الفصل الرابع

في ذكر علم اللغة

اللغة من حيث الفن علم يبحث فيه عن مفردات الألفاظ الموضوعة من حيث دلالتها على معانيها بالمطابقة، وموضوعه المفرد الحقيقي، وغايته الاحتراز عن الخطأ في حقائق الموضوعات اللغوية والتمييز بينها وبين المجازات والمنقولات العرفية ومنفعته الإحاطة بهذه المعلومات، وطلاقة العبارة وجزالتها، والتمكن من التفنن في الكلام وإيضاح المعاني بالبيانات الفصيحة والأقوال البليغة. ومقصد علم اللغة مبني على أسلوبين؛ لأن منهم من يذهب من جانب اللفظ إلى جانب المعنى، بأن يسمع لفظًا ويطلب معناه، ومنهم من يذهب من جانب المعنى إلى اللفظ، فلكل من الطريقين قد وضعوا كتبًا ليصل كل إلى مبتغاه؛ إذ لا ينفعه ما وضع في الباب الآخر، فمن وضع باعتبار الأول فطريقه ترتيب حروف التهجي إما باعتبار أواخرها أبوابًا وباعتبار أوائلها فصولًا كما اختاره الجوهري في الصحاح ومجد الدين في القاموس، وإما بالعكس؛ أي باعتبار أوائلها أبوابًا وباعتبار أواخرها فصولًا كما اختاره ابن فارس في المجمل والمطرزي في المغرب، ومن وضع بالاعتبار الثاني فالطريق إليه أن يجمع الأجناس بحسب المعاني، ويجعل لكل جنس بابًا كما اختاره الزمخشري في قسم الأسماء من مقدمة الأدب.

ثم إن اختلاف الهمم قد أوجب إحداث طرق شتى؛ فمن واحد أدى رأيه إلى أن يفرد لغات القرآن، ومن آخر إلى أن يفرد غريب الحديث، وآخر إلى أن يفرد لغات الفقه، وأن يفرد اللغات الواقعة في أشعار العرب وقصائدهم وما يجري مجراها، والمقصود هو الإرشاد عند مساس أنواع الحاجات.

ثم لما كانت العرب تضع الشيء على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظًا أخرى خاصة بها؛ فرَّق ذلك عندنا بين الوضع والاستعمال، واحتاج إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ كما وُضِع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض، ثم اختُص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب ومن الإنسان بالأزهر ومن الغنم بالأملح، حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحنًا وخروجًا عن لسان العرب، واختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي وأفرده في كتاب له سمَّاه فقه اللغة.

وكذلك تكفل بعض المتأخرين في الألفاظ المشتركة وإن لم يبلغ في ذلك إلى النهاية.

وعلى كل حال كان سابق الحلبة في تأليف كُتُب اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي، ألَّف فيها كتاب العين. والكتب المؤلفة في اللغة كثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون على ترتيب حروف الهجاء، وذكر القنوجي في كتابه البلغة في أصول اللغة كل كتاب أُلِّف في هذا الفن إلى زمنه بقدر ما تيسر له، وذكر الأرنيقي في مدينة العلوم كتبًا في هذا العلم وأورد لكل كتاب ترجمة مؤلفه وبسط فيها.

أما المختصرات الموجودة في هذا الفن، فكتاب العين للخليل بن أحمد، والمنتخب والمجرد لعلي بن حسن المعروف بكراع النمل، والمنضد في اللغة المجرد، والألفاظ لابن السكيت، والفصيح لثعلب، والسامي في الأسامي للميداني، والدستور ومرقاة الأدب والمغرب، وغير ذلك.

ومن المتوسطات المجمل لابن الفارس، وديوان الأدب للفارابي.

ومن المبسوطات المعلم لأحمد بن أبان اللغوي، والتهذيب والجامع للأزهري، والعباب الزاخر للصغاني، والمحكم لابن سيده، والصحاح للجوهري، واللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب، والقاموس المحيط للفيروز آبادي.

ومن الكتب الجامعة لسان العرب جُمِع فيه بين التهذيب والمحكم، والصحاح وحواشيه والجمهرة، والنهاية للشيخ محمد بن مكرم بن علي وقيل رضوان بن أحمد بن أبي القاسم.١
قيل إن أول من التزم الصحيح مقتصرًا عليه الإمام أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري المُتوفَّى سنة ٣٩٣، وأعظم كتاب في اللغة بعد عصر الصحاح كتاب المحكم والمحيط الأعظم لأبي الحسن علي بن سيده الأندلسي سنة ٣٥٨، ثم كتاب العباب الزاخر لأبي الفضائل رضي الدين الحسن بن حيدر بن علي العدوي العمري الصغاني المُتوفَّى سنة ٦٥٠، ثم كتاب لسان العرب للشيخ محمد بن مكرم بن علي وقيل رضوان بن أحمد بن أبي القاسم بن حقة بن منظور الأنصاري الأفريقي جمال الدين أبو الفضل المُتوفَّى سنة ٧١١ﻫ، ثم كتاب القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط٢ للإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي.

وأما أهل الهند فلهم مصنفات كثيرة في اللغات العربية والفارسية والتركية والهندية.

(١) أما اللغة العربية

أما كتبهم في اللغة العربية فأول من صنَّف فيها على ما وقفت عليه الشيخ الإمام رضي الدين الحسن بن محمد بن الحيدر الصغاني، وله تأليفات فيها كأسماء الفأر وأسماء الذئب وأسماء الأسد والنوادر ومجمع البحرين في اثني عشر مجلدًا، والعباب الزاخر في عشرين مجلدًا، وقد وصل فيه إلى «بكم» وللشيخ محمد بن طاهر بن علي الفتني الگجراتي كتاب مجمع البحار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار في أربع مجلدات، وله عليه ذيل وتكملة جرى فيها على نهج نهاية ابن الأثير، وله كتاب في حل غرائب مشكاة المصابيح، وللشيخ عبد الرشيد الحسيني المدني كتاب منتخب اللغات ذكر فيه اللغة العربية وفسَّرها بالفارسية، وأخذ عن القاموس والصحاح والصراح، وللشيخ حبيب الله القنوجي القابوس ترجمة القاموس بالفارسية كتبها في عهد محمد شاه الدهلوي وفرغ منها ١١٣٧ﻫ، وللشيخ عبد الرحيم بن عبد الكريم الصفي پوري كتاب منتهى الأدب في لغات العرب في أربعة مجلدات كبار، وقد طُبِع بكلكته وغيرها وهو مقبول متداول مغنٍ عن الأسفار الكبار في هذا العلم، ومأخذه القاموس والصحاح والنهاية ومجمع البحار وديوان الأدب والمهذب والمزهر والمغرب وشمس العلوم وتاج المصادر وتاج الأسامي وغيرها، وللمفتي إسماعيل بن وجيه الدين اللكهنوي تاج اللغات في ثلاثة مجلدات ضخام ألَّفه لنصير الدين الحيدر، وللمفتي سعد الله بن نظام الدين المراد آبادي القول المأنوس في صفات القاموس، وله نور الصباح في أغلاط الصراح.

وللسيد ذو الفقار أحمد المالوي المبتكر في المؤنث والمذكر، وللشيخ محمد علي المولوي گوهر منظوم كتاب جمع فيه اللغات العربية بالنظم الفارسي وهو لطيف جدًّا، وللسيد صديق حسن الحسيني البخاري لف القماط على تصحيح ما استعملته العامة من اللغات، وله البلغة في أصول اللغة كلاهما بالعربية وللمولوي عبد الغني بن محمد مير الفرُّخ آبادي موارد المصادر والأفعال، وللشيخ ظفر الدين ابن إمام الدين اللاهوري نيل الأرب في مصادر العرب، وللسيد مرتضى بن محمد الحسيني الواسطي البلگرامي تاج العروس شرح القاموس كتاب لم يُسبَق إليه، هو في عشرة مجلدات كبار طبع بمصر القاهرة، وللقاضي إبراهيم بن فتح الله الملتاني معارف العلوم بالعربية في تعريفات العلوم والفنون، وللشيخ محمد أعلى التهانوي كشاف اصطلاحات الفنون، وللسيد محمد حكم بن محمد بن علم الله البَرِيلوي تلخيص الصراح، وللقاضي عبد النبي الأحمد نَگرَي دستور العلماء في أربعة مجلدات في اصطلاحات العلوم، وللسيد سليمان بن أبي الحسن الدِّسنَوي البِهاري لغات جديدة كتاب في المعرب والدخيل، وللسيد غني نقي الزيدپوري الفرقية جمع فيه اللغات المتقاربة في المعاني، وحوار العرب للمولوي عبد الغني الفَرُّخ آبادي المذكور، وأنوار اللغة في مجلدات كبار للمولوي وحيد الزمان بن مسيح الزمان اللكهنوي.

(٢) وأما اللغة الفارسية

ففيها أيضًا كتب كثيرة لأهل الهند، منها آداب الفضلاء لقاضيخان محمود الدهلوي، صنَّفه سنة ٨٢٣، وقسَّمه على بابين أورد في الأول الفارسية وفسَّرها بالعربية، وفي الثاني اصطلاحات الشعراء، ومنها كشف اللغات والاصطلاحات للشيخ عبد الرحيم بن أحمد البهاري الشهير بسور صنَّفه لابنه الشهاب لما قرأ ديوان قاسم الأنوار في حدود سنة ١٠٦٠ جمع فيه اللغات والاصطلاحات، ومنها فرهنگ رشيدي للشيخ عبد الرشيد بن عبد الغفور السندي، ومنها فرهنگ جهانگيري لعضد الدولة جمال الدين حسين الشيرازي، وهو يشتمل على اللغات الفارسية والهندية والفهلوية مع شواهد الأشعار من شعراء الفرس، بدأ في تصنيفه سنة ١٠٠٩ وأتمَّه سنة ١٠١٣، ومنها البرهان القاطع لمحمد حسين التبريزي اشتمل على تسع قواعد وتسعة وعشرين مقالًا، وجعل استخراج اللغة منه على الحرف الأول والثاني والثالث والرابع، وقال في تاريخه «برهان قاطع كتاب نافع» يعني سنة ١٠٦١ﻫ، ومنها قاطع برهان لمرزا أسد الله غالب الدهلوي، تعقَّب فيه على البرهان القاطع، ومنها ساطع برهان للشيخ رحيم رد على قاطع برهان.

ودافع هذيان للقاضي علي الجهجهري رد عليه، ومنها پنج آهَنگ لمرزا أسد الله المذكور يشتمل على أربعة زمزمه ذكر في الرابع اللغات الفارسية، ومنها دَرِي كُشا للقاضي تجف علي المذكور، ومنها نَونَوَا للشيخ إسحاق بن خير الدين المالوي ألَّفه سنة ١٢٨٤، ومنها سراج اللغة للشيخ سراج الدين عليخان الأكبر آبادي، ومنها چراغ هدايت كتاب آخر للشيخ سراج الدين المذكور في المصطلحات الحديثة لشعراء الفرس، ومنها النَّامه للشيخ عبد المؤمن بن ولي محمد الدهلوي على لسان الدعابة، وآصِف اللغات كتاب في اللغة، لو تمَّ لكان عشرين مجلدًا صنَّفه أحمد عبد العزيز الحيدر آبادي الملقب بعزيز جَنگ، وشرح الدساتير في اللغة الدرية للقاضي نجف علي بن عظيم الدين الجهجري، وگلزار عجم للشيخ مهدي بن عارف المدراسي، ودليل الشعراء يشمُل على محاورات أهل الفرس للشيخ مهدي المذكور، وبحر العجم وبحر المصادر كلاهما للشيخ محمد حسين بن نجم الدين المَدْراسي، وموارد المصادر للسيد علي حسن بن صديق حسن القنوجي في مجلد كبير وشرح على سفرنامه لناصر الدين شاه قاچار للمولوي أبي الحميد الفرُّخي الرامپوري، وضرور المبتدئ مختصر في اللغة لسيف الله بن قاسم الله العظيم آبادي السِّلْهَتي، ومظهر العجائب في المصطلحات لمرزا محمد حسن قتيل اللكهنوي.

(٣) أما اللغة الهندية

فمنها نفائس اللغات للشيخ أوحد الدين البلگرامي جمع فيه اللغات الهندية وفسَّرها بالعربية والفارسية والتركية مع شواهد الأشعار، وهذا الكتاب لم يُسبق إليه، نافع جدًّا وله ملخصات، أشهرها منتخب النفائس، ومن كتبهم في اللغة الهندية فَرْهَنگ آصِفِيَّه في أربعة مجلدات للسيد أحمد بن عبد الرحمن الدهلوي، وأمير اللغات للمنشئ أمير أحمد المينائي، ونوادر اللغات في اللغات الهندية للشيخ سراج الدين عليخان الأكبر آبادي، والدليل الساطع للشيخ مهدي بن عارف المدراسي المذكور، وغرائب اللغات لبعض فضلاء الهند ذكره سراج الدين عليخان في نوادر اللغات، وأشرف اللغات للمنشئ أشرف علي اللكهنوي، ومصطلحات أردو للمنشئ أشرف المذكور، ورسالة في التذكير والتأنيث له، ونور اللغات كتاب لو تمَّ لكان في عدة مجلدات للمولوي نور الحسن بن محسن العلوي الكاكوروي،٣ و«گار آمد شعرا» ومفيد الشعرا كلاهما في التذكير والتأنيث للسيد ضامن علي الجلال اللكهنوي، و«بَهار هند» كتاب بسيط في أربعة أجزاء لمحمد مرتضى اللكهنوي، وإزاحة الأغلاط للمولوي ظهير أحسن النِّيموي في تحقيق الألفاظ و«سرﻣﮥ تحقيق» رسالة مفيدة له.

(٤) ومن الكتب المخلوطة

ومن الكتب المخلوطة باللغة العربية والفارسية وغيرها غياث اللغات للشيخ غياث الدين الرامپوري ألَّفه سنة ١٣٤٢، ومنها هَفْت قُلزُم ويُسمى بفَرهنگ رفعت، ألَّفه قبول أحمد لغازي الدين الحيدر سنة ١٣٣٠، وهو كبير الحجم قليل النفع، ومنها لغات شاهجَهَاني في مجلدات كبار صنَّفوه لشاهجهان بيگم ملكة بَهْوپال، ومنها أشهر اللغات في اللغة الفارسية والعربية والتركية للشيخ غلام الله الهانسوي، ومنها مؤيد الفضلاء للشيخ محمد لاد الدهلوي، ومنها مدار الأفاضل في اللغة العربية والفارسية والتركية للشيخ الهداد السرهندي صنَّفه سنة ١٠٠١ﻫ، ولطائف اللغات كتاب في حل غرائب المثنوي المعنوي للشيخ عبد اللطيف، وجامع اللغات للمفتي غلام سرور اللاهوري، وزبدة اللغات للمفتي المذكور، وكريم اللغات للمولوي كريم الدين، ولغات كشُوري للسيد تصدق حسين صنَّفه بأمر المنشئ نَوَل كشُور صاحب المطبعة المشهورة، ودافع الأغلاط للمولوي أمان الله صنَّفه سنة ١١٢٠ في أوهام الناس، وخزائن الدرر كتاب في اللغة العربية والفارسية والتركية للشيخ علي محمد بن عبد الحق بن سيف الدين البخاري الدهلوي، وأربعة عناصر مختصر لطيف للمولوي ناصر علي بن حيدر علي الغياثبوري ثم الآرْوي.

١  قال أبو عبد الله محمد السورتي: وهو القاضي محمد بن مكرم المعروف بابن منظور الأفريقي، ولسان العرب كتاب جيد العبارة، جمع فيه الصحاح للجوهري، والتهذيب للأزهري، وكتاب المحكم لابن سيده، وكتاب الجمهرة لابن دريد، وحواشي الصحاح لابن بري، كتابًا حافلًا جامعًا لأقوال اللغويين بنصوص كلامهم حاويًا على الشواهد والأدلة وشرح غريب الحديث ومشكلات القرآن مما ألفه الأئمة، وجمع في غريب الحديث كتاب النهاية لابن الأثير، وسمعت شيخنا العلامة محمد طيب المكي أن السبكي أخذ الإجازة عن ابن منظور وهو شيخ صاحب القاموس، وطالما ذكر الشيخ أن المجد لا بد أنه نقل اللسان في قاموسه ليس إلَّا. قال محمد: وهذا الكلام يقتضي البسط، ولكن الذي يظهر من الإتقان في الكتابين وإمعان النظر أنه مُلخَّص من اللسان، وقد ادعى المجد أنه ألف كتابًا في ستين مجلدًا، فلعله كان كالشرح للسان والله أعلم. ا.ﻫ.
٢  القاموس معظم البحر، والقابوس الرجل الجميل، الحسن الوجه، الحسن اللون، ويقال: رجل وسيط فيهم؛ أي أوسطهم نسبًا وأرفعهم محلًّا، ويقال: قوم شماطيط؛ أي متفرقة، وجاءت الخيل شماطيط؛ أي متفرقة إرسالًا. ا.ﻫ. مدينة العلوم.
٣  وقد تم الكتاب وكان في أربعة مجلدات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤