عبد الحليم العلايلي بك١

لقد لبَّى زعيمُكم النِّداءَ
عزاءً أهلَ دمياطٍ عزاءَ
وإن كان المُعزِّي والمُعزَّى
وكلُّ الناسِ في البلوى سواءَ
فُجِعْنا كلُّنا بعلائليٍّ
كرُكنِ النَّجمِ أو أسْنَى عَلاءَ
أرَقُّ شبابِ دمياطٍ عليها
وأنشطُهم لحاجتِها قضاءَ
وخيرُ بيوتِها كرمًا وتقوى
وأصلًا في السِّيادةِ وانتماءَ
فتًى كالرمحٍ عاليةً وعُودًا
وكالصَّمصامِ إفرِندًا وماءَ٢
وأعطى المالَ والهِممَ العوالي
ولم يُعطِ الكرامةَ والإباءَ
شبابٌ ضارَعَ الرَّيحانَ طِيبًا
ونازَعَه البَشاشةَ والبَهاءَ
وجُنديُّ القضيَّةِ منذُ قامَت
تعلَّمَ تحتَ رايتِها اللِّقاءَ
ورُوِّعَ شيخُها العالي بيومٍ
فكان بمَنكبَيهِ له وِقاءَ٣
سعى لضميرِه ولوَجهِ مصرٍ
ولم يتولَّ ينتظرُ الجزاءَ
ونَعشٍ كالغَمامِ يَرِفُّ ظِلًّا
إذا ذهب الزِّحامُ به وجاءَ
ولم تقعِ العيونُ عليه إلا
أثارَ الحزنَ أو بعثَ البُكاءَ
عجِبْنا كيف لم يخضرَّ عُودًا
وقد حملَ المروءةَ والوفاءَ
مشَت دمياطُ فالتفَّت عليه
تُنازعُه الذَّخيرةَ والرجاءَ
بَنِي دمياطَ ما شيءٌ بباقٍ
سوى الفردِ الذي احتكر البقاءَ
تعالى اللهُ لا يبقى سِواه
إذا وردَت برِيَّتُه الفناءَ
وأنتم أهلُ إيمانٍ وتقوى
فهل تلقَونَ بالعتبِ القضاءَ
ملأتُم من بيوتِ الله أرضًا
ومن داعي البُكورِ لها سماءَ
ولا تستقبلون الفجرَ إلا
على قَدمِ الصلاةِ إذا أضاءَ
وترتقبون مَطلعَه صِغارًا
وتستبِقونَ غُرَّتَه نِساءَ
وكم من مَوقفٍ ماضٍ وقفتُم
فكنتم فيه للوطن الفِداءَ
دفعتُم غارةً شعواءَ عنه
وذُدتُم عن حواضره البلاءَ
أخي «عبدَ الحليم» ولستُ أدري
أأدعو الصِّهرَ أم أدعو الإخاءَ
وكم صحَّ الودادُ فكان صِهرًا
وكان كأقرَبِ القُربى صَفاءَ
عجيبٌ تركُكَ الدنيا سقيمًا
وكنتَ النحلَ تملؤها شِفاءَ٤
وكنَّا حينَ يُعضِل كلُّ داءٍ
نجيءُ إليك نجعلك الدَّواءَ
مضَت بك آلةٌ حَدباءُ كانت
على الزمن المَطيَّةَ والوِطاءَ٥
وسارت خلفَك الأحزابُ صفًّا
وسِرتَ فكنتَ في الصفِّ اللِّواءَ
تُولِّفُ بينهم ميْتًا وتبني
كعهدِكَ في الحياة لهم وَلاءَ
١  عبد الحليم العلايلي: كان عالية دمياط، توفي سنة ١٩٣٢م، بعد أن ترك له في القضية المصرية مواقف مذكورة. اشتهر منذ نشأ بعلو الهمَّة ونفوذ الكلمة، فانتُخب للمجالس النيابية بالنيابة عن دائرة دمياط عدة مرات، وانتُخب سكرتير حزب الأحرار الدستوريين، فكان في رجالات ذلك الحزب ممَّن يُشار إليهم، وكان من أمير الشعراء بمنزلة الصِّهر والصديق.
٢  عالية الرمح: نصفه الأعلى الذي يلي السِّنان. والصمصام: السيف. وإفرنده وماؤه: كلاهما تمييز لجوهره.
٣  يقصد ﺑ «شيخها العالي»: المغفور له سعد باشا زغلول.
٤  يريد تشبيه المساعي الكثيرة النبيلة التي كان يقوم بها المرثي بعسل النحل.
٥  الآلة الحدباء: النعش.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤