرض بباريس سنة ١٩٠١م:

رزَقَ اللهُ أهلَ باريسَ خيرًا
وأرى العقلَ خيرَ ما رُزِقُوهُ
عندهم للثمارِ والزهرِ ممَّا
تُنجِب الأرضُ مَعرِضٌ نسَّقُوهُ
جَنَّةٌ تَخلِب العقولَ وروضٌ
تجمع العينُ منه ما فرَّقُوهُ
مَن رآه يقول قد حُرِموا الفِرْ
دَوسَ لكنْ بسِحرِهم سرَقُوهُ
ما ترى الكَرْمَ قد تشاكَلَ حتى
لو رآه السُّقاةُ ما حقَّقوهُ؟
يُسكِرُ الناظرين كَرْمًا ولمَّا
تَعتصِرْه يَدٌ ولا عتَّقُوه
صوَّروه كما يشاءون حتى
عَجِبَ الناسُ كيف لم يُنطِقُوهُ
يجدُ المُتقي يدَ اللهِ فيه
ويقول الجَحودُ قد خلَقُوهُ

باريس

جَهْدُ الصَّبابة ما أُكابدُ فيكِ
لو كان ما قد ذُقْتُه يكفيكِ
حتَّامَ هِجراني وفيمَ تجنُّبي
وإلامَ بي ذُلُّ الهوى يُغرِيكِ
قد متُّ من ظمأٍ فلو سامَحتِني
أن أشتهي ماءَ الحياةِ بفِيكِ
أجِدُ المنايا في رضاكِ هي المُنى
ماذا وراءَ الموتِ ما يُرضِيكِ
يا بنتَ مَخضوبِ الصوارمِ والقنا
بَرِئَت بَنانُكِ من سلاحِ أبيكِ
فخِضابُ تلك من العيونِ وقايةٌ
وخِضابُ ذاك من الدمِ المسفوكِ
جفْناكِ أيُّهما الجريءُ على دمي
بأبي هُما من قاتلٍ وشريكِ
بالسَّيفِ والسِّحر المُبينِ وبالطِّلى
حمَلا عليَّ وبالقَنا المشبوكِ٤٦٣
بهما وبي سَقَمٌ ومن عَجَبِ الهوى
عُدوانُ مُنكسِرٍ على منهوكِ
رِفقًا بمُسبِلةِ٤٦٤ الشئونِ٤٦٥ قريحةٍ٤٦٦
تسلو عن الدنيا ولا تَسلوكِ
أبكيتِها وقعدتِ عن إنسانِها٤٦٧
يا لَلرِّجالِ لِمُغرَقٍ متروكِ
ضلَّت كراها٤٦٨ في غياهبِ٤٦٩ حالكٍ
ضلَّ الصباحَ عليه صوتُ الديكِ
رقَّ النسيمُ على دُجاه لِأنَّتي
ورثَى لحالي في السماء أخوكِ٤٧٠
قاسَيتُه حتى انجلى بالصبح عن
سِرِّي المصونِ ومدمعي المهتوكِ
سُلَّت سيوفُ الحيِّ إلا واحدًا
إفْرِندُه٤٧١ في جفنِه يحميكِ
جرَّدتِه في غيرِ حقٍّ كالأُلى
سلُّوا سيوفَهمُ على أهليكِ
طلعَت على حَرمِ الممالكِ خيلُهم
نارًا سَنابكُها٤٧٢ على «البلجيكِ»
البأسُ والجبروتُ في أعرافِها٤٧٣
والموتُ حولَ شكيمِها٤٧٤ المعلوكِ٤٧٥
عرَّت «لياجَ» عن الحصون وجرَّدَت
«نامورَ» عن فُولاذِها المشكوكِ٤٧٦
تمشي على خطِّ الملوكِ وخَتمِهم
وعلى مَصونِ مَواثقٍ وصُكوكِ٤٧٧
والحربُ لا عقلٌ لها فتَسومُها
ما ينبغي من خُطَّةٍ وسلوكِ
دكَّت حصونَ القوم إلا مَعقِلًا
من نخوةٍ وحميَّةٍ وفُتوكِ
وإذا احتمى الأقوامُ باستقلالهم
لاذوا بركنٍ ليس بالمدكوكِ
ولقد أقول وأدمُعي مُنهلَّةٌ
«باريسُ» لم يعرفْكِ من يَغزوكِ
ما خِلتُ جنَّاتِ النعيم ولا الدُّمى٤٧٨
تُرمى بمشهودِ النهار٤٧٩ سَفوكِ
زعموكِ دارَ خلاعةٍ ومَجانةٍ
ودَعارةٍ يا إفكَ ما زعموكِ
إن كنتِ للشهواتِ رِيًّا فالعُلا
شهَواتُهنَّ مُروَّياتٌ فيكِ
تلِدِينَ أعلامَ البيانِ كأنهم
أصحابُ تيجانٍ ملوكُ أرِيكِ
فاضت على الأجيال حكمةُ شِعرِهم
وتفجَّرَت كالكوثرِ المعروكِ٤٨٠
والعلمُ في شرقِ البلادِ وغربِها
ما حجَّ طالبُه سوى ناديكِ
العصرُ أنتِ جمالُه وجلالُهُ
والركنُ من بُنيانِه المسموكِ٤٨١
أخذَت لواءَ الحقِّ عنكِ شُعوبُهُ
ومشَت حضارتُه بنورِ بَنيكِ
وخِزانةُ التاريخِ ساعةَ عَرضِها
للفخرِ خيرُ كنوزِها ماضيكِ
ومن العجائبِ أن واديك الشَّرى٤٨٢
ومَراتعَ الغزلانِ في واديكِ
يا مكتبي قبل الشباب ومَلعبي
ومَقِيلَ أيامِ الشباب النُّوكِ٤٨٣
ومراحَ لذَّاتي ومَغداها على
أُفُقٍ كجنَّاتِ النعيم ضَحوكِ
وسماءَ وَحْيِ الشِّعر من مُتدفِّقٍ
سَلِسٍ على نَولِ٤٨٤ السماء مَحوكِ٤٨٥
لمَّا احتملتُ لكِ الصنيعةَ لم أجد
غيرَ القوافي ما به أجزيكِ
إن لَم يَقُوكِ بكلِّ نفسٍ حُرَّةٍ
فاللهُ جلَّ جلاله واقيكِ

وقال في صاحبٍ أهوج كثير الحركة والكلام:

لنا صاحبٌ قد مُسَّ إلا بقيَّةً
فليس بمجنونٍ وليس بعاقلِ
له قَدَمٌ لا تستقِرُّ بموضعٍ
كما يتنزَّى٤٨٦ في الحصى غيرُ ناعلِ
إذ ما بدا في مجلسٍ ظُنَّ حافلًا
من الصَّخَبِ العالي وليس بحافلِ
ويُمطِرنا من لفظِه كلَّ جامدٍ
ويُمطِرنا من رَيلِه٤٨٧ شرَّ سائلِ
ويُلقِي على السُّمَّارِ كفًّا دِعابُها
كعَضَّةِ بَرْدٍ في نواحي المفاصلِ

وقال يشيِّع صديقه الدكتور محجوب ثابت وهو مسافر، وفيها وصف لبعض الأماكن المقدَّسة:

«محجوبُ» إن جئتَ «الحِجا
زَ» وفي جوانحِك الهوى لَهْ
شوقًا وحبًّا بالرسو
لِ وآلِه أزكى سُلالَة
فلمَحتَ نَضرةَ «بانِهِ»
وشممتَ كالرَّيحانِ «ضالَهْ»
وعلى «العتيقِ»٤٨٨ مشَيتَ تنـ
ـظرُ فيه دمعَك وانهمالهْ
ومضى السُّرى بك حيثُ كا
نَ الرُّوحُ يسري والرِّسالة
وبلغتَ «بيتًا» بالحِجا
زِ يُبارِك الباري حِيالَهْ
اللهُ فيه جلا الحرا
مَ لخلقه وجلا حلالَهْ
فهناك طِبُّ الروحِ طِـبُّ
العالَمين من الجهالة
وهناكَ أطلالُ الفصا
حةِ والبلاغةِ والنَّبالهْ
وهناك أزكى مسجدٍ
أزكى البريَّةِ قد مشى لَهْ
وهناك عُذريُّ الهوى
وحديثُ «قَيسٍ»٤٨٩ والغزالة
وهناك مُجرِي الخيل يُجـ
ـري في أعِنَّتها خيالَهْ
وهناك من جمعَ السما
حةَ والرَّجاحة والبسالة٤٩٠
وهناك خيَّمَت النُّهى
والعِلمُ قد ألقى رِحالَهْ
وهناك سرحُ حضارةٍ
اللهُ فيَّأَنا ظِلالَهْ
إنَّ الحُسينَ بنَ الحُسيـ
ـنِ أميرَ مكةَ والإيالة
قمرُ الحجيجِ إذا بدا
دارُ الحجيج عليه هالة
أنتَ العليلُ فلُذْ به
مُستشفيًا واغنَمْ نَوالَهْ
لا طِبَّ إلا جَدُّهُ
شافي العقولِ من الضلالة
قَبِّل ثراه وقُل له
عنِّي وبالِغْ في المقالة
أنا يا ابنَ أحمدَ بعدَ مَدْ
حِي في أبيك بخيرِ حالة
أنا في حِمى الهادي أبيـ
ـك أُحِبُّه وأُجِلُّ آلَهْ
شوقي إليك على النَّوى
شوقُ الضريرِ إلى الغزالة٤٩١
يا ابنَ الملوك الراشديـ
ـن الصالحين أُولي العدالة
إن كان بالمَلِك الجلا
لةُ فالنبيُّ لكم جلالة
أوَليس جدُّكم الذي
بلَغَ الوجودُ به كمالَهْ

طوكيو

(وصف نكبة اليابان الأخيرة بالزلزال الشهير.)

قِف ﺑ «طوكيو» وطُف على «يوكاهامة»
وسَلِ القريتَين كيف القيامة
دنَتِ الساعةُ التي أُنذِرَ النا
سُ وحلَّت أشراطُها٤٩٢ والعلامة
قِفْ تأمَّلْ مَصارعَ القوم وانظُرْ
هل ترى من ديارِ عادٍ دِعامة
خُسِفَت بالمساكنِ الأرضُ خسفًا
وطَوى أهلُها بِساطَ الإقامة٤٩٣
طوَّفَت بالمدينتَين المنايا
وأدارَ الردى على القومِ جامَهْ٤٩٤
لا ترى العينُ منهما أين جالت
غيرَ نِقضٍ٤٩٥ أو رِمَّةٍ أو حُطامة٤٩٦
حازَهم من مَراجلِ٤٩٧ الأرضِ قبرٌ
في مدى الظنِّ عُمقُه ألفُ قامة
تحسبُ الميْتَ في نواحيه يُعيي
نفخةَ الصُّورِ أن تلُمَّ عِظامَهْ
أصبحوا في ذَرا الحياة وأمسَوا
ذهبَت رِيحُهم وشالوا نَعامة٤٩٨
ثِق بما شئتَ من زمانكِ إلا
صحبةَ العيشِ أو جِوارَ السلامة
دولةُ الشرق وهْي في ذروةِ العزِّ
تَحارُ العيونُ فيها فخامة
خانَها الجيشُ وهْو في البَرِّ دِرعٌ
والأساطيلُ وهْي في البحر لامة٤٩٩
لو تأمَّلتَها عشيَّةَ جاشت
خِلتَها في يدِ القضاءِ حمامة
رجَّها رجَّةً أكبَّت على قَرْ
نَيهِ «بوذا» وزلزلَت أقدامَهْ
استعَذْنا بالله من ذلك السَّيـ
ـلِ الذي يكسحُ البلادَ أمامَهْ
مَن رأى جلمدًا يهبُّ هُبوبًا
وحميمًا٥٠٠ يسحُّ سحَّ الغمامة
ودخانًا يلفُّ جُنْحًا بجُنحٍ٥٠١
لا ترى فيه مِعصمَيها اليمامة٥٠٢
وهزيمًا كما عوى الذئبُ في كلِّ
مكانٍ وزَمجرَ الضِّرغامة

•••

أتَتِ الأرضُ والسماءُ بِطُوفا
نٍ يُنسِّي طوفانَ نوحٍ وعامَهْ
فترى البحرَ جُنَّ حتى أجاز٥٠٣ الـ
ـبَرَّ واحتلَّ مَوجُه أعلامَهْ
مُزبِدًا ثائرَ اللُّجاجِ كجيشٍ
قوَّضَ العاصفُ الهَبوبُ خِيامَهْ
فُلْكُ نوحٍ تعوذُ منه بنوحٍ
لو رأته وتستجيرُ زِمامَهْ
قد تخيَّلتُهم مَتابيلَ سِحرٍ
من قِراعِ القضاءِ صَرعى مُدامة
وتخيَّلتُ من تخلَّفَ منهم
ظنَّ ليلَ القيامِ ذاك فنامَهْ
أبراكينُ تلكَ أم نَزَواتٌ٥٠٤
من جِراحٍ قديمةٍ مُلتامة
تجدُ الأرضُ راحةً حيثُ سالت
راحةُ الجسمِ من وراءِ الحِجامة٥٠٥
ما لها لا تَضِجُّ ممَّا أقلَّت
من فساد وحُمِّلَت من ظُلامة
كُلَّما لُبِّسَت بأهلِ زمانٍ
شهدَت من زمانهم آثامَهْ
استوَوا بالأذى ضِرِيًّا وبالشرِّ
وُلوعًا وبالدماءِ نَهامة
لبَّسَت هذه الحياةُ علينا
عالَمَ الشرِّ وحْشَه وأنامَهْ
ذاك من مُؤنِساتِه الظُّفْرُ والنَّا
بُ وهذا سلاحُه الصَّمْصامة
سَرَّهُ من أسامةَ البطشُ والفتـ
ـكُ فسمَّى وليدَه بأسامة٥٠٦
لؤمَت منهما الطباعُ ولكن
ولدُ العاصيَينِ شرٌّ لآمة٥٠٧

طابَعُ البريد

(العيد الفضي – ١٠ سبتمبر سنة ١٩٠٠م – لطابع البوستة في جنيف – سلام على لسان البريد.)

أنا من خمسةٍ وعشرين عاما
لم أُرِح في رِضاكمُ الأقداما
أركبُ البحرَ تارةً وأجوبُ الـ
ـبَرَّ طَورًا وأقطعُ الأيَّاما
ويُوافِي النفوسَ منِّي رسولٌ
لم يكن خائنًا ولا نمَّاما
يحملُ الغِشَّ والنصيحةَ والبَّغـ
ـضاءَ والحُبَّ والرضا والمَلاما
ويَعِي ما تُسِرُّه من كلامٍ
ويُؤدِّي كما وعاهُ الكلاما
ولقد أُضحِكُ العَبوسَ بيومٍ
فيه أُبكي المُنعَّمَ البسَّاما
وأُهنِّي على النوى وأُعزِّي
وأُفيدُ الحِرمانَ والإنعاما
وجزائي عن خدمتي ووفائي
ثمنٌ لا يُكلِّف الأقواما
رُبَّ عبدٍ قد اشتراني بمالٍ
وغُلامٍ قد ساقَ منِّي غُلاما
عرفَ القومُ في «جنيفا» مَحلِّي
وجزَوني عن خدمتي إكراما
جامَلوني إذ تمَّ لي رُبعُ قرنٍ
مِثلَما جامَلوا الملوكَ العِظاما
ويوبيلُ الملوكِ يلبثُ يومًا
ويوبيلي يدومُ في الناس عاما

الطيارون الفرنسيون

قُم «سليمانُ» بِساطُ الريح قاما
مَلَكَ القومُ من الجوِّ الزِّماما
حينَ ضاقَ البَرُّ والبحرُ بهم
أسرَجوا الريحَ وسامُوها اللِّجاما٥٠٨
صارَ ما كان لكم مُعجزةً
آيةً للعلم آتاها الأناما
قدرةٌ كنتَ بها مُنفرِدًا
أصبحَت حصةَ من جَدَّ اعتزاما
«عينُ شمسٍ» قام فيها مارِدٌ
من عفاريتِكَ يُدعى «شاتهاما»
يملأ الجوَّ عزيفًا كُلَّما
ضرب الريحَ بسَوطٍ والغَماما
مَلِكُ الجوِّ تَلِيه عُصبةٌ
جمعَت شهمًا وندبًا وهُماما٥٠٩
استوَوا فوقَ «مناطيدِهمُ»
ما يُبالونَ حياةً أم حِماما
وقبورًا في السمواتِ العُلا
نزَلوا أم حُفَراتٍ ورَغاما٥١٠
مُطمئنِّين نفوسًا كُلَّما
عبَسَت كارثةٌ زادوا ابتساما
صهوةَ العزِّ اعتلَوا تحسبهم
جمْعَ أملاكٍ على الخيل تَسامى
رفعوا «لَولبَها» فاندفعَت
هل رأيتَ الطيرَ قد زَفَّ وحاما٥١١
شالَ٥١٢ بالأذناب كلٌّ ورَمى
بجَناحَيه كما رُعْتَ النَّعاما
ذهبَت تسمُو فكانت أعقُبًا٥١٣
فنُسورًا فصُقورًا فحَماما
تَنبري في زُرَقِ الأُفْقِ كما
سبحَ الحُوتُ بدأماءٍ وعاما٥١٤
بعضُها في طلبِ البعضِ كما
طارَدَ «النَّسرُ» على الجوِّ القُطاما٥١٥
ويراها عالَمٌ في زُحَلٍ٥١٦
أرسلَت من جانبِ الأرضِ سِهاما
أو نجومًا ذاتَ أذنابٍ بدَت
تُنذِرُ الناسَ نُشورًا وقِياما٥١٧
أتَرى القوَّة في جُؤجُئِهِ٥١٨
وهْو بالجؤجؤ ماضٍ يَترامى
أم تراها في الخوافي٥١٩ خفِيَت
أم مَقرَّ الحَولِ٥٢٠ في بعضِ القُدامى٥٢١
أم ذُناباه إذا حرَّكه
يَزِنُ الجسمَ هُبوطًا وقِياما
أم بعينَيه إذا ما جالتا
تكشفانِ الجوَّ غيثًا أم جَهاما٥٢٢
أم بأظفارٍ إذا شبَّكها
نفَذَت في الريح دفعًا واستلاما
أم أمَدَّته برُوحٍ أُمُّهُ
يومَ ألقَته وما جاز الفِطاما
فتلقَّاه أبٌ كم من أبٍ
دونَه في الناس بالوُلْدِ اهتماما
فلكيٌّ هو إلا أنه
لم ينَل فَهمًا ولم يُعطَ الكلاما
طِلبةٌ قد رامَها آباؤنا
وابتغاها من رأى الدهرَ غُلاما
أسقطَت «إيكارَ» في تجرِبةٍ
و«ابنَ فِرناسٍ» فما اسْطاعا قِياما
في سبيلِ المَجدِ أوْدَى نفرٌ
شهداءُ العلمِ أعلاهُم مَقاما
خلفاءُ الرُّسْلِ في الأرض همُ
يبعثُ اللهُ بهم عامًا فعاما
قطرةٌ من دمِهم في مُلْكه
تملأ المُلكَ جمالًا ونظاما

•••

رَبِّ إن كانت لخيرٍ جُعِلَت
فاجعلِ الخيرَ بِناديها لِزاما
وإنِ اعتزَّ بها الشرُّ غدًا
فتعالَت تُمطِرُ الموتَ الزُّؤاما
فاملأِ الجوَّ عليها رُجُمًا
رحمةً منكَ وعدلًا وانتقاما

•••

يا «فرنسا» لا عدِمْنا مِنَنًا
لكِ عند العلمِ والفنِّ جُساما
لطفَ اللهُ ﺑ «باريسَ» ولا
لقِيَت إلا نعيمًا وسلاما
روَّعَت قلبي خُطوبٌ روَّعَت
سامِرَ الأحياءِ فيها والنِّياما
أنا لا أدعو على «سِينٍ» طَغى
إنَّ ﻟ «السِّينِ» وإن جارَ ذِماما
لستُ بالناسي عليه عِيشةً
كانت الشُّهْدَ وأحبابًا كراما
اجعلوها رُسْلَكم أهلَ الهوى
تحملُ الأشواقَ عنكم والغراما
واستعيروها جَناحًا طالما
شغفَ الصَّبَّ وشاقَ المُستهاما
يحملُ المُضنى إلى أرض الهوى
«يَمَنًا» حلَّ هواه أم «شآما»

•••

أركبُ الليثَ ولا أركبُها
وأرى ليثَ الشَّرى أوْفَى ذِماما
غدَرَت «جيرونَ» لم تَحفِلْ به
وبما حاوَلَ من فوزٍ وراما
وقعَت ناحيةً فاحترقَت
مِثلَ قرصِ الشمس بالأفْقِ اضطراما
راضَها باليُمنِ من طَلعتِهِ
خيرُ مَن حجَّ ومن صلَّى وصاما
كخليلِ الله في حَضرتِهِ
خرَّتِ النارُ خُشوعًا واحتراما

•••

ما ﻟ «روحي» صاعدًا ما ينتهي
أتُراه آثَرَ الجوَّ فَراما
كُلَّما دارَ به دورتَهُ
أبدَتِ الريحُ امتثالًا وارتساما
أنا لو نِلتُ الذي قد ناله
ما هبَطتُ الأرضَ أرضاها مُقاما
هل ترى في الأرضِ إلا حَسَدًا
ورياءً ونِزاعًا وخِصاما

•••

مُلْكُ هذا الجوِّ في مَنْعتِهِ
طالما للنجمِ والطيرِ استقاما
حَسَدَ الإنسانُ سِربَيه٥٢٣ بما
أُوتِيا في ذروةِ العزِّ اعتصاما
دخلَ العُشَّ على «أنسُرِهِ»
أتُرى يغشى من النجم السَّناما٥٢٤
أيُّها الشرق انتبِهْ من غفلةٍ
ماتَ من في طُرُقاتِ السَّيل ناما
لا تقولَنَّ عِظاميُّ أنا
في زمانٍ كان للناسِ عِصاما
شاقَتِ العلياءُ فيه خَلَفًا
ليس يألُوها طِلابًا واغتناما
كلَّ حينٍ منهمُ نابغةٌ
يفضُلُ البدرَ بَهاءً وتماما

•••

خالِقَ العُصفورِ حيَّرتَ به
أُمَمًا بادوا وما نالوا المَراما
أفنَوُا النقدَينِ في تقليدِهِ
وهْو كالدِّرهمِ ريشًا وعِظاما

وصْفُ مَرقص

وقال يصف «البال» الخديو الذي أُقيمَ سنة ١٩٠٣م بسراي عابدين:

طالَ عليها القِدَمْ
فهْي وجودٌ عَدَمْ
قد وُئِدَت في الصِّبا٥٢٥
وانبعثَت في الهَرَم
بالَغَ فِرعونُ في
كَرْمتِها من كَرَم
أهرَقَ عُنقودَها
تَقدِمةً للصنم
خبَّأها كاهِنٌ
ناحيةً في «الهَرَم»
اكتُشِفَت فامَّحَت٥٢٦
غيرَ شَذًا٥٢٧ أو ضَرَم٥٢٨
أو كخيالٍ لها
بعدَ مَتابٍ ألَم٥٢٩
نَمَّ بها دَنُّها
وهْي عليه أَنَم
بي رَشَأٌ ناعمٌ٥٣٠
ما عرف العمرَ هَم
أخرجها اللهُ كالزَّ
هرة والحُسْنُ كِم٥٣١
تخطرُ عن عادلٍ
لم يُرَ إلا ظَلَم
تَبسِمُ عن لؤلؤٍ
قدَّره مَن قَسَم
كرَّمه في النَّوى
هذَّبه في اليَتَم٥٣٢
مُضطهَدٌ خَصرُها
جانبُه مُهتضَم
طاوَعَ من صدرِها
أيَّ قويٍّ حَكَم
حمَّله ثِقلَهُ
ثُم عليه ادَّعَم٥٣٣
تسأل أترابَها
مُومِئةً بالعَنَم٥٣٤
أيُّ فتًى ذلِكُنَّ
العربيُّ العَلَم
يشربها ساهرًا
ليلتَه لم يَنَم
قُلْنَ تجاهَلتِهِ
ذلك ربُّ القلم
شاعرُ مصرَ الذي
لو خفِيَ النجمُ لَم
قُلتُ لها ليتَ لم
نُرْمَ ولم نُتَّهَم
عاذِلَتي في الطِّلى٥٣٥
لو أنصفَت لم أُلَم
إن عبَسَ العيشُ لي
عُذْتُ بها فابتسَم
يشربُها كابرٌ٥٣٦
بين ضلوعي أشَم
يبذلُ إلا النُّهى
يَهتِك إلا الحُرَم
يُكسِبُها خُلْقَهُ
يَمزجُها بالشِّيَم
يَمنعُها حِلمَهُ
إن دفعَته احتشَم
تلك شموسُ الدُّجى
أم ظَبَياتُ الخِيَم
تُقبِلُ في موكبٍ
شَقَّ سناه الظُّلَم
خِلتُ بأنواره
قرنَ ذُكاءٍ نَجَم٥٣٧
مَقصِدُها سُدَّةٌ
آلَ إليها العِظَم
حيث كبارُ المَلا
بعضُ صغارِ الخَدَم
قد وقفوا للمَها
فانسربَت٥٣٨ من أَمَم٥٣٩
تخطِرُ من جمعِهم
بينَ ليوثٍ بُهَم٥٤٠
خارجةً من شَرًى
داخلةً في أَجَم
ناعمةً لم تُرَع
لاهيةً لم تَجِم
انتثرت لؤلؤًا
في المُهَجاتِ انتظَم
تَمرحُ في مَأمنٍ
مِثلَ حَمامِ الحَرَم
مُؤتلِفٌ سِربُها
حيث تَلاقى الْتأم
مُندفِعاتٌ على
مُختلِفاتِ النَّغَم
بينَ يدٍ في يدٍ
أو قَدَمٍ في قَدَم
تذهبُ مشْيَ القطا
ترجع كَرَّ النَّسَم
تبعثُ أنَّى بدَت
ضوءَ جبينٍ وفَم
تُعجِل خطوًا تَنِي٥٤١
فاتنةً بالرَّسَم٥٤٢
تجمعُ من ذيلِها
تتركه لم يُلَم
ترفُل في مُخمَلٍ
نَمَّ ولمَّا يَنِم
تَتبَعُ إلا الهوى
تَقرَبُ إلا التُّهَم
فاجتمعَت فالتقَت
حولَ خِوانٍ نُظِم
مُنتهَبٍ كُلَّما
ظُنَّ به النقصُ تَم
مائدةٌ مَدَّها
بحرُ نوالٍ خِضَم
تحسَبُها صُوِّرَت
من شهواتِ النَّهَم
لم تَرَ في «بابلٍ»
ما عُهِدَت في «إرَم»
«حاتِمُ» لو شامَها
أقلعَ عمَّا زَعَم
«مَعْنُ» لو انتابها
أدركَ معنى الكرَم
أشبَهُ بالبحر لا
يُحرِجُها مُزدحَم
قام لديها المَلا
يبلغ ألفَين ثَم
مُقترِحًا ما اشتهى
مُلتقيًا ما رَسَم
لو طلَبَ الطيرَ من
أيكتِه ما احترَم٥٤٣
يا مَلِكًا لم تضِق
ساحتُه بالأُمَم
تجمعُ أشرافَها
من عَرَبٍ أو عَجَم
تُخطِر مَن أَمَّها
بينَ صنوفِ النِّعَم
سادةُ أفريقيا
لُجَّتِها والأكَم
أنت رشيدُ العُلا
في الملأينِ احتكِم٥٤٤
ليلتُكم قدرُها
فوقَ غوالي القِيَم
مُشرِقةٌ مِثلُها
في زمنٍ لم يَقُم
لا برح الصفوُ في
ظِلِّكمُ يُغتنَم
ما شرِبوها وما
طالَ عليها القِدَم

توت عنخ آمون وحضارة عصره

درَجَت على الكنزِ القُرونْ
وأتَت على الدَّنِّ السِّنونْ٥٤٥
خيرُ السيوفِ مضى الزما
نُ عليه في خيرِ الجفونْ٥٤٦
في منزلٍ كمُحجَّبِ الـ
ـغيبِ استسرَّ عن الظنونْ٥٤٧
حتى أتى العلمُ الجسو
رُ ففضَّ خاتَمَه المَصونْ
والعلمُ «بَدريٌّ»٥٤٨ أُحِلَّ
لأهله ما يصنعونْ
هتَكَ الحِجالَ٥٤٩ على الحضا
رةِ والخُدورَ على الفنونْ
واندسَّ كالمِصباح في
حُفَرٍ من الأجداثِ جُونْ٥٥٠
حُجَرٌ مُمرَّدةُ٥٥١ المَعا
قلِ في الثَّرى شُمُّ الحُصونْ
لا تهتدي الريحُ الهَبو
بُ لها ولا الغيثُ الهَتونْ
خانت أمانةَ جارِها
والقبرُ كالدنيا يَخونْ

•••

يا ابنَ الثواقبِ من «رَعٍ»
وابنَ الزواهرِ من «أمُونْ»٥٥٢
نَسَبٌ عريقٌ في الضُّحى
بذَّ القبائلَ والبُطونْ
أرأيتَ كيف يئوب من
غَمرِ القضاءِ المُغرَقونْ
وتَدولُ آثارُ القُرو
نِ على رحَى الزمنِ الطَّحونْ
حُبُّ الخلودِ بنى لكم
خُلُقًا به تتفرَّدونْ
لم يأخذِ المتقدِّمو
ن به ولا المتأخِّرونْ
حتى تسابَقتُم إلى الـ
إحسان فيما تعملونْ
لم تَتركوه في الجليـ
ـلِ ولا الحقيرِ من الشئونْ
هذا القيامُ فقُل لنا الـ
ـيومُ الأخيرُ متى يكونْ
البعثُ غايةُ زائلٍ
فانٍ وأنتم خالدونْ
السَّبقُ من عاداتِكم
أتُرى القيامةَ تسبقونْ
أنتم أساطينُ الحضا
رةِ والبُناةُ المُحسِنونْ
المُتقِنون وإنما
يُجزى الخلودَ المتقنونْ

•••

أنَزلتَ حُفرةَ هالكٍ
أم حجرةَ الملكِ المَكينْ
أم في مكانٍ بينَ ذ
لكَ يُدهِشُ المتأمِّلينْ
هو من قبورِ المُتلَفيـ
ـن ومن قصورِ المُترَفينْ
لم يبقَ غالٍ في الحضا
رةِ لم يحُزه ولا ثَمينْ
ميْتٌ تُحيطُ به الحيا
ةُ زمانُه معه دَفينْ
وذخائرٌ من أعصُرٍ
ولَّت ومن دُنيا ودينْ
حملَت على العَجَبِ الزما
نَ وأهلَه المُستكبِرينْ
فتلفَّتَت «باريسُ» تَحـ
ـسبُ أنها صنعُ البنينْ

•••

ذهبٌ ببطنِ الأرضِ لم
تذهبْ بلَمحتِه القُرونْ
استحدثَت لك جندلًا
وصفائحًا منه القُيونْ٥٥٣
ونَواوسًا٥٥٤ وهَّاجةً
لم يتَّخذْها الهامدونْ
لو يفطنُ الموتى لها
سرَحوا الأناملَ ينبشونْ
وتنازعوا الذهبَ الذي
كانوا له يتفاتَنونْ

•••

أكفانُ وشْيٍ فُصِّلَت
برقائقِ الذهبِ الفَتينْ٥٥٥
قد لفَّها لَفَّ الضِّما
دِ مُحنِّطٌ آسٍ رَزينْ
وكأنهنَّ كمائمٌ
وكأنك الوردُ الجَنينْ
وبكلِّ رُكنٍ صورةٌ
وبكلِّ زاويةٍ رَقينْ٥٥٦
وترى الدُّمى فتخالُها انْـ
ـتثرَت على جنَباتِ زُونْ٥٥٧
صُوَرٌ تُرِيكَ تحرُّكًا
والأصلُ في الصُّورِ السُّكونْ
ويمرُّ رائعُ صمتِها
بالحِسِّ كالنُّطقِ المُبينْ
صحِبَ الزمانَ دِهانُها
حينًا عهيدًا بعدَ حينْ٥٥٨
غضٌّ على طولِ البِلى
حيٌّ على طولِ المَنونْ
خدَعَ العيونَ ولم يزَل
حتى تحدَّى اللامسينْ
غِلمانُ قصرِك في الرِّكا
بِ يُناوِلونَ ويَطرَدونْ٥٥٩
والبُوقُ يهتفُ والسِّها
مُ ترنُّ والقوسُ الحَنونْ
وكلابُ صيدِكَ لُهَّثٌ
والخيلُ جُنَّ لها جُنونْ
والوحشُ تنفرُ في السُّهو
لِ وتارةً تثبُ الحُزونْ
والطيرُ ترسُفُ في الجِرا
حِ وفي مَناقرِها أنينْ
وكأنَّ آباءَ البريَّـ
ـةِ في المدائنِ مُحضَرونْ
وكأنَّ دُولةَ «آلِ شمـ
ـسٍ» عن شِمالِك واليَمينْ٥٦٠

•••

ملِكَ الملوكِ تحيَّةً
ووَلاءَ مُحتفِظٍ أمينْ
هذا المقامُ عرفتُهُ
وسبقتُ فيه القائلينْ
ووقفتُ في آثارِكم
أزِنُ الجلالَ وأستبينْ
وبنَيتُ في العشرينَ من
أحجارِها شِعري الرصينْ
سالت عيونُ قصائدي
وجرى من الحجَرِ المَعينْ
أقْعَدتُ جِيلًا للهوى
وأقَمتُ جِيلًا آخرينْ
كنتم خيالَ المَجدِ يُر
فَعُ للشبابِ الطامحينْ
وكَمِ استعرتُ جلالَكم
لمحمدٍ والمالكينْ٥٦١
تاجٌ تنقَّلَ في الخيا
لِ فما استقرَّ على جَبينْ
خرَزاتُه السيفُ الصقيـ
ـلُ يشدُّه الرمحُ السَّنينْ

•••

قُل لي أحينَ بدا الثَّرى
لك هل جزعتَ على العَرينْ
آنَستَ مُلكًا ليس بالشَّـ
ـا كي السلاحِ ولا الحَصينْ
البَرُّ مغلوبُ القنا
والبحرُ مسلوبُ السفينْ
لمَّا نظرتَ إلى الديا
رِ صدَفتَ بالقلبِ الحزينْ٥٦٢
لم تلقَ حولكَ غيرَ «كَر
تَرَ» والنِّطاسيِّ المُعينْ
أقبلتَ من حُجُبِ الجلا
لِ على قَبيلٍ مُعرِضينْ
تاجُ الحضارةِ حين أشـ
ـرقَ لم يجِدْهم حافلينْ
واللهُ يعلَمُ لم يرَو
هُ من قرونٍ أربعينْ

•••

قسَمًا بمَن يُحيِي العظا
مَ ولا أزيدُكَ من يَمينْ
لو كان من سفرٍ إيا
بُكَ أمسِ أو فتحٍ مُبينْ
أو كان بعثُك من دبيـ
ـبِ الرُّوحِ أو نبضِ الوَتينْ
وطلعتَ من وادي الملو
كِ عليك غارُ الفاتحينْ
الخيلُ حولَك في الجِلا
لِ العسجديةِ يَنثنينْ٥٦٣
وعلى نِجادِك هالتا
نِ من القنا والدارعينْ
والجندُ يدفعُ في رِكا
بِك بالملوكِ مُصفَّدينْ
لرأيتَ جِيلًا غيرَ جيـ
ـلِك بالجبابرِ لا يَدينْ
ورأيتَ محكومين قد
نصبوا وردُّوا الحاكمينْ
رُوحُ الزمانِ ونظمُهُ
وسبيلُه في الآخرينْ
إن الزمانَ وأهلَهُ
فرَغا من الفردِ اللعينْ
فإذا رأيتَ مشايخًا
أو فِتيةً لك ساجدينْ
لاقِ الزمانَ تجِدْهمُ
عن رَكبِه مُتخلِّفينْ
هم في الأواخرِ مَولدًا
وعقولُهم في الأولينْ

دمشق

قُم ناجِ جِلَّقَ٥٦٤ وانشُدْ رسمَ من بانوا
مشَت على الرَّسمِ أحداثٌ وأزمانُ
هذا الأديمُ٥٦٥ كِتابٌ لا كِفاءَ له
رثُّ الصحائفِ باقٍ منه عُنوانُ
الدِّينُ والوحيُ والأخلاقُ طائفةٌ
منه وسائرُه دنيا وبُهتانُ
ما فيه إن قُلِّبَت يومًا جواهرُهُ
إلا قرائحُ من رادٍ وأذهانُ٥٦٦
بنو أُميةَ للأنباءِ ما فتحوا
وللأحاديثِ ما سادوا وما دانوا٥٦٧
كانوا ملوكًا سَريرُ الشرقِ تحتهمُ
فهل سألتَ سريرَ الغرب ما كانوا
عالِينَ كالشمسِ في أطرافِ دولتِها
في كلِّ ناحيةٍ مُلكٌ وسلطانُ
يا ويْحَ قلبيَ مهما انتاب أرسُمَهم
سَرى به الهمُّ أو عادَته أشجانُ
بالأمس قمتُ على «الزهراءِ»٥٦٨ أندُبُهم
واليومَ دمعي على «الفيحاءِ» هتَّانُ٥٦٩
في الأرضِ منهم سمواتٌ وألويةٌ
ونيِّراتٌ وأنواءٌ وعِقبانُ
معادنُ العزِّ قد مال الرَّغام٥٧٠ بهم
لو هانَ في تُربِه الإبريزُ ما هانوا
لولا دمشقُ لَمَا كانت «طُليطلةٌ»
ولا زهَت ببني العباسِ بَغدانُ٥٧١
مرَرتُ بالمسجدِ المحزونِ أسأله
هل في المُصلَّى أو المِحرابِ «مَرْوانُ»
تغيَّرَ المسجدُ المحزونُ واختلفَت
على المنابرِ أحرارٌ وعُبدانُ
فلا الأذانُ أذانٌ في منارته
إذا تعالى ولا الآذانُ آذانُ

•••

آمنتُ بالله واستثنيتُ جَنَّته
دمشقُ رَوحٌ وجنَّاتٌ ورَيحانُ
قال الرفاقُ وقد هبَّت خمائلُها
الأرضُ دارٌ لها «الفيحاءُ» بستانُ
جرى وصفَّقَ يلقانا بها «بَرَدَى»٥٧٢
كما تلقَّاك دونَ الخُلْدِ رضوانُ
دخلتُها وحواشيها زُمرُّدةٌ
والشمسُ فوقَ لُجَينِ الماءِ عِقْيانُ٥٧٣
والحورُ في «دُمَّرٍ»٥٧٤ أو حولَ «هامَتِها»
حورٌ٥٧٥ كواشفُ عن ساقٍ ووِلْدانِ
و«رَبوةُ» الوادِ في جِلبابِ راقصةٍ
الساقُ كاسيةٌ والنحرُ عُريانُ
والطيرُ تَصدحُ من خلفِ العيونِ بها
وللعيونِ كما للطير ألحانُ
وأقبلتْ بالنباتِ الأرضُ مُختِلفًا
أفوافُه فهْو أصباغٌ وألوانُ٥٧٦
وقد صفَا «بَرَدَى» للريح فابتردَت٥٧٧
لدى ستورٍ حواشيهنَّ أفنانُ
ثم انثنَت لم يزُل عنها البلال٥٧٨ ولا
جفَّت من الماءِ أذيالٌ وأردانُ٥٧٩
خلَّفتُ «لُبنانَ» جنَّاتِ النعيم وما
نُبِّئتُ أن طريقَ الخُلدِ لُبنانُ
حتى انحدرتُ إلى فيحاءَ وارفةٍ
فيها الندى وبها «طيٌّ» «وشَيبانُ»٥٨٠
نزلتُ فيها بفِتيانٍ جَحاجِحةٍ٥٨١
آباؤهم في شبابِ الدهرِ غسَّانُ٥٨٢
بِيضُ الأسِرَّةِ٥٨٣ باقٍ فيهمُ صَيَدٌ٥٨٤
من «عبدِ شمسٍ»٥٨٥ وإن لم تبقَ تِيجانُ
يا فِتيةَ الشام شكرًا لا انقضاءَ له
لو أن إحسانَكم يجزيه شُكرانُ
ما فوقَ راحاتِكم يومَ السماحِ يدٌ
ولا كأوطانِكم في البشر أوطانُ
خميلةُ اللهِ وشَّتها يداهُ لكم
فهل لها قيِّمٌ منكم وجنَّانُ٥٨٦
شِيدُوا لها المُلكَ وابنُوا ركنَ دولتِها
فالملكُ غرسٌ وتجديدٌ وبنيانُ
لو يُرجِعُ الدهرُ مفقودًا له خطرٌ
لآبَ بالواحدِ المَبكيِّ ثَكلانُ
المُلكٌ أن تعملوا ما اسْطَعتُمُ عملًا
وأن يَبِينَ على الأعمالِ إتقانُ
الملكُ أن تُخرَجَ الأموالُ ناشطةً
لمَطلبٍ فيه إصلاحٌ وعُمرانُ
الملكُ تحتَ لسانٍ حوله أدبٌ
وتحتَ عقلٍ على جنبَيه عِرفانُ
الملكُ أن تتلاقَوا في هوى وطنٍ
تفرَّقَت فيه أجناسٌ وأديانُ

•••

نصيحةٌ مِلؤها الإخلاصُ صادقةٌ
والنُّصحُ خالِصُه دينٌ وإيمانُ
والشِّعرُ ما لم يكن ذكرى وعاطفةً
أو حكمةً فهو تقطيع وأوزانُ
ونحن في الشرق والفُصحى بنو رَحِمٍ
ونحن في الجُرحِ والآلام إخوانُ

أخت أمينة

وقال وقد رأى في الفُلك وهي ترجع به إلى مصر طفلةً فيها من كريمته أمينة مشابهة:

هذه نورُ السفينة
هذه شِبهُ «أمينة»
هذه صورتُها مُنْـ
ـبِئةٌ عنها مُبِينة
هذه لؤلؤةٌ عنـ
ـدي لها مِثلٌ ثمينة
من بناتِ الرومِ لكن
لم تكن عندي مَهينة
أنا من يترك للديَّـ
ـانِ في الدنيا شُئونَهْ
يا مَلاكَ الفُلكِ لي صِنْـ
ـوُكِ في تلك المدينة٥٨٧
أنتِ في الفُلك بَهاءٌ
وهْوَ في «حُلوانَ» زِينة
ناجِهِ واذكرْ له وجْـ
ـدَ أبيه وحَنينَهْ
وأَفِدْهُ إنني في الـ
ـبحرِ مذْ دُسْتُ عَرينَهْ
لستُ بالنفس ضنينًا
وبه نفسي ضنينة
أسأل الرحمنَ يُرعِيـ
ـكَ وإيَّاه عُيونَهْ

أندلسية

(نظمها في منفاه بإسبانيا، وفيها يحنُّ للوطن العزيز، ويصف كثيرًا من مشاهده ومعاهده.)

يا نائحَ «الطَّلحِ»٥٨٨ أشباهٌ عوادينا٥٨٩
نَشجى لِواديكَ أم نَأسى لِوادينا
ماذا تقُصُّ علينا غيرَ أنَّ يدًا
قصَّت جَناحَك جالت في حواشينا
رمى بنا البَينُ أيكًا غيرَ سامرِنا
أخا الغريب وظِلًّا غيرَ نادينا
كلٌّ رمَته النَّوى رِيشَ٥٩٠ الفِراقُ لنا
سهمًا وسُلَّ عليكَ البَينُ سِكِّينا
إذا دعا الشوقُ لم نبرحْ بمُنصدِعٍ
من الجَناحَين عيٍّ لا يُلبِّينا
فإن يكُ الجنسُ يا ابنَ الطَّلحِ فرَّقنا
إنَّ المصائبَ يجمعنَ المُصابينا
لم تألُ ماءك تَحنانًا ولا ظمأً
ولا ادِّكارًا٥٩١ ولا شجوًا أفانينا٥٩٢
تجرُّ من فنَنٍ٥٩٣ ساقًا إلى فنَنٍ
وتسحبُ الذيلَ ترتادُ المؤاسينا
أُساةُ٥٩٤ جسمِكَ شتَّى حين تطلبهم
فمَن لروحك بالنُّطْسِ٥٩٥ المُداوينا

•••

آها لنا نازحَي أيكٍ٥٩٦ بأندلسٍ
وإن حلَلْنا رفيفًا٥٩٧ من رَوابينا
رسْمٌ وقَفْنا على رسمِ الوفاء له
نَجيشُ بالدمعِ والإجلالُ يَثنينا
لفِتيةٍ لا تنالُ الأرضُ أدمُعَهم
ولا مَفارقَهم إلا مُصلِّينا٥٩٨
لو لم يسُودوا بدينٍ فيه مَنبهةٌ٥٩٩
للناس كانت لهم أخلاقُهم دينا
لم نسرِ من حرَمٍ إلا إلى حرَمٍ
كالخمر من «بابلٍ» سارت «لِدارينا»٦٠٠
لمَّا نبا الخُلدُ نابت عنه نُسختُهُ
تَماثُلَ الوردِ «خِيريَّا» و«نسرينا»٦٠١
نسقي ثراهم ثَناءً كلما نُثِرَت
دموعُنا نُظِمَت منها مَراثينا
كادت عيونُ قوافينا تُحرِّكه
وكِدنَ يُوقِظنَ في التُّربِ السلاطينا
لكنَّ مصرَ وإن أغضَت على مِقَةٍ٦٠٢
عَينٌ من الخُلدِ بالكافور تَسقينا
على جوانبِها رفَّت تَمائمُنا
وحولَ حافاتِها قامت رَواقينا٦٠٣
مَلاعبٌ مرِحَت فيها مآربُنا
وأربُعٌ أنِسَت فيها أمانينا
ومَطلَعٌ لِسُعودٍ من أواخرِنا
ومَغرِبٌ لِجُدودٍ من أوالينا٦٠٤
بِنَّا فلم نخلُ من رَوحٍ٦٠٥ يُراوِحنا
من بَرِّ مصرَ ورَيحانٍ يُغادينا
كأُمِّ موسى على اسمِ الله تكفُلُنا
وبِاسمِه ذهبَت في اليمِّ تُلقِينا٦٠٦
ومصرُ كالكَرْمِ ذي الإحسان فاكهةٌ
لحاضرينَ وأكوابٌ لِبادينا

•••

يا ساريَ البرقِ يرمي عن جوانحِنا
بعدَ الهدوءِ ويهمي عن مآقينا
لمَّا تَرقرقَ في دمعِ السماء دمًا
هاجَ البُّكا فخضَبْنا الأرضَ باكينا
الليلُ يشهد لم نَهتِكْ دياجيَهُ
على نيامٍ ولم نهتِفْ بِسَالينا
والنجمُ لم يرَنا إلا على قدمٍ
قيامَ ليل الهوى للعهدِ راعينا
كزَفرةٍ في سماءِ الليل حائرةٍ
ممَّا نُردِّدُ فيه حينَ يُضوِينا
بالله إن جُبْتَ ظلماءَ العُبابِ على
نَجائبِ النُّورِ مَحدوًّا ﺑ «جرينا»
تردُّ عنك يداه كلَّ عاديةٍ
إنسًا يَعِثنَ فسادًا أو شياطينا
حتى حوَتكَ سماءُ النيلِ عاليةً
على الغيوثِ وإن كانت ميامينا
وأحرزَتكَ شُفوفُ اللازَوَردِ على
وشْيِ الزَّبَرجدِ من أفوافِ وادينا٦٠٧
وحازكَ الريفُ أرجاءً مُؤرَّجةً
ربَت خمائلَ واهتزَّت بساتينا
فقِفْ إلى النيل واهتِف في خمائلِهِ
وانزِل كما نزل الطلُّ الرياحينا
وآسِ ما بات يَذوي من منازلنا
بالحادثات ويَضوى من مَغانينا

•••

ويا مُعطَّرةَ الوادي سرَت سَحرًا
فطابَ كلُّ طَروحٍ من مَرامينا
ذكيةَ الذَّيل لو خِلْنا غِلالتَها
قميصَ يوسفَ لم نُحسَبْ مُغالينا
جشِمتَ شَوكَ السُّرى حتى أتَيتِ لنا
بالوَردِ كُتْبًا وبالرَّيَّا عناوينا
فلو جزَيناكِ بالأرواح غاليةً
عن طِيبِ مَسراك لم تنهضْ جَوازينا
هل من ذيولِكِ مِسكيٌّ نُحمِّله
غرائبَ الشوق وشْيًا من أمالينا
إلى الذين وجَدْنا ودَّ غيرِهمُ
دنيا وودَّهمُ الصافي هو الدينا

•••

يا من نَغارُ عليهم من ضمائرنا
ومن مَصونِ هواهم في تناجينا
نابَ الحنينُ إليكم في خواطرنا
عن الدَّلالِ عليكم في أمانينا
جئنا إلى الصبرِ ندعوه كعادتِنا
في النائبات فلم يأخذ بأيدينا
وما غُلِبْنا على دمعٍ ولا جَلَدٍ
حتى أتَتْنا نَواكم من صياصينا٦٠٨
ونابغيٍّ٦٠٩ كأنَّ الحشرَ آخرُهُ
تُميتُنا فيه ذكراكم وتُحيِينا
نطوي دُجاه بجُرحٍ من فِراقِكمُ
يكاد في غَلَسِ الأسحار يَطوينا
إذا رسا النجمُ لم ترقَأ مَحاجرُنا
حتى يزولَ ولم تهدَأ تَراقينا
بِتْنا نُقاسي الدواهي من كواكبه
حتى قعَدْنا بها حَسْرى تُقاسينا
يبدو النهارُ فيُخفيه تجلُّدُنا
للشامتين ويأسُوه تأسِّينا

•••

سقيًا لعهدٍ كأكنافِ الرُّبا رِفَةً٦١٠
أنَّى ذهبْنا وأعطافِ الصَّبا لِينا
إذِ الزمانُ بنا غَيناءُ زاهيةٌ
ترِفُّ أوقاتُنا فيها رياحينا
الوصلُ صافيةٌ والعيشُ ناغيةٌ
والسعدُ حاشيةٌ والدهرُ ماشينا
والشمسُ تَختالُ في العِقْيان تَحسبُها
«بلقيسَ» ترفُلُ في وشْيِ اليمانينا
والنيلُ يُقبِل كالدنيا إذا احتفلَت
لو كان فيها وفاءٌ للمُصافينا
والسَّعدِ لو دامَ والنُّعمى لوِ اطَّردَت
والسَّيلِ لو عفَّ والمقدارِ لو دِينا
ألقى على الأرض حتى ردَّها ذهبًا
ماءً لمَسْنا به الإكسيرَ أو طِينا
أعداه من يُمنِه «التابوتُ» وارتسمَت
على جوانبه الأنوارُ من سِينا
له مَبالغُ ما في الخُلْقِ من كرَمٍ
عهدُ الكرامِ وميثاقُ الوفيِّينا
لم يجرِ للدهرِ إعذارٌ٦١١ ولا عُرُسٌ
إلا بأيامِنا أو في ليالينا
ولا حوى السعدُ أطغَى في أعِنَّتِهِ
منَّا جِيادًا ولا أرحَى ميادينا
نحن اليواقيتُ خاضَ النارَ جوهرُنا
ولم يهُنْ بيدِ التَّشتيتِ غالينا
ولا يحُول لنا صِبغٌ ولا خُلُقٌ
إذا تلوَّنَ كالحِرباءِ شانينا
لم تنزل الشمسُ ميزانًا ولا صعِدَت
في مُلكِها الضخمِ عرشًا مِثلَ وادينا
ألم تُؤلَّهْ على حافاتِه ورأت
عليه أبناءها الغُرَّ الميامينا
إن غازلتْ شاطئَيه في الضحى لبِسا
خمائلَ السُّندسِ المَوشيةِ الغِينا٦١٢
وبات كلُّ مُجاجِ٦١٣ الوادِ من شجرٍ
لَوافظَ القزِّ بالخيطانِ ترمينا
وهذه الأرضُ من سهلٍ ومن جبلٍ
قبل «القياصر» دِنَّاها «فراعينا»
ولم يضعْ حجرًا بانٍ على حجرٍ
في الأرضِ إلا على آثارِ بانينا
كأن أهرامَ مصرٍ حائطٌ نهضَت
به يدُ الدهرِ لا بنيانُ فانينا
إيوانُه الفخمُ من عُليا مَقاصرِهِ
يُفني الملوكَ ولا يُبقي الأواوينا٦١٤
كأنها ورمالًا حولها التطمَت
سفينةٌ غرِقَت إلا أساطينا٦١٥
كأنها تحتَ لألاءِ الضحى ذهبًا
كنوزُ «فرعونَ» غطَّينَ الموازينا

•••

أرضُ الأُبوَّةِ والميلادِ طيَّبَها
مَرُّ الصِّبا في ذيولٍ من تصابينا
كانت مُحجَّلةً فيها مَواقفُنا
غُرًّا مُسلسَلةَ المَجرى قوافينا
فآبَ من كُرةِ الأيام لاعِبُنا
وثابَ من سِنةِ الأحلام لاهينا
ولم ندَع لليالي صافيًا فدَعَت
«بأن نغَصَّ فقال الدهرُ آمينا»
لو استطعْنا لخُضْنا الجوَّ صاعقةً
والبَرَّ نارَ وغًى والبحرَ غِسلينا٦١٦
سعيًا إلى مصرَ نقضي حقَّ ذاكرنا
فيها إذا نسِيَ الوافي وباكينا
كَنزٌ ﺑ «حُلوانَ» عندَ اللهِ نطلبُهُ
خيرَ الودائع من خيرِ المُؤدِّينا٦١٧
لو غابَ كلُّ عزيز عنه غَيْبتَنا
لم يأتِه الشوقُ إلا من نواحينا
إذا حمَلْنا لمصرٍ أو له شجنًا
لم ندرِ أيُّ هوى الأُمَّينِ شاجِينا

وصفُ الغواصة ونكبة الباخرة لُوزِيتانْيا

قال في حادثة نسف غواصة ألمانية للباخرة لوزيتانيا:

رأيتُ على لَوحِ «الخيال»٦١٨ يتيمةً
قضى يومَ «لوسيتانيا» أبَواها
فيا لك من حاكٍ أمينٍ مُصدَّقٍ
وإن هاج للنفس البُكى وشَجاها
فواهًا عليها ذاقَتِ اليُتمَ طِفلةً
وقُوِّض رُكناها وذلَّ صِباها
وليت الذي قاست من الموت ساعةً
كما راح يطوي الوالدَين طواها
كفَرخٍ رمى الرامي أباه فغالَهُ
فقامت إليه أُمُّه فرَماها
فلا أبَ يَستتذري٦١٩ بظلِّ جَناحِهِ
ولا أُمَّ يبغي ظِلَّها وذَراها٦٢٠
ودبَّابةٍ٦٢١ تحتَ العُبابِ بمَكمنٍ
أمينٍ ترى الساري وليس يراها
هي الحوتُ أو في الحوت منها مَشابهٌ
فلو كان فولاذًا لكان أخاها
أبَثُّ لأصحابِ السَّفين غوائلًا
وألأَمُ نابًا حينَ تَفغَرُ فاها
خَئونٌ إذا غاصت غدورٌ إذا طفَت
مُلعَّنةٌ في سَبحِها وسُراها
تُبيِّتُ٦٢٢ سُفْنَ الأبرياءِ من الوغى
وتجني على من لا يخوض رَحاها
فلو أدركَت تابوت موسى لسلَّطَت
عليه زُباناها٦٢٣ وحرَّ حُماها
ولو لم تُغيَّب فُلْكُ نُوحٍ وتحتجب
لما أمِنَت مَقذوفَها ولَظاها
فلا كان بانيها ولا كان رَكبُها
ولا كان بحرٌ ضمَّها وحواها
وأُفٍّ على العلمِ الذي تدَّعونه
إذا كان في علمِ النفوس رَداها

جسرُ البُسفور

(هذه القصيدة اهتمَّ بها المغفور له السلطان عبد الحميد، وطلبها وقرأها باهتمام.)

أميرَ المؤمنين رأيتُ جِسرًا
أمرُّ على الصراطِ ولا عليهِ
له خشبٌ يجوع السوسُ فيه
وتمضي الفأرُ لا تأوي إليهِ
ولا يتكلَّفُ المِنشارُ فيه
سوى مرِّ الفطيمِ بساعدَيهِ
وكم قد جاهَدَ الحيوانُ فيه
وخلَّف في الهزيمةِ حافِرَيهِ
وأسمَجُ منه في عيني جُباةٌ٦٢٤
تراهم وسْطَه وبجانِبَيهِ
إذا لاقَيتَ واحدَهم تصدَّى
كعِفريتٍ يُشيرُ براحتَيهِ
ويمشي «الصدرُ»٦٢٥ فيه كل يوم
بمَوكبِه السنيِّ وحارِسَيهِ
ولكن لا يمرُّ عليه إلا
كما مرَّت يَداه بعارِضَيهِ
ومن عجبٍ هو الجسرُ المُعلَّى
على البسفور يجمع شاطِئَيهِ
يُفيدُ حكومةَ السلطانِ مالًا
ويُعطيها الغِنى من مَعدِنَيهِ
يجود العالَمون عليه هذا
بعَشرتِه وذاك بعَشرتَيهِ
وغايةُ أمرِه أنَّا سمِعْنا
لسانَ الحال يُنشِدُنا لدَيهِ
«أليس من العجائب أنَّ مِثلي
يرى ما قلَّ مُمتنِعًا عليهِ»
«وتُؤخَذ بِاسمِه الدنيا جميعًا
وما من ذاك شيءٌ في يدَيهِ»

(كتاب بعث به إلى المرحوم حسين واصف باشا، يستهديه لكرمة ابن هاني بالمطريَّة شجيرات، وكان مشهورًا باقتناء الرياحين والعناية بتربيتها.)

إلى حسينٍ حاكمِ القَنالِ
مثالِ حُسنِ الخُلْقِ في الرجالِ
أُهدي سلامًا طيِّبًا كخُلْقِه
مع احترامٍ هو بعضُ حقِّه
وأحفظ العهدَ له على النَّوى
والصدقَ في الودِّ له وفي الهوى
وبَعدُ فالمعروفُ بين الصَّحبِ
أن التهادي من دواعي الحُبِّ
وعندك الزهرُ وعندي الشِّعرُ
كلاهما فيما يقال نَدْرُ
وقد سمعتُ عنك من ثِقاتٍ
أنك أنت مَلِكُ النباتِ
زهرُك ليس للزهور رَونقُه
تكادُ من فرطِ اعتناءٍ تخلُقُه
ما نظرَت مِثلَك عينُ النرجسِ
بعدَ ملوكِ الظرفِ في الأندلسِ
ولي من الحدائقِ الغنَّاءِ
روضٌ على «المَطْريةِ» الفَيحاءِ
أتيتُ أستهدي لها وأسألُ
وأرتضي النَّزْرَ ولا أُثقِّلُ
عشرَ شُجَيراتٍ من الغوالي
تَندُرُ إلا في رياضِ الوالي
تزكو وتزهو في الشِّتا والصيفِ
وتجمع الألوانَ مِثلَ الطَّيفِ
تُرسِلُها مُؤمِّنًا عليها
إن هلَكَت لي الحقُّ في مِثلَيها
والحقُّ في الخرطوم أيضًا حقِّي
والدرسُ للخادم كيف يَسقي
وبعد هذا لي عليك زَورة
لكي تدور حولَ رَوضي دَورة
فإن فعلتَ فالقوافي تفعلُ
ما هو من فعلِ الزهورِ أجملُ
فما رأيتُ في حياتي أزيَنَا
للمرء بين الناس من حُسنِ الثَّنا
١  أسباب السماء: مراقيها، أو طُرقها، أو نواحيها، أو أبوابها.
٢  الأَمَة: المملوكة. وبلقيس: صاحبة نبي الله سليمان الذي سُخِّرَت له الريح.
٣  بُرُد: جميع بريد.
٤  بطاء: جمع بطيء.
٥  العماء: السحاب المرتفع، أو الكثيف، أو الممطر، أو الرقيق.
٦  السُّها: كوكبٌ خفي من بنات نعش الصغرى.
٧  الضيف: النزيل على غيره، ويكون للواحد والجمع؛ لأنه في الأصل مصدر.
٨  يريد به نابليون الأول.
٩  الصَّلف: مجاوزة قدر الظرف.
١٠  الرُّواء: حُسنُ المنظر.
١١  مركب ذي عُدَواء: أي ليس بمطمئن.
١٢  الرَّواء: الماء العذب.
١٣  القادمة: واحدة القوادم، وهي عشر ريشات في مقدَّم الجناح، وهي كبار الريش.
١٤  ذُكاء: اسمٌ للشمس.
١٥  العَفاء: الدُّروس والهلاك والفناء.
١٦  الوِضاء: المُشرِقة الحسنة.
١٧  الدعامة أو الدعام: عماد البيت.
١٨  قعساء: أي ثابتة.
١٩  العرباء من العرب: الصُّرحاء الخُلَّص.
٢٠  طائرٌ معروف الاسم مجهول الجسم.
٢١  الروضة الكثيرة العشب.
٢٢  الجوزاء: برج في السماء.
٢٣  بُليت: امتحنت.
٢٤  ناصعة.
٢٥  الألِبَّاء: العقلاء، جمع لبيب.
٢٦  أدنى الشيء: قرَّبه إليه.
٢٧  جوفاء: فارغة.
٢٨  مُقلِعة: ذاهبة. والشؤبوب: الدفعة من المطر.
٢٩  الأصيص: نصف الجَرَّة يُزرَع فيها الرياحين.
٣٠  العوراء: الكلمة أو الفعلة القبيحة.
٣١  انبجست: أي انفجرت.
٣٢  الحصباء: الحصى، الواحدة حصبة. والبوغاء: ما يثور من الغبار ودقاق التراب.
٣٣  أشلاء، واحدها شِلو: العضو والجسد من كل شيء.
٣٤  الدأماء: البحر.
٣٥  يريد النار التي ظهرت لموسى الكليم وهو سائرٌ بأهله شطر طور سينا.
٣٦  أيامى: جمع أيِّم، وهي المرأة التي تفقد زوجها، أو الرجل الذي يفقد امرأته. وتأساء: تعزية وتسلية.
٣٧  الحبب: الفقاقيع التي تعلو الخمر.
٣٨  اللَّبب: موضع القلادة من الصدر.
٣٩  جلا: أي كشف. والجمان: اللؤلؤ. والشنب: عذوبة الأسنان.
٤٠  الشقيق: واحد شقائق النعمان، وهي أزاهر حمراء فيها بقعٌ سوداء.
٤١  النُّخب: جمع نخبة، وهي المختار من كل شيء.
٤٢  ائتشب الشجر: التفَّ. والزهرا: الزهراء.
٤٣  السنا هنا: مقصور من السناء؛ بمعنى الرفعة. والطنب: الوتد، أو الحبل الذي يُشَدُّ به سرادق البيت.
٤٤  الرفرف: الرقيق من ثياب الديباج. والسجوف: الستور، جمع سجاف.
٤٥  يشبِّه مصابيح القصر بشهبٍ ثابتة.
٤٦  المنتقب: النقاب.
٤٧  الجيش اللَّجِب: ذو الكثرة والضجيج.
٤٨  السبب: الحبل، ويشير به أولًا إلى زمام الدابة، وثانيًا إلى سوط السائق.
٤٩  الخبب: سرعةُ عدوِ الجياد.
٥٠  ترتمي: بمعنى ترمي. والرَّغَب: الابتهال. والمعنى أنها تذهب بهنَّ إلى ملجأٍ هو وحده غاية الراجي وكعبة الضارع.
٥١  السُّراة: جمعُ سريٍّ، وهو السيد الشريف في سخاء ومروءة. والنُّجُب: جمع نجيب، وهو الكريم الحسيب.
٥٢  الرَّحَب: جمع رحبة، وهي الأرض المتسعة.
٥٣  الكثب: القريب.
٥٤  المطارف: أرديةٌ من خز. والقُشُب: الجُدد.
٥٥  التالد: القديم.
٥٦  اللُّجَين: الفضة.
٥٧  اللَّجَب: الضجيج.
٥٨  البان: شجرٌ سبط القوام ليِّن، ويُشبَّه به القدُّ لطوله.
٥٩  الحدب: العطوف.
٦٠  الصعد: جمع صعِد، بكسر العين، وهو المرتفع. والصبب: المنحدر.
٦١  الأسل: الرماح. والقضب: السيوف.
٦٢  الوصب: التعب.
٦٣  النُّهَبُ: جمع نُهبة، وهي المنهوب.
٦٤  الخوان (بكسر الخاء وضمِّها): ما يوضع عليه الطعام. والقطب بتسكين الطاء ويُخفَّف: سيِّد القوم.
٦٥  السغب: الجوع.
٦٦  العُلَب: نوع من الأقداح الضخمة.
٦٧  السَّلَب: ما يُسلب ويُنهب.
٦٨  الحوائم: العطاش. والقَرَب: سير الليل لورد الغد.
٦٩  الحِقَب: جمع حقبة، وهي هنا بمعنى السَّنة.
٧٠  الندى: الكرم. والنَّشَب: العقار، أو المال.
٧١  الحَدَب: العطف والإشفاق.
٧٢  الروض الأشِبُ: الملتفُّ.
٧٣  ارتغب في الأمر: رغِب فيه.
٧٤  الغَيَب: جمع غائب.
٧٥  مفنِّد: مكذِّب.
٧٦  المُدنَف: الذي أثقله المرض.
٧٧  الطلاء: الخمر.
٧٨  الحِقَب: جمع حقبة، وهي السَّنة.
٧٩  الحبب: الفقاقيع التي تعلو الماء والخمر.
٨٠  الهالة: دارة القمر.
٨١  الطُّنُب: حبلٌ طويلٌ يُشَدُّ به سرادق البيت، أو الوتد.
٨٢  الشنب: ماء ورقَّة وعذوبة في الأسنان.
٨٣  الشادن: ولد الظبية. واللبب: المنحر، وموضع القلادة من الصدر.
٨٤  قُشُب: جمع قشيب، وهو الجديد، والقشيب أيضًا الأبيض والنظيف.
٨٥  اليَلَب: الترسة، أو الدروع اليمانية من الجلود، وقيل جلود يُخرَز بعضها إلى بعض تُلبَس على الرءوس، واليلب الفولاذ، واليلب خالص الحديد.
٨٦  السغب: الجوع، وقيل لا يكون إلا مع تعب.
٨٧  النَّشَب: المال والعقار.
٨٨  الأشِب: الملتفُّ.
٨٩  أدَبَ: أقام المأدُبة.
٩٠  الأرِب: الماهر البصير.
٩١  تراعها: تُصغي إليها.
٩٢  النقل، بالفتح: ما يُتنقل به على الشراب من فستق وتفاح ونحوهما.
٩٣  انقضابا: انقطاعًا.
٩٤  تَجنب: تنحِّي.
٩٥  الجناب: الفناء.
٩٦  لم تحجل غرابا: كناية عن أنها لم تقلد كما قلَّد الغراب الطاووس.
٩٧  الدجن: إلباس الغيم الأرض.
٩٨  كافور: هو كافور الإخشيدي ممدوح المتنبي. وعبد الخنا: أي كافور.
٩٩  الأزهر: يعني به معهد الأزهر.
١٠٠  الأعزال: الذين لا سلاح لهم.
١٠١  لم يملك ذهابًا: أي لم يستطع.
١٠٢  الجبرتي: المؤرِّخ المعروف.
١٠٣  الشيخ يعني به الجبرتي. والرُّدن: أصل الكُم، وكانت العرب تضع فيه الدراهم والدنانير. والمرقم: القلم. والصِّل: الثعبان.
١٠٤  السِّباب: السبُّ.
١٠٥  يتغابى: يتغافل.
١٠٦  غِلَابا: أي مغالبة.
١٠٧  المغازي: وقائع الحروب والمعاني. تُرابا: أي يُشَكُّ في قيمتها بالنظر لعظيم أثرها في مستقبل الشرق.
١٠٨  مثابا: أي مرجعًا.
١٠٩  بنات الدهر: أي شدائده. وكعاب: أي وهي صبيَّة لم تكبر.
١١٠  الصاب: عصارة شجر مُر.
١١١  نَصيبِينُ: أكبر الوقائع وأشهرها بين إبراهيم بن محمد علي وبين الأتراك. التل: واقعة التلِّ الكبير المشهورة التي جرَّت على مصر الاحتلال الإنجليزي.
١١٢  النسر: يعني به نابليون.
١١٣  عِقبان: واحدها عُقاب، وهو طائر من الجوارح.
١١٤  الجيزي: يعني به هرم الجيزة. واعتصب: تتوَّج.
١١٥  النقع: الغبار. والإهاب: الجِلد.
١١٦  الضاحي: البارز. والزَّهر: يعني بها النجوم.
١١٧  الجِلال: واحدها جلٌّ، وهو للدابة كالثوب للإنسان تُصان به.
١١٨  الصبوح: ما أصبح عند القوم من الشراب فشربوه.
١١٩  أحد آلهة قدماء المصريين.
١٢٠  الأيك: الشجر الكثيف الملتفُّ، وقيل الغيضة تُنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر.
١٢١  أقاح: واحدها أقحوانة، وهو نبات له زهرٌ أبيض في وسطه كتلةٌ صغيرةٌ صفراء.
١٢٢  يقائق: جمع يقق، وأبيض يقق أي شديد البياض ناصعه. والنسرين: وردٌ أبيض عطريٌّ قوي الرائحة.
١٢٣  البلجة: آخر الليل عند انصداع الفجر.
١٢٤  الخِطر: نباتٌ يُجعَل ورقه في الخضاب الأسود يُختضَب به.
١٢٥  الحبر: جمع حبَرة بالتحريك، ضربٌ من برود اليمن، وملاءةٌ سوداء تلبسها نساء مصر.
١٢٦  صفاح. واحده صفح، وهو عرض السيف.
١٢٧  الملواح: السريع العطش.
١٢٨  رزحت الناقة رزوحًا ورزحًا: ألقت نفسها إعياءً وهزالًا.
١٢٩  الطرف: هو الكريم من الخيل.
١٣٠  المزمور: واحد المزامير، وهي الأناشيد والأدعية التي كان يترنَّم بها داوود عليه السلام.
١٣١  أقيالهم: ملوكهم.
١٣٢  مجامر الياقوت: جمع مَجمرة، وهو اسم ما يُجعَل فيه الجمر.
١٣٣  لم يقصد: لم يعدل.
١٣٤  المِقوَد: ما يُقاد به من حبل أو غيره.
١٣٥  الفَدَن: القصر المشيد.
١٣٦  الجلمد: الصخر.
١٣٧  غاب بولونيا: مُتنزَّهٌ مشهور في باريس.
١٣٨  العميد: الذي هزَّه العشق.
١٣٩  الصَّفا: الصَّخر.
١٤٠  لبيد: هو لبيد بن أبي ربيعة أحد المعمَّرين.
١٤١  حسين: هو الحسين بن علي بن أبي طالب. ويزيد: هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
١٤٢  السنا: الضوء. وحليت المرأة: لبست حليها؛ أي ما تتزين به. ونضيد: أي مُتَّسِق.
١٤٣  الدُّمى: واحدتها دُمية، وهي الصورة المنقَّشة المزيَّنة.
١٤٤  الصَّفا: الصَّخر.
١٤٥  العُبُب: الماء المتدفق.
١٤٦  المشفر: الشفة من الإنسان.
١٤٧  الخميس: الجيش.
١٤٨  أذنت: أنصتت.
١٤٩  أقبال الجبال: أي وجوهها.
١٥٠  أمُّ الكتاب: فاتحته.
١٥١  الأحبار: جمع حبر، وهو العالِم، وقيل الصالح من العلماء.
١٥٢  المعالم: جمع مَعلَم، وهو ما يُستدلُّ به على الطريق من أثر ونحوه.
١٥٣  هُوج: جمع هوجاء، والريح الهوجاء التي تستوي في هبوبها وتُقلِع البيوت.
١٥٤  الضاحي: المكان البارز. ويُزجي: يسوق ويستحثُّ.
١٥٥  الإماء: الجواري.
١٥٦  الإزار: المِلحفة وكل ما ستر.
١٥٧  النجد: ما ارتفع من الأرض. والغور: القعر من كل شيء.
١٥٨  إطار الشيء: كل ما أحاط به.
١٥٩  الجمار: جمع جمرة، وهي الحصى.
١٦٠  اخضلَّ الشيء: صار نديًّا بليلًا. والنضار: الذهب.
١٦١  الدُّجى: الظُّلمة أو سواد الليل.
١٦٢  الحضيض: القرار من الأرض عند منقطع الجبل.
١٦٣  الضَّريب: الثلج. والفارع: المرتفع الهيِّئُ الحسن.
١٦٤  الحَزْن: ما غلُظ من الأرض.
١٦٥  الديمة: مطرٌ يدوم في سكون بلا رعد ولا برق.
١٦٦  الخطَّار: المضطرب.
١٦٧  البتَّار: السيف القاطع.
١٦٨  الأصيد: الملك؛ لأنه لا يلتفت من زهوه يمينًا وشمالًا.
١٦٩  الشِّعرى: الكوكب الذي يطلع في الجوزاء، وطلوعه في شدة الحر. وزرى عليه فِعله: عابه.
١٧٠  الفُلْك: السفينة، يؤنَّث ويذكَّر.
١٧١  الأين: الإعياء.
١٧٢  اللجين: الفضة.
١٧٣  الهباء: الغبار، أو ما يُشبِه الدُّخان.
١٧٤  العيالم: جمع عيلم، وهو البحر.
١٧٥  الأناسى: جمع إنسي.
١٧٦  الدَّوح: جمع دوحة، وهي الشجرة العظيمة المتَّسعة من أي شجرة كانت.
١٧٧  تأرَّج: أي فاح.
١٧٨  أوزار الحرب: آلاتها.
١٧٩  الإزار: المِلحفة.
١٨٠  المزار. الزيارة.
١٨١  العوادي: العوائق.
١٨٢  البسيط: الأرض الواسعة.
١٨٣  أشبل عليه: أي عطف، والمرأة تُشبل على أولادها: أقامت عليهم بعد وفاة زوجها ولم تتزوج.
١٨٤  البيعة: مُتعبَّد النصارى.
١٨٥  تحمَّل: ارتحل.
١٨٦  رصف الحجارة رصفًا: ضم بعضها إلى بعض.
١٨٧  الملاوة: البُرهة من الدهر.
١٨٨  الصَّبا: ريحٌ مَهبُّها من مطلع الثريا إلى بنات نعش.
١٨٩  السنة: النعاس.
١٩٠  خلَس الشيء: أخذه في نهزة ومخاتلة.
١٩١  أسا الجرحَ: داواه.
١٩٢  قسَّاه تقسية: أي صيَّره قاسيًا.
١٩٣  مستطار: استُطير الشيء طُيِّر وانتشر.
١٩٤  رنَّ: أي صاح ورفع صوته بالبكاء.
١٩٥  الجرس: الصوت.
١٩٦  الراهب: هو من تبتَّل لله، واعتزل عن الناس إلى الدير طلبًا للعبادة، ويُشبِّه به القلب.
١٩٧  فطن للشيء: أي حذق به.
١٩٨  النقس: ضرب النواقيس.
١٩٩  اليمُّ: البحر.
٢٠٠  الدوح: جمع دوحة، وهي الشجرة العظيمة.
٢٠١  الرجس: المأثم.
٢٠٢  المِرجل: القِدر من الحجارة والنحاس.
٢٠٣  هفا: أي أسرع.
٢٠٤  السواد: ما حول البلدة من القُرى.
٢٠٥  الأيك: الشجر الكثير الملتفُّ، وقيل الغيضة تُنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر.
٢٠٦  الجرس: الصوت، أو خفيُّه.
٢٠٧  الصَّرح: القصر، وكلُّ بناءٍ خالٍ.
٢٠٨  العُباب: كثرة الماء، والعباب معظم السيل، والعباب ارتفاعه وكثرته.
٢٠٩  النكس: الرجل الضعيف الدنيء الذي لا خير فيه.
٢١٠  صنعاء: قصبة بلاد اليمن، وقرية بباب دمشق.
٢١١  ثوبٌ قسي، وتُكسَر قافه: منسوب إلى قسٍّ، وهو موضع بين العريش والفرما من أرض مصر.
٢١٢  العقيق: كل ما شقَّه ماء السيل فأنهره ووسَّعه، ويعني بالعقيق هنا عقيق المدينة، وهو معروف.
٢١٣  المتحسِّي: أي الشارب.
٢١٤  يخسي، من خسا البصر: كَلَّ وأعيا.
٢١٥  رمسي: أي رمسيس.
٢١٦  اليراع: القصب.
٢١٧  سلسلت النخلة سلسًا: ذهب كربها.
٢١٨  جابٍ: الجابي الذي يجمع الخرَاج.
٢١٩  المكس: دراهم كانت تُؤخَذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية.
٢٢٠  يغسي: يظلم.
٢٢١  فطس الرجل: تطامنت قصبة أنفه وانتشرت في وجهه، فهو أفطس، والجمع فُطْس.
٢٢٢  عُنس: جمع عانس، وهي الجارية التي طال مُكثُها في أهلها بعد إدراكها ولم تتزوج.
٢٢٣  صُيَّد: واحدها صائد.
٢٢٤  الفَرْس: الافتراس.
٢٢٥  عقلت: قيَّدت.
٢٢٦  غسَّ في البلاد غسًا: دخل فيها ومضى قُدمًا.
٢٢٧  ليلة الوكس: أي ليلة دخول القمر في نجمٍ منحوس.
٢٢٨  عفت: درست ومحت.
٢٢٩  كرسي: أي عرش.
٢٣٠  نطس: أي عالم.
٢٣١  الرمس: القبر.
٢٣٢  شفتني: أي وعظتني هي أيضًا وعظًا شافيًا.
٢٣٣  العنس: الناقة.
٢٣٤  الحَزْن: ما غلُظ من الأرض.
٢٣٥  الدَّهس: المكان السهل ليس برملٍ ولا تراب.
٢٣٦  الخلائف: جمع خليفة.
٢٣٧  المنار: العَلم يُجعل للطريق.
٢٣٨  طلس: واحدها أطلس، وهو ما لونه أسود تُخالِطه غبرة.
٢٣٩  القلس: حبل السفينة.
٢٤٠  الحدس: السير على غير هداية.
٢٤١  القُعْس: العزُّ الثابت.
٢٤٢  ضفت، من ضفا: سبغ واتَّسع.
٢٤٣  الخميس: الجيش. والدَّرَفس: العَلم الكبير.
٢٤٤  الهجس: كل ما وقع في خلَد الإنسان.
٢٤٥  مُحِسٌّ: أي حاسٌّ بهم.
٢٤٦  الحرس: الدهر.
٢٤٧  الأمَسُّ: الأقرب.
٢٤٨  ثهلان: جبل بالعالية.
٢٤٩  قدس: جبلٌ عظيم بنجد.
٢٥٠  السواري: واحدتها سارية، وهي الأسطوانة (العمود).
٢٥١  الوزير: يعني به ابن مقلة المشهور بجودة الخط.
٢٥٢  سطريها: صفَّيها.
٢٥٣  ويحها كم تزينت لعليم: أي لمدرسٍ عالم، واستعدَّت لإقامة الصلوات الخمس.
٢٥٤  الرفيف: السقف.
٢٥٥  الدِّمقس: الحرير.
٢٥٦  المعارج: واحدها مِعراج، وهو السُّلم والمِصعد.
٢٥٧  منذر: هو قاضي الأندلس منذر بن سعيد المعروف بالعدل والزهد.
٢٥٨  ريَّا ورده: أي رائحة ورده.
٢٥٩  الدَّاخل: هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام، مؤسس الدولة الأموية بالأندلس.
٢٦٠  الشُّمس: الأُباة.
٢٦١  الندس: الفهم.
٢٦٢  عصائب برس: أي بيض كالقطن.
٢٦٣  العسُّ: احتراس الليل.
٢٦٤  الورس: نباتٌ أحمر اللون.
٢٦٥  الضَّرس، من ضرَس الزمان القوم: اشتدَّ عليهم.
٢٦٦  الحَسُّ: القتل.
٢٦٧  الحِفاظ: الذبُّ عن المحارم.
٢٦٨  الجِبس: الجبان.
٢٦٩  شهر رجب أو صفر أو شهر من شهور الصيف.
٢٧٠  بقرس: ببارد.
٢٧١  حُوُّ المراشف: أي سُمْر الشفاه، وهو مُستملَحٌ من النساء.
٢٧٢  المراشف: الشفاه.
٢٧٣  اللَّعَس: سوادٌ مُستحسَن في الشفة.
٢٧٤  الخود: جمع خودة، وهي المرأة الشابَّة.
٢٧٥  العقيان: الذَّهب الخالص.
٢٧٦  الخميلة: الموضع الكثير الشجر.
٢٧٧  السلس: الخيط الذي يُنظَم به الخرز الأبيض تلبسه الإماء، وقيل القرط من الحلي.
٢٧٨  أسفَّ الطائر: طار على وجه الأرض.
٢٧٩  العُرف: لحمةٌ مستطيلة في أعلى رأس الديك.
٢٨٠  الجَرْس: الصوت، أو خفيُّه.
٢٨١  رعس: من رعس الرجل إذا مشى مشيًا ضعيفًا.
٢٨٢  العِين: جمع عيناء، وهي المرأة التي عظُم سواد عينها في سعة.
٢٨٣  سوافر: جمع سافرة، وهي المرأة التي كشفت عن وجهها.
٢٨٤  مآزر: جمع إزار، وهو المِلحفة.
٢٨٥  الأسود: هو الحجر الأسود الذي بمكة.
٢٨٦  الحطيم: جدار حجر الكعبة، وقيل ما بين الركن وزمزم والمقام.
٢٨٧  البضُّ: الرخص الجسد.
٢٨٨  وضَّا: وضَّاء.
٢٨٩  ريم: غزال.
٢٩٠  أمضى: أحَدُّ.
٢٩١  زلفى: تقربًا.
٢٩٢  يترضى: يطلب الرضا.
٢٩٣  قضا: حصًى.
٢٩٤  محضا: خالصًا.
٢٩٥  تقضي: تفنى.
٢٩٦  فضَّا: مفضوضًا.
٢٩٧  جَرْضى: مغمومين.
٢٩٨  حضوضى: جبل في البحر.
٢٩٩  مضٍّ: مُوجِع.
٣٠٠  ينضى: يُسَلُّ.
٣٠١  معن: هو معن بن زائدة أحد كُرماء العرب.
٣٠٢  ظهيرًا: نصيرًا.
٣٠٣  حاشه، من حاش الصيد: أحرجه في كل مكان.
٣٠٤  غيضا، من غاض الماء غيضًا: نقص، أو غار فذهب في الأرض.
٣٠٥  نقضًا: ما انتقض من البناء؛ أي انتكث.
٣٠٦  الخطاب للنفس: خاطبَها كما يخاطبها فيلسوفٌ علِمَ بدائعها وبحث عن حقيقتها، فرآها تزيد غموضًا كلما زاد بحثًا، مع أنها أقرب ما يكون إليه.
٣٠٧  الضاحيات: الطاهرات البارزات، وصف بها محاسن النفس، وقال: إنها مع ذلك مَطلعُها بعيد وجلالها مستور.
٣٠٨  «من»: زائدة. والمعنى: أن النفس اتَّخذها الجمال مظهرًا لعزِّه، وموضعًا لسرِّه.
٣٠٩  الصناع: الماهر في الصناعة.
٣١٠  نصب اسم الجلالة على الاستغاثة، والكلام في الأبيات الخمسة بعده وصفٌ لما عاناه الأحبار والفلاسفة من البحث عن حقيقة النفس، فشقَّ طريقُهم كُلَّما زادوا بحثًا، أما الجاهلون ففي راحة سائرون في المَهيع؛ أي الطريق الواسع البيِّن.
٣١١  الضمير في ذلك يرجع إلى النفس، أراد بها الجوهر الإلهي.
٣١٢  حلَّ الحبا: نهض. والمقصود هنا تقديس الروح العالي الذي نفخ الله في آدم.
٣١٣  أراد بيوسف: يوسف الصديق، ومعنى تكرُّم النبوَّة فيه أنها سمَت بنفسه، وبلغَت بها الكمال لمَّا عفَّ. وأراد بالمرضع: السيد المسيح.
٣١٤  أراد بالبابليِّ: السِّحر، إشارة إلى قوله : «إن من البيان لَسِحرًا.»
٣١٥  إشارة إلى العليقة المُلتهبة.
٣١٦  فاعل طويت يعود إلى النبوة. والخلال: الصفات والمزايا التي يبقى أثرها كما يبقى أثر الخمر بعدما تزول.
٣١٧  التُّبَّع: يعسوب النحل الأعظم، وهو ما يُسمُّونه الملكة.
٣١٨  الدُّمى: الصور أو التماثيل الجميلة، أشار بما في الأبيات الثلاثة المتقدِّمة إلى تفاوت النفوس في الناس.
٣١٩  أي لولا كبار النفوس لما ارتقى العالم وصلحت الأنام، والمقصود من الكمال هنا بلوغ النفس الكمال في النبوَّة، أو ما يقرب من الكمال في بعض العبقريين من الناس، والرئيس منهم.
٣٢٠  فاعل ضجت عائد إلى المنازل؛ أي الأجسام. ومعالم ومعاهد منصوبتان على التمييز. أراد بالمعالم ذوي النفوس الصغيرة، وبالمعاهد ذوي النفوس الكبيرة.
٣٢١  المرفع: الكرنفال الذي يلبس الناس فيه ثيابًا مزوَّقة.
٣٢٢  فزعت: تأهبَّت أو استجارت، والضمير عائد إلى الأجسام. وأراد بالقيامة: ساعة الموت.
٣٢٣  البلَمُ: صغار السمك.
٣٢٤  المُزنة: هي هنا السحابة الممطرة.
٣٢٥  تفهَق: فهق الإناء؛ أي امتلأ حتى صار يتصبَّب.
٣٢٦  النول: خشبة الحائك ينسج عليها.
٣٢٧  يخلق: يبلى.
٣٢٨  الإستبرق: الحرير.
٣٢٩  مترع: ممتلئ.
٣٣٠  الشُّرُق: الغرقى.
٣٣١  ينفُق: يفنى ويقلُّ.
٣٣٢  العسجد: الذهب.
٣٣٣  الراووق: المصفاة.
٣٣٤  الحمأة: الطين الأسود.
٣٣٥  تتروَّق، من روَّق الشراب: صفَّاه.
٣٣٦  تخلق: أي تكون خليقة وجديرة.
٣٣٧  السنن: النهج.
٣٣٨  الموسق: اسم فاعل من أوسق، والهمزة فيه للتعدية، وثلاثيه وسق، من وسقت الشاة ونحوها بمعنى لقحت، أو من وسقت الشيء إذا حملته.
٣٣٩  ينفُق، من نفقَ الرجل والدابة: ماتا؛ يعني ما مات من الإنسان، وما هلك من الحيوان.
٣٤٠  استذرى بفلان: التجأ إليه، واستذرى بالشجرة: أي استظلَّ بها.
٣٤١  المنهل: المَورد.
٣٤٢  المُعرِق: العريق في النسب.
٣٤٣  الجوسق: القصر.
٣٤٤  ينتق: يزعزع.
٣٤٥  المحلة: المنزل.
٣٤٦  الأزواد: جمع زاد، وهو الطعام يُتَّخذ للسفر.
٣٤٧  المُطبِق: السجن تحت الأرض.
٣٤٨  تتنسق: تنتظم.
٣٤٩  منطَّق: مرتفع لا يبلغ السحاب رأسه.
٣٥٠  تعتُق، من عتق الشيء: قدم.
٣٥١  الدُّمى: جمع دمية، وهي الصورة المُنقَّشة.
٣٥٢  مسترديات: لابسات.
٣٥٣  تتفنَّق: تتنعم.
٣٥٤  عطلت، من عطلت المرأة: لم يكن عليها حلي.
٣٥٥  العبير: أخلاط من الطِّيب.
٣٥٦  يلبق: يليق.
٣٥٧  الرَّيِّق من كل شيء: أوله وأصله.
٣٥٨  الغرانيق: جمع غرنيق، وهو الشاب الأبيض الجميل، ويقصد التماثيل.
٣٥٩  تحسِر، من حسر البصر: كَلَّ لطول مدى البصر.
٣٦٠  جلَّق: دمشق.
٣٦١  مفتق، من فتق قرن الشمس: أصاب فتقًا من السحاب فبدا منه.
٣٦٢  تعنو: تخضع وتذلُّ.
٣٦٣  الفيلق: الكتيبة العظيمة.
٣٦٤  النمرق: الوسادة الصغيرة.
٣٦٥  مُوبق: مُهلك.
٣٦٦  تُصدَق: من أصدق الرجل المرأة؛ أي سمَّى لها صداقها.
٣٦٧  الحول: السَّنة.
٣٦٨  يلبُّ: من لبَّ؛ أي صار لبيبًا.
٣٦٩  التِّرب: مَن وُلِد معك.
٣٧٠  يحدو، من حدا الإبل: ساقها وغنَّى لها.
٣٧١  الصَّلت: السيف الصقيل الماضي.
٣٧٢  انثال: أي انصبَّ.
٣٧٣  أزلية: الأزل القِدم.
٣٧٤  تغسق: تُظلِم.
٣٧٥  يبثق، من بثق السيل موضع كذا: خرقه وشقَّه.
٣٧٦  تُمحق، من محقه: أهلكه.
٣٧٧  الذرُّ: الهباء المنبعث في الهواء، الواحدة ذرَّة.
٣٧٨  الخرنق: الفتيُّ من الأرنب.
٣٧٩  الوضح: الغُرَّة، والوضح: التحجيل في القوائم.
٣٨٠  العسجد: الذهب.
٣٨١  الزنبق: نبات له زهرٌ طيِّب الرائحة.
٣٨٢  النديُّ: النادي.
٣٨٣  استحجبوا الكُهان: أي ولَّوهم الحجابة، وهي خطة الحاجب؛ أي البواب.
٣٨٤  العتيق: الكعبة.
٣٨٥  الأينُق: جمع ناقة.
٣٨٦  الهديُّ: ما يُهدى إلى الحرم من النَّعَم، وقيل هو جمع الهَدي، واحدتها هدية.
٣٨٧  مُحدَج، من حدج الأحمال: شدَّها ووسَّقها.
٣٨٨  رقط: واحدتها رقطاء، وهي الحية.
٣٨٩  المِرفق: المتكأ.
٣٩٠  الرُّخُّ: قطعة شطرنج يُلعب بها.
٣٩١  البيدق: قطعة شطرنج يُلعب بها.
٣٩٢  الديسق: بياض السراب وترقرقه، وهو اسم للسراب أيضًا، ويُطلَق كذلك على كل شيء يُنير ويُضيء.
٣٩٣  المُملِق: الفقير.
٣٩٤  الفيهق: الواسع من كل شيء.
٣٩٥  مُخلَّق: متطيب.
٣٩٦  منبَّق: مسطَّر.
٣٩٧  يشهق، من شهق الجبل: ارتفع.
٣٩٨  تُفتَق، من فتق المسك بغيره: استخرج رائحته بشيء يُدخله عليه.
٣٩٩  الأقانيم: جمع أقنوم، وهو الأصل والشخص.
٤٠٠  تُنشَق: تُشَمُّ.
٤٠١  يرنق: يخفق ويتحرَّك.
٤٠٢  يسمق: سمق النبات أي طال وعلا.
٤٠٣  الغيدق، من غيدق المطر: كَثُر.
٤٠٤  الفاروق: عمر بن الخطاب.
٤٠٥  الرزدق: الصف من الناس.
٤٠٦  أحلاس خيل: أي ملازمون ظهورها.
٤٠٧  مُورِق: هو هنا بمعنى غانم.
٤٠٨  يفرق: يَحذر.
٤٠٩  الشُّطَب: السعف الأخضر الرطب من جريد النخل.
٤١٠  معصَّب: متوَّج.
٤١١  المرهَّق: من يغشاه الناس والأضياف كثيرًا.
٤١٢  المُهرَق: الصحيفة.
٤١٣  لبَّاتهن: واحدتها لبَّة، وهي النحر.
٤١٤  تحلِّق: تجفُّ، من حلَّقت الإبل إذا ارتفع لبنها وجفَّ.
٤١٥  بَرَدَى: نهر دمشق.
٤١٦  الرزء: المصيبة.
٤١٧  خفق: خفوق.
٤١٨  ائتلاق، من ائتلق: لمع وأضاء.
٤١٩  الوُرْق: جمع ورقاء، وهي الحمامة.
٤٢٠  لهوات: جمع لهًا، وهي اللحمة المُشرِفة على الحلق في أقصى سقف الفم.
٤٢١  لُسْن، من لسِنَ الرجل: فصُح، أو تناهى في الفصاحة والبلاغة.
٤٢٢  شُدْق: جمع أشدق؛ أي بليغ مفوَّه كريم.
٤٢٣  اضطرم، من اضطرمت النار: اشتعلت.
٤٢٤  المدق: قصبة الأنف.
٤٢٥  الشكيمة من اللجام: الحديدة المعترضة في فم الفرس.
٤٢٦  العِتق: الكرم وخلوص الأصل.
٤٢٧  الولي: المحبُّ والصديق.
٤٢٨  فصَّل: بيَّن.
٤٢٩  يُجمِل، من أجمل الكلام: فصَّله وبيَّنه.
٤٣٠  الأحداث: المصائب.
٤٣١  الظئر: المُرضِعة.
٤٣٢  السرح: الشجر العظام.
٤٣٣  الرَّقُّ: جِلدٌ رقيق يُكتب فيه.
٤٣٤  منضَّد: منسَّق.
٤٣٥  الدُّمى: واحدتها دمية، وهي الصورة المنقَّشة.
٤٣٦  المقاصير: واحدتها مقصورة، وهي الحجر.
٤٣٧  الوهن: نصف الليل، أو بعده بساعة.
٤٣٨  مُنهلُّ السماء: أي قطره.
٤٣٩  تُسترقُّ: تُستعبَد.
٤٤٠  الرِّق: العبودية.
٤٤١  الصَّيَد: مَيل العنق وهو يضرب للكبر.
٤٤٢  العتق: الحرية.
٤٤٣  القَبِيل: جمع قبيلة، وهي العشيرة.
٤٤٤  الذادة: جمع ذائد، وهو الحامي.
٤٤٥  السموءل: هو السموءل بن عادياء اليهودي، صاحب القصيدة التي مطلعها:
إذا المرء لم يَدنس من اللؤم عِرضه
فكلُّ رداءٍ يرتديه جميلُ
٤٤٦  الصَّفَّاق: الديك.
٤٤٧  الدِّهاق من الكئوس: الممتلئة.
٤٤٨  الأجران: مثنَّى أجر؛ أي أجر زكاة الفطر والصوم.
٤٤٩  الإملاق، من أملق الرجل: أنفق ماله حتى افتقر.
٤٥٠  التِّرياق: دواءٌ مركَّب يدفع السموم.
٤٥١  الغيدق: الكريم الجواد الواسع الخلق الكثير العطيَّة.
٤٥٢  الأرماق: جمع رمق، وهو بقية الحياة.
٤٥٣  الأعلاق: جمع علَق، وهو النفيس من كل شيء.
٤٥٤  الطائي: أبو تمام الطائي الشاعر.
٤٥٥  أبو إسحاق: المعتصم بالله.
٤٥٦  الصِّدِّيق: يوسف عليه السلام.
٤٥٧  امِّحاء: صعق.
٤٥٨  الكليم: موسى عليه السلام.
٤٥٩  البتول: مريم العذراء عليها السلام.
٤٦٠  الفاروق: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
٤٦١  الأقاحي: جمع أقحوانة، وهو نباتٌ له زهرٌ أبيض في وسطه كتلةٌ صغيرةٌ صفراء.
٤٦٢  الشقيق: زهر.
٤٦٣  الطِّلى: الخمر.
٤٦٤  مُسبلة: من أسبل الدمع؛ أي أرسله.
٤٦٥  الشئون: الدموع.
٤٦٦  قريحة: أي ذات قرحة، وهي الجرح.
٤٦٧  إنسانها: إنسان العين، وهو المثال يُرى في سوادها.
٤٦٨  كراها: نومها.
٤٦٩  غياهب: جمع غيهب، وهو الظلمة.
٤٧٠  أخوكِ: يعني البدر.
٤٧١  الإفرند: جوهر السيف ووشيه.
٤٧٢  سنابكها: جمع سنبك، وهو طرف الحافر.
٤٧٣  أعرافها: الواحد عُرف، وهو شَعر عُنق الفرس.
٤٧٤  شكيمها: جمع شكيمة، وهي الحديدة المعترضة في فم الفرس.
٤٧٥  المعلوك، من علك الفرس اللجام: لاكه وحرَّكه في فمه.
٤٧٦  المشكوك: أي المشدود.
٤٧٧  أي إنها انتهكت المعاهدات.
٤٧٨  الدُّمى: جمع دمية، وهي الصورة المنقَّشة.
٤٧٩  يعني الحرب.
٤٨٠  ماء معروك: أي مُزدحَم عليه.
٤٨١  الممسوك: المرتفع.
٤٨٢  الشرى: مأسدة بجانب الفرات يُضرَب بها المثل.
٤٨٣  النوك: جمع أنوك، وهو الأحمق، وقيل العاجز الجاهل.
٤٨٤  النول: خشبة الحائك يُنسَج عليها.
٤٨٥  محوك: من حاك؛ أي نسج.
٤٨٦  يتنزَّى: يثِب.
٤٨٧  الرَّيل: اللعاب، من رال الصبى ريلًا؛ أي جرى لعابه.
٤٨٨  العتيق: الحرم المكي.
٤٨٩  هو قيس بن الملوح المعروف بمجنون بني عامر، وله أحاديث يُرجع إليها في الأغاني، ومنها حديث الغزالة الآنفة.
٤٩٠  البسالة: الشجاعة.
٤٩١  الغزالة: الشمس.
٤٩٢  الأشراط، المفرد شرط: العلامة.
٤٩٣  أي ارتحلوا.
٤٩٤  الجام: الكأس.
٤٩٥  النِّقض: اسم البناء المنقوض.
٤٩٦  الحطامة: ما تحطَّم من الشيء المحطوم؛ أي ما تكسَّر منه.
٤٩٧  مراجل: جمع مرجل، وهو القِدر من الحجارة والنحاس.
٤٩٨  أي ارتحلوا وتفرَّقوا.
٤٩٩  اللامة: الدرع.
٥٠٠  الحميم: الماء الحار.
٥٠١  جنح الليل: طائفة منه.
٥٠٢  هي زرقاء اليمامة المشهورة بقوَّة البصر.
٥٠٣  أجاز الموضع: سلكه.
٥٠٤  نزوات الجرح: سوراته ونزفاته.
٥٠٥  الحجامة: الفصد.
٥٠٦  أسامة: الأسد.
٥٠٧  العاصيين: آدم وحواء.
٥٠٨  سام، من سام فلانًا الأمر: كلَّفه إياه.
٥٠٩  الندب: الخفيف في الحاجة الظريف النجيب؛ لأنه إذا نُدِب إليها خفَّ لقضائها.
٥١٠  الرغام: التراب.
٥١١  زفَّ الطائر: رمى بنفسه، أو بسط جناحَيه.
٥١٢  شالت الناقة بذنَبها: رفعته.
٥١٣  أعقبا: جمع عُقاب، وهو طائر من الجوارح.
٥١٤  الدأماء: البحر.
٥١٥  القطاما: الصقر.
٥١٦  زحل: كوكب من الخُنَّس؛ سُمِّي به لبُعده وتخنيسه.
٥١٧  نشورًا، من نشر الله الموتى: أحياهم.
٥١٨  الجؤجؤ من الطائر: الصدر.
٥١٩  الخوافي: ريشات إذا ضمَّ الطائر جناحَيه خفيت، وقيل هي الأربع اللواتي بعد المناكب.
٥٢٠  الحول: القوَّة والقدرة على التصرُّف.
٥٢١  القدامى: جمع قادمة، وهي عشر ريشات في مُقدَّم الجَناح.
٥٢٢  الجهام: السَّحاب الذي لا ماء فيه.
٥٢٣  السرب: القطيع من الظباء والنساء وغيرها.
٥٢٤  السنام: حدبة في ظهر البعير.
٥٢٥  وئدت، من وأد ابنته: دفنها في القبر وهي حية.
٥٢٦  امَّحى الشيء: ذهب أثره.
٥٢٧  الشذا: قوَّة ذكاء الرائحة.
٥٢٨  الضرم: الاشتعال.
٥٢٩  أي كخيال الخمر إذا ألمَّ بالتائب عنها.
٥٣٠  رشأ: الرشأ ولد الظبية الذي قد تحرَّك ومشى.
٥٣١  الكم: غطاء النور.
٥٣٢  اليتم: مصدر، يقال درَّةٌ يتيمة؛ أي ثمينة لا نظير لها.
٥٣٣  ادَّعم: ارتكز.
٥٣٤  العنم: شجرةٌ حجازية لها ثمرةٌ حمراء يُشبَّه بها البنان المخضوب.
٥٣٥  الطِّلى: الخمر.
٥٣٦  الكابر: الكبير، والكابر: الرفيع الشأن والشرف.
٥٣٧  ذكاء: الشمس.
٥٣٨  انسربت: يقال انسرب الظبي إذا دخل في سربه.
٥٣٩  من أمم: أي من قريب.
٥٤٠  بهم: واحدها بهمة، وهو الشجاع.
٥٤١  تني: تتأنى.
٥٤٢  الرَّسَم: حسن المشي.
٥٤٣  احترم الشيء: منعه.
٥٤٤  الملأين: العرب والعجم.
٥٤٥  الدَّن: باطية الخمر.
٥٤٦  الجفون: الأغماد.
٥٤٧  استسرَّ: توارى.
٥٤٨  بدري: نسبة إلى بدر، وفي الأثر أن أهل بدر مغفورة لهم هفواتهم.
٥٤٩  الحجال: جمع حجلة، وهو ستر العروس في جوف البيت.
٥٥٠  جون: سود.
٥٥١  ممرَّدة: مطولة.
٥٥٢  رع وآمون: معبودان مصريان قديمان.
٥٥٣  القيون: الصُّناع.
٥٥٤  نواوس: توابيت.
٥٥٥  الفتين: المحرق.
٥٥٦  الرَّقين: الرَّقيم، وهو الكتاب.
٥٥٧  الزون: معرض الأصنام.
٥٥٨  العهيد: القديم.
٥٥٩  يطردون: يزاولون الصيد.
٥٦٠  آل شمس: الفراعنة.
٥٦١  الخديو محمد توفيق الأول.
٥٦٢  صدفت: أعرضت.
٥٦٣  الجلال: جمعُ جلٍّ، وهو غطاء الفرس.
٥٦٤  جلق: دمشق.
٥٦٥  الأديم: الأرض.
٥٦٦  الراد: الراديوم.
٥٦٧  ما دانوا: ما غلبوا من الأمم وقهروا.
٥٦٨  الزهراء: قصر خلفاء بني أُمية بالأندلس.
٥٦٩  الفيحاء: دمشق.
٥٧٠  الرَّغام: التراب.
٥٧١  بغدان: إحدى لغاتٍ كثيرة في بغداد.
٥٧٢  بردى: نهر دمشق.
٥٧٣  العقيان: الذهب الخالص.
٥٧٤  دُمَّر: ضاحية دمشق.
٥٧٥  الحور: شجرٌ عظيم يُشبِه السرو.
٥٧٦  أفوافه، جمع فوف بالضم: نوع من الثياب، والمراد هنا الزهر.
٥٧٧  ابتردت: اغتسلت.
٥٧٨  البلال: أي البلل.
٥٧٩  أردان: جمع ردن، وهو الكُم.
٥٨٠  طي وشيبان: قبيلتا حاتم ومعن.
٥٨١  جحاجح: جمع جحجح، وهو السيد المُسارع إلى المَكارم.
٥٨٢  غسَّان: أبو قبيلة باليمن، منهم ملوك غسَّان، وكانوا ملوكًا للشام.
٥٨٣  الأسرة: الوجوه.
٥٨٤  الصيَد: رفع الرأس كِبرًا.
٥٨٥  عبد شمس: يعني بني أمية.
٥٨٦  جنَّان: بستاني.
٥٨٧  الصِّنو: الأخ.
٥٨٨  الطلح: نوع من الشجر، سُمِّي به وادٍ بظاهر إشبيلية كان ابن عبَّاد شديد الولع به.
٥٨٩  عوادينا: عوادي الدهر النازلة بنا، وهي مصائبه.
٥٩٠  رِيشَ، من راش السهم: ألصق عليه الريش.
٥٩١  ادِّكارًا: تذكرًا.
٥٩٢  أفانين: أجناس.
٥٩٣  الفنن: الغصن المستقيم.
٥٩٤  الأساة: الأطباء.
٥٩٥  النطس: الأطباء الحُذَّاق.
٥٩٦  الأيك. الشجر الكثيف الملتفُّ.
٥٩٧  الرفيف: الخصب.
٥٩٨  يقصد بهم ملوك الأندلس.
٥٩٩  منبهة: أي شرف ورفعة.
٦٠٠  بابل ودارينا: مدينتان مشهورتان بجودة الخمر.
٦٠١  خيريَّا ونسرينا: نوعان من الزهر.
٦٠٢  المقة: المحبَّة.
٦٠٣  الرواقي: واحدها راقية، وهي التي تَرقي الصبي إذا كان به سِحر.
٦٠٤  الجدود: الحظوظ.
٦٠٥  الرَّوح: الرحمة والرزق.
٦٠٦  شبَّه مصر — حين ضاقت به على الرغم منها فركب البحر وخرج إلى المنفى — بأم موسى — عليه السلام — حين ألقته في اليمِّ صبيًّا وسألت الله أن يكفله.
٦٠٧  الشفوف، واحدها شفٌّ: الثوب الرقيق. واللازورد: حجرٌ صافٍ شفافٌ أزرق. والأفواف: يريد بها الخمائل.
٦٠٨  الصياصي: الحصون وكل ما امتنع به.
٦٠٩  يريد به الليل الذي مِلؤه الهمُّ والأرق، أشار إلى قول النابغة:
كِلِيني لهمٍّ يا أميمة ناصبِ
وليلٍ أُقاسيه بطيءِ الكواكبِ
٦١٠  الرِّفة: النضرة.
٦١١  الإعذار: طعامٌ يُتَّخذ لسرورٍ حادث.
٦١٢  الغين، واحدها أغين: الخضر.
٦١٣  المجاج: ما تمجُّه الأرض من شجر وغيره؛ أي ما تُخرِجه.
٦١٤  جمع إيوان.
٦١٥  الأساطين: واحدتها أسطوانة، وهي السارية.
٦١٦  الغسلين: الصديد.
٦١٧  إشارة إلى المرحومة والدة الناظم.
٦١٨  الخيال: السينما توغراف.
٦١٩  يستذري: يستظل.
٦٢٠  الذرى بالفتح: الفناء.
٦٢١  الدبابة: يعني بها الغواصة.
٦٢٢  يقال: بيَّت العدو، إذا أوقع به ليلًا من دون أن يعلم.
٦٢٣  زُبانا العقرب: قرناها.
٦٢٤  جباة: جمع جابٍ، وهو المحصل.
٦٢٥  يريد به الصدر الأعظم، وهو كبير الوزراء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤