ترجمة المؤلف

بقلم  أبو الحسن علي الحسني الندوي

هو الشريف العلامة عبد الحي بن فخر الدين بن عبد العلي، ينتهي نسبه إلى عبد الله الأشتر بن محمد ذي النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، انتقل جده قطب الدين محمد المدني من بغداد إلى الهند في فتنة المغول، وجاهد في سبيل الله، وتولى مشيخة الإسلام في دهلي، وتُوفِّي سنة ٦٧٧ﻫ بمدينة كرا، ونبغ من ذريته كثير من رجال العلم والمعرفة الجهاد والإصلاح؛ أشهرهم السيد العارف علم الله النقشبندي (المُتوفَّى سنة ١٠٩٧ﻫ)، والسيد الإمام المجاهد السيد أحمد الشهيد سنة ١٢٤٦ﻫ.

وُلد المؤلف لثماني عشرة ليلة خلون من رمضان سنة ١٢٨٦ في زاوية السيد علم الله على ميلين من بلدة رائي بريلي من أعمال لكهنؤ.

كان بيته بيت علم ودين وصلاح وإرشاد، وكان أبوه السيد فخر الدين فاضلًا عارفًا ذا مسكنة وتواضع وقناعة، وكذلك كثير من أعمامه وأخواله، لا سيما الشيخان الجليلان؛ السيد ضياء النبي والسيد عبد السلام، فكانا مرجع الخلائق، تُشَد إليهما الرحال ويغشاهما الرجال من أقصى البلاد، فنشأ على الخير والصلاح وتربَّى في حِجْر الدين والعلم.

قرأ الكتب الدراسية من الصرف والنحو والفقه والأصول والتفسير والمعقولات على أشهر علماء لكهنؤ؛ مثل الشيخ محمد نعيم الفرنگي المحلي والشيخ فضل الله وغيرهما، ثم سافر إلى يهوپال وهو إذ ذاك محط رحال العلماء والطلبة، فقرأ سائر الكتب الدراسية على الشيخ القاضي عبد الحق والرياضي الشيخ أحمد الديونبدي، والحديث على العلامة المحدث الشيخ حسين بن محسن الأنصاري اليماني، والأدب على ابنه الشيخ محمد، والطب على الطبيب الشهير عبد العلي، ثم رحل وسافر، فذهب إلى دهلي وپاني پت وسهارنپور وسرهند وديوبند، واجتمع بالعلماء والمشايخ منهم الشيخ العلامة رشيد أحمد الگنگوهي والعلامة المحدِّث الشيخ نذير حسين الدهلوي والشيخ عبد الرحمن الپاني پتي وأجازوه، وبايع الشيخ الكبير مولانا فضل الرحمن الگنج مراد آبادي، وأخذ عن صهره الشيخ ضياء النبي وأبيه السيد فخر الدين، وأجازاه، وكتب إليه الشيخ الإمام أمداد الله المهاجر المكي وأجازه.

كان رحمه الله حريصًا على إصلاح المسلمين ونفعهم، وقد نهضت يومئذٍ جماعة فوُفِّقوا لتأسيس جمعية اشتُهرت في العالم الإسلامي بندوة العلماء، فأقام بلكهنؤ وفرغ لخدمتها وخدمة الإسلام والمسلمين بواسطتها سنة ١٣١٣ﻫ، واشتغل بالطب، ولم يزل يخدم الندوة ودار العلوم التابعة لها حِسبةً لله تعالى مدة حياته، واستمر على ذلك وحاز ثقة أصحابه فجعلوه ناظمًا لندوة العلماء؛ أي مديرًا لشئونها في سنة ١٣٣٣ﻫ، واستمر على ذلك إلى أن تُوفِّي.

كان رحمه الله محمود السيرة، ميمون النقيبة، مرضيًّا محبَّبًا، حصل له القبول عند الناس، صاحب عقل وسكينة وتواضع مع عزة نفس ووقار وقلة كلام وحياء وصبر وحلم وتوكل واستقامة وتورع وإقبال على الطاعة والإفادة، معروفًا بصلة الرحم والإحسان إلى الأقارب والأصدقاء، والتحري في أكل الحلال، والإعانة على نوائب الحق، حريصًا على اتباع السنة، نَفُورًا عن التفاخر والرياء.

وكان متضلعًا من العلوم، راسخ القدم في آداب اللغة العربية والفارسية والأردوية، بارعًا في الفقه والتفسير والحديث والسيَر والتاريخ، لم يكن له نظير في العلم بأحوال الهند ورجالها وحضارتها وحركة العلم والتأليف في عهد الدولة الإسلامية، وكان متوفرًا على مطالعة الكتب والتصنيف، ولم يزل مشتغلًا به إلى آخر يوم من أيام حياته.

وكان قد نشأ على الاطلاع والجمع، وعلى معرفة طبقات الرجال وخصائصهم ودقائق أخبارهم، وعلى مذاهب السادة الصوفية ومشاربهم وأذواقهم وانشعاب طرقهم ومصطلحاتهم وتعبيراتهم مدارسة وممارسة، رزقه الله صفاء الحسِّ وثقوب النظر وحسن الملاحظة ودقتها وسعة القلب وسلامة الصدر، فأفرغ هذه المواهب كلها في المكتبة التاريخية العظيمة التي أنتجها وخلَّفها للأجيال القادمة.

ومن مؤلفاته العظيمة «نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر» ذكر فيها تراجم أعيان الهند ومآثرهم، وكل ما اتصل به من أخبارهم وانتهى إليه علمه، من تعلُّمهم وأعمالهم وكُناهم وألقابهم وأنسابهم وسني وفيَّاتهم، في ثمانية أجزاء، لخَّص فيها واقتبس من ثلاثمائة كتاب في العربية والفارسية والأردوية، ما بين خطيٍّ ومطبوع، حتى أصبح الكتاب يحتوي على ترجمة أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة ونيف، وقد طُبِع من هذا الكتاب أربعة أجزاء في دائرة المعارف بحيدر آباد.

وكتاب «جنة المَشْرِق ومطلع النور المُشْرق» في التاريخ الهندي الإسلامي، وجغرافية الهند، وحاصلاتها وأشجارها ونوادرها وحِرَف أهلها وحيواناتها ومعادنها وأجناسها وأديانها وصناعاتها ولغاتها وإقطاع الهند وأشهر مدنها وقراها في الدولة الإسلامية، وأخبار ملوك الهند، وتاريخ ظهور الإسلام، والأسر التي حكمت الهند، وأخبار السلطة الإنكليزية، وخطة ملوك المسلمين، وعوائدهم في السلطنة، وآثارهم، ومؤسساتهم كالشوارع العامة والبريد والحياض والأنهار والحدائق والبساتين والجوامع والمساجد والمدارس والمستشفيات والمقابر العظيمة ونوادر ما وضعوه في الهند.

ومن مؤلفاته تلخيص الأخبار، كتاب مختصر نفيس في الحديث، جمع فيه الأخبار بحذف الأسانيد، ومنتهى الأفكار في شرح تلخيص الأخبار، ومؤلفات كثيرة في أردو.

وتُوفِّي — رحمه الله — لخمس عشرة ليلة خلون من جمادى الآخرة سنة ١٣٤١ﻫ، ودُفن عند قبر السيد العارف علم الله في زاويته، وعقب ابنين عبد العلي الحسني وعليًّا أبا الحسن وابنتين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤