الفصل السابع

شيزوفرينيا لغوية

لعل أدقَّ توصيفٍ للحالة اللغوية التي يعيشها الإنسان العربي منذ قرون طويلة هو ما يُطلَق عليه في علم النفس «شيزوفرينيا»؛ فهو عندما يتحدَّث على سجيَّتِه في منزله وفي عمله وفي الشارع والسوق، يستخدِم اللَّهجة الدارِجة السائدة في بلاده، لكنه عندما يقرأ الصُّحف أو يستمع إلى نشرَات الأخبار في الإذاعة والتلفزيون وعندما يقرأ الكتب أو يكتُب طلبًا أو مُذكِّرة في عمله، فإنه ينتقِل إلى لُغةٍ أخرى مُختلِفة هي العربية الفصحى.

ولو عرَّفنا العربية بأنها الفُصحى وحدَها فسنقَع في مُفارَقة غريبة، وهي أن أكثر من نِصف أبناء الشعوب العربية ليسوا عربًا، فمن المعروف أن أكثر من ٥٠٪ من سكان العالم العربي يَجهلون العربية الفُصحى. ولو عرَّفنا العربية بأنها اللَّهَجات التي تتحدَّثها الشعوب العربية، نكون قد وقَعنا في خطأ كبير.

ولأنَّني أعيش حالة الشيزوفرينيا اللغوية، مثلي مثل ملايين العرب، كنتُ أتصوَّر أن الفارِق بين الفُصحى واللَّهَجات ضئيل للغاية، وأن من يعرِف إحداهما وخاصةً الفُصحى يعرِف الأخرى أو على الأقلِّ لا بُدَّ أن يفهمها. لكن التجربة وخاصةً مُشاهدتي للأجانِب الذين يتعلَّمون العربية أقنعتْني بمدى الهُوَّة بين العامية والفصحى؛ فالأجانب الذين يُجيدون الفصحى إجادةً تامَّة وعكفوا سنواتٍ من عُمرهم على دراسة لُغتنا يفْغَرون أفواهَهُم عندما أُحدِّثهم بالعاميَّة المصرية، ولا يفهمون شيئًا مما أقول.

إذًا فكلُّ عربي مُتعلِّم يَتعامَل في حياته اليومية بلُغَتَين مُختلِفَتَين، حتى وإن جمعتْهُما مفرداتٌ عديدة وبعض القواعد العامَّة.

وقد يُجادِل البعض بأن اللَّهَجات كانت مَوجودة دائمًا في العالم العربي. فما الذي استجدَّ حتى نُفكِّر الآن في إيجاد مَخرج من هذا الوضع؟ وهم يرون أن حالة التعايُش التي استمرَّت قرونًا مُتعاقِبة يُمكِن أن تستمرَّ هكذا إلى أبد الآبدين. وقد سردتُ في المُقدِّمة بعض المُستجدَّات التي تجعلُنا نقلَق على لُغتِنا الجميلة.

وبالإضافة إلى تلك الأسباب، فإنه يفوت على هؤلاء البعض أنَّ حالة الشيزوفرينيا في الماضي كانت مَقصورة على شريحة محدودة للغاية في المُجتمعات العربية، وهي القادِرة على القراءة والكتابة. ولأن نِسبة الأميَّة كانت تزيد بالتأكيد على ٩٥٪ من الشعوب العربية حتى زمنٍ قريب، لم تكن حالة الانفصام اللُّغوي تُشكِّل ظاهرة تَمسُّ المُجتمع ككل. أما اليوم، وبفضل انتشار التعليم، فقد أصبحت نِسبة مُستخدِمي الفصحى لا تقلُّ عن ٥٠٪ من أبناء الشعب العربي، وهذا تغيُّر جِذري لا يُمكن إهماله، فالقوى الحيوية للشعوب العربية هي تلك الفئات المُتعلِّمة القادِرة على دفع عملية التطوُّر، وهي التي تُعاني مُعاناة حادَّة ممَّا أُسمِّيه شيزوفرينيا لُغوية.

في الماضي كانت الغالبيَّة الساحِقة من أبناء الشعوب العربية تعيش وتموت دون أن تعرف شيئًا عن الفُصحى، وكانت الفئة القليلة من عُلماء الدين أو اللغة يكرِّسون حياتَهم للدَّرس والتحصيل، فلا تُمثِّل حالة الشيزوفرينيا مشكلة مُعقدَّة بالنسبة لهم. فتَحوُّلُ الشيزوفرينيا من واقعٍ تعيشه القِلَّة إلى مشكلةٍ عامةٍ في المجتمع، هي قضية حديثة، ومع زيادة نسبة التعليم المُطَّرِدة في العالم العربي، سوف تتحوَّل مشكلة الشيزوفرينيا إلى أزمةٍ تُضاف إلى ازمات العقل العربي في القرن الحادي والعشرين.

ويبذل الإنسان العربي لا شعوريًّا جُهدًا ضخمًا للتوفيق بين اللُّغتين في عقله، لكنَّنا لا نشعُر بهذا المجهود الذِّهني؛ نظرًا لأنَّنا نشَأنا على هذا الوضع الشاذِّ ورَضَعنا منذ الطفولة تلك الازدواجيَّة اللغوية، فاعتبرناها أمرًا مُسلَّمًا به يتَّسِق مع طبيعة الأمور، بل إن المتعلمين من العرب يَخلِطون في عقلهم الفصحى والدَّارجة وكأنهما لغةٌ واحدة أو وَسيلَتان للتعبير بينهما تقارُب شديد. لكن الواقِع أن الفارِق بين الفصحى واللهجات يكاد يُوازي الفارق بين لُغاتٍ مُختلفة، وإن كان لها أصلٌ واحد مثل الفرنسية والإيطالية والإسبانية على سبيل المثال.

•••

ولو فكَّرنا قليلًا بموضوعية يتَّضِح لنا أن هذا الوضع غير طبيعي، وأنه يُكلِّف العقل العربي إرهاقًا ذهنيًّا يَحطُّ من قدراته، كما يُشتِّتُ مَلَكاته الفكرية. ولأنَّ الإنسان كما هو معروف لا يفكِّر بطريقةٍ مُجرَّدة وإنما من خلال كلماتٍ تَتشكَّل في عقله، فإن العربي مُهدَّد بانفِصامٍ في التفكير: هل يُفكِّر بالفصحى أم بالعاميَّة؟ وأيًّا كانت الإجابة فمن المُؤكَّد أن هناك تشويشًا في عقله لا يُساعده على الوضوح الذهني.

وما يزيد الأمر تعقيدًا أن العربي الطامِح إلى التقدُّم في العملية التعليمية وتطوير قُدراته يُضطَرُّ إلى إجادة لغةٍ أجنبية سواء الإنجليزية أو الفرنسية. والسبب في ذلك لا يخفى على أحدٍ وهو أنَّ كلَّ العلوم والتخصُّصات أصبَحت تُصاغ بإحدى هاتَين اللُّغَتين وبالإنجليزية بصفةٍ خاصة.

فإذا أراد أيُّ شابٍّ أن يكون طبيبًا أو مُهندسًا أو كيميائيًّا أو خبيرًا في الكومبيوتر أو حتى صحفيًّا أو مُؤرِّخًا أو جغرافيًّا، فلا بُدَّ له من الاطِّلاع على المصادر الأجنبية في تخصُّصِه، ولا يُمكِنه أن يعتمِد على العربية التي تأخرَّت كثيرًا في كلِّ ميادين العِلم والمعرفة؛ وبالتالي فإن العربي المُثقَّف لا بُدَّ له أن يُجيد ثلاث لغات على أقلِّ تقدير: لُغة يتحدَث بها في حياته اليومية، وأخرى يكتُب ويقرأ ويدرُس بها، ثم لُغة أجنبية تفتح له أبواب العِلم والمعرفة الحديثة.

صحيح أن الإنسان العصري المُثقَّف في أيِّ مكانٍ بالعالم عليه أن يعرف أكثر من لُغة؛ لأنَّ ذلك يفتح أمامه آفاقًا واسِعةً ويجعَلُه منفتِحًا عقليًّا على العالَم الخارجي، إلَّا أن المطلوب هو مَعرفة لُغة أجنبيَّة عنه، وليس لُغتَين مُتضارِبتَين في صُلب ثقافته الواحِدة.

ولكي نُدرِك أهمية تعلُّم لغة أجنبية يُمكِننا الرجوع إلى ما كتَبَه في هذا الشأن شيخ عظيم من شيوخ الإسلام هو الإمام العبقري محمد عبده. وهذا الشيخ الجليل هو قُطب من ألمَع أقطار الاستِنارة في الحِقبة الفاصلة بين القرنَين التاسِع عشر والعشرين، على عكس بعض تُجَّار الدين في هذه الأيام من الذين يبذُلون الجهود لجذب الأمَّة العربية والإسلامية إلى الوَراء ولنَشر أفكارٍ تؤدِّي إلى الخُرافات والخُزَعْبلات.

يقول محمد عبده في فصلٍ بعنوان «تَعلُّمي للفرنسية» في كتاب «الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده»، من تحقيق وتقديم الدكتور محمد عِمارة ما نصُّه:

إن الذي زادَني تعلُّقًا بِتعلُّم لغةٍ أوروبية هو أنِّي وجدتُ أنه لا يُمكِن لأحدٍ أن يدَّعي أنه على شيءٍ من العِلم يتمكن به من خِدمة أمته ويقتَدِر به على الدِّفاع عن مصالِحها كما ينبغي إلا إذا كان يعرِف لغةً أوروبية. كيف لا وقد أصبحَتْ مصالِح المُسلمين مُشتبِكةً مع مصالح الأوروبيين في جميع أقطار الأرَض؟ وهل يُمكِن مع ذلك لِمن لا يعرِف لُغتهم أن يشتغِل للاستفادة من خيرهم؟ أو للخَلاص من شرِّ الشِّرار منهم؟

هكذا لخَّص الشيخ محمد عبده منذ أكثر من مائة سنةٍ الأسباب التي تجعل مَعرفة لُغةٍ أجنبية، وخاصةً الإنجليزية أو الفرنسية، ضرورة لأيِّ إنسانٍ ينشُد التطوُّر الشخصيَّ والمَنفعة العامَّة.

وتعدُّد اللُّغات وإن كانت له إيجابيَّاته الكثيرة إلَّا أنه قد يُشتِّت الإنسان عن صُلب المعرفة، خاصةً عندما يُضطرُّ إلى تَعلُّم لُغتَين لمُمارَسة حياته العادية، كما هو الحال بالنسبة لنا نحن العرب.

وإذا قارنَّا هذا الوضع بالمُواطن الأمريكي مثلًا، نجِد أنه من المُمكِن أن يكتفي بلغةٍ واحِدة ليصِل إلى ما يريد، فاللغة التي يتحدَّث بها ليشتري حاجته من السوق هي نفسها اللغة التي درَس بها والتي يُشاهِد بها نشرَات الأخبار بالتلفزيون، وهي أيضًا التي يحتاجها في كلِّ المراجِع الهامَّة في تخصُّصه، أيًّا كان هذا التخصُّص. وكذلك الحال إلى حدٍّ بعيد بالنسبة للفرنسي أو الألماني.

وقد يُفتي البعض بأن مُشكلة الازدِواج اللُّغوي موجودة في الإنجليزية والفرنسية وكافة اللُّغات الأخرى، فالناس في الشارع وخاصةً الشباب يتحدَّثون لغةً تختلِف عن لُغة التدريس في جامعات أكسفورد والسربون، لكن هذه مُغالَطة فاضِحة هدفُها تبرير حالة الشيزوفرينيا التي نعيشها كعرب، وتَمييع المُشكلة وكأن كلَّ شعوب العالم تُعاني منها. وهو أمر غير صحيح على الإطلاق.

أما الواقِع فهوَ أن لُغة التَّخاطُب الدَّارجة في هذه البلاد تختلِف عن اللُّغة الراقِية بقدر ما تختلِف لغة شباب اليوم في مصر عن اللغة العامِيَّة التي يتحدَّث بها أفراد الأُسرة في المنزل أو الموظفون في الوزارات وأماكن العمل. وهناك مفردات يَستعملها الشباب لا يفهمها الكبار وتبتعِد لُغتهم إلى حدٍّ ما عن اللغة العامية المُستخدَمة في المُدن المصرية الكبرى منذ عشرين أو ثلاثين عامًا.

والأقرب للمنطِق أن نُقارِن ما هو قابل للمُقارنة، لا أن نُقارِن أيَّ شيءٍ بأي شيءٍ لكي نُثبِت ما نحن راغبون في إثباته. ولنأخُذ مِثالًا بسيطًا نُهديه للذين يُفتون بأن مشكلة الانفِصام اللغوي موجودة في العالَم كُلِّه مِثلَما هي موجودة في العالم العربي؛ فإذا ذهب فرنسي مثلًا إلى أحد المَحالِّ وطلَب من البائع شراء حاجيَّاته، واستخدم في ذلك اللُّغة التي تُكتَب بها صحيفة لوموند أو حتى التي يُدرَس بها في السوربون، فإن البائع لن يرى في ذلك أيَّةَ غرابة، وسيفهَم هذا البائع أيًّا كانت دَرَجة ثقافته كلَّ كلمةٍ يقولها المُشتري. كلُّ ما في الأمر أن البائع سيُدرِك أنه أمام رجل على قدرٍ عالٍ من التعليم والثقافة.

أما إذا ذهب مُواطن في مصر أو في اليمن أو المغرب وتوجَّه إلى البائع قائلًا حرفيًّا: «أعطِني يا بُنيَّ رغيفًا من الخُبز، وزِد عليه قِطعةً من الجُبن.» فسيكون أُضحوكة كلِّ من يَسمعُه وربَّما لا يفهم البائع ما أراد أصلًا.

فهناك إذًا في هذه الحالة ثلاث لُغاتٍ على الأقلِّ يَستخدِمُها الناس في كلِّ بلدٍ عربي؛ اللُّغة العامية المُستخدَمة في الحياة اليومية، ولُغة مُستحدَثة وخاصةً في أوساط الشباب، واللُّغة الفصحى. وحتى هذه الأخيرة يُمكِن تقسيمها إلى لُغة الصَّحافة والإعلام السَّهلة نسبيًّا، ثم لُغة الكُتُب والمُتخصِّصين التي لا زالت تتمسَّك بالقديم.

•••

ومن يُريد الدُّخول في تفصيلاتٍ أكثر تعقيدًا فإنَّ سُكَّان بعض المناطِق في العالَم العربي لهم أيضًا لَهَجات خاصة، وأحيانًا لُغات خاصَّة؛ فالصَّعيدي مثلًا في مصر يتحدَّث اللَّهجة السائدة في جنوب مصر ويفهَم العاميَّة القاهرية، والحَلَبي في سوريا يتحدَّث بلهجةٍ تختلِف عن الدِّمشقي وهكذا.

لكن هذه الظاهرة موجودة في غالبيَّة بلاد العالم، فهناك في فرنسا لغاتٌ خاصَّة مثل البروفنسال والباسك لا يفهَمُها إلَّا سُكان هذه المناطق. ومع ذلك فإن كلَّ الفرنسيِّين يفهمون لُغة أهل منطقة باريس ويتحدَّثون بها فيما بينهم. وكل هذا يختلِف اختلافًا جِذريًّا عن الفارِق بين الفُصحى واللَّهَجات في العالم العربي.

•••

وتطرَح الشيزوفرينيا اللغوية التي يعاني منها العرب سؤالًا صعبًا على النفس لكنَّه جدير بالطرْح، حتى وإن كنَّا مُقتنِعين بأن إجابته بالنفي، وهو: هل تُصبِح اللُّغة العربية الفُصحى مثل اللاتينية؟ أي لُغةٍ تُفرِّخ لغاتٍ أخرى من باطِنها لكنَّها لا تُستخدَم في حدِّ ذاتها وتتحوَّل إلى لغةٍ مَيِّتة؟

وفي كِتاب «مستقبل الثقافة في مصر» يُحذِّر الدكتور طه حسين بِشدَّة من هذا الاحتمال، حيث يقول في الفصل ٣٧ من طبعة دار المعارف الصادرة عام ١٩٩٦م:

وأنا نذير للذين يُقاوِمون هذا الإصلاح بخطَر منكر (…) وهو أن اللغة العربية الفصحى إذا لم نَنَلْ عُلومَها بالإصلاح، صائرة — سواء أرَدْنا أم لم نُرِد — إلى أن تُصبِح لغةً دِينيَّة ليس غير، يُحسِنها أو لا يُحسِنها رجال الدين وحدَهم ويعجز عن فَهمها وذَوقِها فضلًا عن اصطِناعها واستِعمالها غير هؤلاء السَّادة من الناس.

وفي الواقِع أنَّ هدَفي من وَضْع هذا الكِتاب هو تفادي ما يُنذِر به عميد الأدب العربي الذي أبصَرَ ما لا يراه المُبصِرون بأعيُنِهم. وصدَق نزار قبَّاني في رثائه عندما أكدَّ هذا المعنى قائلًا:

ارمِ نظارتَيك ما أنتَ أعمى
إنما نحنُ جَوقَة العِميان

واللاتينيَّة كانت أهمَّ لُغات العالم في عصرٍ من العصور، وتصوَّر أهلُها أن العالَم سيظلُّ يتحدَّث بها إلى أبد الآبدين. وكانوا يُطلِقون على روما اسم «المدينة الخالدة»، لكن جحافِل القبائل القادِمة من شَرق وشمال أوروبا، والتي اجتاحت أراضي الإمبراطورية الرومانية الغربية، لم تقضِ على نفوذ روما القديمة فحسب؛ فبعد بِضعةِ قرون لم يعُد للاتينية وجود وظهرت لُغات هي مَزيج بين هذه اللغة واللغات التي كانت تتحدَّث بها القبائل، مثل الفِرنجة والقوط والفِندال وغيرهم. وتبلْوَرَت في بطءٍ شديدٍ اللُّغات التي نعرِفها اليوم مثل الفرنسية والإيطالية والإسبانية وغيرها.

ومع ذلك فإنه لا تَخفى على أي إنسانٍ الفروق الجوهرية بين العربية واللاتينية، فالعربية نزل بها القُرآن وكانت لُغة تُراثٍ عظيم لا يقبَل أيُّ عاقلٍ أن يَضيع هباءً لأي سببٍ من الأسباب. لكن واقِع الحياة كثيرًا ما يكون أقوى من إرادة الإنسان خاصةً إن لم يَعمل الإنسان على تحقيق إرادَته بعزيمةٍ صُلبة وعملٍ دءوب. ولو قال أنصار محمد في بداية الدَّعوة لبعضهم البعض: «لا تَخشَوا شيئًا فهذا دين الله، وهو قادِر على حمايته.» ثم توقَّفوا عن أيِّ جهود لنَشر الدَّعوة ووقفوا مَوقفًا سلبيًّا، فالله وحدَه يعلَم ما كان سيحدُث لدينِنا.

اليوم أيضًا، علينا ألا نكتفي بالقول بأن العربية هي لغة القرآن، وبالتالي فلا يُمكِن أن تُمَسَّ وسيظلُّ العرب يتحدَّثون بها إلى الأبد، فهذا لا يكفي، وإنما علينا أن نعمل جاهِدين على تطويرها؛ حتى تُلائم احتياجاتِنا وتظلَّ لُغتَنا التي نُفاخِر بها الآخرين.

وكما قلتُ في المُقدِّمة فإن اللَّهجات كانت موجودة منذ ظهور اللُّغة العربية في الجزيرة، وعندما انتصرَت لغة قُريش بفضل نُزول القرآن الكريم بها انزَوت اللغات واللهجات الأخرى كلُغة أدبٍ وكتابة، لكنها ظلَّت مُتواجِدة بصورةٍ أو بأخرى في اللُّغات المُستخدَمة في الكلام.

وأهمُّ ما يجِب أن نَعرِفه أنَّ اللغة العربية الراقِية التي نزَل بها القرآن وكُتِبت بها روائع الأدَب العربي الكلاسيكي، لم تُستخدَم كما هي كلغةٍ للكلام في أي عصر من العصور، فحتى في زمن الرسول كان عامة الناس يتحدَّثون لُغةً تَمتزِج فيها اللغة الراقية باللَّهَجات المُسيطرة على اللِّسان العربي.

وكُلَّما ابتعدْنا زمنيًّا عن اللحظة الفاصِلة وهي نزول القرآن، كلَّما ابتعَد الناس عن الفُصحى لحِساب اللَّهجات في كلِّ مكانٍ بالعالم العربي، أي أنَّ الناس في العصر الإسلامي بالجزيرة العربية كانوا يتحدَّثون لغةً أقرَب إلى الفصحى منهم في العصر الأموي، وكانوا أقرب إلى الفُصحى في الأموي من العبَّاسي، وهكذا إلى يومنا هذا الذي أصبَحت فيه الفَجوة واسِعةً بالقدْر الذي يلمِسُه أيُّ مُراقِب لا تُحرِّكه العواطف وحدَها.

واللافِت للانتِباه أن اللَّهَجات قد انتصرَت كلُغةٍ للتَّعامُل اليومي، حتى في مكة المُكرَّمة وهي مَهد الرسول ومنبَع اللُّغة العربية وبؤرة الفَصاحة والبَيان.

وهناك سؤال يقفِز تلقائيًّا إلى الذِّهن: لماذا هجَر الإنسان العربي في كلِّ زمانٍ ومكان العربية الفصحى، ولجأ إلى لُغةٍ أخرى للتَّعامُل اليومي والإعراب عمَّا في صَدره؟ لماذا لا يذهب العاشِق إلى محبوبته ويقول لها حرفيًّا: «أنا هائم في غرامك.» أو «وجهُك الصَّبوح يهزُّ كِياني»؟ ولو قال لها مثل هذه العبارات، فالأرجَح أن العلاقة بينهما ستنتهي بهذا الغزَل البليغ. فلماذا يُفضِّل دائمًا العاشِق عبارات غزَل مُستقاة من اللهجة الدَّارِجة التي تُعبِّر أفضل تعبيرٍ عما في نفسه؟

من المُمكِن أن نجِد تبريراتٍ فلسفيةً ونفسانية عميقة لذلك، لكنِّي أرى سببًا بسيطًا يقفِز إلى العقل على الفور: إن الفصحى — بشكلِها الحالي — ليست لُغة صالحة للتَّعامُل اليومي نظرًا لصعوبتها وتعقيداتها.

•••

وكان لانتشار العربية خارج الجزيرة مع الفتح الإسلامي آثار حاسِمة على لُغَتِنا. ومع الزَّحف العربي في كلِّ اتجاهٍ شمالًا وشرقًا وغربًا بعد وفاة الرسول وُجِّهت العربية ضربة قاضية إلى كلِّ اللغات التي كانت مُتداولة في المنطقة، وأهمُّها الآرامية وهي لُغة المَسيح عليه السلام والقِبطية وهي لُغة أهل مِصر قبل الفتح، وإلى اليوم فمن الصعب أن نُجيب عن السؤال الآتي: لماذا سيطرَت العربيَّة على لِسان الناس في الشَّام والعِراق ومصر وشمال إفريقيا، لكنَّها لم تَستطِع اقتِلاع لغاتٍ مثل الفارِسيَّة والتُّركية ولُغات شعوب أخرى كثيرة في آسيا؟

وهناك نظريَّتان أساسيَّتان في هذه القضية، تقول الأولى إن العربية ارتبَطت بالتَّعريب أي بانتِقال العناصر العِرقية العربية وامتِزاجها بالشُّعوب المفتوحة. وبطبيعة الحال فقد كانت الهِجرة العربية إلى البلاد الأقرب جُغرافيًّا؛ لذلك فإذا نظرْنا إلى خريطة العالَم الإسلامي اليوم نجِد نواةً أساسيَّة، هي العالم العربي، تُحيط بها بُقعة أكبر كثيرًا هي العالم الإسلامي. لكن هذا العامِل لم يكن حاسِمًا نظرًا لأن عددَ العرب الذين خرَجوا من الجزيرة للفتح والإقامة في الأمصار لا يتجاوَز ٢٠٠ ألف شخص وفقًا لمَوسوعة «يونيفرساليس»، وهذا الرَّقم تقريبيٌّ كما تقول المَوسوعة لكنَّه ليس بعيدًا جدًّا عن الواقِع. ولا شكَّ أنَّ هؤلاء قد تاهوا وَسط عشرات الملايين من سُكَّان الأقطار المفتوحة.

أما النظريَّة الثانية فتقوم على أساسٍ لُغويٍّ بحت، فهي تقول إنَّ العربية انتصرَت في البلاد التي كانت تتحدَّث لُغاتٍ سامية — حامية وهي نفس الأسرة اللُّغوية العربية — فاستساغَت شعوب هذه البلاد مثل مصر والشام اللُّغة الوافِدة مع الفتح؛ لأن لها نفس جُذور اللغة التي يَستخدمونها.

وربما لعِبَت عوامِل كثيرة دورًا في انتِصار العربية على لُغات البلاد المفتوحة، لكن المُهمَّ في هذا البحث هو أن الفُصحى لم تنجَح في فرض نفسِها كلُغةِ تعامُلٍ، وانتشرَت اللهجات وفقًا للعادات اللُّغوية في كلِّ بُقعةٍ من بِقاع العالم العربي.

وقد أطلَق الجاحِظ على اللَّهجات الجديدة تعبير: «لُغة المُولَّدين والبلديِّين»، والمُولَّدون هم الأبناء المُخلَّطون، أي الذين لهم أُمٌّ أو أبٌ غير عربي. وكان غالبيَّة المُولَّدين من أبٍ عربيٍّ وأمٍّ «أعجمية» أي غير عربية. ويبدو أن العرب قد انبَهروا بالفَتَيات الأجنبيَّات من فارِس ومن بِلاد الرُّوم حيث كانت هاته الفتيات، وخاصةً الرُّوميَّات منهن، يتميَّزنَ بالشعور والعيون الملونة وهو ما لم يشهدْه غالبية العرَب من قبل. ومع طول مُدَّة الفتح والحروب كثُر الزَّواج من غير العربيَّات أو اتِّخاذ جارِيات يَلِدْن الأبناء. وقد لعِب المولِّدون دَورًا هامًّا في تاريخ الأمة العربية الإسلامية وخاصَّةً في العصر العباسي، لكنَّ دَورَهم في تطوير أو «تشويه» العربية لم يُدرَس بما فيه الكِفاية إلى اليوم.

ومع الوقت أصبَح اللَّحن والخطأ في اللُّغة العربية هُما القاعِدة بالنسبة لعامَّةِ الناس، ويروي ابن قُتَيبة أنَّ أعرابيًّا دخل السُّوق فسمِع الناس يُخطئون في العربية ويلحَنون فقال: سبحان الله! يلحنَون ويربَحون، ونحن لا نلحَن ولا نربَح!

ويؤكِّد أحمد أمين في ضُحى الإسلام أنَّ اللَّحن كان فاشيًا حتى في العُلَماء؛ فقد لَحَن — كما يقول مُستندًا إلى البيان والتَّبيين والعِقد الفريد وطبَقات الأُدَباء — كلٌّ من الإمام أبي حنيفة وعمرو بن عُبيد وبِشر الميسي. وإذا كان هؤلاء العُلَماء الأجِلَّاء عاجِزين عن التحدُّث بلُغةٍ عربيةٍ سليمةٍ مائة في المائة، فما بالُنا بعامَّة الناس في عصرهم، وما بالُنا بعامَّة الناس في عصرنا الحالي، الذي لم يعُد فيه الإنسان قادِرًا على مُلاحقة إيقاع الحياة وكمِّ المعلومات التي يُضطَرُّ إلى استِيعابها في كلِّ لحظةٍ حتى يستطيع الالتِفات إلى سلامة اللُّغة التي ينطِق بها.

ومن أبرَز الأمثِلَة التي تُضرَب في فساد اللُّغة كِتاب «بدائع الزُّهور في وَقائع الدُّهور» لابن إياس. وهو بالفِعل يَستخدِم لغةً ركيكة في نظر كُتَّاب التاريخ الفِكري والأدَبي، حيث يستخدِم كلماتٍ وتراكيبَ عاميَّةً، فيقول مثلًا واصِفًا أحد الأمراء: «وأما عَسكره فكانوا جيعانين العَين، نفسهم قذرة، وعِندهم عفاشة في أنفسهم.»

وباختِصارٍ، وحتى في العصور الذهبيَّة للدولة الإسلامية، كان الناس يُخطئون في العربية عندما يتحدَّثون بها كما يُخطئ فيها العرَب في القرْن الحادي والعشرين، وكانوا يؤثرون عليها اللَّهجات التي سَيطرَتْ على اللِّسان العربي تمامًا مع الابتِعاد الزَّمَني عن عصر النُّبوَّة ونُزول القرآن.

•••

وكان من الطبيعي أن تُؤدِّي حالة الشيزوفينيا اللُّغوية إلى إشاعة حالةٍ من القَلَق بين المُثقَّفين المِصريين والعرَب، وخاصَّةً في العصر الحديث. وكان من الطبيعي أن يَنكبُّوا على التفكير في وسائل الخروج من هذه الحالة الشاذة. وقد أدَّى ذلك إلى مجموعة من الاقتراحات والاجتِهادات للعديد من عمالِقة الفكر العربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين.

ومن أخطر هذه المُقترَحات التي أقول بوضوح إنَّني لا أوافِق عليها، هي هَجْر الفُصحى بالكامِل واستِخدام اللَّهجات كلُغةِ تعاملٍ رسمية في الدول الناطقة بالعربية.

وقد بدأت فِكرة تبنِّي العاميَّة تأخذ طريقها إلى العقل العربي في نِهايات القرن التاسع عشر. ونظرًا لرفْض العربي فِطريًّا لهذه الفِكرة، لأسبابٍ دينيَّة مفهومة، فقد كان أول من طرَح الفكرة من المُستشرِقين. وظهرَت كُتُب تروِّج لاستِخدام العاميَّة بديلةً عن الفُصحى، منها «قواعد اللغة العربية العاميَّة في مصر» للمُستشرِق الألماني فلهلم سبيتا عام ١٨٨٠م و«العربية المحليَّة في مصر» للإنجليزي سلوين ولمور عام ١٩٠١م.

وفي عام ١٨٩٣م نشَر الإنجليزي وِليام ولكوكس بمجلَّة الأزهر (ولا أدري إن كان لها عَلاقة بالأزهَر الشريف) مقالًا بعنوان: «لِمَ لمْ تُوجَد قوَّة الاختِراع لدى المِصريين إلى الآن؟» يدعو فيه إلى نَبذِ الفُصحى واللُّجوء إلى العاميَّة لتحرير الطاقات الإبداعية عند المصريين. وقام ولكوكس عام ١٩٢٥م بترجمةِ الإنجيل إلى العاميَّة المِصرية تأكيدًا لرأيه في أهميَّة اللُّجوء إلى اللَّهجة الدَّارِجة ونبذ الفُصحى.

وأكاد أسمَع من يقول: إن رأي هؤلاء المُستشرِقين دليلٌ على بُطلان الدَّعوة إلى تبنِّي الفُصحى، فهؤلاء أعداء الإسلام والعرب ولا يدَّخِرون وسعًا لتقويض أركان دِينِنا وثقافتنا، فكيف نَستمِع إلى من يُضمِرون لنا الحِقد والكراهية؟

ولو افترَضْنا صِحَّة هذا الكلام، فإنه لا ينبَغي مع ذلك أن نأخُذ آراء الأجانب والمُستشرِقين باستِخفافٍ لمُجرَّد الشكِّ في مقاصِدِهم، فهؤلاء المُستشرِقون لا يتحدَّثون من فَراغ، وإنما من مُنطلَق إعراض كلِّ الشعوب العربية بلا استثناءٍ واحد عن استخدام الفُصحى كلُغةٍ للتَّعامُل فيما بينها. وعلينا أن نَرُدَّ على حُجَجِهم بقوَّةِ المَنطق والعقل، وليس بالعواطف وتوجيه الاتِّهامات.

فهناك بعضٌ من فطاحِل الفِكر العربي تبَنَّوا هم الآخرون أفكارًا مُشابهة. وكان أُستاذ الجيل أحمد لُطفي السيد من أوائل المِصريِّين الذين رَوَّجوا لفِكرة استِخدام العاميَّة، وإن كان قد أعاد النَّظر في موقِفِه وتخلَّى عن هذه الدَّعوة فيما بعد. كما كان مشروع عبد العزيز فهمي — الذي دَعا من بين ما دعا إلى استِخدام الحُروف اللاتينية للُّغة العربية — قد أثار مَوجَةَ اعتراضٍ عارِمةً من قِبَل كافَّة الفئات.

وفي لِبنان تحمَّس لهذه الفِكرة سعيد عقل وأنيس فريحة. وكان قاسِم أمين وطه حسين وأحمد أمين وأمين الخولي من بين أشدِّ الدَّاعين إلى تيسير اللُّغة العربية وتبسيط قواعِدها. وكلُّ هؤلاء لا يُشَكُّ في حُسنِ نوياهُم تِجاه لُغتِنا وتُراثِنا.

ومن أشهر من دَعوا إلى تبنِّي العاميَّة بديلًا عن الفُصحى بحُجَجٍ عنيفة صدَمَت الكثيرين، كان سلامة موسى، وقد ساند أيضًا استِخدام الحروف اللاتينية واعتبَر ذلك «وثبةً نحوَ المُستقبل».

ويقول سلامة موسى عن الفُصحى: «ورِثناها من بَدْو الجاهِليَّة في عصر الناقة، ويراد لنا أن نتَعامَل بها في عصر الطائرة.»

وفي رأيي أنَّ سلامة موسى قد انطلَق من فرضيَّةٍ صحيحة، وهي أنَّ اللغة العربية كما ورِثناها لم تعُد تُلائم العصر، لكن النتيجة التي استَخلَصَها من هذه الفرضيَّة الصحيحة جاءت خاطئة؛ فهو يَستنتِج من عدَم مُواءمة اللُّغة لمُتطلَّبات العصر أن نَستبدِلَها بأُخرى هي العاميَّة. لكن النتيجة الأكثر مَنطقيَّةً هي أنه أصبح من الضروري تطوير اللغة، بحيث تُناسِب أسلوب تفكير واحتياجات إنسان القَرن الحادي والعشرين.

والوسيلة الوحيدة لذلك هي الإسراع بالاتِّفاق على سُبل تطوير اللغة بإرادةٍ عربية مُشترَكة. ولن يَتأتَّى ذلك إلَّا بوعيِ المُثقَّفين والقائمين على أمور الثقافة في العالَم العربي بأن الفصحى أصبحت مهدَّدة فعلًا، وأنه بعد عدَّة أجيالٍ قد لا نجِد من يعرِف لُغة سيبويه إلَّا قلَّة من الدَّارِسين والمُتخصِّصين، فالعاميَّة تُعبِّر عن احتياجات الإنسان العربي للتَّفاهُم أفضلَ من الفُصحى؛ ولهذا هجَر اللُّغة الصعبة إلى الأسلوب الأسهل في التَّعامُل.

والاتِّجاه الغالِب لتَناوُل قضيَّة الشيزوفرينيا اللُّغوية العربية هي قَبُولها كما هي، وكأنَّها قدَر مكتوب علينا ولا فِكاك منه في المستقبل، لكنَّ العقل يُحتِّم علينا مُراجعة هذا المَوقف البراجماتي المُستسلِم للواقِع.

من المؤكد أنَّه ستكون هناك دائمًا فَجوةٌ بين لُغة الكلام اليومية ولُغة الكتابة، وهي حقيقة موجودة في كل بلاد العالم، لكن واجبنا تِجاه الأجيال القادمة هو تضييق هذه الفجوة بأكبر قدْرٍ مُمكِن. ومن الواضح أن هذا هو الاتِّجاه الذي فرضَتْه طبيعة الأمور وخاصَّةً منذ ظهور الصَّحافة في العالَم العربي.

وكما قلتُ فإن ما يُعرقِل الاعتراف بهذا التطوُّر الطبيعي هو الرَّبط المُصطنَع بين اللغة والدين، وتخويف البعض بأن المِساس باللُّغة هو مِساس بالدِّين ذاته. وهو كلام بعيد جدًّا عن الحقيقة كما حاولتُ أن أُثبِتَ في هذا الكتاب.

•••

وقد لعبَتِ الصحافة دَورًا مِحوريًّا في إيجاد لُغةٍ مُبسَّطة تفهَمُها شرائح مُتعدِّدة من أبناء الشعب العربي. ويُجمِع الكثير من المُثقَّفين ومُحبِّي العربية أن الصَّحافة فتحت الباب أمام الحلِّ الأمْثَل لمُشكلة الشيزوفرينيا التي تُواجِه كلَّ عربيٍّ قادِر على القراءة والكتِابة.

وإن كانت جهود الصحافة في تبسيط اللغة لم تَسلَم من انتِقاد بعض فَطاحِل الفكر العربي، وقد عبَّر حافظ إبراهيم عن هذا الرأي عندما قال:

أرى كلَّ يومٍ بالجرائد مَزلقًا
مِن القَبر يُدنِيني بِغير أَناة

وعلى الرَّغم من وِجهةِ نظَر شاعِر النيل، إلَّا أنَّ التقريب بين الفُصحى واللَّهجات هو السبيل الوحيد لإيجاد تطويرٍ مَنطقي ومَقبول من الجميع للُغة الضاد.

وأيًّا كان مَوقِفُنا من هذا الوضع اللغوي فإن حالة الشيزوفرينيا التي نَعيشها مُعرقِلَة للتقدُّم ومُعطِّلة لطاقات العقل العربي. والعرب في هذا المجال هم حالة لُغوية فريدة ووحيدة في عالم اليوم. فإذا كان لا بُدَّ أن نتفرَّد بشيء، فالأفضل أن نتفرَّد بما هو نافِع ومُتمَيِّز، وليس بما هو ضارٌّ ومُعرقِل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤