الفصل الثالث عشر

تأمُّلات إكلينيكية وميتاسيكولوجية في بحث «طفل يُضرَب»١

كاثرين شابيه

ظهر بحث «طفل يُضرَب: مساهمة في تفسيرِ نشوء الانحراف الجنسي» عام ١٩١٩ في فترةٍ انتقالية بين الاتجاهَين الكبيرَين في أعمال فرويد؛ كان هدف النص، رغم كونه ضمنيًّا، هو اعتبار وهم «الطفل المضروب» أحد أكثر ترجماتِ أوهامِ الإغواء حيوية، بالإضافة إلى وصف التطوُّرات النموذجية التي تدخل في صنع هذا الوهم كمنتج نفسيٍ ومنتجٍ للتحليل؛ في الوقت نفسه، أبرز البحث تمثيلاتٍ طِفلية للمازوخية، مُعلنًا قدوم اضطراباتٍ قبل نشرِ بحث «ما وراء مبدأ اللذة» عام ١٩٢٠، متنبئًا بذلك بالرابط الشائن بين الحب والعقاب، وبين الإثارة والألم.

إذا كنتَ قد عدتَ لهذا الوهم مجددًا، فهذا يُعزى أولًا بالتأكيد إلى أنه يتكشَّف تدريجيًّا في إطارِ اتجاهٍ يُعد جوهريًّا للعلاج وتحويل المشاعر، ولكن أعود إليه على نحوٍ خاص لأن مراحله المختلفة تعرض منتجاتٍ نفسية ذات أهميةٍ متغايرة، مما يجعل من الممكن تجاهل تصوُّر عام للأوهام، ضخمٍ وضيقٍ للغاية. وهذه الجدلية، التي يمكن تمييزها في سياق التحليل وفي هذا الموقف فقط، تصدُق على إمكانية قيام المريض بمواءمةِ حدثٍ نفسي مثير داخل المشهد التحليلي ببناءِ وهمٍ يستبعد المحلل النفسي من محتواه ظاهريًّا، وظاهريًّا فقط؛ لأن الوهم مُوجَّه إليه ويسعى لإغوائه هو، وليس شخصًا غيره، حتى لو كانت الرغبة في تلك اللحظة مكبوتة. إن المرور من ذكرى باهتةٍ وبلا أهمية إلى مشهدٍ أَوَّلي مبتذل يُرى فقط من منظورٍ يتسم بلا مبالاةٍ مجهولة (طفل يُضرَب)، إلى خلق المشهد الثاني، وهو مشهدٌ دقيق ومثير (أنا [فتاة] أُضرب من أبي)؛ حيث يحتل صانع الوهم موقع الطفل الذي يُضرَب ويُصبِح بطل المشهد، هو أمرٌ يتوقف على لحظةٍ جوهرية؛ هي لحظةُ قيام المريض بخلقِ وتشكيلِ ما يعتقد أنها تجربةٌ سلبية عايشها، على نحوٍ نشط في التمثيلات. لا يُوجد تذكُّر لأمرٍ ما، ناهيك عن التنفيس عنه في إطارٍ «متغيِّر»، بل يُوجد تغيير للموقع يُطلِق العِنان للرغبة التي كانت خفيةً حتى الآن؛ إن تعبير «إنه يضربني، يحبني، يضربني» يُخرج قناعةً أساسية من بين غياهب المحتوى الظاهر للتخيُّل مَفادُها: إنه لا يحب غيري! ومع ذلك، فلكي يكتسب هذا التغيير أي قوة، يجب أولًا إدراك فعل الإغواء، وهو الفعل الذي ولَّد فيما سبق استثارةَ الطفل والذي يتكرر اليوم في التحليل، كفعلٍ صادر من الآخر، كردِّ فعلٍ له؛ فتقلُّد الموقع السلبي يجعل بإمكان المريض قَبولَ آثار التحليل وأثر المحلِّل داخله.

إن الاضطلاع بالدور السلبي في المرحلة الثانية من وهم «الطفل المضروب»، وهي المرحلة التي تُعبِّر عن النسخة الأُنثوية منه وهي «أنا [فتاة] أُضرب من أبي»، يمكن أن يصدُق على هذه المواءمة من خلال التمثيل وعلى وظيفتها المُتمثِّلة في المواساة؛ فنجد الفتاة تُكثِّف حب الأب وكونه مُحرَّمًا عليها، وتجمع بين الرغبة في الإغواء والعقاب الذي يجلبه إشباع هذه الرغبة؛ بمعنًى آخر، تُعلن المريضة عن الحل الوسط الذي يسمح للأنا، بفضلِ بناء الوهم، بإشباعِ متطلبات الهو والأنا العليا بفاعليةٍ متساوية. في هذا الإطار، يمكننا إدراكُ وفهمُ ظهورِ الوهم وتطوُّره وحلِّه كصوتٍ لاتجاهٍ أساسي للتحليل، وكطريقةٍ لفتحِ مواضع للتماهي؛ فتغيير المواضع في سيناريو التوهُّم يعكس التغيُّر في الوضع على المستوى الداخلي؛ فهو يُمثِّل أملًا كبيرًا يجعل من الممكن قبول التضاد أو التناقُض بين السلبية التي تفرضها الاستثارة ونشاط التمثيل الذي يمنح العلاج نوعًا من النظام؛ أي إدراك الرغبات ومصدرها الغريزي داخل التحليل من ناحية، والعمل الذي يتطلبه التحليل بديهيًّا من الناحية الأخرى.

•••

هل نحتاج لتقديمِ دليلٍ تحليلي لدعمِ تأكيدِ فرويد فيما يخص تَكرارَ وَهمِ «الطفل المضروب»، ليس فقط لدى المُصابين بالعُصاب، بل حتى لدى أفراد لا يشعرون بأنهم مُجبَرون على الانخراط في التحليل؟ هل علينا كذلك العودة لهذا النص لإدراك تعدُّدية السُّبل التي يقتفيها ويتبعها، وعلى نحوٍ أخص، نشأة وجدلية الوهم؟ بعيدًا عن المحتوى وجاذبية الصور التي يُثيرها، وبعيدًا عن اهتمام هذا المقال الشديد بتحليل الجنسانية، فإن ما تكشفه قراءةٌ جديدة على نحوٍ شبهِ مؤلمٍ يتعلق بمضمون الخطاب فيما يتعلق بالكبت وترجمته المختلفة في العلاج.

من الأمور المُقترِنة بعلم الأمراض النفسية، وإن كان ليس جوهريًّا هنا: ما الذي كان يعنيه فرويد عند حديثه عن «الانحراف»؟ ألا نجد أن ثَمَّةَ مصادفةً تخُص ذلك الشعور (وهو الذي يكون إنكاره يعني وجود عُصاب) وأساليبَ النشاط الوظيفي النفسي المجتمعة اليوم كمؤشِّراتٍ «جديدة» للتحليل النفسي، تلك المؤشرات التي تتسم بالأساس باضطراباتِ الجوهر الداخلي للشخصية والتي تُشكِّك في فكرة الواقع النفسي من خلال توسيع حدوده؟

لا يحدث ظهور وهم «الطفل المضروب» في كل التحليلات؛ فهو يظهر على السطح في لحظاتٍ بعينها، وفي علاجاتٍ بعينها، وتحت أشكالٍ بعينها لا تتطابق دائمًا مع تلك التي وصفها فرويد. غير أن هذه التنويعات في التعبير الإكلينيكي، والتي يرجع الفضل فيها إلى الدفعة الرمزية لتمثيلات الجنسانية الطِّفليَّة وتجسُّداتها، تُسلِّط الضوء على جدليةِ تحويل المشاعر الذي يُجسِّدها ويعيد صياغتها في شكلٍ مختلف.

ينطوي تحليل الأوهام الذي وضعه فرويد على حركةٍ عاملةٍ قوية تُسبِّب اضطرابًا في العناصر؛ فالمواضع المتتالية التي يشغلها صانع الوهم — دعونا لا ننسَ أنه من صنع المريض الخاضع للتحليل — تدلُّ على أهمية التنقل من دورٍ إلى آخر، وعلى وجودِ سهولةٍ في الحركة والتنقُّل في التماهي، تقودنا لرؤية هذا كموضعٍ رئيس، حيث تكون المغامرة التحليلية على المحك؛ فالتغيُّر في وجهة النظر أحد أكبر آمالها؛ والتغيير يكشف عن تعديل، بل حتى تحوُّل في بعض الأحيان، للمواد النفسية.

في هذا الإطار، نكتشف مسارًا مدهشًا في نص فرويد يتضح من القراءة الأُولى في توصيفات التنويعات في المحتوى الظاهري للوهم. يتميز فرويد بمنهجٍ واضح؛ فأوهام العقاب، وربما كل الأوهام، لها تاريخٌ سابق وتطوُّر، والصياغة المبدئية التي تتخذها في بداية العلاج تُعد «نتيجةً نهائية أكثر من كونها مظهرًا مبدئيًّا لها» (١٩١٩، صفحة ٢٢٤). ويُؤكِّد التحليل السمة التطوُّرية للوهم؛ نظرًا لتعقُّد تكشُّفها على مدى الوقت، وسيطرأ على مختلف جوانبه على نحوٍ شبهِ دائم «في علاقتها بصانع الوهم، وهدفها، ومعناها» (المصدر السابق، صفحة ٢٢٤). لعلنا نتساءل: ما الذي لا يتحرك في هذا التنظيم؟

تستمد المرحلة الأولى، وهي الأقدم والأقل وضوحًا كما يبدو، مصادرها من الذاكرة التاريخية بإحياء الذكرى من جديد. ويُعتبَر وهم «ضرب الأب للطفل» ترجمةً لهذا، ويتساءل فرويد ما إذا كان هذا حقًّا مسألة وهمٍ أم مجرد تمهيدٍ لوهمٍ أبعد. وفي الواقع، يظل الثبات والاستقرار في واقعٍ مُدرَك، داخل تجربةٍ فعَّالة، إحدى السمات الرئيسة لهذه النسخة، وهو مستقًى من مخزونات الطفولة ويَتجسَّد في موقعِ صانع الوهم في مشهد «أنا أنظر». يُتيح المحتوى الخفي الذي يتكشَّف لاحقًا إمكانيةَ ظهورِ حالةٍ من العاطفة القوية، على نحوٍ يُناقض الانفصال المُتردِّد في البداية، تتغَذَّى بلا شكٍّ على قوة المقاومات؛ فالكراهية والغَيرة من الشقيق الأصغر تكون بمثابةِ قناعٍ يخفي الإيمان بحب الأب؛ فإذا كان الأب يضرب هذا الطفل الذي أكرهه، فهذا بسبب أنه لا يحبه؛ «فهو لا يحب أحدًا سواي» (المصدر السابق، صفحة ٢٢٧). إنه لا يحب أحدًا سواي … يا للإثارة، يا للإنجاز، يا للمتعة! وهكذا ينشغل المحتوى الناشئ للوهم بأشكال الحب المُحرَّم؛ فهو يدعم لدى الطفل قناعةً بكونه الطفل المُدلَّل للأب، والمتعة الخفية النابعة من إغوائه.

تمتلك طبيعة التخيُّل في هذه المرحلة الأولى مُكوِّنَين: الأول واعٍ ومحفور في واقعٍ مادي «موضوعي»، والثاني لا واعٍ يجد طريقه إلى الحل في الإشباع الهذياني للرغبة، وكلاهما مترسخ في العُقدة الأبوية؛ فيصبح جوهر الوهم «أبي لا يحب أحدًا سواي» صورةً زائفة سواء في تمثيل المحتوى الظاهري، أو في الشعور بالاستياء الذي يُصاحبه، وذلك بفضل تحوُّله إلى نقيضه.

تتوقف المرحلة الثانية، والمُتمثِّلة في وهم «أنا [فتاة] أُضرب من أبي»، على حالةٍ نفسيةٍ مختلفة؛ فهذه المرحلة ليست ذكرى، وليست ناتجة عن تذكُّر أيِّ شيء؛ فهي لا واعيةٌ وستظل لا واعية، كما أَصَر فرويد مرارًا وبقوة. وهنا تُعتبر هذه المرحلة تفسيرًا للتحليل ناتجًا عن الكبت، ولعل هذا ما يمنحها أهميتها القصوى ويُفسِّر ثقل تبعاتها. وهذه المرحلة الثانية ضروريةٌ والمرور بها خلال العلاج أَمرٌ حتمي.

وباعتبارها ناتجًا من نواتج التحليل، تحديدًا ناتجًا من نواتج تحويل المشاعر، فهي تحتل مكانةً خاصة، فيما يخص الأوهام الناشئة، في مُفترَق الطرق بين ما هو موضوعيٌّ وما هو ذاتي؛ إذ تنحصر بالكامل في التوتُّر بين العالم الداخلي وبحثه عن المتعة والعالم الخارجي وقيودِ واقعه. وهذا الضغط المزدوج إنما يؤكد التزامَ الوهم الذي يُتيح إشباع الرغبة في الأب من خلال النكوص وفي الوقت نفسه يجعل عقابَ مثل هذا التجاوُز أمرًا مُؤكَّدًا: «إنه يضربني، يحبني، يضربني»؛ إذ علينا بالطبع أن نَتذكَّر درجة المتعة العالية التي تَصبِغ إنتاج الوهم؛ فتُمحى العودة إلى الشعور بالاستياء بتغييرِ موضعِ صانع الوهم، الذي سيكشف الأساس المازوخي الناجم عن ارتباطِ متعةٍ ما بألم. ومع ذلك، يبقى جزءٌ خفي، ويتحول إلى رغبةٍ جنسية تناسلية مُتخفِّية بالغطاء الشرجي لسيناريو الوهم. وهكذا، يظل فعل الكبت مستمرًّا، والتخلُّص من أي كبتٍ باستمرار سيُصاحبه كبتٌ للتمثيلات الأخرى.

ما أَثَر التحليل على هذه المرحلة الثانية من الوهم؟ أليست التحوُّلات المهمة حقًّا التي يمر بها الوهم هي نتاجًا للتحركات التي ينطوي عليها تحويل المشاعر؟ بمجرد اجتياز الفترة الأُولى من التحليل التي تستقي قوتها في صمتٍ من يقين المريض الخاضع للتحليل من إغواء المُحلِّل؛ كونَه أصبح هو أيضًا منخرطًا في العلاج وانقضاءِ بهجة البداية العامرة بمشاعر الحب والعشق، والقائمة كليًّا على الكبت أو إزالته، يأتي الخداع حتمًا، والذي يُكتشَف باكتشاف الطبيعة الجنسية للرغبة واستحالة إشباعها؛ فيتلف هذا «الإزهار الأول لحب المحارم» بفعل الصقيع … في هذه المرحلة، لا يسع الشخص الخاضع للتحليل إلا اللجوءُ إلى إنتاج الوهم بواسطةِ جزء المتعة الخاص به، حتى ولو كانت متعةً وهمية، ناتجةً عن إشباعٍ هذياني — وهي متعةٌ تتحقق على أرض الواقع بالتعبير عن الوهم وصياغته في كلماتٍ موجهة إلى المُحلِّل النفسي.

أخيرًا، تتشابه المرحلة الثالثة (التي تظهر أولًا في التحليل) مع الأُولى نظرًا لكونها واعيةً مثلها، ولأن صانع الوهم يشغل فيها مرةً أخرى موقعَ المتفرِّج. غير أن ثَمَّةَ عنصرَين بارزَين يميزانها: الأول أن الشركاء قد تغيَّروا، وحل عددٌ وافر من الأطفال المجهولِين محل الطفل المضروب في المرحلة الأُولى، وحل محل الأب (الضارب) بديلٌ أبعد. لقد أصبح المشهد في المرحلة الثالثة مجهولًا وعامًّا ومجردًا من الذاتية. أمَّا الفارق الثاني، فيرتبط بلا شك بهذا التحول؛ فالوهم الآن صار يحمل استثارةً قوية «جنسية بلا شك»؛ كونها تؤدي إلى إشباعٍ جنسي واضح. وهذا يؤكِّد بالدليل الواضح أهمية الارتباط بالمتعة في جدلية الوهم؛ فالتغيُّرات لا تمس ممثل/تمثيل الدافع فحسب، بل تمس كذلك الشعور/المُمثِّل الخاص به؛ لذا، يناقش نص فرويد أيضًا الإشكالية الأساسية الخاصة بالعلاقات بين المشاعر والتمثيلات. يظل هناك لغزٌ يصعب حله؛ إذ يُردف فرويد قائلًا: «بأي طريق يصبح الوهم السادي الموجود الآن، حيث يُضرب أطفالٌ غرباء ومجهولون، ملكيةً دائمة للتطلُّع الشهواني للفتاة الصغيرة؟» (المصدر السابق، صفحة ٢٢٦)

إن وهم «الطفل المضروب» محفور بالكامل في النظام النفسي الجنسي، وفي عقدة أوديب، وفي شبكة التمثيلات الناتجة عن نسيج الأوهام الناشئة التي تُحاول معالجته. دعونا ننظر إليه كأحد الترجمات المُبكِّرة لوهم الإغواء المُدمَج في وَهْم المشهد الجنسي الأَوَّلي؛ لأنه يعرض المجموعة الكاملة لسمات الأوهام الناشئة: الدعمُ البصري، بل البانورامي، اللازم لمنحها شكلًا، والموضع السلبي المُحدَّد للشخص الخاضع للتحليل في كل من المشهد الجنسي الأَوَّلي والإخصاء. يُفاقِم وَهْم الإغواء في نسخته الهستيرية من سلبية الطفل الخاضع لرغبة الشخص البالغ؛ فنحن نُدرك كيف أن تطوُّر الفكر الفرويدي قد اتبع هذا المسار؛ الحدث الذي يعاني منه الطفل، والذي يُحدِث الصدمة المُحدِّدة في مُسبِّبات الاضطراب العصبي، ويحبس طفلًا بريئًا داخل الحياة الجنسية لشخصٍ آخر؛ يتمثل في الشخص البالغ المنحرف، أو الأب، أو الغريب الذي يُضمر الشر، أو المُحلِّل خلال فترة العلاج. وهذا الشخص يُتيح وظيفة الإغواء النشِطة بينما يُحافظ المريض على موقعه السلبي كضحية.

بعد ذلك، وبفضل تسويةٍ سيئة السمعة خلال الإدراك اللاحق، سوف يُسيطر العنصر الجنسي على مشهد الإغواء؛ ليصبح الوهم الذي يلتقط الحدث الآن معتمدًا على نشاطٍ تمثيلي يحمي نسخةً من الهجوم بواسطةِ آخر ويُحافظ عليه. وأيًّا كانت طبيعة الحدث — وهو الذي كان فرويد يظن أنه ذو طبيعةٍ واقعية على نحوٍ مادي حتى عام ١٨٩٧، ثم صار ينظر إليه كواقعٍ نفسي — فإن الشخص الخاضع للتحليل، حتى عندما يُصبِح هو صانع الوهم، يبقى سلبيًّا في وجه التدخُّل الخارجي.

يتبع وَهْم «الطفل المضروب» المسار عينه ويمتثل للقواعد نفسها؛ إذ يحتفظ صانع الوَهْم بموقعٍ سلبي في كل المراحل؛ فلا نجد إثارةً مُغويةً بل تيارًا متدفقًا من الاستثارة يتجلى على نحوٍ متساوٍ في الغَيرة الانتقامية للمرحلة الأُولى، وفي التكافؤ بين التعرُّض للضرب والحب في المرحلة الثانية، وفي التأمُّل في مَشهدِ الأطفال المَجهولِين الذين يتعرضون للقسوة الجسدية للمرحلة الثالثة.

ربما تظن أن الوهم يخرج للوجود خلال عملية التحليل، وأنه يتكشَّف أثناء حدوث تحويل المشاعر؛ لا شك أنه يُقدِّم نفسه كصوتٍ للسادية المازوخية، ويستعير أشكالها الجمعية، وبالتأكيد يُفشي الإثارة الصارخة والقلق الشديد ليضاهي المتعة التي تُديمه وتُحافظ عليه. ولكن حدوثه يُتيح على نحوٍ خاص احتماليةَ ملاءمة الحدث داخل المشهد التحليلي بواسطةِ تفسيرٍ يستبعد المُحلِّل على المستوى الظاهري بينما يتضمنه في خطابه، وهذا يرجع إلى الكبت؛ فاستحضار المشهد الخاص بالمرحلة الثانية يشير ضمنيًّا في الحقيقة إلى نبذٍ لحظي للرغبة في إغواء المُحلِّل داخل موقفٍ تناقضي يستدعي الإثارة ويحتويها، ويُزيل الكبت ويصنعه.

إذا كان ما هو على المحك في نظرية الإغواء هو إنشاء علاقةٍ جوهرية بين الجنسانية والكبت، فإن الأخير بلا شك يطرح مسألةَ استدخالِ الموضوع؛ فسواءٌ كان مشهد الإغواء يشير إلى واقعٍ حقيقي أو وهمٍ ناتج عن صدمة، فإنه «دائمًا وعلى أيِّ حال» يُشير ضمنًا إلى وجود الآخر، وإلى إثارته الإيحائية التي تضعه خارج الشخص الخاضع للتحليل، حتى ولو في موقعٍ مضاد للأنا ودوافع حفظ النفس. أليست هذه هي المكوناتِ التي نجدها في المشهد التحليلي؟ إن الجنسانية محفورةٌ في الغَيرية أو الاختلاف، وفي إطار الحركة نفسها، ينطبع وجودها المستقل وغرابة اللاوعي؛ ولكي يحدث ذلك، يجب أن نعترف بأن الفعل في أصل الإثارة والاضطراب يجب أن يصدُر من الآخر؛ فهذا الموقف يضع الشخص الخاضع للتحليل في موقفِ ردِّ فعل، إذا كان أَثَر الآخر عليه مُدرَكًا؛ أي إذا سُمِح بتعديلٍ سلبي من قِبل هذا الغريب، ما يُمثِّل مقدمةً لا غنى عنها لقبول الإثارة الداخلية والعثور على وسيلة لمعالجتها. والموقف نفسه الذي يُفاقِم السلبية الأساسية يُتيح كذلك دمجها والتعامُل معها. إذا حل الخيال محل الشرخ الحقيقي، وإذا تحوَّل الواقع المادي للذكرى إلى واقعٍ نفسي، فإن التكافؤ المزدوج الإيجابي/السلبي يستمر في التحرُّك؛ فيكون الشخص الخاضع للتحليل سلبيًّا في محتوى المشهد، بينما يكون نشِطًا في بناء التمثيل. وهناك نجد العناصر التي طوَّرها فرويد (١٩٢٠) في بحث «ما وراء مبدأ اللذة» من مُلاحظة الطفل ذي البَكَرَة.

وعن طريقِ تخليقِ المشهد، يدخل الشخص الخاضع للتحليل في حركةٍ من مواءمة الوهم والاستدخال المُوجَّه ذاتيًّا. وهذا الانتقال مُتأصِّل في العملية التحليلية، ويُترجَم بواسطة القَفزة من التكرار القهري إلى التمثيل القهري، كما اقترح جيه رولان (١٩٩٨). هذا الانتقال، الذي يُؤكِّده إدراك الدور السلبي داخل المشهد وما يتضمنه فيما يتعلق بعمليات الاستثارة والمشاعر، يجعل من الممكن بناء الوهم ويُمِدُّه بقوته المُواسية؛ بمعنًى آخر، يتطلب الاستحواذ النشط — من خلال اللغة — على التمثيل أن يكون التعرُّض للإثارة قد حدث على نحوٍ سلبي. في ضوء هذا، يُمكِننا فهم وَهْم «الطفل المضروب» وطريقة نشأته وتكشُّفه وحلِّه باعتباره رمزًا للحظةٍ حاسمة في التحليل غنيةٍ باحتمالات التماهي التي تسمح بحدوثِ تناقُضٍ وتضادٍّ بين السلبية والنشاط، وبين الاستثارة والتمثيل؛ ومن ثَمَّ فإن احتمالية قَبول الاستثارة خلال العلاج، وهي التي يُثيرها الآخر هي التي تحسم مسألةَ إطلاقِ وتحريك الجهد الذي تَتطلَّبه بالضرورة إثارة الدافع.

•••

ما الذي يحدث عندما لا يحدث الانكشاف المعتاد للوهم ويحل محلَّه تسلسُلٌ مختلف تمامًا، مما يخلق اضطرابًا في نقاط المرجعية السابقة الخاصة بنا؟ أَودُّ هنا الإشارة إلى استدعاءِ مَشاهد، منذ بداية تحليلاتٍ بعينها، مُنظَّمة طبقًا لمبادئ المرحلة الثانية التي وصفها فرويد، لكنها لم تعُد تُظهِر سمة الحالة النفسية التي كانت تُميِّزها سابقًا، مع ملاحظة أن هذه المَشاهد لم تكن مكبوتة، وليست غير واعية، ويمكن بالكاد اعتبارها نتاجًا للتحليل. تأتي هذه المشاهد في شكلِ مواقفَ حقيقية، أو كوساوسَ واعية، أو الأخطر، كأمثلةٍ لتنفيسٍ قهري بدرجةٍ ما. وأيُّ فشلٍ ظاهري في كبت هذه النواتج يمكن أن يشير إلى الدلالة المنحرفة ليس فقط للوهم — الذي يُعد مُنحرفًا بطبيعته على أيِّ حال — بل للأداء الوظيفي النفسي عينه. لكن هذه الفرضية يصعُب الدفاع عنها في ضَوء الطبيعة الساحقة للشعور بالذنب المرتبط باستدعاء هذه المَشاهد، حتى لو كان طابع الخزي لها يمنحها شعور انعطافٍ نرجسيٍّ قوي؛ ونظرًا لأن من يخضع للتحليل (وهو الذي غالبًا ما يكون أُنثى من واقعِ خبرتي) لا يعجز عن اتهامِ ذاته بأبشع الجرائم، فهي من تُعرِّض نفسها للضرب، وهي الابنة التي تشتهي زنا المحارم التي تستثير الأب لتجاوُز الحدود؛ وهي من يدفعه للقيام بهذه التجاوُزات. من المؤكَّد أن الأب (أو بديله) يُحافظ على وظيفته كضارب؛ لكن حتى في هذه الحالة فإنه ليس نشطًا؛ بل مستُثار من قبل ابنته؛ ولأنها تُدرك هذا الإثم وتُطالِب به، فإن التضحية والسلوك القهري اللذَين يُعبِّران عنه يُمهِّدان الطريق إلى التكفير عن النشاط الجنسي المازوخي وما يُحقِّقه من انتصارات. ومن الواضح أن مثل هذه التسلسُلات تعملُ على تكثيفِ وَهْم «الطفل المضروب» بذكاءٍ مذهل، وكذا تكثيفِ مشهد الإغواء. وفي هذا السياق، تُستبدل نسخةٌ أُطلق عليها «سوداوية» بالنسخة الهستيرية، التي يحميها الكبت (شابيه، ١٩٩٩)، والتي تعكس المواضع الخاصة بالشريكَين؛ إن من يُغويني ليس الآخر أو الغريب، أو الأب؛ بل أنا من يُثيره ويُحرضه ويقهره.

تختفي المازوخية المشبقة والمازوخية الأُنثوية، والحاضرتان بقوة في المرحلة الثانية من الوهم، وهي مرحلةٌ كلاسيكية، في هذه النسخة السوداوية على ما يبدو، بما يُدِرُّ مكاسبَ على صعيد المازوخية الأخلاقية والتعطيل النرجسي لأهداف الدوافع. وحسبما كتب فرويد في عام ١٩٢٤، تتفكك العلاقة بين المازوخية الأخلاقية والجنسانية. وفي حين أن المعاناة تشمل المحبوب في المازوخية المشبقة والمازوخية الأُنثوية، فإن هذه الحالة لا تُشبَع في المازوخية الأخلاقية؛ نظرًا لكون المعاناة نفسها هي ما يهم في هذه الحالة: «سواء كان المُتسبِّب في المعاناة هو الحبيب أو شخصًا غريبًا، فإن هذا ليس له أيُّ دور» (فرويد، ١٩٢٤، صفحة ٢٩٣).

إن الوصول إلى واقع مَشهد «أنا [فتاة] أُضرب من أبي» إنما يدل على قوة الزنا في تحويل المشاعر والعقاب الذي يتسبب فيه، وهذا دليل على أن الشخص الخاضع للتحليل يقف في منطقة المازوخية الأخلاقية والسوداوية، وهي التي، كما نعرف، أحيانًا تحتفظ في غياهبها بسيناريوهاتٍ «منحرفة» تُحاول إزالة مشاعر الكآبة والوحشة. في هذه النسخ المُفرَدة، أكثر من أيِّ مكانٍ آخر، وجنبًا إلى جنب، نجد اندفاعًا نحو تحويل المشاعر — يتسم بالحدة والإثارة وشبه جنوني — وفرارًا إلى مداواةٍ سريعة تمحوها انتكاسةٌ تراجيدية يائسة من الآثار الأَوَّلية للتحليل النفسي. وهنا يحدث انقلابٌ جوهري؛ فلم يعُد الإحباط يحمل معه كراهيةً تجاه المُحلِّل ولا حتى توبيخًا لما يمكن أن يُنظَر إليه كخيانةٍ أو سوءِ فهم؛ بل نرى الكراهية ترتد نحو الخاضع للتحليل نفسه، ليغوص عميقًا في اتهامات الذات والشعور بالخزي وكبح الشهوات. حينئذ يظهر شكلُ وَهْم الطفل المضروب الذي أَثرتَه للتو كأَثَر لتحويل المشاعر ذي المازوخية الأخلاقية؛ فنحن مدركون لآثار هذا داخلَ ردِّ الفعل العلاجي السلبي والمآزقِ المُحتمَلة الناتجة عنه. ويظل الضمير الأخلاقي يلعب دورًا جوهريًّا هنا؛ لأن الشعور بالذنب الذي أدَّى إلى تحوُّل السادية في المرحلة الأولى إلى مازوخية في المرحلة الثانية يتعرض للكبت في النظام التقليدي للوَهْم؛ لكن في الشكل الذي استعارته المازوخية الأخلاقية، يكون الحس الأخلاقي واعيًا حتى لو قامت الأنا العليا، والتي تعتبر الآن جَلَّادًا للأنا، بغرس جذورها في الهو.

يجب أن نعود إلى فرويد في محاولةٍ لفهم هذا الفارق الجوهري حتى لو كان من الصعب تتبُّع تسلسُل أفكاره. في سياقٍ طبيعي، حسبما يقول، يتدفق كلٌّ من الوعي والحس الأخلاقي من عقدة أوديب، ومن إزاحتها، ونزعِ الصفة الجنسية منها. أمَّا في المازوخية الأخلاقية، على النقيض، ﻓ «أُعيد إضفاء الصفة الجنسية على الأخلاق، وأُعيد إحياء عقدة أوديب، ليُمهَد بذلك مسارٌ عدواني من الأخلاق إلى عقدة أوديب» (المصدر السابق، صفحة ٢٩٦). وهكذا يكون قد ضاع جزءٌ من الضمير الأخلاقي لصالح المازوخية، ويُسعى وراء الخطيئة كوسيلةٍ للحصول على العقاب. إن هذا التفسير النظري يُناسب المادة التحليلية التي أتعامل معها جيدًا على نحوٍ مثير للدهشة: خَلَل في كبت الجنسانية الأوديبية، ثم إضفاءُ طابعٍ جنسي مُبَالَغ فيه على الأخلاق، يليه انزلاقٌ نرجسي للكل يتزامن مع مواجهة المشكلة مرةً أخرى بلا سابقِ إنذار، ثم إعادة صياغة وَهْم الطفل المضروب.

يتابع فرويد قائلًا إنه إذا كانت المازوخية الأخلاقية خطِرة، فهذا يُعزى إلى أنها تستمد حيويتها من دافع الموت: «إنها ترتبط بذلك الجزء من دافع الموت «الذي تَجنَّب أن يتجه إلى الخارج في شكلِ تدمير»، ولكن على الجانب الآخر، ونظرًا لأنها تمتلك صفة المُكوِّن الجنسي، فإنه حتى تدمير الشخص لذاته لا يمكن أن يحدث بدون إشباعٍ للشهوة الجنسية» (المصدر السابق، صفحة ٢٩٧؛ ورد التأكيد في النسخة الأصلية). مرةً أخرى نجد الفكرة السائدة هنا، والتي تقضي بأنه وقتما يتم السعي وراء المُعاناة في حد ذاتها، حتى لو أُعيد إدخال العلاقة في نظامٍ نرجسي، فإنه عندما يَتمُّ تنعكس الكراهية لموضوعٍ ما على الشخص الخاضع للتحليل، لِتُعذِّبه وتَحُطَّ من قدْره، يظل مكسب الإشباع السادي محفوظًا. يظل الجزء الشهواني المستَقطع ظاهريًّا من المازوخية الأخلاقية باقيًا في عقاب الذات، مما يجعل من الممكن المُضِي في الانتقام من الموضوعات الناشئة؛ وتُقدِّم حالة المرض نفسها كوسيطٍ للوصول للشخصيات الأعز والأقرب لقلبِ الشخص.

ومع ذلك، فإني أتساءل اليوم إذا كان هذا الإقدام ذو الطابع القرباني لا يسعى في النهاية إلى حماية الآخر؛ إذا كان لا يُقدِّم نفسه كدرعٍ لصد التحركات التدميرية والإجرامية. وبذلك سيكون الأمر بمثابةِ شكلٍ من المازوخية أو السوداوية، حيث يحفظ التكافؤ الشهواني وظيفة حماية الآخر، رغم الارتداد النرجسي للكراهية نحو الأنا، وذلك لدى الفتيات، وربما الأم الغائبة على نحوٍ مُستغرَب من وَهْم «الطفل المضروب»؛ بينما يُشكِّل لدى الصبية مُجرَّد درع.

أعني بهذا أن شكل الوهم المازوخي سيجد «فائدة» له في كلٍّ من تجنُّب الهجوم ضد الأم بفضل ارتداد الكراهية إلى الذات، وحمايتها على النحو عينه من إسقاطِ أيِّ تمثيلٍ سادي. وفي هذا الإطار، يتم إبعاد الرمز الأُمومي السلبي أو المُتطفِّل أو المستبد عن المشهد؛ فالأب هو من يشغل هذا المكان، وهذا يكون محتملًا؛ بسبب الطاقة النفسية الشهوانية المُثيرة للغريزة التي يكون هو موضوعَها.

وهكذا يمكننا أن نفهم كيفية صد التحركات الغرائزية عن الرمز الأمومي بل رفضها؛ فلن يكون ثَمَّةَ أيُّ هجومٍ عدواني أو مُدمِّر ضدها (إذ تكون الفتاة هي الضحية)، أو صادرٍ منها (فالأب هو من يضرب)؛ وكذلك لن يكون ثَمَّةَ أيُّ خطر مِثلي الجنس.

إن ما يظهر في هذه المرحلة هو صورةٌ أمومية «مُطهَّرة»، يبدو ظاهريًّا أنها مُنزَّهة عن أيِّ تمثيلٍ غرائزي. على سبيل المثال، في حالة فقدان الشهية، يمكننا تفسيرُ زهد بعض الفتيات المراهقات في الطعام كاعتمادٍ على التماهي النرجسي مع هذا الرمز للنقاء العنيد.

هذا التمثيل المكبوت (للأم) يصنع القالب الملائم لأكثر نُسخ الوَهْم تطورًا وتفصيلًا، وهو الذي يتضمن السلوك والتَّكرار القهري الواضح؛ حينها ستُعَد المَشاهد بحيث تُتيح المادة اللازمة لتشكيل الوَهْم.

إذا أفصَحَت الفتاة عن شعورها بالذنب، كنتيجةٍ لإغواء الأب، وهو الذي يُعتبر هدفًا مميزًا لاتهامات التجاوُز والعقاب الذي تتعرض له، وإذا تولَّت الفتاة المُتَّهَمة نفسها مهمة تحقيق هذا العقاب، فلا يمكن أن يكون هناك أدنى شكٍّ في أنها كذلك قد وَضعَت والدتها نُصْب عينَيها أثناء قيامها بهذه الأفعال المُدمِّرة للذات؛ ولكن الأُم في مأمنٍ على أيِّ حال؛ لأنها مُعفاةٌ من هذا الفعل السيئ، ولأن الدافع لاتهامها مكبوت. إن ما يُخفي إضفاء المثالية، وما يبقى فوق النقد ولا غُبار عليه، هو صورةٌ لأُمٍّ فوق مستوى الشبهات ومثالية؛ لأن الطابع الجنسي لا يصل إليها. وهنا مُجدَّدًا يحلُّ كبتٌ محل آخر؛ ففي النُّسخ غير المكتملة من وَهْم «الطفل المضروب»، ينشأ مشهد الإغواء داخل تكافئه المُدهِش والمخيف الخاص المُنطوي على زنا المحارم، لكن التمثيل الذي يحدُث هناك يُزيح تمثيلًا آخر لأُمٍّ متورطةٍ كذلك في شبكة الجنسانية.

وما دام وَهْم «الطفل المضروب» كان يُصرَّح به إلى المُحلِّل ويجد ملاذًا في تحويل المشاعر، فإنه يُؤكِّد سمة السرمدية للارتباطات الشهوانية على ما يبدو، مهما كانت طرق ترجمته. وحتى في أكثر أشكاله المُعاد صياغتها، فإنه يجعل بالإمكان الحفاظَ على رمزِ أُمٍّ تنجو من عنف الهجمات بفضل الموارد القائمة على الدافع وهي التي تلتمسها وتُحرِّكها أثناء تحويل المشاعر. وهذه الاحتمالية، التي يحملها تيَّار التحليل، حاضرةٌ في سيناريو وَهْم «الطفل المضروب» عن طريقِ إزاحةِ شحنة الدافع نحو الأب. وطالما كانت الكلماتُ قادرةً على احتواء هذا الوهم والتعبير عنه على نحوٍ تام، فإنه يكتسب سِماتِ الحيوية النفسية، والحدَّة الصراعية التي تحتله، والآلية المجازية التي تُغذِّي نشاط التمثيل. ويُمكِن استيعاب الانتقال إلى الفعل عند صياغته في كلمات، مثلما يقتضي التحليل النفسي، على أملِ فهمِه؛ فاللغة يمكن أن تحوي بين طيَّاتها معناه، وتمنحه بُعد الانتظار الخاص به.

هذا يعني أن فرويد كان مُحقًّا عندما صرَّح بأنه إذا كانت اللغة تُحافظ على مصطلح المازوخية بشكله الأخلاقي، حتى لو بدت علاقته بالإثارة الجنسية قد تُخلِّي عنها، فإنها «يجب أن يكون لها معنًى ما» (١٩٢٤، صفحة ٢٩٦). وفي هذا الإطار، يعمل وَهْم «الطفل المضروب» بمثابةِ حارس: ألا يحافظ، في كل مراحله، وفي كل أشكاله، على نواةٍ مشتركة راسخة لا يمكن التعبير عنها إلا بعد تخمين أو تعبيرٍ خلَّاق مثل «أنا محبوب من …»؟

«ترجم هذا الفصل: بيتر شايو.»

هوامش

(١) نُشِرت خلاصة هذا النص في العدد الأول من الدورية العلمية الفرنسية «ليبر كاييه بور لا سايكواناليسي» تحت عنوان «روح البقاء» في مقال بعنوان «مفاجآت المازوخية الأخلاقية» الصفحات ١٠٧–١١٨، عام ٢٠٠٠: باريس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤