مقدمة
كان للمقاومة التي واجهتُها من الناشرين صداها أيضًا في الوسَط الأكاديمي، الذي جعله ضِيقُ الأفق يركِّز كل اهتمامه على الغرب، واستغرق الأمرُ سنوات لكي تقتنع الجامعات الأمريكية بأنَّ الأدب الأفريقي جديرٌ بالدراسة، ولحُسن الحظ، كان هناك عدد من الأكاديميين من ذوي العقول المنفتحة، الذين وقفوا إلى جانبي في هذا التحدِّي، بالرغم من أنه كان من الصعب أن أجد مُشرفًا على أطروحتي عن الكُتَّاب الأفارقة، وفيما بعدُ أصبحَت هذه الأطروحة كتابًا بعنوان «نشأة الأدب القصصي الأفريقي» (١٩٧٢م)، وهي إحدى بواكير الدراسات النقدية عن الأدب الأفريقي.
بعد أكثر من ثلاثين عامًا، لم يعُد هناك سوى قِلَّة من الباحثين الذين يمكن أن يُنكروا شرعية الأدب الأفريقي، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الكتاب يتناول المشكلات التي ما زال الكُتَّاب الأفارقة يواجهونها عندما يحاولون أن يكونوا كذلك — أي كُتَّابًا أفارقة — بالرغم من حصول عددٍ كبير منهم على جوائزَ كثيرة مهمة، لم تتغيَّر العقباتُ كثيرًا في نصف القرن الأخير، ولذلك يمكن أن نقول إنَّك لكي تكون كاتبًا في أفريقيا، فإن ذلك يتضمَّن التغلُّب على تحديات كثيرة، والتحايُل على عقبات نادرًا ما يُصادِفُها الكُتَّاب في الغرب، وبالتالي فإن كُتَّاب الغرب لا يعرفون شيئًا عن مُكابدات كُتَّاب أفريقيا، وكثير من دول ما يُسمَّى بالعالم الثالث.
العمل الذي كان يقوم به «آموس تيوتولا»، ونشر روايته «شَرِّيب نبيذ النخيل»، يقدِّمان لنا مثالًا صارخًا على وضع كاتب يحظى بشهرة وتقدير في الغرب، ويتم تجاهله في وطنه إلى حدٍّ بعيد، وهو وضع مألوف بالنسبة لكثير من الكُتَّاب الذين جاءوا بعده؛ فهذا الروائي النيجيري «تيوتولا»، الذي يعتبره اليوم كثيرٌ من النقاد واحدًا من الآباء المؤسسين للواقعية السحرية، عاش حياةً مملوءة بالإحباط والإهمال، وعندما مات سنة ١٩٩٧م كانوا يجمعون التبرعات لتسديد نفقات دفنه.
من بين المشكلات التي ما زالت تواجه الكُتَّاب الأفارقة اليوم: اللغة التي يجب استخدامها (أفريقية أم أوروبية؟) ومشكلة الأُمية والجمهور (٥٠٪ تقريبًا من سكَّان القارة لا يستطيعون القراءة)، والمشكلات الاقتصادية (أسعار الكتب مرتفعة ولا يستطيع شراءَها سوى عدد قليل)، ومشكلة نقص منافذ النشر والتوزيع في القارة، ويُضاف إلى ذلك كله، حائط آخَر من العقبات، يتمثَّل في: الرقابة والسجن والنفي … وما هو أسوأ!
حيث إنَّني بصدد إعداد كتاب عن الكاتب الأفريقي، أرجو موافاتي بتقرير موجز عن مدى النجاح أو الفشل في تجربتكم مع النشر. سوف تُخصَّص فصول من هذا الكتاب لتناول قضايا مثل الأُمِّية والجمهور (مَن يقرأ الأدب الأفريقي؟ ولِمَن يُكتَب؟) والأحكام النقدية لبعض القرَّاء من غير الأفارقة، الذين قد لا يفهمون مقصد الكاتب، وقضايا الرِّقابة، والنشر الشخصي، أو عن طريق الدُّور المتخصِّصة في الداخل والخارج، بالإضافة إلى قضايا النفي والإبعاد وغيرها، كما أرحِّب بأية معلومات أو بيانات متعلِّقة بذلك.
كما ساعدني في هذا البحث كلٌّ من الآتية أسماؤهم بعدُ، وذلك باطِّلاعي على تجاربهم مع النشر، وبخاصَّةٍ:
كما تلقَّيتُ مساعدات مُهمة من كلٍّ من:
مع اعتذاري لكل مَن يكون قد سقط اسمه سهوًا، وفي النهاية فإن هذا الكتاب تحيةٌ متواضعة لكُتَّاب أفريقيا المعاصرين، الذين ما زالوا يمضون واثقي الخُطى، على طريق أسلافهم في القص التقليدي، بالرغم من كلِّ الظروف غير المواتية.