الفصل الأول

في معنى الشعر وتقسيمه

الشِّعْر (بالكسر وسكون العين) لغة: الكلام الموزون المقفَّى، وعند أهل العربية: الكلام الذي قُصِد إلى وزنه قصدًا أوليًّا، والمتكلم بهذا الكلام يُسمَّى شاعرًا، وعند أهل المنطق: هو القياس المركب من مقدمات يحصل للنفس منها القبض والبسط، ويُسمَّى قياسًا شعريًّا، كما إذا قيل الخمر ياقوتية سيالة تنبسط النفس، ولو قيل العسل مرة مهوعة تنقبض، والغرض منه ترغيب النفس، وهذا معنى: هو قياس مؤلف من المخيلات، والمخيلات تُسمَّى قضايا شعرية، وصاحب القياس الشعري شاعرًا.

ولما كان الوزن والقافية داخلة في تعريف الشعر عند أهل العربية فهم يحتاجون إلى معرفة العروض والقوافي، ولا سيما العجمي الراغب في الشعر العربي، فعليه أن يتعلم العروض وإلا تزل قدمه عن جادة الوزن، وبحور العرب والفرس والهند أكثرها مختلفة وقليلة منها متفقة؛ كالمتقارب، وركض الخيل، والسريع، فإنها جاءت في الألسنة الثلاثة. والاعتدال بين المصراعين في الأشعار الفارسية والهندية غالب بخلاف العرب، فإنهم لا يبالون باختلاف الزحافات فيهما، وفيهم قطع كلمة واحدة بين المصراعين، وما هذا بالفارسية والهندية. والأوزان الفارسية أكثرها في غاية المطبوعة بخلاف العربية والهندية، والشعراء من الفرس أو ممن يقلدهم كأهل الهند ينظمون الشعر من غير علم بالعروض الفارسية، ومع هذا لا يخرجون عن الوزن؛ لأن الأوزان الفارسية يعرفها من له أدنى سليقة؛ لما فيها من المطبوعية، ولشعراء الفرس «الرديف» وهو عبارة عن كلمة مستقلة فصاعدًا تتكرر بعد الروي، ويسمى الشعر المشتمل عليه مردفًا، وهو يزيد الشعر جمالًا وبه يتنوع النظم الفارسي على أنواع لا تُحصى، ولا رديف في شعر العرب، وأن النظم الفارسي على أنواع لا تحصى، ولا رديف في شعر العرب، وإن تكلف أحد بالترديف لا تظهر له حلاوة مثل ما تظهر في شعر الفرس، ولا موجب له إلا خصوصية اللسان. وللفرس الحاجب وهو عبارة عن الرديف بين القافيتين ويُسمَّى الشعر المشتمل عليه محجوبًا، والعرب لا يجعلون الواو والياء رويًّا خلاف الفرس.

ولأهل الهند لغة تُسمَّى سَنْسِكرت، دوَّنوا علومهم كلها في هذه اللغة، وفيها صيغة التثنية كالعربية، وأقلامهم كلها من اليسار إلى اليمين بلا تركيب المفردات كقلم الأوروبيين، وفيها للخنثى صيغ، الواحد والتثنية والجمع، وضمائرها على حدة، غير صيغ التذكير والتأنيث وضمائرها، وهذه اللغة مهجورة في محاوراتهم، باقية في كتبهم. ولهم فيها على زعمهم أربعة كتب سماوية، مشتملة على المواعظ والأحكام والأخبار، ولما لم يكن حُسن في النثر في تلك اللغة ولا في الألسنة الأخرى المتعارفة في الهند، بيَّنوا علومهم وأخبارهم وأديانهم في النظم، ويسمونه «إشْلُوك» (بكسر الهمزة)، وهو نظم مخصوص فيه أربعة مصاريع كر دوبيت١ وزاد عليهم متأخروهم.

ولأهل الهند لغة أخرى يسمونها بهَاسا وبهاكا، وهي الشائعة في محاوراتهم، وفيها كُتُب كثيرة مشهورة فيما بينهم، ونظمها في غاية الحلاوة، يعرفها من له أدنى إلمام بهذه اللغة، ونحن نريد بالهندية في هذا الباب هذه اللغة. ولأهل الهند لغة أخرى نشأت في الهند من امتزاج اللغات الفارسية والعربية والتركية والهندية ثم بالإنكليزية، وذلك بعد ظهور الإسلام في الهند، ويسمونها أردو، ونظمها أيضًا في غاية المطبوعية، ويخطونها بالقلم الفارسي من اليمين إلى اليسار، ونظمها تابع للنظم الفارسي في البحور والأوزان والرديف والقوافي وغيرها، ونحن قضينا الوطر عن العربية في فصل من الباب الأول من هذا الكتاب فتركناها في هذا الباب مخافة الإطالة، ونريد أن نذكر هاهنا الشعر الفارسي والأردوي والهندي.

١  الكلمة مركبة من «دو» (اثنين)، وبيت؛ أي بيتان. رضوان الندوي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤