متفرقات

مَصاير الأيام

ألا حبَّذا صُحبةُ المَكتبِ
وأحبِبْ بأيَّامِه أحبِبِ
ويا حبَّذا صِبيةٌ يَمرحونَ
عِنانُ الحياةِ عليها صَبي
كأنهمُ بسَماتُ الحياةِ
وأنفاسُ ريحانِها الطيِّبِ
يُراحُ ويُغدى بهم كالقَطيعِ
على مَشرقِ الشمس والمَغربِ
إلى مَرتَعٍ ألِفوا غيرَهُ
وراعٍ غريبِ العصا أجنبي
ومُستقبلٍ من قيودِ الحياةِ
شديدٍ على النفسِ مُستصعَبِ
فِراخٌ بأيكٍ فمِن ناهضٍ
يرُوضُ الجَناحَ ومن أزغَبِ
عصافيرُ عندَ تهجِّي الدروسِ
مِهارٌ١ عرابيدُ في المَلعبِ
خَلِيُّون من تَبِعاتِ الحياةِ
على الأمِّ يُلقُونها والأبِ
جنونُ الحداثةِ من حولهم
تضيقُ به سعةُ المذهبِ
عدا فاستبدَّ بعقلِ الصَّبيِّ
وأعدى المؤدِّبَ حتى صَبي
لهم جرَسٌ مُطرِبٌ في السَّراحِ
وليس إذا جَدَّ بالمُطرِبِ
توارت به ساعةٌ للزمانِ
على الناس دائرةُ العقربِ
تشُولُ٢ بإبرتِها للشبابِ
وتقذِفُ بالسُّمِّ في الشُّيَّبِ
يدقُّ بمِطرقتَيها القضاءُ
وتجري المقاديرُ في اللَّولَبِ
وتلك الأواعي بأيمانهم٣
حقائبُ فيها الغدُ المُختبي
ففيها الذي إن يُقِم لا يُعَدَّ
من الناس أو يَمضِ لا يُحسَبِ
وفيها اللِّواءُ وفيها المَنارُ
وفيها التَّبيعُ وفيها النَّبي
وفيها المؤخَّرُ خلفَ الزحامِ
وفيها المقدَّمُ في المَوكبِ

•••

جميلٌ عليهم قشيبُ٤ الثيابِ
وما لم يُجمل ولم يقشبِ
كساهم بَنانُ الصِّبا حُلَّةً
أعزَّ من المُخمِلِ المُذهَبِ
وأبهى من الوردِ تحت الندى
إذا رفَّ في فرعِه الأهدَبِ
وأطهَرَ من ذيلِها لم يَلُمَّ
من الناس ماشٍ ولم يسحبِ
قطيعٌ يُزجِّيه راعٍ من الدهـ
ـرِ ليس بِلَينٍ ولا صُلَّبِ
أهابت هِراوتُه بالرِّفاقِ
ونادت على الحُيَّدِ الهُرَّبِ
وصرَّفَ قطعانَه فاستبدَّ
ولم يخشَ شيئًا ولم يَرهبِ
أراد لمَن شاء رعْيَ الجَديبِ
وأنزل من شاء بالمُخصِبِ
وروَّى على رِيِّها النَّاهلاتِ
وردَّ الظِّماءَ فلم تشربِ
وألقى رِقابًا إلى الضاربينَ
وضنَّ بأخرى فلم تُضرَبِ
وليس يُبالي رضا المستريحِ
ولا ضجَرَ الناقمِ المُتعَبِ
وليس بمُبقٍ على الحاضرينَ
وليس بباكٍ على الغُيَّبِ

•••

فيا ويْحَهم هل أحَسُّوا الحياةَ
لقد لعبوا وهي لم تلعبِ
تجرِّبُ فيهم وما يعلمونَ
كتجرِبةِ الطبِّ في الأرنبِ
سقَتهم بسُمٍّ جرى في الأصولِ
وروَّى الفروعَ ولم ينضبِ
ودارَ الزمانُ فدالَ الصِّبا
وشبَّ الصِّغارُ عن المكتبِ
وجدَّ الطِّلابُ وكدَّ الشبابُ
وأوغَل في الصَّعبِ فالأصعبِ
وعادت نواعمُ أيَّامِهِ
سِنينَ من الدأَبِ المُنصِبِ
وعُذِّبَ بالعلمِ طُلَّابُهُ
وغصُّوا بِمَنهلِه الأعذبِ
رمَتهم به شهواتُ الحياةِ
وحُبُّ النَّباهةِ والمَكسبِ
وزَهوُ الأُبوَّةِ من مُنجِبٍ
يُفاخرُ من ليس بالمُنجِبِ
وعقلٌ بعيدُ مَرامي الطِّماحِ
كبيرُ اللُّبانةِ والمأرَبِ
وَلُوعُ الرَّجاءِ بما لم تنَل
عقولُ الأوالي ولم تطلبِ
تنقَّلَ كالنجمِ من غَيهَبٍ
يَجوبُ العصورَ إلى غَيهَبِ
قديمُ الشُّعاعِ كشمسِ النهارِ
جديدٌ كمِصباحِها المُلهبِ
أبُوقْراطُ مِثلُ ابنِ سينا الرئيسِ
وهُومِيرُ مِثلُ أبى الطيِّبِ
وكلُّهمُ حجَرٌ في البِناءِ
وغرسٌ من المُثمِرِ المُعقِبِ

•••

تُؤلِّفُهم في ظِلالِ الرخاءِ
وفي كنَفِ النَّسبِ الأقربِ
وتكسرُ فيهم غُرورَ الثراءِ
وزَهوَ الولادةِ والمَنصبِ
بيوتٌ مُنزَّهةٌ كالعتيقِ
وإن لم تُستَّر ولم تُحجَبِ
يُداني ثراها ثَرى مكَّةٍ
ويقربُ في الطُّهرِ من يَثربِ
إذا ما رأيتَهمُ عندها
يموجون كالنحلِ عند الرُّبي
رأيتَ الحضارةَ في حِصنِها
هناك وفي جُندِها الأغلبِ
وتَعرضُهم مَوكبًا مَوكبًا
وتسألُ عن علَمِ المَوكبِ
دَعِ الحظَّ يطلعْ به في غدٍ
فإنك لم تدرِ من يجتبي
لقد زيَّنَ الأرضَ بالعبقريِّ
مُحلِّي السمواتِ بالكوكبِ

•••

وخدَّشَ ظفرُ الزمان الوجوهَ
وغيَّض من بِشرِها المُعجِبِ
وغالَ الحداثةَ شرخُ الشبابِ
ولُوشِيَتِ المُردُ في الشُّيَّبِ
سرى الشيبُ مُتَّئِدًا في الرءوسِ
سُرَى النارِ في الموضعِ المُعشِبِ
حريقٌ أحاطَ بخيطِ الحياةِ
تعجَّبتُ كيف عليهم غبي
ومَن تظهرِ النارُ في داره
وفي زرعِه منهمُ يَرعبِ
قدِ انصرَفوا بعد عِلمِ الكتابِ
لِبَابٍ من العلمِ لم يُكتَبِ
حياةٌ يُغامرُ فيها امرؤٌ
تسلَّحَ بالنابِ والمِخلَبِ
وصارَ إلى الفاقةِ ابنُ الغنيِّ
ولاقى الغِنى ولدُ المُترِبِ
وقد ذهب المُمتلي صحَّةً
وصحَّ السقيمُ فلم يذهبِ
وكم مُنجِبٍ في تلقِّي الدروسِ
تلقَّى الحياةَ فلم يُنجِبِ
وغابَ الرِّفاقُ كأن لم يكن
بهم لك عهدٌ ولم تَصحبِ
إلى أن فنُوا ثُلَّةً ثُلَّةً
فَناءَ السرابِ على السَّبسبِ

لُبنان

السِّحرُ من سُودِ العيونِ لقِيتُهُ
والبابليُّ بلحظِهنَّ سُقِيتُهُ
الفاتراتِ وما فتَرنَ رمايةً
بمُسدَّدٍ بينَ الضلوعِ مَبيتُهُ
الناعساتِ المُوقظاتي للهوى
المُغرِياتِ به وكنتُ سَلِيتُهُ
القاتلاتِ بعابثٍ في جَفنه
ثملِ الغِرارِ مُعربِدٍ إصليتُهُ٥
الشارعاتِ الهُدْبَ أمثالَ القنا
يُحيِي الطَّعينَ بنظرةٍ ويُميتُهُ
الناسجاتِ على سواءِ سطوره
سَقَمًا على مِنوالِهنَّ كُسِيتُهُ

•••

وأغنَّ أكحَلَ من مَها «بِكْفيَّةٍ»
علِقَت مَحاجرُه دمي وعَلِقتُهُ
لُبنانُ دارَتُه وفيه كِناسُهُ
بينَ القنا الخطَّارِ خُطَّ نحيتُهُ
السلسبيلُ من الجداولِ وِرْدُهُ
والآسُ من خُضرِ الخمائلِ قُوتُهُ
إن قلتُ تمثالُ الجمال مُنصَّبًا
قال الجمالُ براحتيَّ مثَلتُهُ
دخل الكنيسةَ فارتقبتُ فلم يُطِل
فأتَيتُ دونَ طريقِه فزحمتُهُ
فازوَرَّ غضبانًا وأعرَض نافرًا
حالٌ من الغِيدِ المِلاحِ عرفتُهُ
فصرفتُ تَلعابي إلى أترابه
وزعمتُهنَّ لُبانتي فأغرتُهُ
فمشى إليَّ وليس أوَّلَ جؤذرٍ
وقعَت عليه حبائلي فقنصتُهُ
قد جاءَ من سِحرِ الجفون فصادَني
وأتيتُ من سِحرِ البيان فصِدتُهُ
لما ظفرتُ به على حَرَمِ الهُدى
لابنِ البَتولِ وللصلاةِ وهبتُهُ٦
قالت ترى نجمَ البيان فقلتُ بل
أفُقُ البيانِ بأرضكم يمَّمتُهُ
بلَغَ السُّها بشموسه وبدُوره
لُبنانُ وانتظَمَ المَشارقَ صِيتُهُ
من كلِّ عالي القَدرِ من أعلامه
تتهللُ الفُصحى إذا سمَّيتُهُ
حامي الحقيقة لا القديمُ يَئودُهُ
حفظًا ولا طلبُ الجديدِ يفوتُهُ
وعلى المَشيدِ الفخمِ من آثاره
خُلُقٌ يَبينُ جلالُه وثبوتُهُ
في كلِّ رابيةٍ وكلِّ قرارةٍ
تِبرُ القرائحِ في الترابِ لمحتُهُ
أقبلتُ أبكي العلمَ حول رسومهم
ثم انثنيتُ إلى البيانِ بكيتُهُ
لبنانُ والخُلدُ اختراعُ الله لم
يُوسَم بأزيَنَ منهما ملكوتُهُ
هو ذِروةٌ في الحُسنِ غيرُ مَرومةٍ
وذَرا البراعةِ والحِجا «بيروتُهُ»
مَلِكُ الهضابِ الشُّمِّ سلطانُ الرُّبا
هامُ السحابِ عروشُه وتُخوتُهُ
سيناءُ شاطَرَه الجلالَ فلا يُرى
إلا له سُبُحاتُه٧ وسُموتُهُ٨
والأبلقُ الفردُ انتهَت أوصافُهُ
في السُّؤددِ العالي له ونُعوتُهُ
جبلٌ على آذارَ يُزري صيفُهُ
وشتاؤه يَئد القُرى جبروتُهُ
أبهى من الوشْي الكريمِ مُروجُهُ
وألذُّ من عَطلِ٩ النُّحورِ مُروتُهُ١٠
يَغشى روابيَه على كافورِها
مِسكَ الوهادِ فَتيقُه وفَتيتُهُ١١
وكأن أيامَ الشباب رُبوعُهُ
وكأن أحلامَ الكِعابِ بيوتُهُ
وكأن ريعانَ الصِّبا ريحانُهُ
سِرُّ السرورِ يَجودُه ويقوتُهُ١٢
وكأن أثداءَ النواهدِ تِينُهُ
وكأن أقراطَ الولائدِ توتُهُ
وكأن همْسَ القاعِ في أذُنِ الصَّفا١٣
صوتُ العتابِ ظهورُه وخُفوتُهُ
وكأن ماءَهما وجرْسَ١٤ لُجَينه
وضَحُ١٥ العروسِ تُبينُه وتُصيتُهُ١٦

•••

زعماءَ لُبنانَ وأهلَ نَديِّهِ
لبنانُ في ناديكمُ عظَّمتُهُ
قد زادني إقبالُكم وقَبولُكم
شرفًا على الشرفِ الذي أُولِيتُهُ
تاجُ النيابة في رفيعِ رءوسكم
لم يُشْرَ لؤلؤه ولا ياقوتُهُ
«موسى»١٧ عدوُّ الرِّقِّ حولَ لوائكم
لا الظُّلمُ يُرهِبه ولا طاغوتُهُ
أنتم وصاحبُكم إذا أصبحتمُ
كالشهرِ أكملَ عدَّةً موقوتُهُ
هو غُرَّةُ الأيامِ فيه وكلكم
آحادُه في فضلها وسُبوتُهُ

المؤتمر١٨

صرحٌ على الوادي المُبارَكِ ضاحي
مُتظاهرُ الأعلامِ والأوضاحِ
ضافي الجلالة كالعَتيقِ مُفضِّلٌ
ساحاتِ فضلٍ في رِحابِ سَماحِ
وكأن رفرفَه رِواقٌ من ضُحًى
وكأن حائطَه عمودُ صَباحِ
الحقُّ خلفَ جَناحٍ استذرى١٩ به
ومَراشدُ السلطانِ خلفَ جَناحِ
هو هيكلُ الحريةِ القاني له
ما للهياكلِ من فِدًى وأضاحِ
يُبنى كما تُبنى الخنادقُ في الوغى
تحتَ النِّبالِ وصَوبِها السَّحَّاحِ
ينهارُ الاستبدادُ حولَ عِراصِهِ
مِثلَ انهيارِ الشِّركِ حولَ «صَلاحِ»٢٠
ويُكَبُّ طاغوتُ الأمورِ لوَجهِهِ
مُتحطِّمَ الأصنامِ والأشباحِ
هو ما بَنى الأعزالُ بالراحاتِ أو
هو ما بَنى الشهداءُ بالأرواحِ
أخَذَته «مصرُ» بكلِّ يومٍ قاتمٍ
وَرْدِ الكواكبِ أحمرِ الإصباحِ
هبَّت سِماحًا بالحياةِ شبابُها
والشِّيبُ بالأرماقِ غيرُ شِحاحِ
ومشَت إلى الخيل الدوارعُ وانبرَت
للظَّافرِ الشاكي بغيرِ سلاحِ
وقَفاتُ حقٍّ لم تقِفْها أُمَّةٌ
إلا انثنَت آمالُها بنجاحِ
وإذا الشُّعوبُ بنَوا حقيقةَ مُلكِهم
جعلوا المآتمَ حائطَ الأفراحِ

•••

بُشرى إلى الوادي تهزُّ نَباتَهُ
هَزَّ الربيعِ مَناكبَ الأدواحِ
تسري ملمَّحةَ الحُجولِ٢١ على الرُّبا
وتسيل غُرَّتُها بكلِّ بِطاحِ
الْتامَتِ الأحزابُ بعدَ تصدُّعٍ
وتصافَتِ الأقلامُ بعدَ تَلاحي
سُحِبَت على الأحقادِ أذيالُ الهوى
ومشى على الضَّغْنِ الودادُ الماحي
وجرَت أحاديثُ العتابِ كأنها
سَمَرٌ على الأوتارِ والأقداحِ
ترمي بطَرْفِكَ في المَجامعِ لا ترى
غيرَ التعانقِ واشتباكِ الراحِ

•••

شمسَ النهارِ تعلَّمي الميزانَ من
«سعدِ» الديارِ وشيخِها النَّضَّاحِ٢٢
مِيلي انْظُرِيه في النديِّ كأنَّه
«عثمانُ» عن أمِّ الكتابِ يُلاحي
كم تاجِ تضحيةٍ وتاجِ كرامةٍ
للعينِ حولَ جبينِه اللَّمَّاحِ
والشَّيبُ مُنبثِقٌ كنورَ الحقِّ من
فَودَيهِ أو فجرِ الهدى المُنصاحِ٢٣
لبَّى أذانَ الصُّلحِ أوَّلَ قائمٍ
والصلحُ خُمسُ قواعدِ الإصلاحِ
سبقَ الرجالَ مُصافِحًا ومُعانِقًا
يُمنى السَّماحِ وهيكلَ الإسجاحِ٢٤
«عدلي» الجليلُ ابنُ الجليلِ من الملا
والماجدُ ابنُ الماجدِ المِسماحِ
حُلوُ السجيةِ في قناةٍ مُرَّةٍ
ثَمِلُ الشمائلِ في وَقارٍ صاحِ

•••

شتَّى فضائلَ في الرجال كأنها
شتَّى سلاحٍ من قنًا وصِفاحِ٢٥
فإذا هي اجتمعت لِمُلكٍ جبهةً
كانت حصونَ مَناعةٍ ونِطاحِ
اللهُ ألَّف للبلاد صدورَها
من كلِّ داهيةٍ وكلِّ صُراحِ
وزراءُ مملكةٍ دَعائمُ دولةٍ
أعلامُ مؤتمرٍ أُسودُ صَباحِ٢٦
يبنون بالدستورِ حائطَ مُلكِهم
لا بالصِّفاحِ ولا على الأرماحِ
وجواهرُ التيجانِ ما لم تُتَّخَذ
من مَعدِنِ الدستورِ غيرُ صِحاحِ

•••

احتلَّ حِصنَ الحقِّ غيرُ جنودِهِ
وتكالبت أيدٍ على المِفتاحِ
ضجَّت على أبطالِها ثُكُناتُهُ
واستوحشَت لِكُمَاتِها النُّزاحِ
هُجرَت أرائكُهُ وعُطِّلَ عُودُهُ
وخلا من الغادين والرُّواحِ
وعلاه نسجُ العنكبوتِ فزاده
كالغارِ من شرفٍ وسمتِ٢٧ صلاحِ

•••

قُل للبنينَ مقالَ صدقٍ واقتصِد
ذرعُ الشبابِ يَضيقُ بالنُّصَّاحِ
أنتم بنو اليوم العصيبِ نشأتمُ
في قصفِ أنواءٍ وعصفِ رياحِ
ورأيتمُ الوطنَ المؤلَّفَ صخرةً
في الحادثاتِ وسَيلِها المُجتاحِ
وشهِدتمُ صدعَ الصفوفِ وما جنى
من أمرِ مُفتاتٍ ونهيِ وَقاحِ
صوتُ الشعوبِ من الزئيرِ مُجمَّعًا
فإذا تفرَّقَ كان بعضَ نُباحِ
أظمَتكمُ الأيامُ ثم سقَتكمُ
رَنقًا من الإحسانِ غيرَ قَراحِ
وإذا مُنِحتَ الخيرَ من مُتكلِّفٍ
ظهرَت عليه سجيةُ المَنَّاحِ
ترَكَتكمُ مِثلَ المَهيضِ جَناحُهُ
لا في الحبال ولا طليقَ سَراحِ
من صيَّرَ الأغلالَ زهرَ قلائدٍ
وكسا القيودَ مَحاسنَ الأوضاحِ
إن التي تبغون دون مَنالها
طولُ اجتهادٍ واضطرادُ كِفاحِ
سِيروا إليها بالأناةِ طويلةً
إن الأناةَ سبيلُ كلِّ فَلَاحِ
وخذوا بِناءَ المُلكِ عن دستوركم
إن الشِّراعَ مُثقِّفُ المَلَّاحِ
يا دارَ محمودٍ سَلِمتِ وبُورِكَت
أركانُكِ الهرميَّةُ الصُّفَّاحِ٢٨
وازددتِ من حُسنِ الثناءِ وطِيبه
حجرًا هو الدُّرِّيُّ في الأمداحِ
الأُمةُ انتقلَت إليكِ كأنما
أنزلتِها من بيتها بجَناحِ
بركاتُ شيخٍ بالصعيدِ مُحمَّلٍ
عِبءَ السنينَ مُؤمَّلٍ نفَّاحِ
بالأمس جادَ على القضيةِ بِابنِهِ
واليومَ آواها بأكرَمِ ساحِ

النَّسر المصري٢٩

أعُقابٌ في عَنان الجوِّ لاحْ
أم سحابٌ فرَّ من هُوجِ الرياحْ
أم بِساطُ الريحِ ردَّته النوى
بعدما طوَّف في الدهر وساحْ
أو كأن البرجَ ألقى حُوتَهُ
فتَرامى في السمواتِ الفِساحْ

•••

أقبلَت مِن بُعُدٍ تحسبُها
نحلةً عنَّت وطنَّت في الرياحْ
يا سلاحَ العصر بُشِّرْنا به
كلُّ عصرٍ بكَميٍّ وسلاحْ
إنَّ عِزًّا لم يُظلَّلْ في غدٍ
بجناحَيكَ ذليلٌ مُستباحْ
فتكاثَرْ وتألَّفْ فَيلقًا
تَعصمُ السِّلمَ وتعلو للكفاحْ
مصرُ للطير جميعًا مَسرحٌ
ما لنا فيه ذُنابى أو جَناحْ
رُبَّ سِربٍ قاطعٍ مرَّ به
هبطَ الأرضَ مَليًّا واستراحْ
لِمَ لا يفتنُّ فِتيانَ الحِمى
ذلك الإقدامُ أو ذاك الطِّماحْ
من فتًى حلَّ من الجوِّ بهم
فتلقَّوه على هامٍ وراحْ
إنه أوَّلُ عُصفورٍ لهم
هزَّ في الجوِّ جَناحَيه وصاحْ
دبَّت الهِمَّةُ فيه ومشَت
عزَماتٌ منكَ يا «حربُ»٣٠ صِحاحْ
ناطَحَ النجمَ فتًى علَّمتَهُ
في حياةٍ حُرَّةٍ كيف النِّطاحْ
لك في الأجيالِ تمثالٌ مشى
وجدوا الرُّشدَ عليه والصَّلاحْ
جاوَزَ النيلَ وعَبرَيه إلى
أكَمِ الشام وهاتِيكَ البِطاحْ

•••

فارسَ الجوِّ سلامٌ في الذُّرا
وعلى الماءِ ومن كلِّ النَّواحْ
ثِبْ إلى النجم وزاحِمْ رُكنَهُ
وامتلِئ من خُيلاءٍ ومِراحْ
إنَّ هذا الفتحَ لا عهدَ به
لضِفافِ النيل من عهدِ «فتَاحْ»
تلك أبوابُ السماءِ انفتحَت
ما وراءَ البابِ يا طيرَ النجاحْ
أسَماءُ النيلِ أيضًا حَرَمٌ
من طريقِ الهندِ أم جوٌّ مُباحْ

•••

عينُ شمسٍ مُلِئَت من موكبٍ
كان للأبطال أحيانًا يُتاحْ
ربَّما جلَّل وجهَ الأرض أو
ربَّما سدَّ على الشمسِ السَّراحْ
إن يفُتْه الجيشُ أو رَوعتُهُ
لم يفُتْه النَّشَأُ الزُّهرُ الصِّباحْ
وفِدى «فائزةٍ» سُمْرُ القَنا
وفِدى حارسِها بِيضُ الصِّفاحْ
ولقد أبطأتَ حتى لم ينَم
للحِمى ليلٌ ولم يَنعمْ صَباحْ
فابتغى العُذرَ كِرامٌ وانبرَت
ألسُنٌ في الثَّلمِ والهَدمِ فِصاحْ
تلتوي الخيلُ على راكبها
كيف بالعاصف في يوم الجِماحْ
ليس مَن يركبُ سَرجًا ليِّنًا
مِثلَ مَن يركبُ أعرافَ الرياحْ
سِرْ رُوَيدًا في فضاءٍ سافرٍ
ضاحِكِ الصفحةِ كالفردوسِ صاحْ
طرفَت عينًا به الشمسُ فلو
خُيِّرَت لم تتحفَّز للرَّواحْ
وتكاد الطيرُ من خفَّته
تتعالى فيه من غيرِ جَناحْ
قِفْ تأمَّل من عُلوٍّ قُبَّةً
رُفِعَت للفصلِ والرأي الصُّراحْ
نزَلَ النُّوَّابُ فيها فِتيةً
في جَناحٍ وشيوخًا في جَناحْ
حملوا الحقَّ وقاموا دونه
كرَعيلِ الخيلِ أو صفِّ الرماحْ

•••

يا أبا الفاروقِ مَن ترعى ففي
كنَفِ الفضلِ وفي ظلِّ السَّماحْ
أنت من آبائك السُّحْبِ وما
في بِناءِ السُّحُبِ الأيدي الشِّحاحْ
يدُكَ السَّمحةُ في الخير وفي
هِمَّةِ الغَرسِ وفي أسوِ الجِراحْ
نحن أفلَحْنا على الأرضِ بكُم
ورجوَنا في السمواتِ الفَلَاحْ

توت عنخ آمون والبرلمان

قُم سابِقِ «الساعةَ» واسبِقْ وعدَها
الأرضُ ضاقت عنكَ فاصدعْ غِمدَها
واملأ رماحًا غورَها ونَجدَها
وافتح أصولَ النيل واسترِدَّها
شلَّالَها وعَذْبَها وعِدَّها٣١
واصرفْ إلينا جَزْرَها ومَدَّها
تلك الوجوهُ لا شكَونا فقْدَها
بيَّضتِ القُربى لنا مُسوَدَّها
سُلِلتَ من «وادي الملوكِ» فازدهى
وألقت الشمسُ عليه رأدَها
واسترجعَت دولتُه إفرِندَها
أبيضَ ريَّانَ المُتونِ ورْدَها
أبلَى ظُبا الدهرِ وفلَّ حدَّها
وأخلَقَ العصورَ واستجدَّها
سافَرَ أربعينَ قرنًا عدَّها
حتى أتى الدارَ فألفى عندها
إنجلترا وجيشَها ولُورْدَها
مسلولةَ الهنديِّ تَحمي هندَها
قامت على السودانِ تَبني سدَّها
وركَزَت دونَ القناةِ بندَها٣٢

•••

فقال والحسرةُ ما أشدَّها
ليت جدارَ القبرِ ما تَدهدَها٣٣
وليتَ عيني لم تُفارق رقْدَها
قُم نبِّني يا بنتئورُ ما دها٣٤
مِصرُ فتاتي لم تُوقِّر جَدَّها
دقَّت وراءَ مَضجعي جازْبَندَها
وخلَطت ظِباءَها وأُسْدَها
وسكبَ الساقي الطِّلا وبَدَّها٣٥
قد سحبَت على جلالي بُرْدَها
ليتَ جلالَ الموتِ كان صدَّها

•••

فقلتُ يا ماجِدَها وجعْدَها٣٦
لو لم تكُ ابنَ الشمسِ كنتَ رِئدَها٣٧
لحْدُكَ ودَّته النجومُ لحْدَها
أرَيتَنا الدنيا به وجِدَّها
سلطانَها وعزَّها ورغْدَها
وكيف يُعطى المتَّقون خُلدَها
آثاركم يُخطِي الحسابُ عدَّها
انهدمَ الدهرُ ولم يهُدَّها
أبوابُكَ اللاتي قصَدْنا قصْدَها
«كارترُ» في وجهِ الوفودِ رَدَّها
لولا جهودٌ لا نريدُ جحْدَها
وحُرمةٌ من قُربِك استمدَّها
قلتُ لك اضربْ يدَه وقُدَّها
وابعث له من البعوضِ نُكْدَها

•••

مِصرُ الفتاةُ بلَغَت أشُدَّها
وأثبتَ الدمُ الزكيُّ رُشْدَها
ولعبَت على الحبالِ وحْدَها
وجرَّبَت إرخاءَها وشَدَّها
فأرسلَت دُهاتَها ولُدَّها٣٨
في الغربِ سدُّوا عنده مَسدَّها
وبعثَت للبرلمانِ جُنْدَها
وحشدَت للمِهرجانِ حشْدَها
حدَت إليه شِيبَها ومُرْدَها
وأبرزَت كِعابَها وخَوْدَها
ونثرَت فوق الطريق ورْدَها
واستقبلَت فؤادَها ووفْدَها
مَوئلَها وكهفَها ورِدَّها٣٩
وابنَ الذين قوَّموا مَقدَّها
وألَّفوا بعدَ انفراطٍ عِقدَها
وجعلوا صحراءَ ليبيا حَدَّها
وبسطوا على الحجازِ أيْدَها
وسيَّروا العاتيَ فيه عبْدَها
حتى أتى الدارَ التي أعدَّها
لمصرَ تبني في ذَراها مجْدَها
فثبَّتَ الشُّورى وشَدَّ عَقدَها
وقلَّدَ الجيلَ السعيدَ عهدَها
سُلطتُه إلى بنينا ردَّها
يا ربِّ قوِّ يدَها وشُدَّها
وافتح لها السُّبْلَ ولا تسُدَّها
وقِس لكلِّ خطوةٍ ما بعدها
وعن صغيراتِ الأمورِ حُدَّها
واصرف إلى جِدِّ الشئونِ جِدَّها
ولا تُضِعْ على الضحايا جُهْدَها
واكبح هوى الأنفُسِ واكسِر حِقدَها
واجمع على الأمِّ الرَّءوم وُلْدَها
واملأ بألبانِ النُّبوغِ نهْدَها
ولا تدَعْها تُحيِ مُستبِدَّها
وتنتحِتْ براحتَيها فرْدَها

مَصرع اللُّورد كِتْشنر

قِف بهذا البحرِ وانظُر ما غمَرْ
مَظهرَ الشمس وإقبالَ القمرْ
واعرضِ الموجَ مَليًّا هل ترى
غَمرةً أودَت بخوَّاض الغُمَرْ
أخذَت ناحيةَ الحقِّ بهِ
وسبيلَ الناس في خالي العُصُرْ
منعَ اللُّبْثَ وإن طال المدى
فَلَكٌ ما لِعصاه مُستقَر
دائرُ الدُّولابِ بالناس على
جانبَيه المُرتقى والمُنحدَرْ
نقض «الإيوانَ» من آساسهِ
وأتى «الأهرامَ» من أُمِّ الحُجَرْ
ومحا «الحمراءَ»٤٠ إلا عمَدًا
نزعُها من عَضُدِ الأرضِ عَسِرْ
أين «روميَّةُ» ما قيصَرُها
ما لياليها المُرِنَّاتُ الوَتَرْ
أين «وادي الطَّلحِ»٤١ واللائي به
من دُمًى يَسحَبنَ في المِسكِ الحِبَرْ٤٢
أين «نابليونُ» ما غاراتُهُ
شنَّها الدهرُ عليه من غِيَرْ
أيُّها الساكنُ في ظلِّ المُنى
نَم طويلًا قد توسَّدتَ الزَّهَرْ
شجَرٌ نامٍ وظِلٌّ سابغٌ
بيْدَ أنَّ الصِّلَّ٤٣ في أصل الشجرْ
يذَرُ المرءُ ويأتي ما اشتهى
وقضاءُ اللهِ يأتي ويذَرْ
كلُّ محمولٍ على النعش أخٌ
لك صافٍ وُدُّهُ بعدَ الكَدَرْ
إن تكن سِلمًا له لم ينتفع
أو تكن حربًا فقد فات الضَّرَرْ
راكِبَ البحرِ أمَوجٌ ما ترى
أم كِتابُ الدهرِ أم صُحْفُ القَدَرْ
لُجَّةٌ ﮐ «اللَّوحِ» لا يُحصى على
قلمِ القدرةِ فيها ما سُطِرْ
فتلفَّتْ وتنسَّمْ حكمةً
والمسِ العِبرةَ من بينِ الفِقَرْ٤٤
وتأمَّلْ مَلعبًا أعجَبُهُ
آيةً جانِبُه المُرخى السُّتُرْ
ها هنا تمشي الجواري مرَحًا
وجواري الدهرِ يَمشينَ الخَمَرْ٤٥
رُبَّ سيفٍ ضربَ الجمعُ به
في كنوزِ البحر مطروحِ الكِسَرْ٤٦
ونِجادٍ لم يُطاوَل ضَحوةً
ناله الفجرُ عِشاءً بالقِصَرْ
وسفينٍ آمرٍ فيها البِلى
طالما أوحَت إليه فأتَمَرْ
ووجوهٍ ذهبَ الماءُ بها
في نهارِ الفَرقِ أو ليلِ الشَّعَرْ
وعيونٍ ساجياتٍ سُجِّيَت
برُفاتِ السِّحرِ أو فَلِّ الحَوَرْ٤٧
قُلْ للَيثٍ خُسِفَ الغِيلُ به
بينَ طِمٍّ وظلامٍ مُعتكِرْ٤٨
انظُرِ الفُلْكَ أمِنْها أثَرٌ
هكذا الدنيا إذا الموتُ حَضَرْ
هذه منزلةٌ لو زِدتَها
ضاقَ عنك السعدُ أو ضاق العُمُرْ
فامضِ شيخًا في هوى المَجدِ قضى
رحمةَ المَجدِ ورِفقًا بالكِبَرْ
مِيتةٌ لم تلقَ منها عَلَزًا٤٩
من وَقار الليثِ ألا يُحتضَرْ

•••

أنتم القومُ حِمى الماء لكم
يرجع الوِردُ إليكم والصَّدَرْ
لُجَجُ الدَّأماءِ أوطانٌ لكم
ومن الأوطانِ دُورٌ وحُفَرْ
لستَ في البحر وحيدًا فاستضِفْ
فيه آباءك تنزلْ بالدُّرَرْ
رسَبوا فيه كرامًا وطفَا
طائفُ النصرِ عليهم والظَّفَرْ

•••

نشَأَ «النيلِ» إليكم سِيرةً
لكُمُ فيها عِظاتٌ وعِبَرْ
اقرءوها يُكشَفِ العصرُ لكم
كلُّ عصرٍ برجالٍ وسِيَرْ
لا تقولوا شاعرُ الوادي غوى
من يُغالِطْ نفسَه لا يعتبرْ
موقفُ التاريخ من فوقِ الهوى
ومَقامُ الموتِ من فوقِ الهَذَرْ
ليس من مات بخافٍ عنكمُ
أو قليلِ الفعلِ فيكم والأثَرْ
شِدتُمُ دنياهُ في أحسَنِها
غزوةَ السودانِ والفتحَ الأغَر
وبنى مملكةَ النُّوبِ بكم
فاذكروا القتلى ولا تنسوا البِدَرْ٥٠
واحذروا من قِسمةِ النيلِ فيا
ضيعةَ الوادي إذا النيلُ شُطِرْ

•••

رجلٌ ليس ابنَ «قارونَ» ولا
بابن «عاديٍّ» من العَظمِ النَّخِرْ
ليس بالزاخرِ في العلم ولا
هو ينبوعُ البيانِ المُنفجِرْ
رضعَ الأخلاقَ من ألبانها
إن للأخلاق وقعًا في الصِّغَرْ
ورآها صورةً في أُمَّةٍ
ومن القدوةِ ما تُوحي الصُّوَرْ
ذلك المَجدُ وهذي سُبْلُهُ
بيِّنٌ فيها سبيلُ المُعتذِرْ
أبْعَدَ الساعونَ يَبغونَ المَدى
والمدى في المَجدِ دانٍ لِنَفَرْ
كجِيادِ السَّبقِ لن تُغنِيَها
أدواتُ السَّبقِ ما تُغنِي الفِطَرْ

•••

وجَناحُ السِّلم إلا أنها
ساعةَ الرَّوعِ جَناحٌ من سَقَرْ
من حديدٍ جانِباها سابغٍ
ربَضَ الموتُ عليه وفَغَرْ
أشبهَت أفواهُها أعجازَها
قُنفُذٌ في اليمِّ مشروعُ الإبَرْ
أرهفَت سمْعَ العصا٥١ واكتحلَت
إثْمِدَ الزرقاءِ٥٢ في عرضِ السَّدَرْ٥٣
وتؤدِّي القولَ لا يسبقُها
رُسُلُ الأرواحِ في نقلِ الفِكَرْ
خطرَت في مَحجرَيها ومشَت
بعيونِ الملكِ في بحرٍ وبَر
غابةٌ تجري بسلطانِ الشَّرى
خادرًا في ألفِ نابٍ وظُفُرْ٥٤
وإذا الموتُ إلى النفس مشى
وركِبتَ النجمَ بالموت عَثَرْ
رُبَّ ثاوٍ في الظُّبا مُمتنِعٍ
سلَّهُ المِقدارُ من جفنِ الحَذَرْ
تسحبُ الفولاذَ في مُلتطِمٍ
بالعوادي مُتعالٍ مُعتكِرْ
لو أشارَت جاءَها ساحِلُهُ
في حديدٍ وعديدٍ مُنتصِرْ
أو فَدى الميِّتَ حيٌّ فُدِيَت
بوَقاحٍ في الجواري وخَفِرْ٥٥
بعث البحرُ بها كالموج من
لُجَجِ السِّندِ وخُلجانِ الخَزَرْ٥٦
لمَسَتها للمقاديرِ يدٌ
تلمِسُ الماءَ فيَرمي بالشَّرَرْ
ضربَتها وهْي سرٌّ في الدُّجى
ليس دونَ اللهِ تحتَ الليلِ سِر
وجفَت قلبًا وخارَت جُؤجؤًا
ونزَت جَنبًا وناءَت من أُخَرْ
طُعِنَت فانبجسَت فاستصرخَت
فأتاها حَينُها فهْي خَبَرْ٥٧

البرلمان

على أثر ائتلاف الأحزاب
سكن الزمانُ ولانت الأقدارُ
ولكلِّ أمرٍ غايةٌ وقرارُ
أرْخَى الأعِنَّةَ للخطوبِ وردَّها
فَلَكٌ بكلِّ فُجاءةٍ دوَّارُ
يجري بأمرٍ أو يدورُ بضدِّهِ
لا النقضُ يُعجِزه ولا الإمرارُ
هل آذنَتنا الحادثاتُ بهدنةٍ
وهل استجاب فسالَمَ المقدارُ
سُدِلَ السِّتارُ وهل شهدتَ روايةً
لم يعترضْها في الفصولِ سِتارُ
وجرَت فما استولَت على الأمدِ المُنى
وعدَت فما حوَت المدى الأوطارُ
دونَ الجلاءِ ودون يانعِ وَردِهِ
خطواتُ شعبٍ في القتادِ تُسارُ
وبِناءُ أخلاقٍ عليه من النُّهى
سُورٌ ومن عِلمِ الزمانِ إطارُ
وحضارةٌ من منطقِ الوادي لها
أصلٌ ومن أدبِ البلادِ نِجارُ

•••

أعمَى هوى الوطن العزيز عصابةً
مُستهتَرين إلى الجرائمِ ساروا
يا سوءَ سُنَّتِهم وقُبْحَ غُلوِّهم
إنَّ العقائدِ بالغُلوِّ تُضارُ
والحقُّ أرفعُ مِلَّةً وقضيَّةً
من أن يكونَ رسولَه الإضرارُ
أُخِذَت بذنبِهم البلادُ وأُمَّةٌ
بالريفِ ما يدرون ما السِّردارُ
في فتنةٍ خُلِطَ البريءُ بغيرِهِ
فيها ولُطِّخَ بالدمِ الأبرارُ
لقِيَ الرجالُ الحادثاتِ بصبرِهم
حتى انجلَت غُمَمٌ لها وغِمارُ
لانوا لها في شدةٍ وصلابةٍ
لِينَ الحديدِ مشَت عليه النارُ
الحقُّ أبلجُ والكنانةُ حُرَّةٌ
والعزُّ للدستورِ والإكبارُ
الأمرُ شورى لا يَعيثُ مُسلَّطٌ
فيه ولا يَطغى به جبَّارُ
إن العنايةَ للبلاد تخيَّرَت
والخيرُ ما تقضي وما تختارُ
عهدٌ من الشُّورى الظَّليلةِ نُضِّرَت
آصالُه واخضلَّت الأسحارُ
تجني البلادُ به ثمارَ جهودِها
ولكلِّ جهدٍ في الحياةِ ثمارُ
بُنيانُ آباءٍ مشَوا بسلاحِهم
وبَنِينَ لم يجدُوا السلاحَ فثاروا
فيه من التلِّ المُدرَّجِ حائطٌ
ومن المَشانقِ والسجونِ جدارُ
أبَت التقيُّدَ بالهوى وتقيَّدَت
بالحقِّ أو بالواجبِ الأحرارُ
في مجلسٍ لا مالُ مصرَ غنيمةٌ
فيه ولا سلطانُ مصرَ صَغارُ
ما للرجالِ سوى المَراشدِ منهجٌ
فيه ولا غيرَ الصَّلاحِ شِعارُ
يتعاونون كأهلِ دارٍ زُلزِلَت
حتى تقرَّ وتطمئنَّ الدارُ
يُجرُون بالرفقِ الأمورَ وفُلكَها
والريحُ دونَ الفلكِ والإعصارُ
ومع المُجدِّدِ بالأناة سلامةٌ
ومع المُجدِّدِ بالجِماحِ عِثارُ
الأُمَّةُ ائتلفَت ورصَّ بناءها
بانٍ زعامتُه هدًى ومَنارُ
أسدٌ وراءَ السنِّ معقودُ الحُبا
يأبى ويغضبُ للشَّرى ويَغارُ
كهفُ القضيَّةِ لا تنامُ نُيوبُهُ
عنها ولا تتناعسُ الأظفارُ
يومَ الخميس وراءَ فَجرِك للهدى
صبحٌ وللحقِّ المُبينِ نهارُ
ما أنت إلا فارسيٌّ ليلُهُ
عُرسٌ وصدرُ نهارِه إعذارُ
بكَرَت تُزاحِمُ مِهرجانَك أُمَّةٌ
وتلفَّتَت خلفَ الزحامِ ديارُ
وروى مَواكبَك الزمانُ لأهله
وتنقَّلَت بجلالِها الأخبارُ
أقبلتَ بالدستور أبلجَ زاهرًا
يفتنُّ في قسَماتِه النُّظَّارُ
وذُؤابةُ الدنيا تَرِفُّ حداثةً
عن جانبَيه وللزمانِ عِذارُ
يحمي لَفائفَه ويحرسُ مهدَهُ
شيخٌ يذودُ وفِتيةٌ أنصارُ
وكأنه عيسى الهُدى في مهدِهِ
وكأن سعدًا يوسفُ النجارُ
التاجُ فُصِّل في سمائك بالضحى
منك الحُلى ومن الضحى الأنوارُ
يكسو من الدستور هامةَ رَبِّهِ
ما ليس يكسو الفاتحين الغارُ
بالحقِّ يفتحُ كلُّ هادٍ مُصلِحٍ
ما ليس يفتحُ بالقنا المِغوارُ

•••

وطني لديكَ وأنت سمحٌ مُفضِلٌ
تُنسى الذنوبُ وتُذكَرُ الأعذارُ
تاب الزمانُ إليكَ من هفواته
بوزارةٍ تُمحى بها الأوزارُ

وقال وقد أُلقيَت في حفلةٍ نسائيةٍ عظيمة انعقدت بدار التمثيل العربي برئاسة السيدة هدى شعراوي:

قُل للرجالِ طغى الأسيرْ
طيرُ الحِجالِ متى يَطيرْ
أوْهَى جناحَيهِ الحديـ
ـدُ وحزَّ ساقَيهِ الحرير
ذهبَ الحِجابُ بصبرِهِ
وأطالَ حَيرتَه السُّفور
هل هُيِّئَت درَجُ السما
ء له وهل نُصَّ الأثير
وهل استمرَّ به الجَنا
حُ وهمَّ بالنَّهْضِ الشَّكير٥٨
وسما لمَنزلِه من الد
نيا ومنزلُه خطير
ومتى تُساسُ به الرِّيا
ضُ كما تُساسُ به الوُكور
أوَكلُّ ما عند الرجا
لِ له الخواطبُ والمهور
والسجنُ في الأكواخ أو
سجنٌ يقال له القصور

•••

تالله لو أن الأديـ
ـمَ جميعَه رَوضٌ ونور
في كلِّ ظلٍّ ربوةٌ
وبكلِّ وارفةٍ غدير
وعليه من ذهبٍ سيا
جٌ أو من الياقوت سور
ما تمَّ من دونِ السما
ءِ له على الأرض الحُبور
إن السماءَ جديرةٌ
بالطير وهْو بها جدير
هي سَرجُه المشدودُ وهْـ
ـو على أعِنَّتِها أمير
حُرِّيةٌ خُلِق الإنا
ثُ لها كما خُلِق الذكور

•••

هاجَت بناتِ الشِّعرِ عَيـ
ـنٌ من بناتِ النيلِ حُور
لي بينهن ولائدٌ
هم من سوادِ العينِ نور
لا الشِّعرُ يأتي في الجما
نِ بمِثلِهنَّ ولا البحور
من أجلِهنَّ أنا الشفيـ
ـقُ على الدُّمى وأنا الغيور
أرجو وآمل أن ستجـ
ـري بالذي شِئنَ الأمور

•••

يا قاسمُ انظر كيف سا
رَ الفكرُ وانتقلَ الشعور
جابت قضيَّتُكَ البلا
دَ كأنها مَثلٌ يسير
ما الناسُ إلا أولٌ
يمضي فيخلُفُه الأخير
الفكرُ بينهما على
بُعدِ المَزارِ هو السفير
هذا البِناءُ الفخمُ ليـ
ـسَ أساسُه إلا الحَفير
إن التي خلَّفتَ أمـ
ـسِ وما سِواكَ لها نصير
نهضَ الحفيُّ بشأنِها
وسعى لخدمتِها الظهير
في ذمةِ الفُضلى هُدى
جِيلٌ إلى هادٍ فقير
أقبلنَ يسألنَ الحضا
رةَ ما يُفيدُ وما يَضير
ما السُّبْلُ بيِّنةٌ ولا
كلُّ الهداةِ بها بَصير

•••

ما في كتابكَ ظَفرةٌ
تُنعى عليكَ ولا غرور
هذَّبتَه حتى استقا
مَت من خلائقِك السطور
ووضعتَه وعلِمتَ أن
حسابَ واضعِه عسير
لك في مسائله الكلا
مُ العفُّ والجدلُ الوَقور
ولك البيانُ الجذلُ في
أثنائه العلمُ الغزير
في مَطلبٍ خَشِنٍ كَثيـ
ـرٌ في مَزالقِه العُثور
ما بالكتابِ ولا الحديـ
ـثِ إذا ذكرتَهما نَكير
حتى لَنسألُ هل تَغا
رُ على العقائد أم تُغِير
عشرونَ عامًا من زوا
لِك ما هي الشيءُ الكثير
رُعْنَ النساءَ وقد يرُو
عُ المُشفِقَ الجلَلُ اليسير
فنَسِينَ أنك كالبدو
رِ ودونَ رِفعتِكَ البُدور
تفنى السِّنونَ بها وما
آجالُها إلا شهور

•••

لقد اختلفْنا والمُعا
شِرُ قد يُخالِفه العَشير
في الرأي ثم أهاب بي
وبك المُنادِمُ والسَّمير
ومحا الرَّواحُ إلى مغا
ني الودِّ ما اقترفَ البُكور
في الرأي تضطغنُ العقو
لُ وليس تضطغنُ الصدور

•••

قُل لي بعيشِك أين أنـ
ـتَ وأين صاحبُك الكبير
أين الإمامُ وأين إسـ
ـماعيلُ والملأُ المُنير
لمَّا نزلتُم في الثرى
تاهت على الشُّهُبِ القبور
عصرُ العباقرةِ النجو
مِ بنوره تمشي العصور

تكريم حسنين بك بمناسبة طيرانه

جِنٌّ على حَرَمِ السماءِ أغاروا
أم فِتيةٌ ركبوا الجَناحَ فطاروا
من كلِّ أهوَجَ في الهواءِ عِنانُهُ
هُوجُ الرياحِ وسَرجُه الإعصارُ
يبغي حِجابَ الشمسِ يطلب عندها
عزًّا تَحمَّله الجُدودُ وساروا
لم يبقَ منه ومن حضارةِ عهدِهِ
إلَّا صُوًى محجوجةٌ ومَنار
ومقالةُ الأجيالِ لم يَلحقْ بهم
بانٍ ولم يُدرِكْهمُ حفَّار

•••

طلعوا على الوادي برايةِ عصرهم
ولكلِّ عصرٍ رايةٌ وشِعار
اثنانِ ثم ترى النسورَ كثيرةً
من كلِّ ناحيةٍ لها أوكار
سِرُّ النجاحِ ورُكْنُ كلِّ حضارةٍ
هِمَمٌ من المتطوِّعين كِبار
نُسِخَت بأبطال السماءِ بطولةٌ
في الأرضِ يُوشِكُ رُكنُها ينهار
هذا زمانٌ لا الأعِنَّةُ منزلٌ
للبأس فيه ولا الأسِنَّةُ دار
ما البأسُ إلا من جَناحَي خاطفٍ
في البَرِّ والبحرِ اسمُه الطيَّار
أترى السلامةَ في السماءِ وظلَّها
أم بالسماءِ يصولُ الاستعمار
حَرَمُ الهدى والحقِّ رِيعَ جلالُهُ
وغدا وراحَ بجانبَيهِ دَمار
يا جائبَ الصحراءِ مِلءُ سرابِها
غَرَرٌ ومِلءُ تُرابِها أخطار
يَكفيك من هِمَمِ الشجاعةِ ليلةٌ
لك من غوائلها خلَت ونهار
لما اعتمدتَ على الجَناحِ تلفَّتَت
بِيدٌ وقلَّبَت العيونَ قِفار
في كلِّ صحراءٍ وكلِّ تنُوفةٍ
أرضٌ عليك من السماءِ تَغار
«حسَنينُ» لو لم يَعذِروكَ لَبادرَت
لكَ من لسانِ جِراحِكَ الأعذار
للهِ سرجُك في السماءِ فإنه
سرجُ الأهِلَّةِ ما عليه غُبار
عرَضَ الخُسوفُ له فما أزْرَى به
ما في الخسوفِ على الأهِلَّةِ عار
أوَلم تطَأ أرضَ السماءِ ولم تدُر
حيثُ الشموسُ تدورُ والأقمار
ألقى أبو الفاروق نحوَك بالَهُ
وتشاغلَت بك أُمَّةٌ ودِيار
مَلِكٌ رُحِمتَ بقُربِه وجِوارِهِ
حتى كأنك للعناية جار

•••

نُصِبَ السُّرادقُ والمطارُ وحلَّقَت
في الجوِّ تلمِسُ شخْصَك الأبصار
فلمَستَ أقضيَةَ السماءِ وأسفَرَت
حتى نظَرتَ وُجوهَها الأقدار
قدَرٌ على يُمنى يدَيهِ سلامةٌ
لك حيثُ مِلتَ وفي السماءِ عِثار
فإذا سقَطتَ على حديدٍ مُضرَمٍ
صدَفَ الحديدُ ولم تنَلكَ النار
ماذا لقيتَ من النجائبِ كلِّها
قُل لي أعِندَكَ للنجائبِ ثار
هذي تَعثَّرُ في الزِّمام وتلك لا
تمضي وأخرى في السُّلوك تَحار
فشلٌ يُعظَّمُ كالنجاحِ عليه من
شرفِ الجروحِ ونورِهنَّ فَخار
لو لم يكن قَتلى وجَرحى في الوَغى
لم يعلُ هامَ الظافرين الغار

صقر قريش (عبد الرحمن الداخل)

موشَّحٌ أندلسي
مَن لِنِضوٍ يتنزَّى٥٩ ألمَا
برَّحَ الشوقُ به في الغَلَسِ
حنَّ لِلبانِ وناجى العَلما
أين شرقُ الأرضِ من أندلسِ

•••

بُلبلٌ علَّمه البَينُ البيانْ
باتَ في حَبلِ الشُّجونِ ارتَبكا
في سماءِ الليلِ مَخلوعَ العِنانْ
ضاقت الأرضُ عليه شَبَكا
كلما استوحشَ في ظلِّ الجِنانْ
جُنَّ فاستضحَكَ مِن حيثُ بكى
ارتدى بُرنسَه والْتثَما
وخَطا خُطوةَ شيخٍ مُرعَسِ٦٠
ويُرى ذا حَدَبٍ إن جثَما
فإن ارتدَّ بدا ذا قَعَسِ٦١

•••

فَمُهُ القاني على لَبَّتِهِ
كبقايا الدمِ في نَصلٍ دقيقْ
مدَّه فانشقَّ من مَنبِتِهِ
مَن رأى شِقَّي مِقَصٍّ مِن عَقِيق
وبكى شجْوًا على شعبتِهِ
شجْوَ ذاتِ الثُّكلِ في السِّترِ الرقيق
سلَّ مِن فِيهِ لسانًا عَنَما٦٢
ماضيًا في البثِّ لم يَحتبسِ
وتَرٌ من غيرِ ضربٍ رنَّما
في الدُّجى أو شرَرٌ من قَبَسِ

•••

نفَرَت لَوْعتُه بعدَ الهدوءْ
والدُّجى بيتُ الجوى والبُرَحا
يَتعايا بجَناحٍ ويَنوءْ
بجَناحٍ مُذ وَهَى ما صلَحا
ساءه الدهرُ وما زال يَسوءْ
ما عليه لو أسا ما جَرَحا
كلَّما أدْمَى يدَيه نَدَما
سالتا من طَوقِه والبُرنُسِ
فَنِيَت أهدابُه إلا دَما
قامَ كالياقوتِ لم يَنبجسِ٦٣

•••

مدَّ في الليلِ أنينًا وخفَقْ
خفَقانَ القُرطِ في جُنحِ الشَّعَرْ
فرَغَت منه النَّوى غيرَ رمَقْ
فضلةَ الجُرحِ إذا الجُرحُ نَغَرْ٦٤
يتلاشى نزَواتٍ في حُرَقْ
كذُبالٍ آخِرَ الليلِ استعرْ
لم يكن طَوقًا ولكنْ ضرَما
ما على لَبَّتِه من قَبَسِ
رحمةُ اللهِ له هل عَلِما
أنَّ تلك النفسَ من ذا النَّفَسِ

•••

قلتُ لليلِ ولليلِ عَوادْ
مَن أخو البثِّ فقال ابنُ فِراقْ
قلتُ ما واديه قال الشَّجْوُ وادْ
ليس فيه من حِجاز أو عراقْ
قلتُ لكنْ جَفنُه غيرُ جوادْ
قال شرُّ الدمعِ ما ليس يُراقْ
نَغبطُ الطيرَ وما نعلَم ما
هي فيه من عذابٍ بَئِسِ
فدَعِ الطيرَ وحظًّا قُسِما
صيَّرَ الأيكَ كدُورِ الأنَسِ

•••

ناحَ إذ جَفناي في أسْرِ النجومْ
رسَفا في السُّهدِ والدَّمعُ طليقْ٦٥
أيُّها الصارخُ من بحرِ الهمومْ
ما عسى يُغنِي غريقٌ عن غريقْ
إن هذا السَّهمَ لي منه كُلُومْ
كلُّنا نازحُ أيكٍ وفريقْ
قلِّبِ الدنيا تَجِدْها قِسَما
صُرِّفَت من أنعُمٍ أو أبؤسِ
وانظرِ الناسَ تَجِدْ من سَلِما
من سهامِ الدهرِ شجَّته القِسِي

•••

يا شبابَ الشرقِ عُنوانَ الشبابْ
ثمراتِ الحَسَبِ الزَّاكي النَّميرْ
حسْبُكم في الكرمِ المحضِ اللُّبابْ
سيرةٌ تبقى بقاءَ ابنَي سَميرْ٦٦
في كتابِ الفخرِ ﻟ «الداخلِ»٦٧ بابْ
لم يَلِجْه من بني المُلكِ أميرْ
في الشموسِ الزُّهرِ بالشام انتمى
ونَمَى الأقمارَ بالأندلسِ
قعد الشرقُ عليهم مأتما
وانثنى الغربُ بهم في عُرُسِ

•••

هل لكم في نبأٍ خيرِ نبأْ
حِليةِ التاريخِ مأثورٍ عظيمْ
حلَّ في الأنباءِ ما حلَّت سبأْ
منزلَ الوسطى من العِقدِ النَّظيمْ
مِثلَه المِقدارُ يومًا ما خبأْ
لسَليبِ التاجِ والعرشِ كظيمْ
يُعجِزُ القُصَّاصَ إلا قلَما
في سوادٍ من هوًى لم يُغمَسِ
يُؤثِرُ الصدقَ ويَجزي عَلَما
قلَبَ العالمَ لو لم يُطمَسِ

•••

عن عِصاميٍّ نبيلٍ مُعرِقِ
في بُناةِ المجدِ أبناءِ الفَخارْ
نهضت دَوْلَتهُم بالمشرقِ
نهضةَ الشمس بأطرافِ النهارْ
ثم خانَ التاجُ ودَّ المَفرِقِ
ونبَت بالأنجُمِ الزُّهرِ الديارْ
غفلوا عن ساهرٍ حولَ الحِمى
باسطٍ من ساعِدَي مُفترِسِ
حامَ حولَ المُلكِ ثم اقتحما
ومشى في الدمِ مشْيَ الضَّرِسِ

•••

ثأرُ عثمانَ لمروانَ مَجازْ
ودمَ السِّبطِ٦٨ أثارَ الأقرَبونْ
حسَّنوا للشام ثأرًا والحجازْ
فتَغالى الناسُ فيما يطلبونْ
مكرُ سُوَّاسٍ على الدَّهماءِ جازْ
ورُعاةٌ بالرعايا يلعبونْ
جعلوا الحقَّ لبَغيٍ سُلَّما
فهْو كالسِّترِ لهم والتُّرُسِ
وقديمًا بِاسمِه قد ظَلَما
كلُّ ذي مِئذنةٍ أو جرَسِ

•••

جُزِيَت مَروانُ٦٩ عن آبائِها
ما أراقوا من دماءٍ ودُموعْ
ومن النفسِ ومن أهوائها
ما يؤدِّيه عن الأصلِ الفُروعْ
خلَتِ الأعوادُ من أسمائها
وتغطَّت بالمصاليب الجُذوعْ
ظلَمَت حتى أصابَت أظْلَما٧٠
حاصِدَ السيف وبيءَ المَحبسِ
فَطِنًا في دعوةِ الآلِ لما
همس الشاني وما لم يَهمسِ

•••

لبِسَت بُرْدَ النبيِّ النَّيِّراتْ
من بني العباس نورًا فوقَ نُورْ
وقديمًا عندَ مَروانَ تِراتْ
لزكِيَّاتٍ من الأنفُسِ نُورْ
فنجا الداخلُ سبْحًا بالفُراتْ
تارِكَ الفتنةِ تطغى وتَنورْ٧١
غسَّ٧٢ كالحُوتِ به واقتحما
بين عِبرَيهِ عيونَ الحرَسِ
ولقد يُجدِي الفتى أن يعلَما
صهوةَ الماءِ ومتنَ الفَرَسِ

•••

صَحِبَ الداخلَ من إخوتِهِ
حدثٌ خاضَ الغُمارَ ابنَ ثَمانْ
غلَبَ الموجَ على قُوَّتِهِ
فكأنَّ الموجَ من جُندِ الزمانْ
وإذا بالشَّطِّ من شِقوَتِهِ
صائحٌ صاحَ به نِلتَ الأمانْ
فانثنى مُنخدِعًا مُستسلِما
شاةٌ اغترَّت بعهدِ الأطلسِ٧٣
خَضَبَ الجندُ به الأرضَ دَما
وقلوبُ الجندِ كالصخرِ القَسِي

•••

أيها اليائسُ مُت قبلَ المماتْ
أو إذا شئتَ حياةً فالرَّجا
لا يَضِقْ ذَرعُك عندَ الأزماتْ
إنْ هي اشتدَّت وأمِّلْ فَرَجا
ذلك الداخلُ لاقى مُظلِماتْ
لم يكن يأملُ منها مَخرجا
قد تولَّى عِزُّه وانصرما
فمضى من غَدِه لم ييئسِ
رامَ بالمغربِ مُلكًا فرمى
أبعدَ الغَمرِ وأقصى اليَبَسِ

•••

ذاك واللهِ الغِنى كلُّ الغِنى
أيُّ صعبٍ في المعالي ما سَلَكْ
ليس بالسائل إن همَّ متى
لا ولا الناظرِ ما يُوحِي الفَلَكْ
زايَلَ المُلكُ ذَويهِ فأتى
مُلْكَ قومٍ ضيَّعوه فمَلَكْ
غمَراتٌ عارَضَت مُقتحِما
عالِيَ النفسِ أشَمَّ المَعطسِ٧٤
كلُّ أرضٍ حلَّ فيها أو حِمى
منزلُ البدرِ وغابُ البَيهسِ٧٥

•••

نزَلَ النَّاجي على حُكمِ النَّوى
وتَوارى بالسُّرى من طالِبِيهْ
غيرَ ذي رَحلٍ ولا زادٍ سِوى
جوهرٍ وافاه من بيتِ أبيهْ
قمرٌ لاقى خُسوفًا فانزوى
ليس من آبائه إلا نَبِيهْ
لم يَجِدْ أعوانَه والخَدَما
جانَبوه غيرَ «بَدرِ» الكيِّسِ
من مَوالِيه الثِّقاتِ القُدما
لم يخُنْه في الزمانِ المُوئِسِ

•••

حينَ في أفريقيا انحلَّ الوِئامْ
واضمحلَّت آيةُ الفتحِ الجليلْ
ماتت الأُمَّةُ في غيرِ الْتئامْ
وكثيرٌ ليس يلتامُ قليلْ
يَمَنٌ سلَّت ظُباها والشآمْ
شامَها٧٦ هِنديَّةً ذاتَ صَليلْ
فرَّقَ الجندَ الغِنى فانقسما
وغدا بينهم الحقُّ نَسِي
أوحَشَ السُّؤددُ فيهم وسَما
للمعالى من به لم تأنسِ

•••

رُحِموا بالعبقريِّ النَّابِهِ
البعيدِ الهِمَّةِ الصَّعبِ القِيادْ
مدَّ في الفتحِ وفي أطنابِهِ
لم يقِف عندَ بِناءِ ابن زِيادْ٧٧
هجرَ الصَّيدَ فما يُعنى به
وهْو بالملكِ رفيقٌ ذو اصطيادْ
سلْ به أندلسًا هل سَلِما
من أخي صيدٍ رفيقٍ مَرِسِ٧٨
جرَّد السيفَ وهزَّ القلما
ورمى بالرأي أُمَّ الخُلَسِ٧٩

•••

بسلامٍ يا شِراعًا ما دَرى
ما عليه من حياءٍ وسَخاءْ
في جَناحِ المَلَكِ الرُّوحِ٨٠ جَرى
وبريحٍ حفَّها اللُّطفُ رُخاءْ
غسلَ اليَمُّ جِراحاتِ الثَّرى
ومحا الشدةَ مَن يمحو الرَّخاءْ
هل دَرى أندلسٌ مَن قدِما
دارَه من نحوِ بيتِ المَقدِسِ
بسليلِ الأُمويِّين سَما
فتحُ موسى مُستقِرَّ الأُسُسِ

•••

أُموِيٌّ للعُلا رِحلتُهُ
والمَعالي بمَطيٍّ وطُرُقْ
كالهلالِ انفردَت نُقلتُهُ
لا يُجارِيه ركابٌ في الأفُقْ
بُنِيَت من خُلُقٍ دُولتُهُ
قد يَشِيدُ الدُّوَلَ الشُّمَّ الخُلُقْ
وإذا الأخلاقُ كانت سُلَّما
نالت النجمَ يَدُ المُلتمِسِ
فارْقَ فيها تَرْقَ أسبابَ السما
وعلى ناصيةِ الشمسِ اجْلِسِ

•••

أيَّ مُلكٍ من بِناياتٍ الهِمَمْ
أسَّسَ الدَّاخلُ في الغربِ وشادْ
ذلك الناشئُ في خيرِ الأُمَمْ
سادَ في الأرضِ ولم يُخلَقْ يُسادْ
حكَمَت فيه الليالي وحكَمْ
في عَواديها قِيادًا بِقِيادْ
سُلِبَ العزَّ بشرقٍ فرَمى
جانبَ الغربِ لعزٍّ أقعَسِ
وإذا الخيرُ لعبدٍ قُسِما
سنَحَ السَّعدُ له في النَّحَسِ

•••

أيُّها القلبُ أحقٌّ أنتَ جارْ
للذي كان على الدهرِ يُجِيرْ
ها هنا حلَّ به الرَّكبُ وسارْ
وهنا ثاوٍ إلى البعثِ الأسيرْ
فَلَكٌ بالسعدِ والنحسِ مُدارْ
صرَعَ الجامَ٨١ وألْوَى بالمُديرْ
ها هنا كنتَ ترى حُوَّ الدُّمى
فاتناتٍ بالشِّفاهِ اللُّعُسِ٨٢
ناقلاتٍ في العَبيرِ القَدَما
واطئاتٍ في حَبيرِ السُّندُسِ

•••

خُذْ عن الدنيا بليغَ العِظَةِ
قد تَجلَّت في بليغِ الكَلِمِ
طرَفاها جُمِعا في لفظةِ
فتأمَّلْ طرَفَيها تَعلَمِ
الأماني حُلُمٌ في يقظةِ
والمنايا يقظةٌ من حُلُمِ
كلُّ ذي سِقطَينِ٨٣ في الجوِّ سما
واقعٌ يومًا وإن لم يُغرَسِ
وسيلقى حَينَه نَسرُ السما
يومَ تُطوى كالكتابِ الدَّرِسِ

•••

أين يا واحدَ مروانَ عَلَمْ
مَن دعاك الصقرَ سمَّاه العُقابْ٨٤
رايةٌ صرَّفها الفردُ العَلَمْ
عن وجوهِ النصرِ تصريفَ النقابْ
كنتَ إن جرَّدتَ سيفًا أو قَلَمْ
أُبْتَ بالألباب أو دِنتَ الرِّقابْ
ما رأى الناسُ سواه عَلَما
لم يُرَمْ في لُجَّةٍ أو يبَسِ
أعَلى رُكنِ السِّماك ادَّعَما
وتغطَّى بجَناحِ القُدُسِ

•••

قصرُك «المُنيةُ» من قُرطبةِ
فيه وارَوكَ وللهِ المَصيرْ
صَدَفٌ خُطَّ على جوهرةِ
بيْدَ أن الدهرَ نبَّاشٌ بَصيرْ
لم يدَع ظلًّا لقصرِ «المُنيةِ»
وكذا عُمْرُ الأمانِيِّ قصيرْ
كنتَ صقرًا قُرشيًّا عَلَما
ما على الصقرِ إذا لم يُرمَسِ
إن تسَل أين قبورُ العُظَما
فعَلى الأفواهِ أو في الأنفُسِ

•••

كم قبورٍ زيَّنَت جِيدَ الثرى
تحتها أنجسُ من ميْتِ المجوسْ
كان مَن فيها وإن جازوا الثرى
قبلَ موتِ الجسمِ أمواتَ النفوسْ
وعظامٌ تتزكَّى عنبرا
من ثناءٍ صِرنَ أغفالَ الرُّموسْ
فاتَّخِذْ قبرَك من ذِكرٍ فما
تبنِ من محمودِه لا يُطمَسِ
هَبْكَ من حرصٍ سكنتَ الهرما
أين بانِيهِ المَنيعُ المَلمسِ

زَحلة

شيَّعتُ أحلامي بقلبٍ باكِ
ولمحتُ من طُرُق المِلاحِ شِباكي
ورجعتُ أدراجَ الشبابِ ووِرْدَهُ
أمشي مكانَهما على الأشواكِ
وبجانبي واهٍ كأن خُفوقَهُ
لما تلفَّتَ جَهشةُ المُتباكي
شاكي السلاحِ إذا خلا بضلوعه
فإذا أُهِيبَ به فليس بشاكِ
قد راعه أني طويتُ حبائلي
من بعدِ طولِ تناولٍ وفكاك
ويْحَ ابنِ جَنبي كلُّ غايةِ لذَّةٍ
بعدَ الشبابِ عزيزةُ الإدراك
لم تبقَ منَّا يا فؤادُ بقيَّةٌ
لفتوَّةٍ أو فَضلةٌ لعِراك
كنا إذا صفَّقتَ نستبقُ الهوى
ونشدُّ شدَّ العُصبةِ الفُتَّاك
واليومَ تبعث فيَّ حينَ تهزُّني
ما يبعثُ الناقوسُ في النُّسَّاك
يا جارةَ الوادي طرِبتُ وعادني
ما يُشبِهُ الأحلامَ من ذكراك
مثَّلتُ في الذكرى هواكِ وفي الكرى
والذكرياتُ صدى السنينَ الحاكي
ولقد مررتُ على الرياضِ برَبوةٍ
غنَّاءَ كنتُ حِيالَها ألقاك
ضحِكَت إليَّ وُجوهُها وعيونُها
ووجدتُ في أنفاسِها ريَّاكِ
فذهبتُ في الأيام أذكُر رَفرفًا
بين الجداولِ والعيونِ حَواك
أذَكَرتِ هَرولةَ الصبابةِ والهوى
لما خطَرتِ يُقبِّلانِ خُطاك
لم أدرِ ما طِيبُ العِناقِ على الهوى
حتى ترفَّقَ ساعدي فطواكِ
وتأوَّدَت أعطافُ بانِك في يدي
واحمرَّ من خفَرَيهما خدَّاك
ودخلتُ في ليلَينِ فَرعِك والدُّجى
ولثمتُ كالصُّبح المُنوَّرِ فاك
ووجدتُ في كُنهِ الجوانحِ نَشوةً
من طِيبِ فِيكِ ومن سُلاف لَمَاكِ
وتعطَّلَت لغةُ الكلامِ وخاطبَت
عَينيَّ في لغةِ الهوى عيناك
ومحوتُ كلَّ لُبانةٍ من خاطري
ونسيتُ كلَّ تَعاتُبٍ وتَشاكي
لا أمسِ من عمرِ الزمانِ ولا غَدٌ
جُمِعَ الزمانُ فكانَ يومَ رِضاك

•••

لُبنانُ ردَّتني إليكَ من النوى
أقدارُ سيرٍ للحياة دَرَاكِ
جمَعَت نزيلَي ظَهرِها من فُرقةٍ
كُرَةٌ وراءَ صَوالجِ الأفلاك
نمشي عليها فوقَ كلِّ فجاءةٍ
كالطيرِ فوقَ مَكامنِ الأشراك
ولوَ انَّ بالشوق المَزارُ وجدتِني
مُلقى الرحالِ على ثَراك الذاكي

•••

بِنتَ البِقاعِ وأمَّ بَردُونيِّها
طِيبِي كجِلَّقَ واسكبي بَرداك
ودمشقُ جنَّاتُ النعيم وإنما
ألفيتُ سُدَّةَ عدنِهنَّ رُباك
قسَمًا لو انتمت الجداولُ والرُّبا
لَتهلَّل الفردوسُ ثم نَماك
مَرآكِ مَرآه وعَينُكِ عُينُهُ
لِمْ يا زُحيلةُ لا يكون أباك
تلك الكُرومُ بقيَّةٌ من بابلٍ
هيهاتَ نسَّى البابليَّ جَناك
تُبدِي كوَشيِ الفُرسِ أفتَنَ صِبغةٍ
للناظرين إلى ألذِّ حِياك
خرَزاتِ مِسكٍ أو عُقودَ الكهربا
أُودِعنَ كافورًا من الأسلاكِ
فكَّرتُ في لبنِ الجِنانِ وخمرِها
لما رأيتُ الماءَ مسَّ طِلاكِ
لم أنسَ من هِبَةِ الزمانِ عشيَّةً
سلفَت بظلِّك وانقضَت بذَراك
كُنتِ العروسَ على مِنصَّةِ جِنحِها
لُبنانُ في الوَشيِ الكريم جَلاك
يمشي إليكِ اللَّحظُ في الديباجِ أو
في العاجِ من أيِّ الشِّعابِ أتاك
ضمَّت ذراعَيها الطبيعةُ رِقَّةً
صِنِّينَ والحرَمونَ٨٥ فاحتضَناكِ
والبدرُ في ثبَجِ السماءِ مُنوِّرٌ
سالت حُلاه على الثرى وحُلاكِ
والنيِّراتُ من السحابِ مُطِلَّةٌ
كالغِيدِ من سِترٍ ومن شُبَّاك
وكأنَّ كلَّ ذؤابةٍ من شاهقٍ
ركنُ المجرَّةِ أو جدارُ سِماك
سكنَت نواحي الليلِ إلا أنَّةً
في الأيكِ أو وتَرًا شَجِيَّ حَراك
شرفًا عروسَ الأَرزِ كلُّ خريدةٍ
تحتَ السماءِ من البلادِ فِداكِ
ركَزَ البيانُ على ذراكِ لواءَهُ
ومشى ملوكُ الشِّعرِ في مَغناك
أدباؤكِ الزُّهرُ الشموسُ ولا أرى
أرضًا تَمخَّضُ بالشموسِ سِواك
من كلِّ أروَعَ عِلمُه في شِعره
ويَراعُه من خُلقِه بمَلاك
جمع القصائدَ مِن رُباك وربَّما
سرق الشمائلَ من نسيمِ صَباك
«موسى» ببابكِ في المكارم والعُلا
وعَصاه في سحرِ البيانِ عَصاك
أحللتِ شِعري منكِ في عُليا الذُّرا
وجمعتِه بروايةِ الأملاك
إن تُكرِمي يا زَحلُ شِعريَ إنني
أنكرتُ كلَّ قصيدةٍ إلَّاكِ
أنتِ الخيالُ بديعُه وغريبُهُ
اللهُ صاغَك والزمانُ روَاكِ

ذِكرى استقلال سوريا وذكرى شُهدائها

حياةٌ ما نريدُ لها زِيالا
ودنيا لا نودُّ لها انتقالا
وعيشٌ في أصولِ الموت سمٌّ
عُصارتُه وإن بسَط الظلالا
وأيامٌ تطيرُ بنا سحابًا
وإن خِيلَت تدبُّ بنا نِمالا
نُرِيها في الضمير هوًى وحُبًّا
ونُسمِعها التبرُّمَ والملالا
قِصارٌ حين نُجري اللهوَ فيها
طوالٌ حين نقطعُها فِعالا
ولم تضِقِ الحياةُ بنا ولكن
زحامُ السوءِ ضيَّقها مَجالا
ولم تقتل براحتِها بَنيها
ولكن سابَقوا الموتَ اقتتالا
ولو زاد الحياةَ الناسُ سعيًا
وإخلاصًا لزادَتهم جمالا

•••

كأن الله إذ قسَم المعالي
لأهلِ الواجبِ ادَّخر الكمالا
ترى جِدًّا ولست ترى عليهم
وُلوعًا بالصغائر واشتغالا
وليسوا أرغَدَ الأحياءِ عيشًا
ولكنْ أنعَمَ الأحياءِ بالا
إذا فعلوا فخيرُ الناس فعلًا
وإن قالوا فأكرمُهم مَقالا
وإن سألتْهم الأوطانُ أعطَوا
دمًا حرًّا وأبناءً ومالا

•••

بَني البلدِ الشقيقِ عزاءَ جارٍ
أهابَ بدمعه شجنٌ فسالا
قضى بالأمس للأبطال حقًّا
وأضحى اليومَ بالشهداء غالى
يُعظِّم كلَّ جهدٍ عبقريٍّ
أكان السِّلمَ أم كان القتالا
وما زِلنا إذا دهَت الرزايا
كأرحمِ ما يكون البيتُ آلا
وقد أنسى الإساءةَ من حسودٍ
ولا أنسى الصنيعةَ والفَعالا
ذكرتُ المِهرجانَ وقد تجلَّى
ووفدَ المشرقَين وقد توالى
ودارِي بينَ أعراسِ القوافي
وقد جُلِيَت سماءً لا تُعالى
تسلَّلَ في الزحامِ إليَّ نِضوٌ
من الأحرارِ تحسبُه خيالا
رسولُ الصابرين ألمَّ وهنًا
وبلَّغَني التحيةَ والسؤالا
دنا منِّي فناولني كتابًا
أحسَّت راحتاي له جلالا
وجدتُ دمَ الأسودِ عليه مِسكًا
وكان الأصلُ في المِسكِ الغزالا
كأنَّ أساميَ الأبطالِ فيه
حواميمٌ على رَقٍّ تتالى
رواةُ قصائدي قد رتَّلوها
وغنَّوها الأسِنَّةَ والنِّصالا
إذا ركَزوا القنا انتقلوا إليها
فكانت في الخيام لهم نِقالا

•••

بَني سوريَّةَ التئِموا كيومٍ
خرجتُم تطلبون به النِّزالا
سلُوا الحريةَ الزهراءَ عنَّا
وعنكم هل أذاقَتْنا الوِصالا
وهل نِلْنا كِلانا اليومَ إلا
عراقيبَ المَواعدِ والمِطالا
عرفتُم مهرَها فمهرتُموها
دمًا صبَغَ السباسبَ والدِّغالا
وقُمتم دونها حتى خضبتُم
هوادِجَها الشريفةَ والحِجالا
دعوا في الناس مفتونًا جبانًا
يقول الحربُ قد كانت وبالا
أيطلب حقَّهم بالروحِ قومٌ
فتسمع قائلًا ركِبوا الضلالا
وكُونوا حائطًا لا صدعَ فيه
وصفًّا لا يُرقَّع بالكسالى
وعيشوا في ظلالِ السِّلم كدًّا
فليس السلمُ عجزًا واتِّكالا
ولكنْ أبعَدُ اليومينِ مَرمًى
وخيرُهما لكم نصحًا وآلا
وليس الحربُ مَركبَ كلِّ يومٍ
ولا الدمُ كلَّ آونةٍ حلالا

•••

سأذكُر ما حييتُ جدارَ قبرٍ
بظاهرِ جِلَّقٍ ركِبَ الرمالا
مُقيمٌ ما أقامت «ميسلونٌ»
يُذكِّر مَصرعَ الأسدِ الشِّبالا
لقد أوْحَى إليَّ بما شجاني
كما تُوحي القبورُ إلى الثَّكالى
تغيَّبَ عظمةُ العظَماتِ فيه
وأولُ سيِّدٍ لقِيَ النِّبالا
كأن بُناتَه رفعوا مَنارًا
من الإخلاص أو نصبوا مِثالا
سراجُ الحقِّ في ثَبجِ الصحارى
تَهابُ العاصفاتُ له ذُبالا
ترى نورَ العقيدةِ في ثراه
وتَنشقُ من جوانبه الخِلالا
مشى ومشَت فيالقُ من فرنسا
تجرُّ مَطارفَ الظفرِ اختيالا
ملأنَ الجوَّ أسلحةً خِفافًا
ووجهَ الأرضِ أسلحةً ثِقالا
وأرسلنَ الرياحَ عليه نارًا
فما حفلَ الجنوبَ ولا الشِّمالا
سلُوه هل ترجَّل في هبوبٍ
من النيرانِ أرجَلَت الجِبالا
أقامَ نهارَه يُلقِي ويَلقى
فلمَّا زال قرصُ الشمس زالا
وطاح ترى به قيدَ المنايا
ولستَ ترى الشَّكيمَ ولا الشِّكالا
فكُفِّن بالصوارمِ والعوالي
وغُيِّب حيثُ جالَ وحيثُ صالا
إذا مرَّت به الأجيالُ تَترى
سمِعتَ لها أزيزًا وابتهالا
تَعلَّق في ضمائرهم صليبًا
وحلَّق في سرائرهم هلالا

تمثال نهضة مصر

جعلتُ حُلاها وتمثالها
عيونَ القوافي وأمثالَها
وأرسلتُها في سماءِ الخيالِ
تجرُّ على النجم أذيالها
وإني لَغرِّيدُ هذي البِطاحِ
تَغذَّى جَناها وسَلسالها
ترى مِصرَ كعبةَ أشعارِهِ
وكلَّ معلَّقةٍ قالها
وتلمحُ بينَ بيوتِ القصيدِ
حِجالَ٨٦ العروسِ وأحجالها٨٧
أدارَ النسيبَ إلى حبِّها
وولَّى المدائحَ إجلالها
أرَنَّ بغابرِها العبقريِّ
وغنَّى بمِثلِ البُكى حالها
ويَروي الوقائعَ في شِعرِهِ
يَروضُ على البأس أطفالها
وما لمَحوا بعدُ ماءَ السيوفِ
فما ضرَّ لو لمَحوا آلها

•••

ويومٍ ظليلِ الضحى من بشَنسَ
أفاءَ على مصرَ آمالها
روَى ظلُّه عن شبابِ الزمانِ
رفيفَ الحواشي وإخضالها٨٨
مشَت مصرُ فيه تُعِيدُ العصورَ
ويغمرُ ذِكرُ الصِّبا بالها
وتَعرضُ في المِهرجانِ العظيمِ
ضُحاها الخوالي وآصالها

•••

وأقبلَ «رمسيسُ» جمَّ الجَلالِ
سَنِيَّ المواكبِ مُختالها
وما دانَ إلا بشُورى الأمورِ
ولا اختال كِبرًا ولا استالها٨٩
فحيَّا بأبلجَ مِثلِ الصَّباحِ
وُجوهَ البلادِ وأرسالها
وأوْمَا إلى ظلماتِ القرونِ
فشقَّ عن الفنِّ أسدالها

•••

فمن يُبلِغُ «الكرنكَ» الأقصريَّ
ويُنبِئُ «طِيبةَ» أطلالها
ويُسمِع ثَم بِوادي الملوكِ
ملوكَ الديارِ وأقيالها
وكلَّ مخلَّدةٍ في الدُّمى
هنالك لم نُحصِ أحوالها
عليها من الوَحيِ ديباجةٌ
ألحَّ الزمانُ فما ازدالها
تكاد وإن هي لم تتصل
بروحٍ تُحرِّك أوصالها
وما الفنُّ إلا الصريحُ الجميلُ
إذا خالَطَ النفسَ أوحى لها
وما هو إلا جمالُ العقولِ
إذا هي أولَته إجمالها

•••

لقد بعثَ اللهُ عهدَ الفنونِ
وأخرجَت الأرضُ مَثَّالها
تعالَوا نرى كيف سوَّى الصَّفاةَ
فتاةً تُلملِمُ سِربالها
دنَت من أبي الهول مشْيَ الرَّءومِ
إلى مُقعَدٍ هاجَ بَلبالها
وقد جاب في سكَرات الكرى
عُروضَ الليالي وأطوالها
وألقى على الرمل أرواقَهُ٩٠
وأرْسَى على الأرض أثقالها
يُخالُ لإطراقه في الرِّمالِ
سَطيحَ٩١ العصورِ ورمَّالها
فقالت تحرَّكْ فهَمَّ الجمادُ
كأن الجمادَ وعَى قالها
فهل سكبَت في تجاليدِهِ
شُعاعَ الحياةِ وسيَّالها
أتذكُرُ إذ غضبَت كاللَّباةِ٩٢
ولمَّت من الغِيلِ أشبالها
وألقت بهم في غِمارِ الخطوبِ
فخاضوا الخطوبَ وأهوالها
وثاروا فجُنَّ جُنونُ الرياحِ
وزُلزِلتِ الأرضُ زِلزالها
وبات تلمُّسُهم شيخَهم
حديثَ الشعوبِ وأشغالها
ومن ذا رأى غابةً كافحَت
فردَّت من الأسْرِ رِئبالها
وأهيَبُ ما كان بأسُ الشعوبِ
إذا سلَّح الحقُّ أعزالها

•••

«فؤادُ» ارْفَع السِّترَ عن نهضةٍ
تقدَّم جَدُّك أبطالها
ورُبَّ امرئٍ لم تَلِدْه البلادُ
نماها ونبَّه أنسالها٩٣
وليس اللآلئ مِلكَ البحورِ
ولكنها مِلكُ من نالها
وما ﮐ «عليٍّ» ولا جيلِهِ
إذا عرَضَت مصرُ أجيالها
بنَوا دولةً من بناتِ الأسِنَّـ
ـةِ لم يشهد «النيلُ» أمثالها
لئن جلَّل البحرَ أسطولُها
لقد لبِسَ البَرُّ قَسطالها٩٤
فأما أبوكَ فدنيا الحضارَ
ةِ لو سالَمَ الدهرُ إقبالها
تخيَّر «أفريقيا» تاجَهُ
وركَّب في التاجِ «صُومالها»
ركابُك يا «ابن المُعِزِّ» الغُيوثُ
ويفضُلنَ في الخير مِنوالها
إذا سِرنَ في الأرض نسَّينها
رِكابَ السماءِ وأفضالها
فَلم تبرح القصرَ إلا شفَيتَ
جُدوبَ العقولِ وإمحالها
لقد ركَّب اللهُ في ساعدَيكَ
يمينَ الجدودِ وشيمالها
تخطُّ وتَبني صُروحَ العلومِ
وتفتحُ للشَّرقِ أقفالها

الحرية الحمراء

(قيلت في احتفال بيوم ١٣ نوفمبر.)

في مِهرجانِ الحق أو يوم الدمِ
مُهَجٌ من الشهداءِ لم تتكلمِ
يبدو على هاتورَ نورُ دمائها
كدمِ الحسينِ على هلالِ محرَّمِ
يومُ الجهادِ بها كصدرِ نهارِهِ
مُتمايلُ الأعطافِ مُبتسِمُ الفمِ
طلعَت تحجُّ البيتَ فيه كأنها
زُهْرُ الملائكِ في سماءِ المَوسمِ
لِمَ لا تُطِلُّ من السماءِ وإنما
بينَ السحابِ قبورُها والأنجمِ
ولقد شجَاها الغائبون وراعَها
ما حلَّ بالبيت المُضيءِ المُظلِمِ
وإذا نظرتَ إلى الحياة وجدتَها
غُرسًا أُقيمَ على جوانبِ مأتم
لا بد للحريةِ الحمراءِ من
سلوى تُرقِّد جُرحَها كالبَلسم
وتبسُّمٍ يعلو أسِرَّتَها كما
يعلو فمَ الثَّكلى وثغرَ الأيِّم
يومُ البطولة لو شهدتُ نهارَه
لَنظمتُ للأجيالِ ما لم يُنظَمِ
غُبِنَت حقيقتُه وفات جمالُها
باعَ الخيالِ العبقريِّ المُلهَمِ
لولا عوادي النَّفي أو عقباتُهُ
والنفيُ حالٌ من عذابِ جهنمِ
لَجمَعتُ ألوانَ الحوادثِ صورةً
مثَّلتُ فيها صورةَ المُستسلِمِ
وحكيتُ فيها النيلَ كاظِمَ غيظِهِ
وحكيتُه مُتغيِّظًا لم يَكظمِ
دعَت البلادَ إلى الغِمار فغامرَت
وطنيَّةٌ بمُثقَّفٍ ومُعلِّم
ثارت على الحامي العتيد وأقسمَت
بسِواه جلَّ جلالُه لا تَحتمي
نثر الكنانةَ ربُّها وتخيَّرَت
يدُه لنُصرتِها ثلاثةَ أسهُم
من كلِّ أعزلَ حقُّه بيمينه
كالسيفِ في يُمنى الكَمِيِّ المُعلَمِ
لم يُحجِموا في ساعةٍ قد أظفرَت
مَلِكَ البِحارِ بكلِّ قيصرَ مُحجِمِ
وقفوا مَطيَّهمُ بسُلَّمِ قصرِهِ
والبأسُ والسلطانُ دون السُّلَّمِ
وتقدَّموا حتى إذا ما بلَّغوا
أوحَوا إلى مصرَ الفتاةِ تقدَّمي
سالت من الغابِ الشُّبولُ غَلا بها
لبنُ اللَّباةِ وهاجَ عِرقُ الضَّيغمِ
يومَ النضالِ كسَتكَ لونَ جمالِها
حريةٌ صبَغَت أديمَكَ بالدمِ
أصبحتَ من غُرَرِ الزمانِ وأصبحَت
ضحِكَت أسِرَّةُ وجهِكَ المُتجهِّمِ
ولقد يتِمتَ فكنتَ أعظمَ رَوعةً
يا ليتَ من «سعدِ» الحِمى لم تَيتَمِ
لِيَنَم أبو الأشبالِ مِلءَ جفونِهِ
ليس الشُّبولُ عن العرينِ بُنوَّمِ

وقال في تكريم الدكتور علي بك إبراهيم الجرَّاح العبقري:

ابتغوا ناصيةَ الشمس مكانا
وخُذوا القمَّةَ علمًا وبيانا
واطلبُوا بالعبقرياتِ المَدى
ليس كلُّ الخيلِ يشهَدنَ الرِّهانا
ابعثوها سابقاتٍ نُجُبًا
تملأُ المِضمارَ معنًى وعِيانا
وثِبُوا للعزِّ من صَهوتِها
وخذوا المجدَ عِنانًا فعِنانا
لا تُثِيبُوها على ما قلَّدَت
من أيادٍ حسدًا أو شَنآنا

•••

وضئيلٍ من أُساةِ الحيِّ لم
يُعْنَ باللحمِ وبالشحمِ اختزانا
ضامرٍ في سُفعةٍ تحسبه
نِضوَ صحراءَ ارتدى الشمسَ دِهانا
أو طبيبًا آيبًا من «طِيبةٍ»
لم تزَل تَنْدى يداه زَعفرانا
تُنكِر الأرضُ عليه جسمَهُ
واسمُه أعظمُ منها دوَرانا
نال عرشَ الطبِّ من «أمحوتبٍ»
وتَلقَّى من يدَيه الصَّولجانا
يا لأمحوتبَ من مُسْتألِهٍ
لم يلِد إلا حواريًّا هِجانا
خاشعًا لله لم يُزْهَ ولم
يُرهِق النفسَ اغترارًا وافتتانا
يلمِسُ القدرةَ لمسًا كلَّما
قلَّبَ الموتَ وجسَّ الحيوانا
لو يُرى اللهُ بمصباحٍ لما
كان إلا العلمَ جلَّ اللهُ شانا
في خلالٍ لفتَت زهْرَ الرُّبا
وسجايا أنسَتِ الشِّربَ الدِّنانا
لو أتاه مُوجَعًا حاسِدُهُ
سَلَّ من جنبِ الحسودِ السرطانا
خيرُ مَن علَّم في «القصر» ومَن
شقَّ عن مُستتِرِ الداءِ الكِنانا
كلُّ تعليمٍ تراه ناقصًا
سُلَّمٌ رَثٌّ إذا استُعمل خانا
دَرَكٌ مُستحدَثٌ من دَرَجٍ
ومن الرِّفعة ما حطَّ الدخانا

•••

لا عَدِمْنا ﻟ «السيوطيِّ» يدًا
خُلقَت للفتقِ والرَّتقِ بَنانا
تَصرفُ المِشرطَ للبُرءِ كما
صرفَ الرُّمحُ إلى النصر السِّنانا
مَدَّها كالأجلِ المبسوطِ في
طلبِ البُرءِ اجتهادًا وافتنانا
تجد الفولاذَ فيها محسنًا
أخذ الرفقَ عليها واللِّيانا
يدُ «إبراهيمَ» لو جئتَ لها
بذبيحِ الطيرِ عاد الطيرانا
لم تَخِطْ للناس يومًا كفنًا
إنما خاطت بقاءً وكِيانا
ولقد يُؤسى ذوو الجَرحى بها
من جِراحِ الدهر أو يُشفى الحزانى
نبَغَ الجيلُ على مِشرطها
في كفاحِ الموتِ ضربًا وطِعانا
لو أتت قبلَ نضوجِ الطبِّ ما
وجَدَ التنويمُ عونًا فاستعانا

•••

يا طِرازًا يبعثُ اللهُ به
في نواحي مُلكِه آنًا فآنا
من رجالٍ خُلِقوا ألويةً
ونجومًا وغيوثًا ورعانا
قادةُ الناسِ وإن لم يقربوا
طبَعاتِ الهندِ والسُّمرَ اللِّدانا
وغذاءُ الجيلِ فالجيلِ وإن
نسِيَ الأجيالُ كالطفل اللِّبانا
وهُمُ الأبطالُ كانت حربُهم
منذ شنُّوها على الجهل عَوانا

•••

يا أخي والذخرُ في الدنيا أخٌ
حاضرُ الخيرِ على الخير أعانا
لك عندَ ابني أو عندي يدٌ
لستُ آلوها ادِّكارًا وصِيانا
حسُنَت منِّي ومنه موقعًا
فجعلْنا حِرزَها الشكرَ الحسانا
هل ترى أنتَ فإني لم أجِدْ
كجميلِ الصُّنعِ بالشكر اقترانا
وإذا الدنيا خلَت من خيِّرٍ
وخلَت من شاكرٍ هانت هَوانا
دفع اللهُ «حُسينًا» في يدٍ
كيَدِ الألطافِ رِفقًا واحتضانا
لو تناوَلتُ الذي قد لمسَت
منه ما زِدتُ حِذارًا وحَنانا
جُرحُه كان بقلبي يا أبًا
لا أُنبِّيه بجُرحي كيف كانا
لطفَ اللهُ فعُوفِينا معًا
وارتهنَّا لك بالشكر لسانا

وقال وهي القصيدة التي أُلقيَت في دار الأوبرا الملكية في حفلة افتتاح مؤتمر تكريمه الذي انعقد فيها:

مرحبًا بالربيع في ريعانِهْ
وبأنوارِه وطِيبِ زمانِهْ
رَفَّت الأرضُ في مواكِب آذا
رَ وشبَّ الزمانُ في مِهرجانِهْ
نزل السهلَ ضاحِكَ البِشرِ يمشي
فيه مشْيَ الأميرِ في بُستانه
عاد حَلْيًا بِراحتَيهِ ووشْيًا
طولُ أنهارِه وعَرضُ جِنانه
لفَّ في طيلسانِه طُرَرَ الأر
ضِ فطابَ الأديمُ من طيلسانه
ساحرٌ فِتنةُ العيونِ مُبينٌ
فصَّل الماءَ في الرُّبا بجُمانه
عبقريُّ الخيالِ زاد على الطَّيـ
ـفِ وأرْبَى عليه في ألوانه
صِبغةُ الله أين منها رفائيـ
ـلُ ومِنقاشُه وسحرُ بَنانه
رنَّم الروضُ جدولًا ونسيمًا
وتلا طيرَ أيكِه غصنُ بانه
وشدَت في الرُّبا الرياحينُ هَمسًا
كتغنِّي الطَّروبِ في وِجدانه
كلُّ ريحانةٍ بلحنٍ كعُرسٍ
أُلِّفَت للغناءِ شتَّى قِيانه
نغَمٌ في السماءِ والأرضِ شتَّى
من معاني الربيع أو ألحانه
أين نورُ الربيعِ من زهَر الشِّعـ
ـرِ إذا ما استوى على أفنانه
سَرمدُ الحُسنِ والبشاشةِ مهما
تلتمسْهُ تجِدْه في إبَّانه
حَسنٌ في أوانِه كلُّ شيءٍ
وجمالُ القريضِ بعدَ أوانه
مَلَكٌ ظِلُّه على رَبوةِ الخُلـ
ـدِ وكُرسيُّه على خُلجانه
أمرَ اللهُ بالحقيقةِ والحكـ
ـمةِ فالتفَّتا على صَولجانه
لم تثُر أُمَّةٌ إلى الحقِّ إلا
بهُدَى الشِّعر أو خُطا شيطانه
ليس عَرفُ النحاسِ أوقَعَ منه
في شجاعِ الفؤاد أو في جبانه

•••

ظلَّلَتني عنايةٌ من «فؤادٍ»
ظلَّل اللهُ عرشَه بأمانه
ورعاني رعَى الإلهُ له «الفا
روقَ» طفلًا ويومَ مَرجوِّ شانِهْ
مَلِكُ النيلِ من مَصبَّيهِ بالشطِّ
إلى مَنبعَيهِ من سودانه
هو في المُلك بدرُه المُتجلِّي
حُفَّ بالهالتَينِ من «بَرلمانه»
زاده اللهُ بالنيابةِ عزًّا
فوقَ عزِّ الجلالِ من سلطانه

•••

منبرُ الحق في أمانةِ «سعدٍ»
وقِوامُ الأمورِ في ميزانه
لم يرَ الشرقُ داعيًا مِثلَ «سعدٍ»
رجَّه من بِطاحه ورِعانه٩٥
ذكَّرَته٩٦ عقيدةُ الناسِ فيه
كيف كان الدخولُ في أديانه
نهضةٌ من فتى الشيوخِ وروحٌ
سرَيا كالشبابِ في عُنفوانه
حرَّكا الشرقَ من سكونٍ إلى القيـ
ـدِ وثارا به على أرسانه
وإذا النفسُ أُنهضَت من مريض
درَجَ البُرءُ في قُوى جُثمانه

•••

يا عُكاظًا تألَّفَ الشرقُ فيه
من فِلسطينِه إلى بَغدانِهْ
افتقدْنا الحجازَ فيه فلم نعـ
ـثُر على قُسِّه ولا سَحبانه
حمَلَت مصرُ دونَه هيكلَ الدَّيـ
ـنِ وروحَ البيانِ من فُرقانه
وُطِّدَت فيكَ من دعائمها الفُصـ
ـحى وشُدَّ البيانُ من أركانه
إنما أنتَ حَلْبةٌ لم يُسخَّر
مِثلُها للكلامِ يومَ رِهانه
تتبارى أصائلُ الشامِ فيها
والمَذاكي العِتاقُ من لُبنانه
قلَّدَتني الملوكُ من لؤلؤِ البحـ
ـرَيـنِ آلاءَها ومن مَرجانه
نخلةٌ لا تزال في الشرق معنًى
من بداواتِه ومن عُمرانه
حنَّ للشامِ حِقبةً وإليها
فاتحُ الغربِ من بني مَرْوانه
وحبَتْني بُمْبايُ فيها يَراعًا
أُفرِغَ الودُّ فيه من عِقيانه
ليس تَلقَى يراعَها الهندُ إلا
في ذَرا الخُلْقِ أو وراءَ ضَمانه
أنتضيه انتضاءَ موسى عصاه
يَفرَقُ المُستبِدُّ من ثعبانه
يَلتقي الوحيَ من عقيدةِ حُرٍّ
كالحواريِّ في مَدى إيمانه
غيرَ باغٍ إذا تطلَّبَ حقًّا
أو لئيمِ اللِّجاجِ في عُدوانه
موكبُ الشِّعرِ حرَّكَ المتنبي
في ثراهُ وهزَّ من حسَّانه
شُرِّفَت مصرُ بالشموسِ من الشر
قِ نُجومِ البيانِ من أعيانه
قد عرَفْنا بنَجمِه كلَّ أُفْقٍ
واستبنَّا الكتابَ من عُنوانه
لستُ أنسى يدًا لإخوانِ صدقٍ
منحوني جزاءَ ما لم أُعانِهْ
رُبَّ سامي البيانِ نبَّه شأني
أنا أسمو إلى نَباهةِ شانه
كان بالسبقِ والميادينِ أَولى
لو جرى الحظُّ في سواءِ عِنانه
إنما أظهروا يدَ اللهِ عندي
وأذاعوا الجميلَ من إحسانه
ما الرحيقُ الذي يذوقون من كرْ
مِي وإن عِشتُ طائفًا بدِنانه
وهَبُوني الحَمامَ لذَّةَ سجعٍ
أينَ فضلُ الحَمام في تَحنانه
وتَرٌ في اللَّهاةِ٩٧ ما للمُغنِّي
من يدٍ في صفائه ولِيانه

•••

رُبَّ جارٍ تلفَّتَت مصرُ تُوليـ
ـهِ سؤالَ الكريمِ عن جيرانه
بعثَتني مُعزِّيًا بمآقي
وطني أو مُهنِّئًا بلسانه
كان شعري الغناءَ في فرح الشر
قِ وكان العزاءَ في أحزانه
قد قضى اللهُ أن يؤلِّفَنا الجُر
حُ وأن نلتقي على أشجانه
كلما أنَّ بالعراقِ جريحٌ
لمَسَ الشرقُ جَنبَه في عُمانه
وعلينا كما عليكم حديدٌ
تَتنزَّى اللُّيوثُ في قُضبانه
نحن في الفقه بالديار سواءٌ
كلُّنا مُشفِقٌ على أوطانه
١  المهار: جمع مهر. والعرابيد: جمع عربيد بالكسر، والعربيد الكثير العربدة.
٢  تشول: ترفع؛ أخذًا من قولهم شالت الناقة ذنَبها إذا رفعته.
٣  الأيمان: جمع يمين، وهي اليد اليمنى.
٤  القشيب: الجديد.
٥  الإصليت: السيف.
٦  ابن البتول: هو المسيح عليه السلام.
٧  السُّبُحة بضمتَين: الجلال.
٨  السَّمت بالفتح: هيئة أهل الخير.
٩  عطلَ النحرُ من الحُلِي: خلا.
١٠  المروت: جمع مرت، وهي المفازة بلا نبات.
١١  فتق المسك: استخرجه بشيء يُدخله عليه. والفتيت: المفتوت.
١٢  يقوته: يطعمه.
١٣  الصفا: الصخر.
١٤  الجَرْس: الصوت.
١٥  الوضح: حلي من الفضة.
١٦  تُصيتُه: تجعله يُصوِّت.
١٧  موسى نمور بك رئيس مجلس النواب اللبناني.
١٨  مؤتمرٌ سياسي اجتمعت فيه كلمة الأحزاب السياسية المصرية على إنقاذ الدستور برئاسة المغفور له سعد زغلول باشا سنة ١٩٢٦م.
١٩  استذرى: استظل.
٢٠  صلاح: اسم لمكة.
٢١  الحجول: الخلاخيل.
٢٢  النضاح: الرامي بالنبل، وهو كناية عن الحامي والمُدافع.
٢٣  المُنصاح: الخالص.
٢٤  يقال سجح خُلقه: سهل ولان.
٢٥  الصفاح: السيوف.
٢٦  صباح هنا: أي حرب.
٢٧  السمت: هيئة أهل الخير.
٢٨  الصفاح: حجارةٌ عريضة.
٢٩  قِيلَت بمناسبة قدوم صدقي الطيار المصري الأول من برلين إلى القاهرة طائرًا في سنة ١٩٣٠م.
٣٠  طلعت بك حرب مدير بنك مصر.
٣١  العدُّ: الماء الجاري له مادة لا تنقطع.
٣٢  البند: العلَم.
٣٣  تدهده: انقضَّ وتدحرج.
٣٤  بنتئور: شاعرٌ مصريٌّ قديم.
٣٥  بدَّ الشيء: فرَّقه، وهنا بمعنى أراقها.
٣٦  الجعد: الكريم.
٣٧  الرِّئد: التِّرب.
٣٨  اللُّدُّ: الأشدَّاء في الخصومة.
٣٩  الرِّدُّ: العماد.
٤٠  الحمراء: قصرٌ عظيم بالأندلس.
٤١  وادي الطلح: مُنتزَّه بإشبيلية للمعتمد بن عباد.
٤٢  الحِبَر: جمع حِبَرة، وهي ضربٌ من بُرود اليمن.
٤٣  الصِّلُّ: الثعبان.
٤٤  الفِقَر: كلُّ كلامٍ مختار، نظمًا كان أو نثرًا.
٤٥  يمشي الخمر: جملةٌ تقال لمَن يختل صاحبه.
٤٦  الكِسَر: جمع كسرة، وهي القطعة من الشيء.
٤٧  الفَلُّ: الكسر في حدِّ السيف.
٤٨  الطم: البحر.
٤٩  العلز: القلق والهلع من الموت.
٥٠  البدر: جمع بدرة، وهي عشرة آلاف درهم.
٥١  العصا: الفرس المشهورة التي ورد ذِكرها في مصرع الزَّبَّاء، وقد كانت لقصير الذي يقول فيه المثل: «لأمرٍ ما جدَع قصيرٌ أنفَه.»
٥٢  وهي زرقاء اليمامة المشهورة بقوة البصر.
٥٣  السَّدَر: البحر.
٥٤  الخادر: كناية عن أسد، يقال أسد خادر: مقيم في خدره.
٥٥  الوقاح: ذو الوقاحة، يقال امرأةٌ وقاح الوجه.
٥٦  بحر الخزر: هو بحر قزوين، والخزر أيضا: جيل من الناس.
٥٧  الحَين: الهلاك.
٥٨  الشكير: صغار الريش بين كباره.
٥٩  يتنزَّى: يتوثب.
٦٠  المرعس: من رعس الرجل، إذا مشى مشيًا ضعيفًا من الإعياء.
٦١  القعس: ضد الحدب، وهو نتوء الصدر.
٦٢  العنم: شجرةٌ حجازية لها ثمرةٌ حمراء يُشبَّه بها البنان المخضوب.
٦٣  لم ينبجس: لم يتفجر.
٦٤  يقال: جرحٌ نغَّار؛ أي جيَّاش بالدم.
٦٥  رسف: مشى مشية المقيَّد.
٦٦  ابني سمير: الليل والنهار.
٦٧  هو عبد الرحمن الداخل أول ملوك بني أمية في الأندلس.
٦٨  يعني بالسبط الحسين بن علي صلوات الله عليه.
٦٩  يعني بمروان بني مروان.
٧٠  الأظلم هنا: هو أبو مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس، وقد سلب بني أمية مُلكهم.
٧١  نارت الفتنة: وقعت وانتشرت.
٧٢  غس: دخل ومضى.
٧٣  الأطلس: الذئب.
٧٤  المعطس: الأنف.
٧٥  البيهس: الأسد.
٧٦  شامَ: سلَّ.
٧٧  هو طارق بن زياد، مولى موسى بن نُصير فاتح الأندلس في عهد عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي.
٧٨  المَرِس: الشديد المجرب في الحروب، يقال: إنه لَمَرِسٌ حَذِر.
٧٩  الخُلَس: جمع خلسة، وهي الفرصة.
٨٠  الملك الروح: جبريل.
٨١  الجام: الكأس.
٨٢  اللعس: سوادٌ مُستحسَن في الشفة.
٨٣  السقط: جناح الطائر.
٨٤  العقاب: اسم راية الداخل.
٨٥  هضبتان في زحلة.
٨٦  الحجال: جمع حجلة، وهي بيت العروس.
٨٧  الأحجال: الخلاخيل.
٨٨  أخضل الشيء: ابتل.
٨٩  استالها: أصله استألَهَ؛ أي تشبَّه بالإله.
٩٠  يقال ألقى أرواقه بالمكان: نزل به وضرب خيمته.
٩١  سطيح: اسم لكاهن من كهان العرب، والسطيح أيضًا: البطيء القيام لضعف أو زمانة.
٩٢  اللباة: لغة في اللبؤة.
٩٣  أنسال: جمع نسل.
٩٤  القسطال: غبار الحرب.
٩٥  الرِّعان: رءوس الجبال.
٩٦  الضمير عائد على الشرق.
٩٧  اللهاة: اللحمة المُشرِفة على الحلق في أقصى الفم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤