الدرويش والغازية

المشهد الأول

أبو صباع (داخلًا) : مساء الخير عليكو … اسمي أبو صباع … ويمكن بعضكم فاكرني من أيام مسرحية المجاذيب … لكن أنا بقيت حاجة تانية دلوقت … اتثقفت … أي والله بقيت مثقف … بس إيه بقى؟ مش ثقافة اليومين دول بتاعة «صرطر» وتشاكوفسكي … لا … ثقافة زمان … ثقافة السلف الصالح … حتقولوا لي إيه الصالح دي؟ هو فيه سلف مش صالح؟ حاقول لكم عندكم حق … كل السلف صالح … أمال إيه …
عتريس (داخلًا) : معلمي … معلمي.
أبو صباع : إيه ياله؟ فيه إيه؟
عتريس : فيه ناس تانية جاية م البر التاني.
أبو صباع : طب وماله … دخلهم المنضرة.
عتريس : المنضرة فيها الهوانم.
أبو صباع : هم لسه ما خلصوش؟
عتريس : أصل الست غلباوية ومدوخاهم.
أبو صباع : طب دخلهم حوش الذكر.
عتريس : لسه العيال بيجهزوه.
أبو صباع : خلاص … خليهم ييجوا هنا أول ما يوصلوا …
عتريس : هنا يا معلمي؟
أبو صباع : أيوه هنا … إنت ما سمعتش؟
عتريس : قصدي إنك لسه ما لبستش يا معلمي … لسه مش جاهز.
أبو صباع : طب يالله انجر جيب اللبس … (يتطلع عتريس نحوه مترددًا) إيه ياد؟ فيه إيه؟
عتريس : حتلبس هنا قدام الناس؟
أبو صباع : وانت مالك انت؟ امشي انجر جيب العدة.
(يخرج عتريس.)
عتريس ده الصبي بتاعي … إيدي اليمين … كان معايا برضه أيام المجاذيب … لكين دلوقت كبر وبقى طماع … اتعلم الملاوعة والكدب.
(يعود عتريس بصُرَّة يلقيها إليه ويخرج دون كلام.)
يعني زي ما انتو شايفين … (يفتح الصرة ويبدأ في لبس زي الدرويش.)
أنا بقيت درويش … شغلانة مش بطالة وتربطك بالسلف الصالح … والغريبة إني أول ما ادَّرْوِشْت ما كنتش مصدق إني أقدر أكمل المشوار لآخره … لكين لما قريت بقى الكتب اللي في خزنة الشيخ متولي، الله يرحمه، لقيت العملية سهلة جدًّا … يعني الجهد اللي كنت خايف منه طلع حاجة بسيطة جدًّا … ليه؟ لأن الناس هنا … في أبو الريش … عايزين يصدقوا … يعني من غير محايلة ولا مدايلة … صدقوا إني درويش وقصدوني بالخير … اللي عايز يشفى من مرض وما بيحبش الدكاترة … واللي عنده قرشين عايز يتبرع بيهم لجامع جديد … واللي عليه ندر يدفعه للفقراء … واللي عايز يشيل أمانة … كله بيجيلي … وأنا ساعات أتمنَّع وساعات أقبل … ولما باقبل بيبقى عندهم عيد … المشكلة بقى هي اني كل ما أقرا حاجة من بتوع زمان أشوفها واسمعها … اوعوا تفتكروا دي تهيؤات؟ أبدًا … دا كنت بأقرا تاريخ الطبري داك النهار … يا سلام! كتاب كله روايات وأخبار يتمنى الواحد تحصل له … أبص ألاقي نفسي رجعت في الزمن مئات السنين … أيام الجاهلية … أيام الشجاعة والفروسية وعنترة والحاجات دي … والَّا أيام المعارك الكبرى بين القبائل … يا سلام … كانت أيام.
(يدخل رجلان ملتحيان.)
عكرمة (في حماس وغضب جنوني) : آن أوان الثأر.
خزيمة : اضرب عنقه.
أبو صباع : يا نهار اسود … إيه يا جدع انت وهو؟
عكرمة : هذا هو كُلْثومُ بنُ قُضَاعة …
خزيمة : عَرَفْنَاكَ مِن لِحْيَتِكَ الحَمْراء
أبو صباع : لحية مين يابا … دي عيرة.
عكرمة : إنه قاتلُ أبي حِلِّزَة …
خزيمة : جَلِّلهُ بالسَّيْفِ يا أبا الأَسْوَد … جَلِّلهُ يَا عِكْرِمَة
(عكرمة يرفع السيف.)
عكرمة : ماذا تقول قبل أن تموت يا كلثوم؟ كيف تُبَرِّرُ فِعْلتَكَ الشَّنْعَاء … انْطِق … تَكَلَّمْ قَبْلَ أَنْ يَجْتزَّك سَيْفي …
خزيمة : فَلْنَحْمِل لِحْيتَه الحمراءَ معنا لِلقَبِيلَة … حتى نَشْفيَ غَلِيلَ الرِّجالِ ويفرح النِّساءُ والأطفال.
عكرمة : وأين أخفيتَ الذَّهَب؟
خزيمة : اقتله قبل أن يفر.
أبو صباع : يا دي الوقعة السودة … وحياتك يا عكرمة يا أبو الأسود، وانت يا اسمك إيه … أنا ما خدت حاجة من حد ولا قتلت حد.
عكرمة : لن يُجديَ إنكارُك أبدًا … تكلم … تكلم.
(يدخل صخر.)
صخر : لقد وصل الرجال وبأيديهم سيوفهم المهندة.
عكرمة : فَلْنَقْتُل الرجال … وَنَسْبِ النِّساء … ونَستعبِد الأطفال …
خزيمة : كي تحيا تقاليدُ طَسْم.
أبو صباع : أنا في عرضكم … افهموني … أنا بامثل بس …
عكرمة : مُر الرِّجال إذنْ أنْ ينقضُّوا عليهم.
خزيمة (صائحًا) : يا رجال طسم.
عكرمة : آنَ أوانُ الجِد فاشتَدي زِيَمْ
خزيمة : قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ
عكرمة : لَيسَ برَاعِي إِبِلٍ وَلا غَنَمْ
خزيمة : ولا بِجَزَّارٍ على ظَهْرِ وَضَمْ
عكرمة : آن أوان الجدِّ بِكُمْ فَجِدُّوا.
خزيمة : والقَوْسُ فيها وَتَر عُرُدُّ.
عكرمة : لا بُدَّ مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ بُدُّ!
(يدخل جماعة من البدو شاهرين السيوف، وكلهم ملتحٍ ويجرجر ثيابًا فضفاضة ثم يخرج الجميع من الناحية الأخرى للمسرح.)
أبو صباع : الحمد لله … أهم مشيوا … نشفوا دمي … كنت لسه باقرا عنهم في الطبري … وأنا أَصْلي موعود … ما قراش عن حاجة إلا تطلع لي.
(تدخل الهوانم وهما زوجتان منقبتان تمامًا وتسيران معًا، وتتحدثان كالإنسان الآلي.)
الهوانم : إنت بتكلم نفسك تاني؟ مش تتكتم بقى؟
أبو صباع : أهلًا بمراتاتي بزوجتَيَّ العزيزتَين! الخلوة نورت … عتريس قال إنكو كتو نايمين؟ إزيك يا إفادات؟ إزيك يا تفيدة؟
الهوانم (معًا) : زي الزفت …
أبو صباع : ليه؟ خير ان شالله … الضيوف قالوا حاجة لا سمح الله.
الهوانم (معًا) : إنت بقيت ملحوس؟ إنت اتخبطت في نافوخك … والَّا رجعت تخرف؟
أبو صباع : ليه بس كفى الله الشر؟ إيه اللي حصل؟
الهوانم : كنت بتزعق مع مين دلوقتي؟
أبو صباع : لا ولا حاجة … كنت باقرا الطبري واتهيأ لي ان … اني شفت ناس من بتوع زمان هنا … أي والله … ناس حلوين خالص.
(يدخل الرجلان ووراءهم الجيش، ثم ينهض منهم رجل ويصيح.)
جبار : هل هذا هو كُلْثُوم بن قُضَاعَة؟
ابن الرقاع : لقد قَتلْنا الرجالَ وسَبَيْنا النساء وأَسَرْنا الأطفال …
خزيمة : لَمْ تَبقَ إلا هاتان المرأتان …
جبار : أَعْمِلوا السيوفَ في الجميع.
عكرمة : لا … النساءُ لا يُقْتَلن … النَّساءُ يُسبَيْن.
خزيمة : سآخذ الطويلة.
أبو صباع (صارخًا) : تفيدة!
عكرمة : وأنا سأسبي القصيرة.
أبو صباع : إفادات!
جبار : ولكن هذا ليس كلثومًا!
عكرمة : ليس كلثومًا!
خزيمة : هل أخطأنا يا مولاي؟
جبار : إنه صعلوك حقير … بل ليس من عصرنا … (صائحًا) ابحثوا عن كلثوم بن قضاعة … هيا معي … إلى الأمام!
(يخرجون كما أتوا.)
أبو صباع : الحمد لله أهم مشيوا …
الهوانم : هم مين اللي مشيوا؟
أبو صباع : كانوا حياخدوكم! كانوا حيأسروكم! كنتو حتبقوا سبايا حرب!
الهوانم : هم مين دول يا منيل على عينك؟
أبو صباع : رجال طسم … من قبائل اليمامة!
الهوانم : الراجل اتجنن … اسمع يا لوح … إحنا نتطلق فورًا … وأهي العصمة في إيدينا … يالله بينا.
أبو صباع (يفيق) : يا نهار أسود …! استنوا بس … لحظة واحدة.
الهوانم : إنت بتحلم وانت صاحي؟ إنت بقيت خلل؟ إحنا ماشيين.
أبو صباع : يا نهار موش فايت … إفادات … تفيدة … حقكو عليَّ فوقي وتحتي! ما تزعلوش مني! دانا كنت باهزر … ولا فيه رجالة جم ولا حاجة.
الهوانم : آخر مرة تخرف … مفهوم؟
أبو صباع : إحنا دلوقتي في الضيوف … عملتوا إيه؟ عشان خاطري … آخر مرة … يا حلوين يا طعمين … دانتو حياتي … وأنا أقدر أعيش من غيركم؟ قولوا … عملتوا إيه؟
الهوانم : فيه واحدة م البر التاني ضهرها بيوجعها … الظاهر إنه مراتيزم …
أبو صباع : نعمل لها زار؟
الهوانم : زار بلدي يقطم وسطها …
أبو صباع : ونزود الطلبات شوية؟
الهوانم : ادبحها … اسلخها.
أبو صباع : غنية يعني؟
الهوانم : معبية … اعصرها.
أبو صباع : ومعاها حد؟
الهوانم : معاها الندل جوزها.
أبو صباع : ندل ليه؟ بخيل والا إيه؟
الهوانم : جِلدة … نتن … ميتة … قيحة … لكن بيعبدها عبادة …
أبو صباع : خلاص … حاسلخه … ياللا يا حلوين … فيه ضيوف تانيين … زمانهم وصلوا … حيستنوا في المنضرة …
الهوانم : عايزنا نهبب إيه؟
أبو صباع : هببوا لهم … (مستدركًا) قصدي اعملوا لهم شاي … رحبوا بيهم.
الهوانم : وانت عارف حكايتهم إيه؟
أبو صباع : عتريس زمانه جاي … اتفضلوا انتو …
(تخرج الهوانم.)
من ساعة ما خلصت كتاب الأغاني للأصفهاني … وصورة رباب المغنية قدام عيني … فين أيام الأنس ومجالس السرور؟ فين القيان وإبراهيم الموصلي وإسحق الموصلي؟ الموسيقى دي لغة النفوس … لغة الأرواح … واحنا بلدنا عفرة جفرة ما يجيهاش الغوازي إلا حلواني … في الموالد … في فرح في سبوع في طهور … ليلة ليلتين وسلامو عليكم … آه يا ولاد لو عندنا هنا قيان … يا ترى رباب دي كان شكلها إيه؟ كان صوتها إيه؟ ألحانها إيه؟
(تدخل رباب التي تلعب نفس دور الغازية مرتدية لبس العرب القدماء وتغني.)
أين الغواني والقيانُ وأين سُمَّارُ الشَّرَابْ
تجري بهم سفنُ الملاذ الحُمْر في بَحْرٍ عُبابْ
في كل شَطٍّ مرفأٌ يَحْنُو وَحَانَات صحابْ
وبِكُلِّ رُكْن يَسْكُبُ الندماءُ ألحانَ الرُّضَابْ
يَشْدُو بِهَا السَّارُونَ تَرْجِيعًا لِفَاتِنَتِي رَبَابْ
أوَّاهُ يا رَكْبَ الزَّمَان مَتَى تَعُودُ إلى الشبابْ
حَتَّى أعودَ لأرشفَ الأنغامَ واللَّحْنَ الْمُذَابْ
وتعودَ فِينَا بَهْجَةُ الدنيا وفتنتُها رَبَابْ!
(يدخل عتريس.)
عتريس : معلمي … معلمي … إنت لسه هنا؟
أبو صباع (يفيق من الحلم) : إيه ياله فيه إيه؟
عتريس : الرجالة جايين الخلوة … ادخل إنت الخلوة الجوانية بقى عشان العملية … يالله يا معلمي.
أبو صباع : ماشي ماشي.
(عتريس يجرُّ أبو صباع من يده إلى داخل الخلوة، ثم يعود في عجلة ليفاجأ بأن رجلَين من أبناء الريف قد دخلا إلى المسرح.)
عتريس : يا أهلًا وسهلًا بالنور لما يهل.
عليوة : أمال سيدنا الدرويش فين؟
حسين : دا قالوا لنا إنه هنا؟
عتريس : زمانه جاي … أصله بِيِطِّلع في الخلوة على أُمهات الكتب … داخل في الغويط واصل.
عليوة : هو واصل واصل.
حسين : داحنا سمعنا عنه بركات ياما قوي.
عتريس : إنتو لامؤخذة عايزينه في خدمة والا …
عليوة : والله احنا حدانا قرشين عايزين نشيلهم أمانة.
عتريس (يتهلل وجهه) : أمانة؟ يا سلام … ما فيش أحسن م الأمانة.
حسين : إحنا أصلنا ما نحبش البنوك ولا المال الحرام …
عتريس : يا ساتر م الحرام يا ساتر!
عليوة : قلنا نشيلهم عند الراجل الصالح.
حسين : لحد ما تظهر لهم عوزة.
عتريس : والله يا خير ما اختارتوا.
عليوة : هم مش كتير.
حسين : لكن برضه الواحد بيخاف عليهم من ولاد الحرام.
(فجأة يُسمع صوت صنج ضخم، وتعزف موسيقى مهيبة، وتسلَّط الأضواء على جانب من المسرح، ويضوع البخور ويدخل الدرويش.)
أبو صباع (داخلًا) : السلام على من اتبع الهدى.
عليوة : مولانا الدرويش.
حسين : بركاتك يا سيدنا.
أبو صباع : اجلسوا اجلسوا … هات الشاي يا عتريس …
(يخرج عتريس.)
خير يا أولادي … الخلوة نورت.
عليوة : بنور التقوى والصلاح.
حسين : سيدنا الدرويش … رضاك مطلبنا.
أبو صباع : عندما يفتح الله الأبواب على عباده الصالحين، ويُسْبِغ عليهم نِعَمَهُ ظاهرة وباطنة، ويَهبُهم من لَدُنْه رحمةً، ويُهيِّئ لهم من أمرهم مِرْفَقًا …
عليوة : آمنت بالله.
حسين : ربنا يوسعها على مولانا كمان وكمان.
أبو صباع : أنا لا أفعل إلا ما فيه الخير لأُمتي وأَهْلي.
عليوة : إحنا حدانا جرشين …
أبو صباع : حاشا لله.
حسين : بدِّنا نشيلهم أمانة.
أبو صباع (يسيل لعابه لسماع الكلمة) : أمانة؟ لا يا أبنائي … الأمانة هم ثقيل لا أتحمله.
عليوة : إحنا جايين من بعيد واصل يا مولانا.
حسين : كنا في بلاد الخير وجبنا جرشين.
عليوة : ولا جادرين نروح البنك.
حسين : ولا جادرين نروح البوسطة!
أبو صباع : الحمد لله إذن … (يخرج زمبيلًا من عبه) ضعوها هنا.
(يخرجان النقود ويضعانها في الزمبيل.)
على بركة الله … (في لحظة تجلٍّ) ستزيد أثناء الليل إن شاء الله.
عليوة وحسين (في دهشة) : تزيد بالليل … إزاي؟
أبو صباع (في نوبة جلالة) : في ليلة سبعة من شهر سبعة، سنة سبعة وسبعين حطيت سبعمية سبعة وسبعين باكو في الخلوة، وفوقهم سبع شمعات … صبحت الساعة سبعة وسبع دقايق وسبع ثواني … لقيتهم زايدين سبعة وسبعين باكو!
عليوة (في ذهول) : يا بركة السبع سواجي.
حسين : جول السبع بجرات.
أبو صباع : إنتوا حطيتو كام؟
عليوة : ستين.
أبو صباع : ما يلزمونيش.
حسين : حلفناك يا مولانا … بركة دي المغربية.
أبو صباع : لازم يبقوا سبعة وسبعين.
عليوة : نحط عليهم سبعتاشر.
أبو صباع : تحطوا عليهم سبعتاشر سبعمية سبعة وسبعين.
حسين : إحنا تحت أمر مولانا الدرويش.
عليوة : الراجل بتاع ربنا.
أبو صباع : يبقى الدين اللي عليكو قد ايه؟
حسين : عرفناه يا مولانا.
أبو صباع (يرن الجرس في يده فيدخل عتريس) : خد يا عتريس الفلوس دي أمانة … سلمهم وصل واكتب عليهم دين بسبعتاشر سبعمية سبعة وسبعين.
عتريس : وان مادفعوش؟
أبو صباع : حيدفعوا … مضيهم على الورقة …
عتريس (يخرج ورقة من دفتر) : امضوا.
عليوة : ما بنمضوش.
عتريس : ابصموا … (يبصمان على الورقة) اتفضلوا بقى.
الرجلان : إحنا جاعدين للذكر.
عتريس : يالله معايا.
(يخرجون معًا.)
أبو صباع (إلى الجمهور) : الفلوس هي مفتاح السعادة في الدنيا … فين أيام الهنا زمان لما كان الخليفة يُقطِع الناس الإقطاعيات … وكان يأمر بالمنح والمنع … وكان الشاعر من دول ياخد له هَبْصَة على كل قصيدة والثانية … وكان ياخد الفلوس يشتري له جارية والا اتنين … يا سلام … والعبيد من حواليه … والغلمان.
(يضاء جانب المسرح الأيسر، فيظهر الوليد بن يزيد جالسًا وأمامه شاعر ومغنية وسمار.)
الوليد :
طَاب يَوْمي ولذَّ شُرْبُ السُّلافَة
وَلَهَوْنَا بِقَيْنَةٍ عَزَّافَة!
إذْ أَتانَا البَرِيدُ يَنْعَى هشامًا
وَأَتَانَا بِخَاتَمٍ لِلخِلافَة!
الشاعر : هل تأذن لي يا مولاي أن أردَّ عنك اتهام الظالمين؟
الوليد : وما اتهامهم؟
الشاعر : هذه القَيْنَةُ لديها بيتان في هجائك … وأكاد أعرفُ قائلهما … غَنِّي يا نَوَّار!
الوليد : اليوم يوم أُنْسٍ وسرورٍ يا نَوَّار … فلا تُغنِّي إِلا كُلَّ جَمِيلٍ نَاصِع!
(يدخل حاجبٌ ويصيح: رسول بالباب.)
دَعِ الرسول يدخل … (يرى الرسول) ماذا وراءك؟
الرسول : يوسفُ بنُ عُمر يُبْلغُكَ أن الأمر قد قُضي!
الوليد : هل قُتِل ابنا هشام؟
الرسول : بعد أن عُذِّبا عذابًا شديدًا.
الوليد : يا كاتب!
الكاتب : لبيك يا مولاي …
الوليد : اكتب إلى يوسف بعشرة آلاف دينارٍ … هيا (يخرج الكاتب) وأنت يا نوار … غننا بعضًا من شِعْري أنا … أين نوار؟
الشاعر : لم تبرح يا مولاي!
الوليد : اكتب عني هذا الشعر واجعلها تغنيه:
لَيْتَ حَظِّي اليَوْمَ مِنْ كُلِّ مَعَاشٍ لي وَزَادِ
قهوةً أبذلُ فيها طَارِفِي ثُمَّ تِلادِي
فيظل القلبُ مِنْها هائمًا في كل وادي
إِنَّ فِي ذَاكَ صَلاحِي وَفَلاحِي وَرَشَادِي
الشاعر : لا فُضَّ فُوكَ يا عَبْقَرِيَّ بني أُمَيَّة!
أبو صباع (داخلًا المشهد) :
ما أَحْسَنَ الأَنْغَامَ مِنْ صُنْع الوليدْ
صَدَحَتْ بِهَا نَوَّارُ فانْدَاحَ النَّشيدْ
وتَمايَل الحَيُّ القريبُ مع البَعيدْ
وَأَتيْتُ أَبْغي نُزْهَةَ اليَوْمِ السعيدْ
في عَبْقَرِيِّ الشِّعْرِ مِنْ صُنْعِ الوَلِيدْ!
الوليد (صائحًا) : من قائل هذا الشعر؟
أبو صباع : أنا يا مولاي … محسوبك أبو صباع!
الوليد : ماذا يعني هذا الرجل؟
الشاعر : أجنبي يا مولاي.
أبو صباع : أجنبي ازاي يا جدع انت؟ دانا ملك اللغة العربية كلها!
الشاعر : هل يأذن لي مولاي في مخاطبته؟
الوليد : أذنت لك.
الشاعر (ينتحي بأبي صباع جانبًا) : ماذا فعلت يا رجل؟ لماذا أهنت الخليفة؟
أبو صباع : أهنته؟ أهنته ازاي؟
الشاعر : لقد وصفته بأنه صانع أنغام.
أبو صباع : وماله؟ … ملحن يعني … موسيقار … زي عب وهاب.
الشاعر : عب ماذا؟
أبو صباع : عبد الوهاب الملحن!
الشاعر : من يَلْحَنُ في العربية ليس بعربي.
أبو صباع : مش يلْحَن … يلحِّن!
الشاعر : هِيَ لُغَةٌ في اللحن … وَقَانَا الله … الوليد بن يزيد … خليفة المسلمين يوصف بأنه ملحن؟
أبو صباع : أرجوك افهمني.
الشاعر : هذه جناية عقوبتها الموت … هيِّئ نفسك للموت.
أبو صباع : يا نهار أسود … الموت؟!
الشاعر : لا مفر منه إلا إذا …
أبو صباع : أيوه … إلا إذا …
الشاعر : إلا إذا اعتذرت للخليفة فورًا بأبيات تمحو هذه الإساءة … ولقد ابتسمت لك الأقدار إذ صادف اليوم بشرى خلافته … هيا … ارتجل … (يدفعه ناحية الخليفة) ارتجل.
أبو صباع : مقطوعة تنفع؟
الشاعر (هامسًا) : تنفع … إن شاء الله!
أبو صباع :
الشوقُ بَرَّحَ بي والوَجْدُ مُحْتَدِمُ
والحَلْقُ غُصَّ بِما لا يَعْرِفُ الكَلِمُ
قد حَقَّقَ اللهُ مَرْمَانَا وغَايَتَنَا
وَزَالَ عَنَّا الأسى وانْزَاحَت الغُممُ
بَلْ جَاءَ عَهْدُ الوليدِ المُرْتَضَى أَمَلًا
يَزْهُو بِهِ الحُرُّ بل تَزْهُو به الأُمَمُ
الوُدُّ في خاطري والحُسنُ فِي نَاظِرِي
والسَّعْدُ حَلَّ بِمَنْ يَعْتَادُهُ الكَرَمُ!
الوليد (في سعادة) : بخ بخ … هذا والله هو الشعر! ولقد اعتادنا الكرم واعتدناه … أمرنا لك …
الشاعر (مقاطعًا) : مهلًا يا مولاي.
الوليد : لقد أحسن والله وما أنا بمنكره حقه … أمرنا لك بخمسة آلاف دينار.
أبو صباع : دهب يا مولاي!
الوليد (ضاحكًا) : من الإبريز الصافي يا شاعرنا!
الشاعر : شاعركم؟ كيف يا مولاي؟ إنه من العامة يا مولاي … بل لا يتكلم العربية … إنه عيُّ اللسان … أجنبي يا مولاي!
أبو صباع : أجنبي في عينك يا شاعر النحس.
الشاعر : هل سمعت ذلك يا مولاي؟
أبو صباع :
غَفَرَ الوَلِيدُ لَنَا زَلَّات ألسُننا
وَزَادَ مِنْ كَرَم جَمٍّ ومن نِعَمِ!
الشاعر : البيت مكسور! البيت مكسور!
الوليد : كُسرت رقبتك أيها الحسود … لقد غفرنا لك يا شاعرنا … هل تطمع في شيء آخر؟
أبو صباع :
لا يَطْمَعُ الحُرُّ في مالٍ يُجَادُ بِهِ …
بَلْ فِي مَآثِر إِحْسَانٍ وَمَغْفِرَةِ!
الوليد : غفرنا لك … ننصرف الآن إلى شئون الدولة … وبابنا مفتوح لك … هيا يا شاعر معي حتى نُطَيِّرَ أبياته الجميلة.
(يخرجان ووراءهما السمار والجارية، أبو صباع وحده على المسرح.)
أبو صباع : خمسة آلاف دينار دهب … والجنيه الدهب دخل في ميتين وخمسين … يعني حسبة مليون وزيادة … يا نهار! لكن بقى المهم رباب … أروح له بكرة بقصيدة تانية أطلب بيها رباب.
(يدخل عتريس.)
عتريس : معلمي … معلمي.
أبو صباع (يفيق من الحلم) : إيه ياد يخرب بيتك.
عتريس : إنت لسه هنا باللبس ده … دا الذكر بدأ … يالله معانا.
أبو صباع : وماله … ماشي.
عتريس : أصل كمان فيه واحدة ست اسمها … اللهم آتنا بالشهادتين.
أبو صباع : من أهل البلد؟
عتريس : لأ … دي الغازية … اللي بتغني.
أبو صباع : رباب؟
عتريس : رباب مين يا معلمي … فتحية الغازية!
أبو صباع : وعايزة إيه رباب … قصدي فتحية؟
عتريس : تشوفك في مسألة خصوصية.
أبو صباع : وهو كذلك … قل لها تيجي بعد الذكر.
(يخرج عتريس.)
وأرجع أنا للخليفة!
(إظلام.)

المشهد الثاني

(تدخل الغوازي مع الريس شنشال عازف الأرغول، وريشة الطبال، وشحتة عازف الرباب، وفتحية الغازية في استقبالهم.)
فتحية : إيه كل التأخير ده؟
شنشال : داحنا هنا م الصبح؟! إنتي كنتي فين؟
فتحية : مش مهم … يالله يا ريس شنشال … إحنا حنبات في الوكالة هنا … وأنا اتفقت مع الفراش نستخدم الحوش للبروفة … يالله يا شحتة … يالله يا ريشة!
شنشال : أمال فين سعدية ومنيرة؟
فتحية : معايا أهم … (تنادي) منيرة … سعدية!
(تدخلان.)
البروفة! يالله يا شحتة … يالله يا ريشة أمال!
(ريشة يدق الطبلة وشحتة يعزف وكذلك شنشال.)
فتحية (تغني) :
يا بو الريش إن شالله تعيش
يا سيدنا عايزين بقشيش
يابو الريش مولدك مبروك
يا سلطان غيرك انت ما فيش
الغوازي (يرددون) :
يابو الريش إن شالله تعيش
يا سيدنا عايزين بقشيش
فتحية : كده ما ينفعش! إحنا عايزين دقة موضة.
شحتة : مش هي النغمة الشعبية برضه؟
فتحية : النغمة موش بطالة … لكن الدقة مش هي …
ريشة : مش هي ازاي؟ دي آخر ألا فرانكه!
فتحية : افهمني يا ريشة! أنا عايزة دقة طبلة زي بتوع الكاستات … دقة لا غربي ولا شرقي … دقة من بتوع الأيام دي.
ريشة : دقة بزرميط يعني؟
فتحية : بزرميط؟ أيوه بزرميط! ما كُلُّه دلوقتي بقى بزرميط!
ريشة : طب شوفي كده.
(يدق على الطبل دقة غربية تُشبه الدقات المسجلة على الأورج.)
فتحية : براوه عليك يا شحتة!
شنشال : طب بس حيرقص عليها مين؟
منيرة : إحنا موش ماليين عينك يا ريس شنشال؟
شنشال : العفو يا منيرة يا بنتي … دانتو رقاصات درجة أولى … أنا أقصد الناس …
سعدية : هما الناس حيرقصوا معانا؟
شنشال : الناس لازم يرقصوا معانا! دا جزء من مشروعي أنا وفتحية!
منيرة : معنته إيه الكلام ده؟
شنشال : افهموني يا بنات … الليلة ليلة المولد … والناس اتغنت والقرش في جيوبها شخشخ.
ريشة (يدق على الطبلة) : كدهه كدهه كدهه!
شنشال : ولاد البلد بقى معاهم فلوس وموش عارفين يعملوا بيها إيه … وبدال ما يصرفوها في الحرام … يصرفوها في المغنى وبركات أبو الريش.
سعدية : يعني حتغصبهم يدفعوا نقوط؟
شنشال : يا منيرة … يا سعدية … افهموني يا خوانا …
شحتة : أنا أنغامي بتجيب دهب.
شنشال : اسمعني يا شحتة … (صارخًا) أرجوكم! (يصمت الجميع) إحنا عاوزين نجمع قرشين ننفذ بيهم مشروع الست فتحية … نسجل كاستات بلدي عليها صورنا …
منيرة : عليها صورتي؟
شنشال : صورنا كلنا … مش حنكلف الشريط حاجة … غيرش هوه إيجار الستوديو.
سعدية : واحنا حنغصب الناس يدفعوا؟
منيرة : والا حَنْحط إيدينا في جيوبهم؟
سعدية : اللي عايز ينقطني يرمي الفلوس عليَّ …
منيرة : أنا ما مدش إيدي واصل …
سعدية : أنا رقاصة محترمة …
منيرة : وانا فنانة محترفة …
فتحية : عندهم حق يا ريس شنشال.
شنشال : طب والفلوس … فلوس المشروع.
فتحية : سيبها عليَّ دي … أنا قلت لك أنا مرتبة ترتيبة تانية!
شحتة : لكن احنا ما نرضالكيش.
ريشة : وراكي رجالة يا ست فتحية.
فتحية : ونِعْم بالرجال (تضحك) انتوا ماسمعتوش ع الدرويش؟ (صمت) ده راجل فهلوي من بتوع زمان … مش زمان قوي … حسبة عشرة خمستاشر سنة … من أيام مجاذيب السلطان … أنا عارفة سره وفاهماه كويس … أياميها كان اسمه أبو صباع … وحاول يشتري وكالة أبو الريش ما عرفش … الناس وقفت له بالمرصاد.
شحتة : الله! (في استمتاع شديد) الله الله الله! «بالمرصاد»! آدي الكلام الحلو اللي يتلحن … (يغنيها) بالمرصاد بالمرصاد …
(على وزن سَلَّمْ عَلَيَّ …)
ريشة : وعايزا لها دقة فلس …
فتحية : الريس شنشال هو اللي بيألف الكلام …
شنشال : الله! أنا فاكر أبو صباع ده … دا واد عترة مدقدق … هوه ادَّرْوِش والا إيه؟ يا خسارة.
فتحية (تهمس مشيرة لهم أن اقتربوا) : أنا رايحا له الليلة … حاخلِّيه يموِّل المشروع بتاعنا من بابه.
شحتة (يغني) : يِمَول؟ يِمَول؟ أمانة عليك يا ليل مول!
(مثل كارم محمود.)
شنشال : هوه ادَّرْوِش والا اتْغَنَى؟
فتحية (مستمرة في الهمس رغم إصرار شحتة على الهزل) : بقى مليونير … واجَّوز اتنين آخر شياكة … ومشغل عنده عتريس الصبي بتاع زمان عشان يساعده في العمليات اللي … بالي بالك!
منيرة (محتدة) : طب واحنا مالنا يا ست فتحية وماله؟
سعدية : إحنا فنانين وما نحبش اللي بالي بالك!
فتحية : اصبروا عليَّ بس شوية.
شنشال : حيدينا سلفة؟
فتحية : بقى اسمعوا انت وهوه … وهي وهي … إحنا لازم نخش السوق من أوسع أبوابه … لازم نلعب اللعبة مع بعض من غير مناقرة وشغل الشريك المخالف … أنا عارفة كل أسراره وحاقدر أخليه يدينا السلفة اللي احنا عايزينها … أنا عندي حلم ممكن يتحقق لو وقفنا جنب بعض واشتغلنا مع بعض … وكان عندنا ثقة في بعض … لو كاسيت واحد ضرب … يعني عَلَّق … حتبقى فرقة شنشال للفن الشعبي مطلوبة في كل مصر … وفي البلاد العربية كمان … وفي أوروبا.
شنشال : حنعملوا فيديون؟
فتحية : حنعملوا فيديو … وسينما.
منيرة : والنَّبي يا ست فتحية؟
سعدية : ونطلعوا في السينما؟
فتحية : وحيبقى لنا شركة إنتاج … ونمثلوا … ونعملوا أفلام غنا وطرب … ونجيبوا إعلانات؟
شنشال : ونخشوا التليفزيون؟
فتحية : والإذاعة … ونسافروا.
ريشة : بس الدرويش ده جاب الفلوس دي منين؟
شحتة : إحنا مالنا يا ريشة؟ خلينا في المطلوب … إيه المطلوب يا ست الكل؟
فتحية : المطلوب إن احنا الليلة نقدم دقة الدراويش اللي علمتها لريشة الجمعة اللي فاتت … فاكرها؟
ريشة : لكين دي خواجاتي أوى!
فتحية : اسمع الكلام يا ريشة أمال … إحنا عاوزين ولاد البلد يحفظوها ويتهزُّوا عليها وعايزين كل واحد وواحدة … صغار وكبار يحبوها، وأنا إن شاء الله حاتصرف مع الدرويش …
(يدخل عتريس لاهثًا.)
واهو الفرج وصل.
عتريس : ست فتحية … سيدنا الدرويش حيكون في الخلوة ما بين المغرب والعشا …
فتحية (إلى عتريس وحدهما في مقدمة المسرح) : وأنا جهزت الغِنْوة … اعمل حسابك ما حدش يشوفني.
عتريس : أنا جهزت كل حاجة يا فتحية هانم … أنا محسوبك.
فتحية (إلى الفرقة) : واحنا ميعادنا بعد العشا.
ريشة (يدق دقة عسكرية) : وهو كذلك.
(ستار سريع.)

المشهد الثالث

(عندما يُضاء المسرح يكون الخليفة الوليد بن يزيد جالسًا على العرش، ونوار بين يدَيه تغني، وحوله الحاشية والشاعر القديم.)
نوار :
اسْقِنِي يَا نَدِيمُ كَأْسَ حَياتِي
لَذَّة لا تريمُ حَتَّى مَمَاتِي
واسكُب الرَّاحَ في الحَنَايَا لَعَلِّي
أَتسَامَى عَلَى الأُلى الصَادِحَاتِ
الوليد (منتشيًا) : الله الله الله! لمن هذا الصوت يا رباب؟
أبو صباع : لي يا مولاي!
الوليد : وما تريد منا يا شاعر أمير المؤمنين؟
أبو صباع : حاشا لله أن أطلب مالًا أو جاهًا … ولكنَّ لي قلبًا تَوَلَّهَ بِفَاتِنَةٍ لا أَنَالُهَا فَأَهْنَأ ولا آيَسُ مِنْهَا فَأهْدأ.
الوليد : اطلب من تشاء وسوف تنالها ولو كانت نوار!
أبو صباع : معاذ اللهِ أَنْ تمتدَّ عيني إلى من اخْتَصَّهَا أميرُ المؤمنين بعطفه.
الوليد : إن لم تُرد نوَّار فاطلب من أردت … ولو كانت في أقصى الأرض فسوفَ نُحْضِرُها لك بإذن الله!
أبو صباع : إن لم ينطق حالي في حضرة مولاي لم ينطق لساني!
نوار :
أَيْنَ مِنِّي كُلُّ صَبٍّ مُسْتَهَامْ
هَدَّهُ الوَجدُ وأَضْنَاهُ الهُيَامْ
ظامِئٌ والمَاءُ يَجْرِي حَوْلَهُ
صَامِتٌ والصَّدْرُ يَشْفِيهِ الكَلامْ
الوليد : تكلم يا رجل … قُل من تريد ولا تخف.
أبو صباع : هل يعطيني مولاي الأمان؟
الوليد : أعطيتك الأمان!
أبو صباع : إنها … إنها … إنها رباب!
(همهمة ولغط بين أفراد الحاشية.)
الوليد (صائحًا في هياج) : رباب؟ جارية خليفة المسلمين؟ جاريةُ أميرِ المؤمنين؟ يا حراس!
(يدخل حارسان.)
أبو صباع : لقد أَعْطَيْتَنِي الأمان يا مولاي.
الشاعر : لقد خان الأمانة يا مولاي.
الوليد : وقتْلُهُ رَحْمَةٌ به … لَنْ أَقْتُلَه.
أبو صباع : والأمان يا مولاي؟
الوليد : الأمانُ لِمَنْ يستحقُّه … أَمَّا أَنْتَ فَبِمَاذَا أُعَاقِبُكَ … بالموت؟
الشاعر : جزاء وفاق يا مولاي!
أبو صباع : لم أقصد يا مولاي أن أريدها لنفسي … اسْمَعْني يا مَوْلاي … كنتُ أريد تعليمها الشعر والغناء فَحسب …
الشاعر : حيلة وأكذوبة مفضوحة!
الوليد : أَلْقُوهُ في السجنِ حتَّى نَبُتَّ فِي أَمْرِه!
أبو صباع : أَنَا بَرِيء … مظلوم! أرجوك … أرجوك … أتوسل إليكم …
(يجره الحراس.)
(يخرج الخليفة والشاعر والحاشية، ويظل أبو صباع وحده على المسرح كأنما هو مقيد بالسلاسل لا يستطيع حراكًا.)
أبو صباع : يا دي الشورة المهببة! يعني كان لازم أرجع لزمن الخليفة الزفت ده! الجاهلية كات أرحم! يا ترى رباب دي كان شكلها إيه اللي الخليفة يعني … وقع فيها؟ طويلة زي تفيدة والا قصيرة زي إفادات؟ بس لازم كان عليها صوت إيه بقى! والله ودخلنا السجن! عال عال! أحسن م القتل! بكرة الخليفة ينسى الموضوع ويفرج عني! وآدي قعدة!
(إظلام تدريجي.)

المشهد الرابع

(عندما تعود الأضواء يكون أبو صباع جالسًا على الأرض كأنما هو مسجون، ولكنه ما يزال يرتدي زي الدراويش، والواضح أنه في الخلوة طبقًا لما يوحي به الديكور وأضواء العصر الحاضر، لكنه يقع على الأرض كأنما غلت وقيدت حركته وفجأة يسمع صوت فتحية تغني، فينتفض واقفًا وقد عاد إلى العصر الحاضر.)
فتحية (تغني من الغرفة المجاورة) :
يامين يشوف الودع
ويقول لي بختي فين!
قلبي اشتراه الجدع
وانداح في غمضة عين!
أبو صباع : رباب! رباب! لكن دي كلامها كلام اليوم … لا لا لأ … مش رباب والا رباب وبتغني شعبي؟ بس «انداح» دي كلمة سُؤْع قوي!
فتحية :
كُمْ كُنْتُ أَشْكُو لربي
ظُلْم البَرَايَا لَقَلْبِي
أدْعُو ولا مِنْ مُجيب
يَحْنُو وَيَرْحَمُ حُبِّي
أبو صباع : هي رباب! يبقى الخليفة رضي عني! حاخرج م السجن فورًا!
(تدخل فتحية.)
رباب! رباب بلحمها ودمها!
فتحية : سا الخير يا سيدنا الدرويش!
أبو صباع : رباب؟
فتحية : محسوبتك فتحية.
أبو صباع : فتحية؟ إنتي … أمال فين رباب؟
فتحية : أنا اللي كنت باغني … من ورا الستارة!
أبو صباع (يعود إلى الدروشة) : آمنت بالله … اتفضلي … أصلك الخالق الناطق واحدة أعرفها …
فتحية : أنا يا سيدنا الدرويش غازية على قد حالها … م الغوازي اللي بييجوا المولد كل سنة … أهه … بنلف وربنا هو الرزاق …
أبو صباع : آمنت بالله … إنتي صوتك من دهب …
فتحية : العفو يا مولانا … دا من ترتيل التواشيح وذكر الله …
أبو صباع : آمنت بالله … دانتي بلبل مغرد … سبحان الخلاق فيما خلق …
فتحية : أستغفر الله يا مولانا … أنا عندي فرقة موسيقى شعبية وكنت عايزة أستشيرك في موضوع استثماري مفيد … مفيد جدًّا.
أبو صباع : وأنا من ناحيتي عايز الخير لأهل البلد … للناس … لمخاليق الله … أي حاجة فيها خير (يحدق في وجهها) بارحب بيها.
فتحية : يعني ممكن أفاتحك في الموضوع … لوحدينا.
أبو صباع : ماديحنا لوحدينا يا رباب.
فتحية : فتحية … محسوبتك.
أبو صباع : أقصد يا فتحية … (ينبهر بجمالها) أنا تحت أمرك.
فتحية : لأ … موش حينفع دلوقت … خلينا لِلِّيل.
أبو صباع : إن كنتي حتأجلي الموضوع يبقى نخليه للصبح …
فتحية : داحنا ماشيين الصبح … وكان أملنا في الله وفي بركاتك.
أبو صباع : أصل أنا باحب أختلي بالليل … باقرا الأوراد وباتعمق في التاريخ … شايفة المكتبة دي؟ أهو أنا هاضمها كلها … شوفي تاريخ الطبري … والأغاني …
فتحية : ما هو الموضوع أغاني برضه … خمس دقائق يا مولانا … خمس دقائق موش أكتر.
أبو صباع : إذا كان خمس دقايق معلهش.
فتحية : بعد العشا؟ ساعة كده؟
أبو صباع : أنا بابي مفتوح للجميع …
(تدخل إفادات وتفيدة – نفس الثوب الأسود وتتكلمان معًا مثل الإنسان الآلي.)
الهوانم : الحرمة دي … بتنيل إيه عندك؟
أبو صباع : أستغفر الله العظيم … إيه اللي جابكو؟
الهوانم : شمينا البارفان … بتعملي إيه يا حُرْمة يا بِجْحة ع الصبح؟
المرأة : حقكوا عليَّ يا هوانم.
الهوانم : إنتي فاكراها وكالة من غير بواب، غوري يا ولية لا نخزَّق عنيكي.
المرأة : أنا باكلِّم سيدنا الدرويش … مولانا الراجل الصالح.
أبو صباع (صارخًا) : بس انتي وهي كفاية كده … سامحكن الله وغفر لكن …
عتريس … عتريس!
(يدخل عتريس.)
إيه اللي جاب الهوانم دلوقت؟ أنا موش قلت إني في الخلوة … أنا موش قلت موش عايز إزعاج؟
الهوانم : واحنا بقى الإزعاج؟ والهانم دي مش إزعاج؟
عتريس : ما حصلش حاجة يا هوانم.
أبو صباع : أنا بابي مفتوح للجميع … أنا لا أصدُّ أحدًا عن بابي …
الهوانم : لا يابا واللي خلفوك … داحنا عاجنينك وخابزينك … يا مَدَرْوِش يا مفَرْفِش يا منعنش يا منَغْنِش … لأ … فَتَّح عينك يا عُمر …
أبو صباع : إيه الألفاظ البذيئة دي؟
الهوانم : ألفاظ؟ آل يا ألفاظ! بقى اسمع واوعى … إن ما اتلمِّيتْش وحياة اللي خلقك … لانفَصَّصَك ونملَّصَك … لانْفَشْفِشَك ونْدَشْدِشك … ونْفَرْتِكَك ونهَرْتِكَك …
أبو صباع : حَقُّكُوا عليَّ خلاص … اتفضلوا …
الهوانم : ونوريها باب السكة معانا … يالله … سلامو عليكو …
(تخرج النساء.)
أبو صباع : كات شورة مهببة …
عتريس : لا يا معلمي لا … لازم أفكرك إن الهوانم شركا برضه في العملية.
أبو صباع : والله أنا زهقت من لسانهم الطويل … وزهقت م اللعبة كلها.
عتريس : معلهش يا معلمي … دول بيدُّوا منظر برضه … وبعدين هما اللي بيزوروا حريم البلد، وبيجيبولنا أخبار المهلبية.
أبو صباع : إيه يا وَلَه؟ إنت اتعديت منهم والَّا … إيه؟ (يُسمعُ صراخٌ في خارج الدار) سامع؟ اتخانقوا تاني والَّا إيه؟
عتريس : لا لا لا … دا الواد عبد الله … أنا محرَّم عليه مايهوبش ناحيتنا … أما أشوف ماله.
أبو صباع : عبد الله مين؟
عتريس : واد مِدَّرْوش من مجاذيب زمان … كان بيشتغل محامي وفَلِّس … قام انجذب.
أبو صباع : طب دخله نشوف حكايته …
عتريس : يا معلمي دا مهفوف في عقله … ضارب خالص.
أبو صباع : معلهش …
(قبل أن يتحرَّك عتريس يدخل شابٌّ في مقتبل العمر في حالة انهيار تام وهو يبكي وينشج ويتأوَّه.)
عبد الله : قافل بابك ليه قدام الغلابة؟ أنا يا عمي الدرويش موش قادر خلاص! لازم أموت فورًا … عايز أموت يا مولانا … الدنيا قسيت عليَّ والعمر طَوِّل عليَّ.
(يبكي.)
أبو صباع : تعالى يا عبد الله تعالى … قل لي مالك!
عبد الله : وعارف اسمي؟ مكشوف عنك الحجاب يا مولانا.
أبو صباع : اهدا يا بني اهدا … (إلى عتريس) إنت لسه هنا؟ اتِّكل على الله أنت.
(يخرج عتريس.)
عبد الله : إلا اللي يموِّت نفسه ما يروحش الجنة؟
أبو صباع : أستغفر الله العظيم.
عبد الله : اللي ينتحر ما يروحش الجنة؟
أبو صباع : اقعد بس … اهدا … اشرب شوية مية … امسح دموعك واحكي لي.
عبد الله : ماعادش فيه أمل في الدنيا يا سيدنا الدرويش.
أبو صباع : ليه بس يا بني كفى الله الشر؟!
عبد الله : قبل سيادتك ماتيجي بلدنا … كان عندنا مجاذيب عايشين في نعيم … هنا … في وكالة السلطان أبو الريش … كان بيجيلنا أكلنا لحاد عندنا … وكنا بنعبد ربنا … ليل ونهار يا مولانا … صابرين ومؤمنين … في انتظار اليوم الموعود … يوم الموت!
أبو صباع : أستغفر الله العظيم … دا كلام يا بني ده!
عبد الله : كنا عايشين في هَنا … بنسبح لله … ومتفرغين للعبادة … هجرنا الدنيا … قاومنا الإغراء … رفضنا المجتمع … وهبنا أرواحنا للخالق … عارف ليه؟
أبو صباع : الخالق يملك أرواحَنا سواء وهبناها أم لم نهبها.
عبد الله : بس احنا وهبناها بقى! عشان الجنة … الجنة التي وعد الله عباده المتقين … حيث ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.
(يندمج في حلم عريض) كل يوم يا مولانا كنت باشوف في أحلامي رياض الجنة … والحسان … قاصرات الطرف … وكات الدنيا كلها بستان أخضر ينكشف لي بالليل وأنا سارح في الملكوت … كات الآخرة على بعد خطوة واحدة مني … لحظة فيضان الروح … لحظة الموت!
أبو صباع : يا بني انت اشتطيت وابتعدت خالص.
عبد الله : بالعكس … دانا كنت قربت خالص … وكنت حاوصل لولا الملعون خَرَّب أحلامنا.
أبو صباع : ملعون مين يا بني وأحلام إيه؟ الكلام ده ما يرضيش حد أبدًا ولا يرضي ربنا …
عبد الله : بالعكس كنَّا راضيين وكان ربنا راضي عننا … لحد ما طَب علينا اللي خرب بيتنا … إلهي يخرب بيته مطرح ما هو موجود …
أبو صباع : قصدك مين؟
عبد الله : راجل نصاب كان عايز يشتري الوكالة بينا.
أبو صباع : بيكو يعني إيه؟
عبد الله : يعني كان عايز يعمل استثمار سياحي بالوكالة والمجاذيب … قاموا هَبُّوا الناس ووقفوا ضده … راحت العملية متفركشة.
أبو صباع : مين ده؟ وقانا الله السوء.
عبد الله : كان اسمه أبو صباع … كلب من كلاب الدنيا … وقع عبد للفلوس … وقع فريسة للدنيا … دمر حياتنا … اتفركشوا المجاذيب …
اللي اشتغل اشتغل … واللي سافر سافر … واللي اتجوز اتجوز …
أبو صباع : وبعدين؟
عبد الله : وسابوني!
أبو صباع : إنت مالكشي شغلانة دلوقت؟
عبد الله : أنا عايز أموت يا سيدنا الشيخ … شوف لي موته الله يخليك … خايف انتحر ماروحش الجنة … يبقى كل جهدي طلع على فاشوش … قول لي … أموت ازاي … وأروح الجنة؟!
أبو صباع : إنت مخك ملخبط خالص … إنت مش عارف إن ربنا بيأمرك انك تعيش العمر المكتوب لك وماتسبقش الأجل؟
عبد الله : شوف لي موته ينوبك ثواب!
أبو صباع : ماسمعتش الحديث: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا … واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا.
عبد الله : أهو أنا عملت لآخرتي … أموت غدًا بقى.
أبو صباع : لازم تعمل لدنياك الأول … تحب تشتغل معايا هنا؟
عبد الله : درويش؟
أبو صباع : درويش ده إيه؟
عبد الله : دي الشغلة الوحيدة اللي أعرفها … أسمع لك التواشيح … أقرا لك الأوراد … وصوتي حلو خالص … اسمع (ينشد):
يا للِّي هَجَرْت الحَيَاة … وَرَاهِنْت عَ الآخرَة
وَحْدَك وَلَا مِنْ مُعين … في عيشْتَكِ المُرَّة
راقد في ظِلِّ الأمل … وفِ انْتِظَار بُكْرَة
الدُّنْيا في عنيك سَحابة … ف السما عابرة
اصْبُر وأيُّوب كَمْ صَبر واسْتَفْهم العِبْرَة
الموت حييجي يِحَرَّر رُوحك الطَّاهرة
تِعْرف هَنَا مَاله آخر … والنَّعِيم فِكْرة!
أبو صباع : صوتك حلو … إنت اشتغلت مع الغوازي قبل كده؟
عبد الله : غوازي المولد؟
أبو صباع : الجماعة اللي بييجوا كل شوية دول … اللي بيحيوا الأفراح والليالي الملاح …
عبد الله (يصاب بانتفاضة ورعشة) : حاشا لله … حاشا لله … كلهم نسوان … نسوان … نسوان … (كأنما دخل نوبة هستيرية) الشيطان في النسوان … النسوان والشيطان … الشيطان هو النسوان …
أبو صباع (قلقًا يحاول إسعافه) : سلامتك يا بني … اهدا … حاقرا لك قُرآن … لا حول ولا قوة إلا بالله …
(يربت عليه في حنان وقلق.)
سلامتك يا بني … (ينادي) عتريس … عتريس.
عبد الله (يهدأ بعض الشيء) : فين النسوان؟ مافيش نسوان؟
أبو صباع : حكايته إيه ده! ده بيرتعش هات لي ميه حالًا! هات طاسة الخضة …
إنت لازم جبت سيرة النسوان … هوا … (يخرج بسرعة.)
أبو صباع (يضع يده على رأسه كأنما يقرأ أورادًا خاصة ويغمغم) :
من شر الدنيا ومفاسدها … بارقيك.
وبحق الخلوة وأورادها … يحميك.
من عين عُزَّالها وحُسَّادها … يِنَجِّيك
واللي هَدا النَّاس لنعيمها … يِهْدِيك!
(يعود عتريس بطاسة الخضة.)
عتريس : اتفضل يا معلمي … (يدرك الخطأ) قصدي يا سيدنا الدرويش!
أبو صباع (يسقي عبد الله ماءً) : اشرب … بالهنا والشفا … (يربت على ظهره) إنت مش كنت محامي؟ خلاص … أشغلك مستشار قانوني … وتعيش معانا هنا وبلاش حكاية الغوازي.
عبد الله (ينتفض بمجرد أن يسمع كلمة الغوازي) : النسوان؟ النسوان؟
أبو صباع : يا سيدي خلاص قلنا … يالله بينا … أنا عندي حاجات عايزك تكيِّفها تكييف قانوني … وحادفع لك مرتب وأسكنك في الأوده اللي ع السطح.
عبد الله : أكيفها ازاي؟
أبو صباع : يعني تطلَّع لها تخريجة … تشوف لها صرفة … تحلِّلها.
عبد الله : هو حدا الدرويش حاجة غير الحلال …
أبو صباع : آمنت بالله.
عبد الله : لا إله إلا الله.
أبو صباع : اتفقنا … تعالى معايا بقى أوريك الأوده والأوراق … وتمسك انت الدفاتر بدال عتريس.
عتريس : إنت بتستَخْوني يا معلمي؟ قصدي يا مولانا الدرويش؟
أبو صباع (نافد الصبر) : بقى اسمع أما أقولك ياد انت … (يتدارك نفسه) شغلنا يا ابني (يعود إلى الدروشة) يحتاج إلى أسانيد قانونية … مش كل الناس تقدر تفهم فعل الخير … القانون هو الوسيلة المقنعة والمفحمة … فهمت؟ (بنظرة ذات مغزًى) يالله يا عبد الله بينا … حاشرح لك وظيفتك إيه.
(يخرجان.)
عتريس (وحده على المسرح) : أبو صباع بيمثل عليَّ … لكن على مين؟ دانا أبو التمثيل … دانا ممثل من يومي … زمان أيام المجاذيب كنت ساعات أعمل درويش انا كمان … أشوف للناس البخت وآخد اللي في صندوق الندور … بصفة سلفة … سلفة لا ترد! زي أبو صباع تمام … كانت أيام شقاوة … لكن كات عيني دايمًا ع التمثيل الكبير … التمثيل العلِّيوِي … وجَرَّبت كام دور كده من بتوع الكتب بس ما عجبونيش … خاصة القصة … يعني واحد اسمه أوديب … وده من الأدب … حب يجَّوِّز اجَّوِّز أمه … وده من إيه بقى؟ من قلة النسوان أياميها … آه … وواحد اسمه يوليوس قيصر يوليو ده زي شهر يوليو … لازم اتولد في الشهر إياه … والَّا برضه من قلة الأسامي … تصدقوا بإيه؟ كان فيه واحد اسمه أغسطس! والَّا الملكة كيلو بودرة … كات بتحط على وشها بودرة … طَلَّعوا عليها كده … المشكلة إن الكلام كله بالنَّحَوِى … يعني لا انت فاهم بتقول إيه … ولا حد فاهمك.
(يمثل دورًا كلاسيكيًّا.)
أَيُّهَا الرومان … يا أولاد الأفاعي … (يخرج من التمثيل) ليه الأفاعي؟ وإيه دخل الرُّمَّان بالأفاعي؟ (يعود للتمثيل) لقد طغى الكهنةُ وبَغَوا … آهاها … وآن أوان الصَّقْر.
(يخرج من الدور) إنما الصقر ده إيه؟ ده غير الأدوار اللي كان نفسي أعملها في التليفزيون … أدوار التراث العربي الهايل … أتعرض عليَّ دور عن الشعراء … يا عيني عليهم … دور واحد اسمه أيمن بن خريم بن الأخرم بن فاتك … ماعجبنيش الاسم! والبيت اللي كان محيَّرني هو بيت ابن كوز:
فَإِنِّي تاركٌ لَهُمَا جَمِيعًا
ومُعْتَزِلٌ كَمَا اعْتَزلَ ابنُ كوز
قلت لهم غيروا الاسم مارضيوش … قالوا ده في الأغاني للأصوهاني! أجدع دور بصراحة هو دور أبو صباع … هو بيلعب وانا بلعب … وهو عارف … وانا عارف … والمسألة بس مسألة وقت … فاكرها صعبة وعبد الله على فكرة مش عبيط … هو ضارب ضارب! لكن ذكي وزي الجن … صدق من قال محامي! وبرضه بيمثل!
آل بيسورق آل لما يسمع سيرة النسوان! هَأَّعْ! طب ده ممثل ابن ممثل! ولو أبو صباع ورَّالُه الدفاتر والخزنة حيكشف اللعبة! (يمثل) خلينا في التمثيل! تعالي يا بنتي تعالي!

(يخرج من الدور) كان عايز يدبسني في جوازة من بتوعه … لكن على مين؟! أنا موضب توضيبة تانية خالص (يعود للدور) ما الحَيَاةُ الدنيا إلا لَهْوٌ ولَعِب … مشيناها خطًى كُتبتْ عَلَيْنا …
(يدخل رجل يحمل صرَّة ويتجه إليه مباشرة.)
غضبان : سيدنا الدرويش … سلامو عليكو.
عتريس (يُفاجأ) : وعليكو السلام يا بني … اتفضل …
غضبان : أنا معايا يا مولانا قرشين … قرشين حلوين يا مولانا …
عتريس : لكن أنا مش مولى يا بني … أنا مش عمك الدرويش.
غضبان : آمنت بالله … هو أنا حاغيب عنك … دانا لسه سامعك بوداني دول … خد خد … امسك يا راجل.
عتريس : لا يمكن يا ابني … لا يمكن.
غضبان : ماتخلينيش أحلف … (يرمي إليه بالصرة فيلتقطها.)
عتريس : لا يمكن أبدًا … مش ممكن … (يكون قد أخذ الصرة.)
غضبان : وحياة دي الخلوة … سلامو عليكو.
عتريس : استنى يا راجل انت … مش حتاخد وصل.
غضبان : عيب يا مولانا … إحنا بينا وصولات برضه؟
(يخرج الرجل.)
عتريس : أضرب عليها عوافي؟ لكن دابو صباع بيشوف من ضهره!
(يغني:)
وحياة الصُّرَّة
واللي في الصُّرَّة
وَدَوَاهَا الغَالِي
للعيشة المُرَّة
لَأَلِم فلوسكُمْ
وَأَسَافر بَرَّة
واتْجَوِّز واحدة
وَأَواعِدْ عَشرَة
(يدخل أبو صباع وعبد الله.)
أبو صباع (إلى عبد الله) : وسجِّل عندك اتنين باكو من المعلم غضبان شعير … أبو سميح انت عارفه …
عبد الله (يكتب في دفتر) : إيداع مؤقت برضه؟ من باب التداين إلى أجل مسمى؟
أبو صباع : الله ينور عليك … خد الفلوس من عتريس …
(عتريس يلقي إليه بالصرة. يكمل الأنشودة:)
معلهش يا زَهْر
خَلِّينا لبكرة
(إظلام سريع.)

المشهد الخامس

(بعد العشاء، أصوات الذكر في الخلفية، وموسيقى إيقاعية خفيفة من بعيد، وضوء خافت في الأركان، وأبو صباع يفتح أمامه كتابًا ضخمًا يقرأ فيه، ثم يضاء النور فجأة ويدخل حارس من عصر الوليد بن يزيد.)
المنذر : قم … آن أوان الموت!
أبو صباع : موت إيه يا جدع انت! لبشت جتتي … أعوذ بالله!
المنذر : فلنمضِ إلى الخليفة من فورنا … فلقد أعدَّ السيف والنطع.
أبو صباع : والله ما نطع غيرك.
المنذر (يهجم عليه بالحربة) : هيا قلت لك …
أبو صباع (وقد بدا الخوف يساوره) : أوعى تكون بتتكلم جد … (مذعورًا) يخرب بيتك! (محاولًا كسب صداقته) هم حاكموني؟ يعني صدر الحكم بالإعدام؟
المنذر : الخليفة أمر بقتلك!
أبو صباع : بالإعدام؟
المنذر (يضحك) : وماذا يجدي المال؟
أبو صباع : وهل ذكرت المال؟
المنذر : ألا تتحدث عن الإعدام؟ والإعدام يعني الإملاق.
أبو صباع : الإملاق؟ معناه كده بالعربي؟
المنذر : الفاقة … الفقر … ألا تفهم العربية؟
أبو صباع : بل معناه الموت!
المنذر : هل تحب المال إلى هذا الحد؟ قم فالخليفة في الانتظار …
أبو صباع : حاكموني … غيابيًّا؟
المنذر : من الذي حاكمك؟ وما معنى غيابيًّا؟
أبو صباع : أليس من حقي الدفاع عن نفسي؟
المنذر : أنا لا أفهمك … لقد أُمرت أن آتي بك … وإن كنت لا أقر الوليد على ما يفعل.
أبو صباع (فرحًا) : إذن … المسألة فيها نظر.
المنذر : يبدو لي أنك غريب عن بلادنا ولغتنا وزماننا … وأنا لا أعرف جريرتك وربما كنت مظلومًا … ومع ذلك فلا أملك إلا أن أن أنصاعَ للأوامر.
أبو صباع : لكنك لا تقر الوليد على ما يفعل؟
المنذر (مقاطعًا) : ومن ذا الذي يقر الظالم على ظلمه؟ لكنني جندي … ولا أملك إلا طاعة ولي الأمر.
أبو صباع (متشجِّعًا) : إذن تستطيع أن تؤخر الإعدام … أقصد القتل … ريثما أصلي وأستغفر ربي.
المنذر : اللهم اغفر لنا جميعًا … هيا … قم فتوضَّأ.
أبو صباع (ينشد) :
مضى الخلفاء بالأمر الحميدِ
وأصبحت المذمَّة للوليدِ
تشاغل عن رعيته بلهوٍ
وخالف فِعْل ذي الرأي الرشيدِ
المنذر : صدقت! هكذا ينشد الناس في كل مكان!
أبو صباع : يا مفرج الكروب يا ألله!
المنذر : بل لقد سمعتُ أنهم سوف يوقعون به … لله الأمر من قبل ومن بعد!
أبو صباع : وعندئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله.
المنذر : صدق الله العظيم.
(ضجيج وجلبة عالية، ويدخل بعض الرجال شاهرين السيوف.)
الفاتح : أطلقوا سراح السجناء.
حنظلة : قُتل الكافر عدو الله.
المنذر : الحمد لله!
الفاتح : أحضروا جميع الرجال إلى قصر زوجة الخليفة …
حنظلة : قصر الشهباء!
المنذر : سآمر الجميع … هيا يا صاح!
أبو صباع : إيه الحكاية؟ حنروح فين؟
المنذر : ألم تسمع؟ إلى قصر الشهباء!
الفاتح : ألا فاعلم أيها المظلوم أن يزيدَ الناقصَ قد أصبح خليفة للمسلمين.
أبو صباع : الناقص؟
حنظلة : هو يزيد الناقص بن الوليد بن عبد الملك بن مروان!
أبو صباع : الناقص؟
الفاتح : وقد انتهت أيام الوليد … قاتل معبد.
أبو صباع : معبد المغني المشهور؟
حنظلة : وحُبس ابنا الوليد … الحكم وعثمان …
الفاتح : بل قُتلا!
حنظلة : دالت دولة الظلم.
الفاتح : وزوجة يزيد الناقص تريد هذا الغريب في قصرها … لتجعله معلمًا للقيان … يعلمهن الشعر والغناء … بعد ما سمعت عنه.
أبو صباع : أفيدوني أفادكم الله … هل تم تعييني مدرسًا للشعر والغناء في قصر الخليفة يزيد … الناقص؟
الفاتح : نعم … قم واستعد للرحيل …
حنظلة : الواضح أن شهرتك قد بلغت أسماع الأمراء وهم يريدونك …
الفاتح : موعدك بعد صلاة العشاء في قصر الحريم … (إلى الحارس) اتركه حتى يستعد للرحيل وامضِ إلى الآخرين فأطلق سراحهم … هيا بنا يا حنظلة.
(يخرج الحارس والرجلان.)
أبو صباع : هذا هو المراد … من رب العباد … قصر الحريم … الجواري الروميات … البيضاوات الفاتنات … الحمامات الوادعات.
(ينشد):
رفَّت على الآفاق أسرابُ الحمائمِ حَائِمَة
تَزهُو بأجنحةٍ تدفُّ وأغنيات باسمة
بيضاء كالصبح المُنَوَّرِ زَاغِبَاتٍ نَاعِمَة
الآنَ تخفقُ موجةُ الأشواقِ نشوى هائمة
وتُحلَّق الأحلامُ في جَفْنِ الرغابِ النَّائِمَة
دارَ الزمانُ لقلب صبٍّ ذي شجونٍ عارمة
هيهات لا يشفي الغليلَ سوى العيونِ الحالمة
دعجاء أو حوراء أو ذاتُ الخبايا الظَّالمة
الداعياتُ إلى الصلاح لكُل نفس … آثِمَة!
(يدخل عبد الله ومعه الأوراق.)
عبد الله : سيدنا الدرويش … سيدنا الدرويش.
أبو صباع : ماذا وراءك يا حنظلة؟
عبد الله : حنظلة مين يا سيدنا الدرويش … أنا عبد الله.
أبو صباع (يفيق من الحلم) : أهلًا يا عبد الله … ماذا وراءك؟
عبد الله (ينظر خلفه) : ورائي؟ مافيش حاجة ورائي!
أبو صباع : عايز إيه؟ حصل إيه؟
عبد الله : الأوراق دي يا مولانا … الحسابات … العقود.
أبو صباع : ما لها؟
عبد الله : سيادتك شفتها؟ راجعتها؟
أبو صباع : طبعًا شفتها وراجعتها … فيها إيه؟ اتكلم!
عبد الله : فيها إيه؟! فيها مصيبة! فيها مصايب!
أبو صباع : يا بني كفى الله الشر ما تقولش كده … إيه بس اللي حصل؟
عبد الله : الكشوف والعقود بتقول إن المكتب ده حصَّل زيادة عن ثلاثة مليون جنيه.
أبو صباع : ربنا يزيد ويبارك.
عبد الله : أيوه لكين الخزنة ما فيهاش خمسين ستين ألف.
أبو صباع (يدخل في حالة دروشة شديدة) : قرب مني يا بني … أستغفر الله العظيم … ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم … تعالى … إديني راسك … (يضغط على رأسه حتى ينخفض، ثم يحوقل ويبسمل ويهلل ويكبر، ويبدو وكأنما يقرأ قرآنًا وهو يضغط بيده على مؤخرة رأسه) الحمد لله قول … قول الحمد لله ثلاثًا … وسبحان الله والله أكبر.
عبد الله (يقول وهو مطأطئ الرأس) : سبحان الله والحمد لله والله أكبر … (يكررها ثلاث مرات).
أبو صباع : يا ابني انت ولد صالح … انهض! (يسمح له برفع رأسه) شوف … اللي انت عديتهم دول سبعين ألف بالتمام والكمال … والباقي بيدور في المشروعات … بيزيد سبع مرات كل سبع تيام …
عبد الله : سبع تيام؟
أبو صباع : وسبع تشهر …
عبد الله : سبع تشهر؟
أبو صباع : وسبع سنين!
عبد الله : آمنت بالله … بس ازاي؟
أبو صباع : ما تكفرش يا عبد الله … إنت عقلك أد إيه؟ ولا حاجة … إنت بني آدم … يعني نملة … ذرة صغيرة في ملكوت الله … ما فيش … إنت فرفوتة مخلوقة من طين … وأنا العلم بتاعي لدُنِّي … عارف يعني إيه لَدُنِّي … يعني من لَدُنْ سميع عليم … من لَدُنْ حكيم بصير … (في كريشندو) من لَدُنْ جبار قهار … من لَدُنْ ستار غفار … ادعي له يغفر لك تطاولك … ادعي!
عبد الله : أستغفر الله العظيم.
أبو صباع : امسك! (يعطيه ورقة أخرجها من جيبه) دي أسماء المشروعات اللي الفلوس فيها … وَضَّب كُشوف الحساب حسب اللي عندك … ورتب الأوراق الترتيب القانوني المضبوط … استخدم الصيغة الصحيحة في كل حالة … أوعى تغلط … لأن انا من يوم ورايح ناوي أفرج ع البلد زي ما ربنا ما فرجها عليَّ … فاهم!
عبد الله : فاهم يا مولانا الدرويش …
أبو صباع (يهمس) : زي ما فهمتك قبل المغرب … والَّا لحقت تنسى؟
عبد الله : لا يا مولانا فاكر.
أبو صباع : خلاص اتفقنا … اطلع انت المنضرة بقى … جهز أمورك والذي منه … عشان أنا عندي ميعاد مهم.
عبد الله (هامسًا) : مع بسم الله الرحمن الرحيم؟
(أبو صباع يهمس دون أن نسمع فيبدو على وجه عبد الله الذهول.)
(تدخل الهوانم.)
الهوانم : مين اللوح ده؟
أبو صباع : أهلًا بالهوانم …
الهوانم : البقف ده بيهبب إيه هنا؟
عبد الله (يبلع ريقه بصعوبة) : دول حريم يا مو…لانا؟
أبو صباع : دول الحريم بتوعي يا عبد الله … تفيدة الطويلة … القديمة …
عبد الله : بسم الله ما شاء الله.
أبو صباع : وإفادات القصيرة … الجديدة!
عبد الله : أَنْعِم وأَكْرِم … (مذهولًا) اللي ما باين منهم حاجة … ولا سنتي واحد! هكذا الأخلاق.
الهوانم : إنت بتبحلق في إيه يا طور؟ اغضض بصرك … اخفض نظرك.
أبو صباع : دا عبد الله المحامي … مستشاري القانوني.
الهوانم : هنا ما فيش آنون … موش ناقصين بلاوي.
عبد الله : لغة راقية.
أبو صباع : أنا جهزت له المنضرة وحيعيش معانا.
الهوانم : ما فيش عازب يعيش وسطنا … لازم يتهبب.
عبد الله : اتهبب ازاي؟
الهوانم : يتهبب يتجوز.
عبد الله (صارخًا) : أتجوز إيه؟ مين قال … مين قال؟
الهوانم : يا يتجوز مفيدة … يا يغور.
أبو صباع : مبروك يا بني … مفيدة دي بنت صالحة … عظيمة جدًّا.
عبد الله : ومين قال إني عايز اتجوز؟ أنا يا مولانا زاهد في الدنيا … أنا رايح الجنة يا مولانا … (صارخًا) أنا حاتجوز في الجنة يا ناس … انتوا مالكو ومالي … لا شأن لي بأمور دنياكم (يصاب بلوثة) لقد هجرت الدنيا كي أتفرغ للعبادة … لخدمة دين الله … دين الله مطلبي … الدين.
الهوانم : الجواز نص الدين.
أبو صباع : صدقتما!
الهوانم : وعتريس حايجيب مفيدة حالًا.
عبد الله : مش عايز اتجوز يا ناس!
أبو صباع : مفيدة سوف تعلمك دينك وتصحبك إلى الآخرة.
عبد الله : هالله هالله ع الجد والجد هالله هالله عليه … بقى اسمع يا مولانا … أنا عايز اروح الآخرة عازب … مش عايز آخد معايا حد … عايز اتفرغ في الجنة.
الهوانم : يبقى يغور.
(يدخل عتريس مع مفيدة وهي قصيرة جدًّا ونحيفة ومغطَّاة تمامًا بالسواد.)
عتريس (داخلًا في رنة انتصار) : وعندك واحد عروسة مخصوص … أقدم لكم الآنسة مفيدة!
أبو صباع : شايف الحشمة يا عبد الله … شايف الإحصان؟
عبد الله : فين الحُصَان؟
الهوانم : الإحصان يا حمار … يعني مفيدة مُحْصَنَة.
عتريس (ساخرًا) : هي مُحصَّنة محصَّنة!
الهوانم : بس يا كلب انت!
أبو صباع : يالله يا عبد الله أُمَّال اتهدي بالله … دي مفيدة عندها عزبة سبعين فدان ودهب متلتل.
عبد الله (باكيًا مسترحمًا) : أحلفك بكل غالي ورخيص يا مولانا … (يركع).
أبو صباع : ما فيش حلفان … المكتوب مكتوب … إنت حتعارض المقدر؟ حتعارض أمر الله … أنا مكشوف عني الحجاب وشايف السعد اللي جايلك … فِز يا عبد الله فِز … خليك راجل امال …
عبد الله : طب … (مترددًا) بس اشوف وشها.
الهوانم : نخزق عينك … قبل الكتاب ما حَدش يِبحْلَق ويبَصْبَص.
عبد الله : أبصبص إيه؟ مش حتبقى مراتي؟
الهوانم : يبقى لازم نكتبوا الكتاب الأول … يالله بينا.
عتريس : والمُولِد يا هوانم؟ مش حتحضروا المولد؟
أبو صباع : خلِّيك انت هنا … إحنا حنكتبوا الكتاب ونرَسْتَقُوا عبد الله ونِحْضروا المولد.
(يخرجون.)
عتريس (بعد أن يخرجوا يزيح ستارة فتدخل فتحية) : البر أمان … حاسيبك أنا بقى لحد ما يرجع والباقي على الله.
فتحية (تغمز له) : ما تخافش عليَّ.
عتريس : أنا خايف عليكي منه.
فتحية : وبعدين معاك يا عطعط؟ (في دلال) هي توحة يتخاف عليها برضه؟
عتريس : خايف ترتيبنا يروح في الهوا … يضحك عليكي والَّا يدحلبك.
فتحية : فشر! أنا عارفة انه غاوي مغنى اليومين دول … ومستعد يدفع اللي اطلبه عشان يسمع.
عتريس : يسمع بس؟
فتحية : ويكسب ويرجع لأيام زمان.
عتريس : والله أنا خايف يروح لأيام زمان ما يرجعش!
فتحية : يرجع ما يرجعش احنا يهمنا إيه؟ ما دام حناخد الفلوس ونعمل الشركة ونحقق أحلامنا.
عتريس : واشتغل معاكو يا توحة؟
فتحية : دانت حتبقى ريس العملية كلها … بس يالله اتكل على الله وسيب الباقي عليَّ.
عتريس : تعالي اوريكي بقى مكان المهلبية.
فتحية : ياللا بينا …
(يخرجان، إظلام سريع.)
(إظلام.)
(نهاية الجزء الأول.)

المشهد السادس

(جوارٍ - عبيد - حراس - قائد حرس)
المنذر (إلى قائد الحرس الفاتح) : ها هم الأسرى أيها القائد …
الفاتح : هل سيُباعون في سوق الجواري؟
المنذر : لا أدري والله … حنظلة هو الذي لديه الأوامر.
الفاتح : ولكن زوجة الخليفة تريد أن تَنْتَقِي منهم مَن تريد …
المنذر : نسوقهم إلى قصر الشهباء إذن …
الفاتح : أوامري أن يظلوا هنا حتى يحضر من يختار لها من تريد.
(يدخل حنظلة ومعه أبو صباع.)
حنظلة : أَمَرَت الشهباء أن يبقى هذا الغريبُ مع باقي الأسرى.
أبو صباع : أسرى إيه يا جدع انت؟ أنا موش أسير! أنا معلِّم القيان في قصر الشهباء!
حنظلة (متجاهلًا ما قاله) : ضعوا القيود في رجلَيه أيها الحراس!
أبو صباع : قيود؟ قيود إيه الله يخرب بيتك! أنا معلم القيان!
المنذر : بل أسير لدينا.
(الحراس يضعون القيود في أقدامه.)
الفاتح : إذا تطاول هذا الغريب جللوه بالسيف.
أبو صباع : يجللوني ازاي؟ يا دي الوقعة السودة.
المنذر : نجلده مائة جلدة.
الفاتح : اجلدوه عشرين جلدة حتى يهدأ.
(الحارس يُخرج السوط.)
أبو صباع : سايق عليك النبي بلاش جلد … أنا ضهري تعبان وما يستحملش جلد.
حنظلة : أنت غريب وفي حاجة للتأديب.
أبو صباع : اتأدبت خلاص يخليهملك … (يركع على الأرض ويقبل قدم المنذر.)
المنذر : إذن لا تفتح فَمَك وابقَ مع سائر الأسرى.
(يدخل رجل غني عليه سمات النَّخَّاسين وفي يده عصًا ضخمة.)
النخاس : أليس لديكم سوى هؤلاء؟
المنذر : سل القائد …
الفاتح : لم يعد لدينا سوى هؤلاء … إذ بيع الآخرون.
النخاس (يتفحَّص الأسرى) : ليس فيهم من يُشْتَرَى بدينار.
الفاتح : تأمله جيدًا أيها النخَّاس.
المنذر : إنه شاعر ومغنٍّ بارع.
حنظلة : ولن نبيعه بأقل من مائتَيْ دينار.
النخاس (يتأمَّل أبو صباع وينخسه بالمنخاس) : هذا تقدم به العمر وسقطت أسنانه.
أبو صباع : أهو انت اللي عجزت وسقطت سنانك … دانا في عز شبابي وسناني تمضغ الزلط.
النخاس : ويتكلم لغة غريبة! من أي أرض أتيتم به؟
(ينخسه ثانيًا.)
أبو صباع : ابعد العصاية دي لاكسرها لك!
النخاس (يضحك) : قد نجد له مشتريًا من بين السراة … يُضحكهم ويسرِّي عنهم.
أبو صباع : أما إنك راجل ما تختشيش … أنا أشتغل مهرج؟
النخاس : سأشتريه بخمسين دينارًا.
الفاتح : لا أقل من مائة …
النخاس : آخذه مع الآخرين … الجميع بمائة …
(يدقُّ الصنج وينفخ البوق وتدخل زوجة الخليفة وحولها الجواري.)
الجميع (في دهشة ورهبة) : الشهباء … الشهباء.
الفاتح : مولاتي الشهباء.
الشهباء (ملثمة) : أين المُغَنِّي الذي كنت طلبته؟
أبو صباع : أنا يا مولاتي … الحقيني يا مولاتي … كانوا عايزين يبيعوني مع العبيد والجواري … بقى أنا وش ذلك برضه؟!
الشهباء (تضحك) : ممتع … مسلٍّ … رائع!
أبو صباع : سمعتم يا ولاد القرندلي.
(يضحك الجميع.)
بتضحكوا على إيه؟ على خيبتكم؟ كنتو عايزين تبيعوني بميت دينار؟ طب أهو أنا حاروح للشهباء … أبقى شاعر القصر ومغني القصر ومغني الملكة.
الشهباء : أين حنظلة؟
حنظلة : مولاتي!
الشهباء : ألم أكن أمرت بإحضار هذا الغريب إلى قصري؟
حنظلة : هكذا قال الفاتح … ولكن مولاي يزيد الناقص أمر …
الشهباء (مقاطعة) : مولاك يزيد؟ إنني أنا التي طلبت الغريب وأجابني الخليفة إلى طلبي! من الذي أبلغك بغير ذلك؟
حنظلة : لقد أتى الفاتح بالأسرى وأتى المنذر بالغريب … وانضم الغريب إلى الأسرى.
الشهباء (صارخة) : من الذي عصى أمري حتى أعاقبه العقاب الرادع؟ من الذي حجب العبد عني؟
(صمت ووجوم وترقُّب.)
حنظلة، هل أنت الذي ضم العبد إلى الأسرى؟
حنظلة : بل ضمَّه المنذر يا مولاتي!
(المنذر يرتجف فَرَقًا.)
المنذر : بل أتى به حنظلة إليَّ وأمر بوضع القيود في يدَيه … أقصد في رجلَيه!
حنظلة : بل كان العبدُ في حراسة المنذر وأنا سُقته إلى الفاتح … أمام المنذر!
الشهباء : بداية الفتنة! والفتنةُ أشدُّ من القتل! أيها الحراس!
المنذر (يلقي بنفسه على أقدامها) : لا يا مولاتي! بحق كل غالٍ ونفيس … بحق الحياة نفسها … لا يا مولاتي … غفرانكِ مولاتي!
الشهباء : ضعوا القيود في يدَيه ورجلَيه … وسوقوه إلى قصري حيث يلاقي جزاء الخونة.
المنذر (ينكفئ ويتمرَّغ على الأرض) : فلتسألي الشهود يا مولاتي … اسألي العبد نفسه … أرجوكِ يا مولاتي … اسألي ذلك العبد الفصيح …
الشهباء : العبد لا شهادة له …
(يتعلَّق المنذر بأبي صباع ويستحلفه.)
المنذر : قل لهم ماذا حدث يا أيها العبد الغريب، هل ترضى لي القتل ظلمًا؟ ألم تكن في حراستي وأتى حنظلة فساقك إلى الفاتح؟
الشهباء : العبد لا شهادة له.
أبو صباع : يعني قُصر الكلام أنا بقيت عبد! (يضرب كفًّا بكف) وما بقى ليش شهادة! لا يا بهوات! أنا عارف القانون كويس … وعارف العملية ماشية ازاي! أنا لي أهلية قانونية وشهادتي معترف بيها.
الشهباء : أنت أسير أيها الفصيح … والأسير عبد حتى يُفتدى بأسير … أو بالمال.
أبو صباع : يبقى أُفتدى بأسير … أو بالمال.
الشهباء : وَمَنْ قبيلتك التي ستفتديك بأسير … أو بالمال؟
أبو صباع : قبيلتي؟ قبيلتي أبو الريش … جنب اسكندرية!
(يضحك الجميع.)
الشهباء : لَمْ نسمع بهذه القبيلة من قبل …
أبو صباع : إزاي؟ قبيلتي عتريس وإفادات وتفيدة وعبد الله ومفيدة … وفتحية وشنشال وريشة وشحتة … ومنيرة وسعدية …
(يضحك الجميع.)
الشهباء : ألدَيْهِمْ من أسرانا مَن يفتدونك به؟ ألديهم المال الكافي؟
أبو صباع : هم مش ميت دينار؟
الشهباء : بل عشرة آلاف دينار!
أبو صباع : لما يكونوا مليون! عندي خزاين متلتلة!
الشهباء : وأنا لا أقبل أن أتخلى عنك ولو أُعطيتُ خزائن الأرض … أنت ملك يميني … وربما كنت تدرك ما ملك اليمين!
أبو صباع : يا مدام افهميني!
(يضحك الجميع.)
الفاتح : يبدو أنه رومي يا مولاتي.
حنظلة : هو من أرض رومية.
أبو صباع : لأ … أنا من أبو الريش.
الشهباء : اطمئن أيها العبد الفصيح … فلقد عفوت عن بذاءتك، وأمرت أن تكونَ معلمًا للقيان في قصري … ستقيم في الحريم … وسوف تلقِّن الجواري الشعر والموسيقى.
أبو صباع : يعني ما بقيتش عبد؟
الشهباء : إذا فعلت ما يرضيني أعطيتك الحرية … أما الآن فسوف تمضي معي إلى القصر حتى تستبدل ملابس جديدة بهذه الملابس الرثة … وتشهد عقاب المنذر على تفريطه فيك … وعندما يتدحرج رأسه أمامك ستعرف أن حياة العبودية خير من دحرجة الرءوس!
أبو صباع : لأ! (صارخًا) دحرجي رأسي!
الشهباء : أنت عازف عن الحريم؟
أبو صباع : عازف!
الشهباء : وحياة الهناء والرخاء!
أبو صباع : عازف!
الشهباء : إذن … يا فاتح!
(فاتح يخرج السيف ويرفعه.)
أبو صباع : طب (مترددًا) أشوف الحريم الأول!
(إظلام سريع.)

المشهد السابع

(الاستعدادات للمولد قائمة على قدم وساق، أجهزة موسيقية حديثة وأورج وزينات وأطفال يجرون هنا وهناك، يدخل عبد الله وعتريس.)
عتريس : شُفت بقى … وآدي المولد بتاع كل سنة …
عبد الله : لكن دا مش وقت مولد أبو الريش!
عتريس : أنا مش لسه شارح لك العملية ومفهمك كل حاجة؟! الناس هنا بتحب المغنى والطرب … والرجالة جيوبها دافية وعمرانة من الشغل في الكفور اللي حوالينا …
عبد الله : كفر السعود؟
عتريس : كفر السعود وكفر أماراتي وعمُّون وبَحْرون وقطرون والكوت …
عبد الله : ربنا فتح عليهم من مافيش.
عتريس : رجالتنا بيعملوا لهم كل حاجة … م البيت والمدرسة للمستشفى والجامع … أمال أبو تفيدة ومفيدة اتغنى من إيه؟
عبد الله : كان بيشتغل هناك؟
عتريس : أبدًا … كان بيورد لهم أنفار أيام العز.
عبد الله : هم اتفقروا؟
عتريس : لأ بس مش زي الأول.
عبد الله : أيوه … فاكر أيام المجاذيب …
عتريس : الله ينور عليك! دلوقت بعد العركة اللي بين كفر عراك، وكفر الكوت دخل كفر فابريكا في اللعبة … خلى الناس عايزة مزيكا وزعطلونات زرقا وحاجات ألافرنكا.
عبد الله : إحنا نهديهم ونرشدهم … دي حاجة ما ترضيش ربنا أبدًا.
عتريس : الهداية من الله يا عبد الله يا خويا … واديني حكيت لك كل حاجة ومعتمد على الله وعليك … وما دام فهمت ووافقت تخش معانا … قصدي في مشروع فتحية … ما عدناش نحتاج للدرويش!
(يسمع طبل وزمر ويتوافد رجال يلبسون الجلاليب.)
عبد الله : الظاهر المولد بدأ!
عتريس : وماله … أنا عايزك تجرب نفسك في الغنا وتخش معانا … المغنى هو العملة الرايجة.
عبد الله : عايزني أغني ألافرنكا؟
عتريس : لا يا عبيط … عايزك تغني بلدي بس على الأورج والدَّرَبُكَّة.
(تدخل فتحية وشنشال وريشة وشحتة ومنيرة وسعدية.)
أهم وصلوا … يالله يا رجالة … اللي يحب النبي يصلي عليه.
الجميع : اللهم صلي ع النبي!
فتحية (تغني) :
(نغمة تقليدية.)
ياللي اشتريت الأمل والحب كان مالك
ولقيت في كل ابتسامة … دنيا ضاحكالك
قَرَّب وهات إيدك تعالى نبني ونعمر
إن جيت لدنيا العمل يبقى هنيالك
(نغمة حديثة.)
إيدك في إيدي دوا
نرسم حياتنا سوا
واللي في حبه ارتوى
ينسى مرار النوى
الزربون (يلطم خديه من السعادة) : يا لهوي يا لهوي يا لهوي!
سمونة : يا قمر منور في العلالي!
الزربون (ينشد) :
بدر البدور يا مدور
شمس الشموس يا منور
سبحان من خالقها وصور
ورسم سحنتها في العالي
عبد الله : سحنتها؟ إيه الألفاظ دي؟
سمونة : حمار! حمار حصاوي!
عتريس : غنِّي انت يا عبد الله!
فتحية : ابعدوا كلكم … (في لهجة تمثيلية) الفنانة منيرة … (تتقدم لتحيي الجمهور وتتقبل التحية) (الجمهور يصيح: هيه!) والفنانة سعدية (صياح جماهيري) حيقدموا لكم رقصة أبو الريش! أَلَّفها خصيصًا الفنان ريشة الطبال … (يحيي الجمهور وصياح) ولحنها الفنان شحتة الكمنجاتي (يحيي الجمهور وصياح) ويقود الأوركستر الماسترو شنشال (يحيي الجمهور وصياح).
(إيقاعات تقليدية ثم موسيقى عزيزة على الأورج، ولكن من «ري».)
ريشة : ودلوقتي بقى أَسَمَّعْكُو دَقَّة كَسِتَّاتي.
الزربون : كَسِتَّاتي … وسِتَّاتك! يا حلاوة سِتَّاتك … وحلاوة ستَّاتي.
ريشة : كستَّاتي يعني بتاعة كاستَّات يا مغفل …
سمونة : لا يا عم يفتح الله.
ريشة : اسمع الأول وبعدين قول لأ.
الزربون : طب دنا باموت فيها … عشان أصوات المغنين ناعمة ورقيقة ورفيعة … زي الستات!
سمونة : رجالة عيرة!
ريشة : والله انتو متخلفين عن العصر … (كأنما يلقي خطبة) الدنيا اتطورت … والطور اللي احنا فيه طور الديسكو …
سمونة : والله ما طور غيرك.
الزربون : أهو أنا بقى بحب الطور ده … أصوات ناعمة زي الحرير.
سمونة : زي الحريم قصدك؟
ريشة : يا خوانا افهموا بقى … عصر المغنى بتاع زمان راح … أصوات الرجالة الخشنة خلاص … إحنا في عصر توني وموني وممُّودي!
شحتة : والدقة اللي عاملها الأخ ريشة بنت هذا العصر بنت هَذُهَا اللحظة … دق يا ريشة!
فتحية : اسمعوا يا ولاد تعالوا … انتو الشباب … انتو المستقبل … حنرقص كلنا ع الدقة الجديدة (إلى أولاد البلد) وانتو كمان! كلنا حنرقص رقص شبابي البنت فيه زي الراجل.
سمونة : والراجل زي الست!
شحتة : دق يا ريشة.
(أغنية من أغاني الكاسيتات الحديثة، إيقاعها جاهز على الأورج، ولحنها يسير لا يكاد يبين.)
الزربون (يغني) :
ياللي خَبَطت الإكْصدام
وَكَسَرْت فانوس الغرام
ليه المعاتبة والملام
هات سمكري الشوق والهيام
وتَعَال صَلَّح غَلطتك
ياللي رميت مُسْمار غَرَامْ
فَرْقَع لي فَرْدَة فِي مُهْجِتِي
هَات الكُريك هاتِ اللحامْ
واستبن تاني لِشَنْطِتي
وتَعَالَ صَلَّح غلطتك
سمونة : الله ينور عليك يا زربون … أغنية واقعية …
شحتة : هو بيشتغل ميكانيكي؟
الزربون : محسوبك سواق درجة أولى … وميكانيكي برضه!
فتحية (إلى عتريس وعبد الله) : فهمتوا بقى الناس عايزة إيه؟
عبد الله : طب اسمعيني بقى واحكمي … (يغني):
أنا كنت فنان وضاع بختي ورِسْمالي
نِزِلت سوق الحياة بهدلت فيه حالي
وَرَاهنت ع الآخرة … راحت كُل آمالي
وقلت أصبُرْ … يَجُوز الجَو يصفى لي
شكوني حتَّة جَوَازة صُقْع في العَالِي
طبيت أسير الهَنَا يَا رَبِّ كَانْ مَالِي!
(يصفق الجميع بينما ينتحي عتريس بفتحية.)
عتريس (لفتحية) : أنا دخلت عبد الله في اللعبة … هو في إيده الأوراق وحايقدر يخدمنا تمام … (هامسًا بعد أن يَسْحَبَها إلى مقدمة المسرح) المهم تقنعي صاحبنا يديكي الفلوس الليلة بأي طريقة … لازم المشروع يقف على رجليه بأي ثمن … بس حاسبي يا توحة.
فتحية : ما تخافش عليَّ يا عُطْعُط.
عتريس : إتكلي على الله انتي بقى … وانا حاخليني مع عبد الله والجماعة لحاد ما ترجعي.
(تتسلَّل فتحية خارجة.)
(إلى جمهور المولد) اللي عايز ديسكو ييجي الناحية دي … واللي عايز مَغْنى بلدي الناحية دي.
عبد الله : وأنا معاكم للصبح.
ريشة : وانا حادق ديسكو للصبح.
سمونة : إحنا عايزين بلدي …
الزربون : واحنا عايزين ديسكو
سمونة : يبقى حنقلبها ضلمة …
الزربون : وانا حادشدشها على نافوخك.
سمونة : إنت تدشدشها انت؟
عبد الله : ياخْوانا موش كده أمال.
ريشة : بلاش مغنى خالص.
الزربون : بلاش ازاي؟ دق يا ريشة.
سمونة : غني يا عبد الله.
(تبدأ خناقة بالحركات الصامتة ثم تتوقف الأصوات، وتستمر الحركات، ويسقط الممثلون مصابين بالجروح.)
(إظلام.)

المشهد الثامن

(الدرويش تدخل عليه فتحية.)
فتحية : مولانا! اتأخَّرت عليك؟!
أبو صباع : أنا عارف إنك انشغلتي في المولد … خير؟
فتحية : كل خير يا مولانا … موش عارفة أبدأ ازاي.
أبو صباع : البداية هي البداية … وانتي قلتي الصبح إن فيه موضوع عمل … يبقى نبدأ بالعمل.
فتحية : يبقى نقول بسم الله … الموضوع وما فيه إن احنا عايزين نعمل شركة كاستات.
أبو صباع : أستغفر الله العظيم.
فتحية : لإنتاج الأغاني الشعبية … والتواشيح والأوراد والمدايح.
أبو صباع : اللهم صلِّي على كامل النور.
فتحية : عليه الصلاة والسلام.
أبو صباع : وبعدين؟
فتحية : وبعدين عايزين نعمل شركة!
أبو صباع : مانتي قلتي … يعني إيه؟
فتحية : يعني نشترك!
أبو صباع : عايزة فلوس يعني؟
فتحية : عايزة شركة مولانا.
أبو صباع : والمطلوب مني انا … فلوس؟!
فتحية : المطلوب شركة يا مولانا.
أبو صباع : بقى معقول راجل زيي يعمل شركة موسيقى؟
فتحية : مافيش حد غيرك يا مولانا! خصوصًا بعد ما قريت كتير ودرست كتير … الكتب بسم الله ما شاء الله تسد عين الشمس.
أبو صباع : وإيه دخل القراية بالشركة؟
فتحية : مولاي اتغير … اتغير كتير.
أبو صباع : لا لا … أنا طول عمري …
فتحية : ما تأخذنيش يا مولانا … أنا باشتغل غازية … لكن اعرف زي بتوع المدارس … واكتر.
أبو صباع : إنتي جاية تديني درس؟
فتحية : العفو يا مولانا … لكن انا عارفة ان جواك فنان كبير … قلبك بيحب الفنون كُلَّتْها … المغنى والرقص والموسيقى والتمثيل … ولولا اني عارفة ومتأكدة ماكنتش فاتحتك.
أبو صباع : أستغفر الله … أنا حياتي وهبتها للخير …
فتحية : والفن أعلى مراتب الخير … دانت بقيت تعرف كل حاجة يا مولانا … وهو معقول واحدة زيي حتعرف اللي انت تعرفه؟
أبو صباع : بس انتو إمكانياتكو الفنية محدودة.
فتحية : بالعكس يا مولانا … إنت ما تعرفش عظمة المعلم شنشال والفنانين شحتة وريشة ومنيرة وسعدية … زمان المغنى كان طرب وبس … لكن النهارده بقى معاني وحاجات عالية.
أبو صباع : المَغْنى هو المَغْنى … لَهو ولعب!
فتحية : فشر! طب اسمع الكلام ده وقول لي رأيك …
أبو صباع : كلام إيه؟
فتحية : اسمع التلحين الجديد … والدقة الجديدة!
(تدخل الراقصات وتُدق ألحان جديدة كالموشحات.)
(تغني):
لا تَقُلْ غَابَ وانْحَسَرْ
لا تَقُلْ رَاحَ وانْدَثرْ
فالذي غابَ لَمْ يَزَلْ
حاضِرَ الرُّوحِ والفِكَرْ
دَائِمَ الخَفْقِ حَائِمًا
يَنْفُثُ الروح في الصورْ
وَلَهِيبًا يَئزُّ في
كل شوق إذا بَدَر
وأريجًا يضوع في
نَسمات الصَّبا العَطِرْ
ولذا أَعْشَقُ اللَّيا
لِي وأَنْدَاحُ فِي السَّحَرْ
هبَّةُ الريح في دمي
وَصَدَى بَسمَة الزهرْ
وضياءٌ بكلِّ عَيْـ
ـنٍ به يُبْصِرُ البَصَرْ
مِنْ هَوَاهُ انْتَضَيْتُ قَلْـ
ـبًا بِهِ أَعْشَقُ البَشَرْ
(تنسحب الراقصات.)
أبو صباع : شعر ركيك … لكن الدقة حلوة!
فتحية : التجديد هو الروح … واديك شفت وسمعت.
أبو صباع (كأنما لنفسه) : ممكن أعلمه للقيان … ممكن أعمل ثورة في الحريم! بس الشعر ركيك … غاوية الست دي كلمة «انداح» … (إلى فتحية) إنتي استخدمتي الكلمة دي قبل كده!
فتحية : مولانا … (في رقة) أنا معتمدة على الله وعلى ذوقك في الشعر والمغنى … داحنا ممكن نعمل ثورة في الموسيقى الشرقية!
أبو صباع : تفتكري القيان حيقبلوه؟
فتحية : قيان مين يا مولانا؟ ما عندناش هنا قيان!
أبو صباع : لا لا لأ هناك! الجواري يعني … والله لاخلي العبيد يِحَفَّظوه لهم بالكرباج!
فتحية : مولانا انت بتتكلم عن إيه؟ هنا مافيش جواري ولا عبيد! ولا عمر كان عندنا في مصر جواري ولا عبيد!
أبو صباع : بس زمان بقى.
فتحية : أيوه زمان … بس مش عندنا.
أبو صباع (يجري إلى بعض الكتب ويحضرها إليها) : شوفي … أهه … أهه.
فتحية : دي كتب عن مصر؟
أبو صباع : لأ … إنما …
فتحية : يبقى نعمل الشركة (في رقة) إنت ممكن بخيالك تعيش في الماضي … لكن ما تقدرش تغيره … اللي تقدر تغيره هو الحاضر!
أبو صباع : بس شركة مش ممكن.
فتحية (تقترب منه في عزم وتصميم) : الشركة حلال … والشركاء لما يكونوا راضيين عن بعض … وقريبين من بعض … ومبسوطين من بعض … مولانا (في مواجهة) إنت راضي عني؟
أبو صباع (في اضطراب رهيب) : يا … بنتي … يا … أنا … أَصْلي … أنا …
فتحية : لما نشترك … وتثق فيَّ … وتطمن لي … وترضى عني … (المواجهة صريحة) إنت راضي عني؟
أبو صباع : يا بنتي …
فتحية : بلاش بنتي دي …
أبو صباع : إنتي … أنا …
فتحية : أيوه تمام … إنتِ وانا … شُرَكا … شغل واحد … مال واحد … حياة واحدة …
أبو صباع : دا بين الأز… (يتردد قبل نطق الكلمة) الأز… الأزواج بس!
فتحية : العفو يا مولانا … هو انا قد المقام؟!
أبو صباع (في ذهول) : مقام … مقام … قصدك إيه؟
فتحية : قصدي هو انا في ديك الساعة لما نبقى أز… أز…واج؟
أبو صباع : أنا اتجوزك؟
فتحية : إنت بتعرض عليَّ … وانا … الدنيا طايرة بيَّ …
أبو صباع : نتجوز؟ ازاي؟
فتحية : في الشركة يعني!
أبو صباع (منهارًا تمامًا، يبلع ريقه بصعوبة) : في الشركة؟ أي شركة؟
فتحية : إنت راضي عني يا مولانا؟ مبسوط مني؟
أبو صباع : فتحية!
فتحية : مولانا.
أبو صباع : بلاش مولانا دي.
فتحية : عاجبك فني … عاجبك صوتي … عاجبك ذوقي.
أبو صباع (يتقدم منها في حماس) : أنا … إنت طلعتيلي منين؟ … تعالي هنا …
فتحية : لا لا لا يا خبر … بعدين يا مولانا.
أبو صباع : ما قلنا بلاش مولانا دي.
فتحية : وانا قلت بعدين.
أبو صباع : لما نتجوز؟
فتحية : نتجوز؟ يا خبر! مش لما نعمل الشركة الأول؟
أبو صباع : نعملها ونعمل أبوها … (صارخًا) واد يا عتريس! عتريس! يا عتريس الكلب!
(يدخل عتريس ومعه أوراق.)
إنت رحت فين؟ هات صور عقد فورًا … وصور إخطار بنوك.
عتريس : أنا جاهز يا معلمي.
أبو صباع : تعمل عقد تأسيس شركة فنية باسم الهانم … عايزه يكون جاهز للتسجيل من بكرة … وخلِّي الواد عبد الله يتأكد من الصيغ القانونية …
عتريس (من باب جس النبض) : هو عبد الله حيخش معانا يا مولانا؟
أبو صباع (يستعيد رباطة جاشه) : لازم … دا محامي … ومثقف … ومخلص …
عتريس : موش نسيبه كام يوم كده يتهنَّى بالجواز؟
أبو صباع (مقاطعًا) : لا لا لا … خد وصَّل فتحية هانم للوكالة … موش عايز حد يشوفها خارجة من عندي … (يعود للدروشة رسميًّا) إحنا … إحنا ربنا وفقنا لما فيه الصالح الليلة … بركة مولد سيدنا السلطان … (كأنما يلقي خطبة) قررنا تكوين شركة إنتاج كاسيتات فن شعبي … حنبدأ بالمدائح والتواشيح والابتهالات … وحنركز على الأصول الثقافية العريقة.
فتحية : قصدك إيه يا مولانا؟
عتريس : دا الكلام اللي حينكتب في عقد التأسيس يا ست فتحية … ما تخافيش … كلام نقاد.
فتحية : يعني ونغني اللي احنا عايزينه؟
عتريس : إنتو تعملوا اللي انتو عايزينه … واحنا نكتب الكلام الصَّح.
فتحية : طب يالله بينا بقى … الجماعة حيستعوقوني.
عتريس : يالله … ميعادنا بكره إن شاء الله … واسلمها انا بقى الشيك؟
(تخرج فتحية وعتريس.)
أبو صباع : طبعًا طبعًا.
أبو صباع (وحده على المسرح) : وطبعًا نِخلُّو الجوازة دي في السر! نشوفوا لها شقة في اسكندرية والا نخلو الشقة هي مقر الشركة؟ (في منتهى السعادة) هم القيان راحوا فين؟ آه لو شافتهم فتحية … والَّا لو شافوها! والَّا لو شافتها الشهباء! يا ترى ممكن آخدها معايا؟ والا آخد الواد عبد الله؟
(تدخل الهوانم ومعهما مفيدة وعبد الله، وقد بدت عليه آثار المعركة، رأسه مربوط وذراعه مربوطة وحول عينَيه سواد.)
الهوانم : العريس اتكسَّر!
مفيدة : بقى شُرُك!
أبو صباع : خير يا عبد الله … إيه اللي حصل؟
عبد الله (ما زال يتألَّم) : الجماعة عجبهم صوتي … هاجوا!
أبو صباع : إنت غنِّيت في المولد؟
عبد الله : قلَّة عقل يا مولانا.
أبو صباع : مش عيب مستشاري القانوني يغني في المولد؟
عبد الله : دا الناس كات فرحانة قوي.
مفيدة : ما يلزمنيش.
الهوانم : عايزة واحد سليم.
أبو صباع : إيه الكلام ده انتي وهي … سليم إيه ومكسر إيه؟
مفيدة : دا بيزك على رجله.
أبو صباع : بكره يصحى … بكره يبقى جديد نوفي.
مفيدة : ما يلزمنيشي.
أبو صباع : خلاص … نأجِّل الفرح … اتفضلوا …
الهوانم : يبقى نخلِّيه عندك لحد ما الكسور تتلحم.
أبو صباع : ماشي … اتفضلوا … مع السلامة …
(تخرج النساء في خطوة عسكرية.)
تعال هنا يا عبد الله! أنا عارف ان عتريس قال لك ع الشركة!
عبد الله (خائفًا مترقبًا) : هو الحقيقة … يعني …
أبو صباع : اسمع … اسمعني كويس وافهمني كويس … أنا عارف إنهم قالولك إن أنا أبو صباع.
عبد الله (محتجًّا في ضراعة) : مولانا! (لكنه لا يجيد التمثيل.)
أبو صباع (مستمرًّا) : وإن عتريس كشف لك اللعبة من طقطق لسلامو عليكو …
عبد الله : هو قال كلام كده لكن أنا …
أبو صباع : صدقته! لأنه هو الكلام الصح! الكدب مالوش رجلين! ومهما لعبت ع الناس بتكشفني! أنا ما بانكرش إني غلطت … وباغلط! تركيبتي كده! لكن من يوم ما اكتشفت الماضي وجماله … وأنا عايش في دنيا ما حدش داري بيها … وان شاء الله ناوي أروح لها … ويا رجع يا ما ارجعش!
عبد الله : دنية إيه يا مولانا؟
أبو صباع : دنيا التاريخ … الماضي اللي لا يمكن يتغير … كان نفسي أعيش حياة حقيقية ما فيهاش تمثيل … لكن فن الصنعة بيغلب … بدأت بالتمثيل على الناس … وعتريس بيمثل عليَّ … وفتحية … وأنا بامثل عليهم … والهوانم! وانت …
عبد الله : لا … موش أنا يا مولاي!
أبو صباع : اسمع … في التمثيل زمان كان البطل يواجه واحد يكشفه … لكن أنا باكشف نفسي … لأني شايف شبابي فيك … وبحبك وخايف عليك … من إيه … اسألني! تعالى معايا أوريك أنا وصلت فين في الدنيا بتاعتي … (يعطيه كتابًا) افتح صفحة ١٢٤٥ … ما تخافش!
(فجأة تُسمع ضجة ودقة صنج عالية، ويدخل حنظلة ومعه المنذر والفاتح ورهط من الحرس.)
الفاتح (صائحًا) : آن أوان دحرجة الرءوس!
المنذر : مولاتي صفحت عني! (باكيًا) مولاتي وهبتني حياتي!
حنظلة : تريَّث يا فاتح حتى تأتي الشهباء!
الفاتح : لقد عصى الأمر وليس للعاصي سوى القتل!
حنظلة : إذا كانت صفحت عنه فله أن يحيا!
الفاتح : ولماذا لم تأخذوا إليها الرومي؟
حنظلة : لقد أَمَرَتْ بأن يُصبحَ معلمًا للقيان … ومعنى ذلك أن يدخل على الحريم.
أبو صباع (إلى عبد الله) : سمعت؟ حابقى معلم القيان!
عبد الله : وبيقولوا عليك رومي ليه؟
أبو صباع : مش عاجبهم الكلام بتاعنا! فاكرينا خواجات.
الفاتح : إذن فلا بد له أن يستعد.
حنظلة : هل آخذه إلى الجرَّاح؟
الفاتح : ليس في هذا شك!
أبو صباع (داخلًا المشهد التاريخي) : جرَّاح إيه يا جدع انت؟ دانا في أتم صحة وعافية! دا مؤكد فيه غلط … لازم حصل لبس أو التباس … بص عندك في الكشوف كويس … اقرا الأسماء.
(يدق صنج وتدخل الشهباء، ووراءها جاريتان رائعتان.)
أهي الشهباء! اسألوها!
عبد الله (هامسًا) : هي دي الملكة؟
أبو صباع (هامسًا) : دي مرات الخليفة … ومعجبة باخوك إعجاب تمام!
عبد الله : ودول الجواري اللي حتعلمهم؟
الشهباء (إلى الفاتح) : لماذا لم تحضروا الغريب إلى القصر؟
المنذر (ضارعًا) : مولاتي! لقد عفوت عني بكرمك وعطفك! وأنا مدين لك بحياتي …
الشهباء (إلى الجاريتَين) : فرعاء! جيداء!
الجاريتان (معًا) : مولاتي!
الشهباء : هل فيكما من تشتري المنذر؟
(تتفحصانه جيدًا.)
الجاريتان : نفحصه أولًا يا مولاتي!
المنذر : أنا المنذر بن قاطع بن فاقع بن باتع بن واقع من تغلب من بكر من وائل!
الجاريتان : عربي النسب!
المنذر : وأجيد ضرب السيف!
(يختطف سيفًا من أحد الحراس، ويلعب به في الهواء، ثم يهدد الآخرين فيخافون، ويثير الذعر بين الحضور ثم ينطلق هاربًا.)
حنظلة : هرب المنذر يا مولاتي!
الفاتح : لم يُطِق أَن تشتريه جارية!
حنظلة : فارس ذو غشمشمة!
الشهباء (صارخة) : وهل أنتم رجال؟ يفر الأسير قبل أن أبيعه؟ أيها الحراس … لقد أهدرتُ دمه! طيروا الخبر ولا أريد أن تَغْرُبَ شمس هذا اليوم دُونَ أَن يكون رأسه لَديَّ!
(يخرج حارس واحد.)
عبد الله (مذعورًا) : بس الشمس غربت من بدري!
أبو صباع : دا عندنا احنا هنا في أبو الريش.
عبد الله : يعني هناك لسه نهار؟
الشهباء : من تحادث أيها الغريب؟
(الواضح أنهم غير واعين بوجود عبد الله، لا يرونه أصلًا.)
أبو صباع : أنا أحادث عبد الله!
الفاتح : هل نأخذه إلى الجرَّاح يا مولاتي؟
الشهباء : وهل في هذا شك؟
أبو صباع : يا مولاتي دانا صحتي بُمْب وزي الفل … لزومه إيه الجراح؟ ثقي فيَّ … والا انتو عايزين شهادة قومسيون؟
الجاريتان : إن صوته رخيم …
الشهباء : سوف يعلِّمكنَّ الغناء.
الجاريتان : ما أَسْعَدَنَا به!
أبو صباع (إلى عبد الله) : شايف الحلاوة؟
(يتجمد الآخرون أثناء الحوار التالي.)
ميزة التاريخ الجميل ده إن الواحد بيعيش فيه عمر تاني … أو أعمار تانية على رأي العقاد … وبعدين دول ناس عرفوا يعيشوا … آدي الجاريتين اللي حاعلمهم الغنا والشعر … ووراهم حريم ملْو القَصْر تبع الخليفة … كُلُّهم سَبَايَا حرب … أصبحوا مِلْك يمينه … لو انا طلبت واحدة مش حيبخل عليَّ … ولو ان آخر مرة طلبت رباب دخلني السجن!
عبد الله (مذهولًا) : دخَّلك السجن في التاريخ؟ إزاي؟
أبو صباع : ما هي دي حلاوة التاريخ! تدخل وتخرج زي ما انت عايز … وعشان كده الواحد لازم يحط حدود وما يزودهاش … والَّا ما يعرفش يرجع للحاضر ويعيش في الماضي على طول.
عبد الله : سيادتك علامة لازم!
أبو صباع : ولا علامة ولا حاجة … أنا بس ممثل عظيم!
عبد الله : أنت مثل أعلى … وانا سعيد إنك استأمنتني على الفلوس ووريتني مطرحها.
أبو صباع : إنت معدن دهب يا عبد الله … واوعى تنسى إن الحياة تمثيلية … (مشيرًا إلى باقي الممثلين) شايف واقفين ازاي؟ يتحركوا بس لما اعوز.
عبد الله : بس التاريخ له قوته … وممكن يتحرك غصبًا عنك!
أبو صباع : طب شوف! (إلى الجاريتَين) أنا المعلم الجديد!
(يعود المشهد إلى الحركة.)
الشهباء : خُذُوا العبد من فَوْرِهِ إِلى الجرَّاح.
أبو صباع : ما قُلْنَا بلاش الجراح ده!
الشهباء : لا بد من جراحة تأمين!
الفاتح : لن تستغرق ساعةً يا مولاتي … هاتوا العبد!
أبو صباع : عبد في عينك راجل ماتختشيش! أنا داخل التاريخ راجل حر … ألهو بالقيان والجَوَارِي وأتمتَّع بأطايب الحياة.
الشهباء : الأسير عبد حتى يُفتدى أو يُستبدل.
حنظلة : وقد انقضى وقت افتدائك أو استبدالك.
الفاتح : ولا بد من جراحة التأمين … لا تخشَ شيئًا يا رومي! ما دمت ستقيم مع الحريم … فلا بد من تأمينهن منك.
أبو صباع (يفهم أخيرًا) : يا نهار أسود! تأمنينهم مني! يا نهار موش فايت! إنتو حتعملوا فيَّ إيه!
(يهجم عليه الحراس ويقيِّدونه.)
موش ممكن يا ناس! ما ينفعش! حرام عليكم! حارفع عليكم قضية! هي فوضى؟ فين الخليفة؟ أنا حاشتكي للخليفة! (يضحك الجميع) فُك وثاقي أيها الصعلوك … (يحاول التملُّص منهم وهم يحكمون قبضتهم عليه ثم يضعون القيود في يدَيه وسلسلة في قدمه) عبد الله! عبد الله! إنت فين يا عبد الله؟
(يتجمد مشهد الماضي.)
عبد الله : أنا هنا يا مولانا!
أبو صباع : أنا الظاهر اتزنقت في التاريخ وموش عارف ارجع.
عبد الله : أقفل الكتاب يا مولانا؟
أبو صباع (بسرعة) : احرقه … قطعه حتت.
(يبحث عنه دون جدوى)
عبد الله : الكتاب ضاع يا مولانا!
أبو صباع : أرجوك يا عبد الله … إنت عارف حيعملوا فيَّ إيه؟
عبد الله (يضحك رغمًا عنه) : عارف يا مولانا!
أبو صباع : لازم تلاقي الكتاب … لازم تحرقه بالنار … قطَّع كل الكتب اللي عندي!
عبد الله : والكتب ذنبها إيه؟ التاريخ موجود بره الكتب … موجود في عقول الناس … في وعيها … في مشاعرها.
أبو صباع : بلاش فلسفة يا روح أمك … احرق الكتاب بقول لك … لازم حصل خلط وافتكروني واحد تاني.
عبد الله : استعن على الشدة بالله!
أبو صباع : يا مُفرج الكروب يا ألله!
(يعود المشهد إلى الحركة.)
الفاتح : امضوا به … هيا يا حراس …
الشهباء : أريدُ أنْ أَخْتَلِيَ به بعد الجراحة!
(يبدأ الجميع في الخروج ويتركون عبد الله وحده.)
عبد الله : ضاع أبو صباع! لكن الدرويش ما ضاعش … الدرويش موجود … ولازم يفضل موجود.
(إظلام.)

المشهد التاسع

(الجو يوحي بنور الصباح، الخلوة، المسرح خالٍ إلا من معدات بسيطة توحي بأنها خلوة أبو صباع، يُسمَع طرق شديد على الباب فيدخل عتريس مغالبًا النوم، كأنما استيقظ لتوه ليفتح الباب.)
عتريس : طيب طيب جاي أهه.
(يدخل رجلان.)
عليوة : سلامو عليكم.
عتريس : وعليكو السلام … خير؟
حسين : كل خير يا عتريس يا خويا!
عتريس (يتثاءب) : إيه اللي مصحيكو م النجمة؟ انطقوا … قولوا …
عليوة : يا أخي جول اتفضلوا … نعملوا لكم شاي …
عتريس (نافد الصبر) : لا إله إلا الله! يا خوانا انا مانمتش ساعتين على بعضهم امبارح.
حسين : واحنا ما نمناش … إنما جينا نتأكدوا.
عليوة : أصل بيجولوا الدرويش سافر!
حسين : أنا سمعت إنه طلع فوق … سبحان الله!
عتريس (يكون النوم قد ذهب عنه تمامًا) : بتقول إيه يا راجل انت وهو … طلع إيه ونزل إيه؟
عليوة : هم جالوا سافر … سألنا في الموجف … عند المرور … جالوا ما حدش خرج م البلد امبارح … سألنا في المعدية … جالوا ما حدش عدى البحر …
حسين : يبجى لازم طلع فوق …
عليوة : ما احنا عارفين حالاته اللي بيطلع فيها.
حسين : بيطلع للملكوت … آمنت بالله … وينزل تاني!
عتريس : بس بلاش كلام فارغ … الدرويش موجود وان كنتو عايزين حاجة أنا تحت أمركم …
عليوة : عايزين فلوسنا!
عتريس : فلوسكم! يا نهار موش فايت.
حسين : الدرويش اللي جال … جال لنا تيجوا بكره تلاجوها زادت سبع مرات!
عليوة : آمنت بالله العلي العظيم …
عتريس (يحاول أن يسترجع رباطة جأشه) : طب اتفضلوا … أنا حانادي لكم الدرويش … (في استسلام) واشربوا شاي بالمرة بقى!
(تدخل فتحية في اضطراب واضح.)
فتحية : صباح الخير!
عتريس : أهلًا بست الكل! إنتي كمان صحيتي بدري؟
فتحية : أنا ميعادي مع الدرويش دلوقتي.
عتريس (إليها جانبًا) : على الله كل حاجة تكون تمام.
فتحية (جانبًا إليه) : والله موش عارفة يا عتريس.
عتريس (جانبًا) : دانتو عاملين العقد قدامي … والفلوس مدفوعة بشيك قدامي.
فتحية (جانبًا) : مش عارفة! قلبي حاسس إن مصيبة حصلت.
عتريس (جانبًا ثم بصوت عالٍ) : يا شيخة روقي وفَرْفِشي … (عاليًا) إحنا صباحنا نادي وفُل … (صارخًا) فين ياد الشاي والذي منه؟ (صارخًا) وَلَه!
(يدخل غلام بصينية عليها شاي.)
(تدخل الهوانم الثلاثة تفيدة وإفادات ومفيدة.)
الهوانم (معًا) : الدرويش راح … فص ملح وداب … لازم حصلت له مصيبة.
عتريس : مش ممكن يا هوانم … زمانه جاي.
الهوانم : إحنا عارفينه … تلاقيه راح في داهية والا حاجة.
عتريس : يا هوانم اتفضلوا … زمانه جاي بقول.
الهوانم : اخرس … راجل حمار.
عليوة : طب وفلوسنا؟
حسين : والأرباح الحلال؟
فتحية : أنا عارفة ان الدرويش راجع … الدرويش لا يمكن يختفي.
الهوانم : وانتي دَخْلِكْ إيه؟ يا حُرمة يا بِجْحَة يا مكشوفة … يا صايعة يا ضايعة يا مهفوفة … يا مخلَّعة يا مقَصَّعَة يا مَسْفُوفة.
فتحية : يا هوانم حقكم عليَّ.
الهوانم : يا عرَّة يا فرَّة يا سَفْسُوفَة! يا ساهية يا داهية يا ملهوفة …
عتريس (منفجرًا) : يا خوانا خلاص بقى … يالله بينا ع البيت.
الهوانم : البيت بيتنا والمطرح مطرحنا … دخلك ايه انت يا زَلَنْطَحِي يا أونْطَجِي يَا فَلْحُوس … يا قَرْعَجِي … يا عربجي يا متعوس!
(يعلو الضجيج خارج الخلوة، ويدخل رجلان في حالة هياج ووراءهما رجال.)
سمونة : الناس بره بتقول الدرويش هرب!
الزربون : بيقولوا خَد فلوس الناس وكَت!
فتحية : عيب ما تقولش كده على سيدنا الدرويش!
سمونة : الناس حَيكَسَّروا البيت يا ست فتحية!
الزربون : وحياة دي النعمة (مشيرًا إلى صينية الشاي) (ثم بلهجة رقيقة) واحلف بالدقة الحلوة (وفي حالة سعادة) ومزيكة المولد النغشة …
الهوانم : اختشي يا مُخَنَّث يا مُؤَنَّث … يا شايب وعايب … يا حاير وباير …
سمونة : يا عيني ع الشعر الجميل.
(يدخل الرجال إلى الخلوة.)
عتريس : أهلًا باولاد بلدنا الجدعان! (إلى فتحية) والعمل يا ست فتحية؟ (في ذعر حقيقي) ما داهية يكون عملها وهرب!
فتحية : فال الله ولا فالك يا عتريس!
(الرجال يصيحون: عايزين فلوسنا … عايزين فلوسنا.)
عتريس : يا خوانا عيب موش كده … مش في الخلوة بتاعة الراجل الصالح!
(فجأة يدخل عبد الله مرتديًا زي الدرويش وكأنه أبو صباع تمامًا.)
عبد الله : السلام على من اتبع الهدى.
(الكل يهمس في دهشة: الدرويش! الدرويش!)
أهلًا بِكُم في خلوة البِر والصلاح!
عتريس (هامسًا في دهشة وذعر) : إنت … إنت مين؟ إنت اتغيَّرت خالص! (يتفحصه) إنت مش أبو صباع!
عبد الله (في نبرات ثقة مخيفة) : فَتَّح عينك يا عتريس كويس! لا تَكُنْ أعمى البصر والبصيرة! أنا عمك الدرويش … «وأغشيناهم فهم لا يبصرون» … «وعلى أعينهم غشاوة» صدق الله العظيم.
الهوانم (معًا) : مالك اصفريت واخضريت وازرقيت.
عبد الله : صَمْتًا يا ذوات الألسنة المشقوقة … (صارخًا) اصمتن وإلا طَلَّقْتكُن جميعًا!
الهوانم (معًا) : عيني علينا وعلى حوالينا … إحنا وَلايَا ومين لينا!
عبد الله (صارخًا) : اخرجن على الفور … هذا أوانُ جد لا هزل.
(تتوارى الهوانم.)
عليوة : إحنا جينا نتبرَّك بمولانا ونسأله …
عبد الله : عارف! فلوسكم زادت سبع مرات … خُذُوا … عدُّوا … (يلقي إليهم بزمبيل مليء بالأوراق المالية) عد يا حسين انت … عليوة حمار … مالوش في العدد!
حسين : يا منت كريم يا رب …
(ينهمك في عد النقود.)
عبد الله : واللي عايز فلوسه قبل ما تزيد يقول.
سمونة : زادت سبع مرات؟!
الزربون : يا بركة مولانا الدرويش!
عبد الله : مين عايز فلوسه قبل ما تزيد؟
(صمت متوتر وهمس بين الرجال.)
عبد الله (مستمرًّا) : الحاج غضبان شعير ساب ألفين امبارح … النهارده بقوا أربعتاشر … خد! (ويلقي إليه بصرة) والباقي لسه فلوسهم بتزيد!
سمونة : أنا حاستنى لما تزيد!
الزربون : لو سمح مولانا نستنى شوية!
عليوة : واذا رجعنا الفلوس دي … يعني (يتهامس مع حسين) ممكن تزيد؟
عبد الله : كُلُّه في علم الغيب … ماذا يدري الإنسان عن مصيره … وماذا يعلم عما كُتب له! إحنا يا اخواني ضيوف في هذه الدنيا … وأموالنا قرض حسن من الله سبحانه وتعالى … وبالأمس كنا نفكِّر … والله هو المدبِّر أسبغ عليَّ الشباب … وأعادني إلى الحياة في هذا الزمن … ومضى عني الشيب … مضى الشيخ القديم الذي كان يعيش في الماضي … وحلَّ مَحَلَّه شَابٌّ يعرف الله ويقدره حق قدره … قولوا معي … لا إله إلا الله.
(الجميع يردِّد: لا إله إلا الله.)
حسين : لو سمحت … خلي الفلوس عندك … يمكن تزيد.
عليوة : وان مازادتش مش مهم.
حسين : كفاية إنها عند الراجل الطيب.
عبد الله : مين عايز فلوسه؟ حد عايز فلوسه؟
حسين : اتفضل! (يلقي إليه الصرة.)
سمونة : خليها عندك.
الزربون : أنا عايز بركاتك!
(الناس تهمهم في سعادة.)
عبد الله : ودلوقتي بقى … اتفضلوا كلكم … خدهم يا عتريس على برة … لا … خليك انت هنا … إنت والست فتحية …
(يخرج الجميع ما عدا عتريس وفتحية.)
فتحية (في تردد) : أنا في حلم والَّا في علم؟!
عبد الله : الحياةُ الدُّنْيا حلم طويل!
فتحية : أنا ودني ما يخيلش عليها الصوت الغلط … إنت (بعد تردد) عبد الله!
عبد الله : أنا الدرويش!
عتريس (في حالة ذهول) : والمعلم؟ المعلم راح فين؟
عبد الله (في لهجة صارمة مخيفة) : وانا مش عاجبك يا عتريس؟ أنا دلوقتي في إيدي كل حاجة … الفلوس والأوراق … وأهم من ده ومن ده … الأسرار!
عتريس : زي ما يكون قلبي حاسس … (رغمًا عنه تفلت صيحة) يا بن القرندلي! لحقت تكوِّش ع العملية؟
فتحية : اتحشم يا عتريس …
عتريس : دا عبد الله يا توحة … عبد الله المحامي … المغنواتي.
عبد الله : يعني عايز تقطع عيشك؟ عايز تتكل على الله؟
عتريس (في ذهول مرة أخرى) : أقطع عيشي؟ أبو صباع فين؟ إنت قتلته؟ (خائفًا) عملت فيه إيه؟
عبد الله : حاشا لله! (في لهجة عميقة مخيفة) أبو صباع كان الحلم وانا العلم …
فتحية : لكن دا أنا كنت معاه امبارح … وكلمته وكلمني …
عبد الله : قَصْدِك كلمتيني وكلمتك واتفقنا على الشركة والجواز … أقول لك قلنا إيه بالضبط؟
فتحية (تختلط عليها الأمور) : أرجوك أنا … موش عارفة أقول إيه … أنا الظاهر ما نمتش كويس!
عبد الله : لا … نمتي كويس قوي … اللي انتي قابلتيه وكلمتيه كان درويش وعد يديكي الفلوس … والفلوس أهه … (يسلمها شيكًا) والعقد أهه … (يسلمها العقد).
عتريس (في نفس الحيرة) : يا ناس نافوخي حيفرقع! مش أنا اللي أخدت لك العقد عشان تمضيه وتوضبه؟
عبد الله : أنا اللي عطيت لك العقد … (فترة صمت) عايز تسيبني وتشتغل في حتة تانية؟
عتريس (بسرعة) : وده معقول يا معلمي؟
عبد الله (يضحك) : يبقى كده اتفاهمنا.
فتحية : بس أبو صباع …
عبد الله : أبو صباع يا فتحية كان فكرة … درويش … والناس عايزة درويش …
فتحية : لكن انت عبد الله … ودلوقتي عامل درويش.
عبد الله : زي ما انتي عاملة غازية! كلنا بنعمل … يعني بنمثل والا بنقول … احنا مين.
عتريس : هو معلمي الدرويش … هو أنا حاغيب عنه؟
عبد الله : شفتي عتريس لبس الدور ازاي؟ عتريس طول عمره بيمثل … بس أصله مش ممثل عظيم … الممثل العظيم هو اللي يقتنع بدوره لحد ما يعيش فيه … ويضيع فيه … (صمت) وده اللي حصل لأبو صباع …
فتحية : ضاع في إيه؟
عبد الله : أبو صباع رجع للماضي واختفى فيه … نُصه كان هنا … اللي هو انا … ونصه في الماضي … وده اختفى.
عتريس : الهوانم ع الباب يا مولانا.
عبد الله (ضاحكًا) : آه … الهوانم! خليهم يخشوا.
(تدخل المنقبات الثلاثة.)
عبد الله : دلوقتي بقى عايزة تعرفي ازاي باعرض عليكي الجواز … وانا متجوز الجماعة دول؟
عتريس : اتفضلوا يا هوانم … اتفضلوا.
فتحية (في حرج) : تسمح لي أنا. (تتجه إلى باب الخروج.)
عبد الله : رايحة فين؟ لا لا لأ … دول مش غرب! برضه بيمثلوا … وما عندهومش مانع اني اتجوز … الجواز نص الدين … والا إيه يا جماعة … قولولها انتو مين …
(تخلع الهوانم البراقع فيبدو ثلاثة صبيان.)
فتحية : رجالة؟ موش ممكن!
عبد الله : وعشان كده الدرويش كان بيحلم بالجواز … عشان كده قالك … أفكرك أنا قلتلك إيه؟
فتحية : قدام الناس … يا دي الكسوف!
عبد الله : ناس مين؟ الولاد دول؟ دول ولاد أخويا.
عتريس : ولاد الحاج صبحي بتاع البر الغربي!
عبد الله : وبيموتوا في التمثيل.
الهوانم : وَلَايا وغَلابَا … كَلِتْنا الدِّيَابَا.
(يضحك الجميع.)
عبد الله : فتحية! الفنان مالوش الا فنانة … والفرقة فرقتي … وشغلها هو شغلي … إذا كنتي تقبلي …
فتحية : أقبل؟ أقبل إيه؟
عبد الله : تتجوزيني طبعًا!
فتحية : عايزني اقول إيه؟
عبد الله : ماتقوليش … أديكي قلتي … وحنفضل نمثل … البلد عايزة درويش … والناس عايزة مَغْنى … والجواز عايز شهود … فين الشهود يا عتريس؟
عتريس (يجري إلى الخارج) : حمامة يا معلمي!
(أثناء خروجه يصطدم بأعضاء الفرقة داخلين.)
استنى انت وهو … رايحين فين؟
فتحية : دول الفرقة يا عتريس.
عبد الله : وماله؟ عز الطلب! اسمع يا ريس شنشال … أنا والست فتحية حنتجوزوا الليلة … وحنعملوا فرح محترم … واللي حتحييه هي فرقة الفن الشعبي …
(إظلام وتعود الإضاءة على مشهد الرقص والغناء الختامي.)
فتحية :
شُوفُوا النَّعيم اللي بيرفْرَفْ عَلَى الدرويشْ
نَفْحَة مُباركة من التَّقْوى في أبو الريش
المولى بيحِبُّه وهيَّأ له صَنيع الخير
جمع النَّصَاحَة مع الإيمان وغيره ما فيش!
الزربون : حُطُّوا فلوسكُمْ تزيد عَنْدُه سبَع مَرَّاتْ
سمونة : قُول أَلف مرَّة ومين عارف رضا البركات!
عبد الله :
بالحب وحده أعيش وأطلب رضا الرحمن!
وبقلبي والإيمان حابادِلْكُمْ هَنَا وَإِحْسَان!
الزربون : هي الفلوس اللي تحيينا
سمونة :
وتحيي الحُب!
دا القلب لو غابت فلوسُه … يموت القلب!
عبد الله :
الفَقْر حشمة جميلة وستر يا ولْدَاه!
مين اللي قال إن أموال الغَنِي ترعاه؟
بالحب وحده ينال سَعْده وكُل مُنَاه!
منيرة (تغير النغمة) : الراجل يا بنات ما يعيبه … غير جيبه!
سعدية : والفقر اذا جَالُه نسيبه
منيرة : يلْقَى نَصيبه!
عبد الله :
ربي يكملكم بعقولكم يا بنات ويخليكم ليَّه
دا كلام ما يخلصش الدرويش … ولا فتحية!
فتحية :
اللي رماك ع الحب رماني … كَبَشْ وعَطَاني
مَال وسَقَانِي … بِخيره مَلانِي وكان حَلَواني
قولوا من تاني …
الجوقة : اللي رماك … إلخ.
فتحية :
جُوَّه عُيوني حلاوة فَرْحُه وَدُنْيَا أماني
باحْلَم فيها واداري بنورها جُرْح زَماني
قولوا من تاني …
الجوقة : اللي رماك ع الحب … إلخ.
فتحية :
أرضي رَوَاهَا بعَطْفُه الحَانِي … زَرَع بُسْتَانِي
غرَّد طيري … وفتَّح وردي … على أغصاني
قولوا من تاني …
الجوقة : اللي رماك … إلخ.
فتحية :
كُل ما خيرُه يزيد يديني … نَعِيم سُلْطَانِي
جاني بحبه جمال رَبَّانِي … وأخاف يِنْسانِي
قولوا من تاني
الجوقة : اللي رماك … إلخ.
فتحية :
ياللي مَلِيتْ بالعِز حَيَاتِي … وصُنْت كَيَاني
بِيك وَدَّعْت عَذَابِ الفَقْر ودُنْيا هَوَاني
قولوا من تاني …
الجوقة : اللي رماك … إلخ.
فتحية :
خايفة ان غبت أعود للوحدة مع أحزاني
أرجع أجُوع وأمد إيديه … وكاني وماني
قولوا من تاني …
الجوقة : اللي رماك … إلخ.
فتحية :
ربي يخليك دايمًا جنبي حِصْن أماني
أنا جَارية إحْسَانَك ليَّه اؤمر تلقاني
قولوا من تاني …
عتريس :
أنا ويَّا الهَانِمْ فَتْحِيَّة ف كُل كَلامها
المال هُوَّه عَصَب الدُّنْيا وفَتَى أحلامها!
فتحية (تغير النغمة) :
وَرِّينِي قِرْشَك تِنُول حُبك ومَقْصُودَكْ
ادْفَعْ وفَنْجَرْ تلاقي الدُّنْيَا ضَاحْكَة لَكْ
وان تاه حبيب غيَّره … قِرْشك يُقَفْ جَنْبَكْ
دا القِرش بيتَكْ إِذَا فَاتَك حَنَان أَهْلَكْ
المجموعة :
اللي في جيبُه قرش صاغ
يبْقَى يساوي قرش صاغ
عبد الله : والحُب راح فين والهيامْ؟
المجموعة : اسكت بلا قَلَبان دماغ!
فتحية :
إحنا بدينا بالغرام
وَخَوَتْنَا ناسنَا بالكلام
دلْوَقْتي نِخْتِم بالسَّلامْ
إحْنا ورائدنا الهُمامْ
فين المِعلِّم انْدَهُوه
وان كان مسافر رجَّعوه
(يدخل أبو صباع فيحدث هرج ومرج.)
أبو صباع : أَنَا كُنت شُعْلَة وانْطَفِتْ … صَارِتْ رَمَادْ!
المجموعة : إنت بديت اللعبة دي … شوف الحَصَادْ!
فتحية : مين اللي ينسى حكمتك ويَّا الولاد؟
عبد الله : خليت بلدنا جوهرة وزينة البلاد!
أبو صباع :
أنا كل مرة باغيب شوية لكين باعودْ
صلُّوا على خير الأنام
أنا عندي كلمة في الختام
واللي حاقوله لا يعاد!
عتريس : أنا ما اعرفكش … قول انت مين؟
أبو صباع :
أَهُو هُوَّ ده كُل المراد!
عتريس كَمِثْل صَدى الكلام
ومراية قُدام العباد
فيها يشوفوا خيال وَبَاد
عتريس : أنا ما اعرفكش … قول انت مين
أبو صباع :
اسأل ولادنا الطيبين
دول يعرفوني من سنين
وان كنت ماشي مستكين
وضحية للماضي الحزين
لازم حاعود وفي يوم قريب
واستنوا إعلام بالوصول
صَلُّوا على طه الرسول!
(تحية الجمهور وتهبط الستارة.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥