الفصل الثالث

في الحكمة الطبيعية والإلهية

الحكمة علم يُبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر، بحسب الطاقة البشرية، وموضوعه: الأشياء الموجودة في الأعيان والأذهان، وغايته: هي التشرف بالكمالات في العاجل والفوز بالسعادة الأخروية في الآجل. وتلك الأعيان إما الأفعال والأعمال التي وجودها بقدرتنا واختيارنا أولًا، فالعلم بأحوال الأولى من حيث يؤدي إلى إصلاح المعاش والمعاد يسمى حكمة عملية، والعلم بأحوال الثانية يسمى حكمة نظرية، ولكل منهما ثلاثة أقسام؛ أما العملية: فلأنها إما علم بمصالح الشخص بانفراده، يسمى تهذيب الأخلاق، وإما علم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل فيسمى تدبير المنزل، وإما علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة فيسمى السياسة المدنية، والنظرية: فلأنها إما علم بأحوال ما لا يفتقر في الوجود الخارجي، والتعقل إلى المادة كالإله وهو العلم الإلهي، وإما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي دون التعقل كالكرة وهو العلم الأوسط ويسمى بالرياضي والتعليمي، وسيأتي في فصل على حدة، وإما علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي والتعقل كالإنسان وهو العلم الأدنى ويسمى بالطبيعي.

وكان لهذه العلوم شأن عظيم في أرض اليونان، واختص فيها المشَّاءون منها وأصحاب الذوق، واتصل سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان الحكيم إلى سقراط ثم إلى تلميذه أفلاطون ثم إلى تلميذه أرسطو، ثم إلى تلميذه إسكندر الأفرودوسي، وكان أرسطو أرسخهم في هذه العلوم، وهو أول من دوَّن المنطق؛ ولذلك يسمى المعلم الأول.

ولما انقرض أمر اليونانيين وصار الأمر للقياصرة وتنصَّروا، هجروا تلك العلوم، وبقيت من صحفها ودواوينها مجلدات في خزائنهم، ثم جاء الإسلام وظهر أهله عليهم، وكان خالد بن يزيد بن معاوية يسمى حكيم آل مروان، له همة ومحبة للعلوم، خطر بباله الصنعة، فأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اليوناني إلى العربي، فنقل له اصطفن القديم كتب الصنعة وغيرها، وهذا أول نقل كان في الإسلام.

ثم بعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم أن يبعث إليه بالكتب الحكمية فبعث إليه بكتاب إقليدس وبعض كتب الطبعيات، فنقل له البطريق أشياء بأمره، وقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها وازدادوا حرصًا على الظفر بما بقي منها، وكان مأمون بن الهارون العباسي أشد رغبة إلى ذلك، فأوفد الرسل إلى ملك الروم في استخراج علوم اليونانيين، فأجاب إلى ذلك بعد امتناع، فأخرج المأمون لذلك جماعة، منهم الحجاج بن مطر وابن البطريق وسلما صاحب بيت الحكمة، فأخذوا ما اختاروا وحملوا إليه، فأمرهم بنقله، فنقل له ابن يحيى الحجاج بن المطر وابن ناعمة عبد المسيح وسلام بن الأبرش وحسين بن بهريق وهلال بن أبي هلال الحمصي وابن آوى وأبو نوح بن الصلت وابن رابطة وعيسى بن نوح وقسطا بن لوقا البعلبكي وحنين بن إسحاق وثابت بن قرة وإبراهيم بن الصلت ويحيى بن عدي؛ كلهم نقلوا الكتب الحكمية من اليوناني إلى العربي.

أما ابن المقفع فإنه نقل من الفارسية إلى العربية، وكنكة الهندي نقل من الهندية إلى العربية، وابن وحشية نقل من النبطية إلى العربية، ولكنهم ترجموها بتراجم متخالفة مخلوطة غير ملخصة ومحررة، لا تُوافق ترجمة أحدهم للآخر، فبقيت تلك التراجم هكذا غير محررة، بل أشرف أن عفت رسومها، فالتمس منصور بن نوح الساماني من أبي نصر الفارابي أن يحررها ويلخصها، ففعل كما أراد؛ ولهذا لُقب بالمعلم الثاني، وكانت كتبه في خزانة الكتب المبنية بأصفهان المسماة بصوان الحكمة إلى زمان السلطان مسعود، ولكن كانت غير مبيضة؛ لأن الفارابي كان غير ملتفتٍ إلى جمع التصانيف ونشرها، بل غلب عليه السياحة ثم إن أبا علي الحسين بن سينا تقرب عند السلطان مسعود بسبب الطب، حتى استوزره، واستولى على تلك الخزانة، وأخذ ما في تلك الكتب ولخص منها كتاب الشفاء وغير ذلك من تصانيفه، وقد اتفق أن احترقت تلك الكتب، فاتهم أبو علي بأنه أحرقها لينقطع انتساب تلك العلوم عن أربابها ويختص بنفسه، لكن هذا بعيد عن الصواب.

وكان من أكابرهم في الملة الإسلامية أبو نصر الفارابي، وأبو علي بن سينا في المشرق، والقاضي أبو الوليد ابن رشد وأبو بكر الصافع بالأندلس بلغوا الغاية في هذه العلوم، وممن يلي هؤلاء في معرفة الحكمة شهاب الدين المقتول وفخر الدين الرازي ونصير الدين الطوسي وقطب الدين الشيرازي وجلال الدين الدَّواني والفاضل مرزا جان والسيد محمد زاهد الهروي وخلق آخرون من العلماء.

(١) وأما أهل الهند

وأما أهل الهند من المسلمين فإنهم كانوا قليلي الاعتناء بالمنطق والحكمة، وما كانت في دروسهم غير شرح الشمسية، وكانوا غير محتفلين بهذه العلوم إلى آخر القرن التاسع، حتى جاء الشيخ عبد الله بن الهداد الملتاني وصاحبه عزيز الله فأدخل المطالع والمواقف في دروس العلماء، فتلقاها الناس بالقبول وصارت متداولة، واستزاد الناس وتشرفوا إلى غيرها، فجاء بعضهم بشروح المطالع والمواقف، ثم جاء الخطيب والطارمي إلى بلاد گجرات، وفضل الله الشيرازي إلى بلاد الدكن، وفتح الله الشيرازي إلى بيجاپور ثم إلى أكبر آباد، وجماعة من الفضلاء غيرهم، فأتوا بمصنفات الدواني والشيرازي والفاضل مرزا جان وغيرهم فتلقاها الناس وأدخلوها في دروسهم، ونهض من الهند جماعة من الفضلاء ودرسوا وأفادوا، أشرهم الشيخ وجيه الدين العلوي الگجراتي بكجرات، والمفتي عبد السلام اللاهوري ببلدة لاهور، وكمال الدين الكشميري، ثم صاحبه عبد الحكيم السيلكوتي ببلدة سيالكوت، والشيخ محمد أفضل العثماني ببلدة جونپور، ثم المفتي عبد السلام الديوي والقاضي ضياء الدين النيوتني، والشيخ جمال الكوروي، والشيخ محب الله الإله آبادي، والشيخ قطب الدين السهالوي، والشيخ لطف الله الكوروي، والشيخ قطب الدين الشمس آبادي، والحافظ أمان الله البنارسي، والقاضي محب الله البهاري، وخلق آخرون من الفضلاء كان إليهم المرجع في كل باب من أبواب العلم.

ونهض من بينهم بعض العلماء وكانوا أساطين الحكمة لا يماثلهم إلا الفارابي وابن سينا، كالعلامة محمود بن محمد الجونپوري، والقاضي محب الله البهاري، والشيخ ولي الله الدهلوي، والشيخ نظام الدين السهالوي، وملا حسن بن غلام مصطفى اللكهنوي، والشيخ كمال الدين الفتحپوري، وملك العلماء عبد العلي اللكهنوي، والقاضي مبارك بن دائم الكوپاموي، وحمد الله بن شكر الله السنديلوي، والشيخ بركة بن عبد الرحمن الإله آبادي، والشيخ فضل حق بن فضل إمام الخير آبادي، فإنهم كانوا أساطين الحكمة بلغوا الغاية في هذه العلوم.

(١-١) مصنفاتهم في الحكمة

وأما مصنفاتهم في الحكمة، فأشهرها الشمس البازغة للشيخ العلامة محمود بن محمد الجونپوري، والدوحة الميادة في الصورة والمادة للشيخ محمود المذكور، والجوهر الفرد في الجزء الذي لا يتجزأ للقاضي محب الله البهاري، وغاية العلوم في العلم الطبيعي لملا حسن بن غلام مصطفى اللكهنوي، والعجالة النافعة في الإلهيات لبحر العلوم عبد العلي بن نظام الدين اللكهنوي، وتكميل الصناعة، ورسالة في الأمور العامة، ورسالة أسرار المحبة في سريان المحبة في الأشياء كلها، ومقدمة في العلم، كلها للشيخ رفيع الدين بن ولي الله الدهلوي، وتلخيص الشفاء للشيخ فضل إمام الخير آبادي، وحاشية عليه لولده فضل حق، والهدية السعيدية في العلوم الطبيعية للشيخ فضل حق المذكور، والجنس الغالي في الجوهر العالي في الإلهيات للشيخ فضل حق المذكور.

والروض المجود في حقيقة الوجود، ورسائل في تحقيق العلم والمعلوم وفي تحقيق الأجسام وفي تحقيق الكلي الطبعي وفي التشكيك وفي الماهيات كلها للشيخ فضل حق المذكور.

والعقدة الوثيقة في بعض المسائل الحكمية، ورسالة في تحقيق العلم، ورسالة في المقولات العشرة ثلاثتها للشيخ عماد الدين اللبكني، والأصول الراسخة وشرحه الدوحة الشامخة للشيخ محمد أشرف بن نعمة الله اللكهنوي، والمحاكمة بين صاحب الأفق المبين وصاحب الشمس البازغة في مسألة الحدوث الدهري للحافظ أمان الله بن نور الله البنارسي، وكشف الفصوص شرح نصوص الفارابي للشيخ رفيع الدين بن نِيكْ مُراد الدهلوي، وشرح ينبوع الحياة لهرمس الهرامسة للشيخ رفيع الدين المذكور، وشرح هداية الحكمة للشيخ محمد رشيد بن مصطفى العثماني الجونپوري للشيخ عبد الحق بن فضل حق الخير آبادي، وشرح عليه للمولوي عبد الوهاب بن إحسان علي البهاري، ورسالة في القوس والقزح للمفتي سعد الله المراد آبادي، ورسالة فيه لمرزا حسن علي اللكهنوي المحدث، والكتاب المبين في الحكمة الإلهية للشيخ محب الله الإله آبادي، وكتاب المحاكمة بين العلوم المشرقية والمغربية للشيخ عبد القادر بن خير الدين الجونپوري، وكتاب في التعقيب على مأكول المغربي، وكتاب في الكيمياء الحديث، وكتاب العالم والمتعلم؛ كلها للشيخ خير الدين المذكور، وتبصرة الحكمة في الطبعي والإلهي للشيخ حسن علي المائلي المُتوفَّى سنة ١٢٥٨، ورسالة في تحقيق الجعل المركب والبسيط للسيد غلام حسين الدكني، وخورشيد دانش في الحكمة الطبعية للمولوي غلام إمام بن متهور خان الحيدر آبادي.

والقول المحيط فيما يتعلق بالجعل المؤلف والبسيط، وكاشف الظلمة في بيان أقسام الحكمة، كلاهما للشيخ عبد الحليم بن أمين الله اللكهنوي، وبرهان الحكمة بالفارسي للشيخ محمد غوث بن ناصر الدين المدراسي، ورسالة في العلوم الطبيعية للشيخ نظام الدين بن مهدي علي الدهلوي صنَّفها ١٢٠٨، وإيثار الحق رسالة في مبحث الزمان للشيخ نور الإسلام بن سلام الله الرامپوري، وله رسالة في مبحث المكان، ورسالة في مبحث المثناة بالتكرير، ورسالة في مبحث المثناة بالتكرير للمولوي نجف علي النواروي، وسراج الحكمة للشيخ سراج الحق بن فيض أحمد البدايوني، ومرآة الأذهان في علم الواجب للسيد معين الدين الحسيني الكاظمي الكُروي، ورسالة في مبحث المثناة بالتكرير للسيد معين الدين المذكور، ورسالة في مبحث الوجود الرابطي في ستة عشر جزءًا للمولوي محمد أحسن الگيلانوي، وميسِّر العسير في مبحث المثناة بالتكرير للمولوي عبد الحي بن الحليم اللكهنوي، والكلام المبين في تحرير البراهين أي براهين إبطال اللامتناهي للمولوي عبد الحي المذكور، والبوارق بالعربي للمير نور الله الأحراري الأكبر آبادي، الحقائق للسيد علي البلگرامي، عمدة الحكمة للسيد شاه علي الحيدر آبادي صنَّفه سنة ١٢٥١، ومعراج العقول شرح دعاء المسلول بالعربي في مجلد ضخم في الإلهيات للسيد مرتضى الحسيني النونهروي، والحكمة اليمانية في المعارف الإيمانية في مبحث العلم والوجود للمولوي عبد العزيز الأمروهوي، والأمور العامة رسالة للمولوي كرامت حسين بن سراج الحسيني المولوي الكِنْتَوري.

الشروح والحواشي

حاشية حمد الله بن شكر الله السنديلوي على الشمس البازغة، وحاشية عليه لملا حسن بن غلام مصطفى اللكهنوي، وحاشية عليه للشيخ نظام الدين السهالوي، وحاشية عليه للشيخ أحمدي بن الوحيد الپُهلوارْوي، وحاشية عليه للمفتي ظهور الله بن محمد ولي اللكهنوي، وحاشية عليه للمفتي يوسف بن أصغر اللكهنوي، وتكملة حاشية ملا حسن على الشمس البازغة للمفتي يوسف المذكور، وحاشية على الدوحة المبادة للعلامة محمود للمفتي ظهور الله المذكور، وحاشية على شرح هداية الحكمة للصدر الشيرازي للشيخ پِير محمد اللكهنوي المُتوفَّى سنة ١٠٨٥، وهي المسماة بسراج الحكمة، وحاشية عليه للشيخ نظام الدين السهالوي المذكور، وحاشية عليه لحمد الله السنديلوي المذكور، وحاشية عليه لملا حسن المذكور، وحاشية عليه لللشيخ أحمدي المذكور، وحاشية عليه للشيخ أمجد بن فيض الله القنوجي، وحاشية عليه للشيخ سعد الله السَّلَوني، وحاشية عليه للشيخ محمد شاكر السَّنْدِيلوي، وحاشية عليه للعلامة عبد العلي بحر العلوم، وحاشية عليه للشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي المحدث، وحاشية عليه للشيخ تراب علي اللكهنوي، وحاشية عليه للملا مبين بن محب الله اللكهنوي، وهي على مبحث المثناة بالتكرير، وحاشية عليه للشيخ ولي الله بن حبيب الله اللكهنوي، وحاشية عليه للشيخ نعيم الدين بن فصيح الدين القنوجي.

وحاشية على مبحث المثناة بالتكرير من شرح الفريد للشيخ عبد الحق بن محمد أعظم الكابُلي البَهوپالي، وحاشية على صدرا للشيخ فيض أحمد بن غلام أحمد البدايوني، وحاشية على صدرا للسيد حسين بن دِلْدار علي الشيعي اللكهنوي، وحاشية على شرح هداية الحكمة للميبذي للشيخ عبد الحكيم السيلكوتي، وحاشية عليه للمفتي إسماعيل بن الوجيه المراد آبادي، وحاشية عليه للشيخ تصدق حسين النگرنهوي، وحاشية بسيطة عليه للمولوي عين القضاء الحيدر آبادي، وحاشية على شرح حكمة العين للشيخ وجيه الدين العلوي الگجراتي، وحاشية عليه للشيخ عبد الحكيم السيلكوتي، وحاشية عليه للشيخ قطب الدين السهالوي، وحاشية على الهدية السعدية للشيخ عبد الله بن آل أحمد البلگرامي، وهي المسماة بالتحفة العلية، وتعليقات على طبعيات الشفاء للسيد أمير حسن الحسيني السهسواني، وحاشية على طبعيات الشفاء للمفتي يوسف بن محمد أصغر اللكهنوي، وحاشية على فصوص الفارابي للشيخ فيض أحمد بن غلام أحمد البدايوني، وحاشية على الأفق المبين للعلامة فضل حق بن فضل إمام الخير آبادي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤