قصائد مشاهير الشعراء في رثاء الشهداء

رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي بك

ألا في سبيل الله ذاك الدم الغالي
وللمجد ما أبقى من المثل العالِي
وبعض المنايا همة من ورائها
حياة لأقوام ودنيا لأجيالِ
أعينيَّ جودا بالدموع على دم
كريم المصفى من شباب وآمالِ
تناهت به الأحداث من غربة النَّوى
إلى حادث من غربة الدهر قتَّالِ
جرى أُرْجوانيًّا كُمَيْتًا مشعشعًا
بأبيض من غَسْل الملائك سلسالِ
ولاذ بقضبان الحديد شهيده
فعادت رفيفًا من عيون وإظلالِ
سلام عليه في الحياة وهامدًا
وفي العصر الخالي وفي العالم التالِي

•••

خليليَّ قوما في رُبى الغرب واسقيا
رياحين هامٍ في التراب وأوصالِ
من الناعمات الراويات من الصبا
ذوت بين حِلٍّ في البلاد وترحالِ
نعاها لنا الناعي فمال على أبٍ
هلوع وأمٌّ ﺑ «الكنانة» مِثقالِ
طوى الغرب نحو الشرق يعدو مليكه
بمضطرَب في البر والبحر مِرقالِ
يُسِرُّ إلى النفس الأسى غير هامس
ويُلقي على القلب الشَّجَا غير قوَّالِ
سرى فنعاهم للديار أهلةٌ
فمن هالةٍ عطل ومن منزل خالِ
سماء الحمى بالشاطئين وأرضه
مناحة أقمار ومأتم أشبالِ

•••

وأدهام تدري الريح أن قد أعاذها
بساطًا ولكن من حديد وأثقالِ
يريك جياد السبق في الحضر كلما
رمى بذراعيه وبالمرجل الغالِي
يقل من الفتيان أشبال غابة
غداة على الأخطار ركاب أهوالِ
ثنته العوادي دون «أودين» فانثنى
بآخر من دهم المقادير ذيالِ
قد اعتنقا تحت الدخان كما التقى
كَمِيَّان في داجٍ من النَّقْع مُنجالِ
فسبحان من يرمي الحديد وبأسه
على ناعم غض من الزهر منهالِ
ومن يأخذ السارين بالفجر طالعًا
طلوع المنايا من ثنيات آجالِ
ومن يجعل الأسفار للناس همه
إلى سفر ينوونه غير قفَّالِ

•••

فيا ناقليهم لو تركتم رفاتهم
أقام يتيمًا في وصاية الآلِ
وبين غريبًا لدي وكافور مضجع
لنزَّاع أمصار على الحق نزَّالِ
فهل عطفتكم رنة الأهل والحمى
وضجة أتراب عليهم وأمثالِ؟
لئن فات مصرًا أن يموتوا بأرضها
لقد ظفروا بالبعث من تربها الغاليِ
وما شغلتهم عن هواها قيامة
إذا اعتل رهن المحبسين بأشغالِ
حملتم من الغرب الشموس لمشرق
تلقى شفاهًا مظلمًا كاسف البالِ
عواثر لم تبلغ صباها ولم تنل
مداها ولم توصل ضحاها بآصال
يطاف بهم نعشا فنعشا كأنهم
مصاحف لم يعل المصلي على التالي
توابيت في الأعناق تترى زكيةً
كتابوت موسى في مناكب إسرالِ
ملفَّفةً في حلة شفقية
هلالية من راية النيل تمثالِ
أظل جلال العلم والموت وفدها
فلم تلق إلا في خشوع وإجلالِ
تفارق دارًا من غرور وباطل
إلى منزل من جيرة الحق محلالِ
فيا جلبة رفت على البحر حليةً
وهزت بها «حلوان» أعطاف مختالِ
جرت بين إيماض العواصم بالضحى
وبين ابتسام الثغر بالموكب الحالِي
كثيرة باغي السبق لم يُر مثلها
على عهد إسماعيل ذي الطول والنالِ
لك الله! هذا الخطب في الوهم لم يقع
وتلك المنايا لم يكن على بالِ
بلى كل ذي نفس أخو الموت وابنه
وإن جر أذيال الحداثة والخالِ
وليس عجيبًا أن يموت أخو الصبا
ولكن عجيب عيشه عيشة السالِي
وكل شباب أو مشيب رهينة
بمعترض من حادث الدهر مغتالِ
وما الشيب من خيل العلا فاركب الصبا
إلى المجد تركب متن أقدر جوالِ
يسن الشباب البأس والجود للفتى
إذا الشيب سن البخل بالنفس والمالِ
ويا نشأ النيل الكريم عزاءكم
ولا تذكروا الأقدار إلا بإجمالِ
فهذا هو الحق الذي لا يرده
تأفف قال أو تلطف محتالِ
عليكم لواء العلم فالفوز تحته
وليس إذا الأعلام خانت بخذالِ
إذا مال صف فاخلفوه بآخر
وصول مساع لا ملوم ولا آلِ
ولا يصلح الفتيان لا علم عندهم
ولا يحرزون السبق أنصاف جهالِ
وليس لهم زاد إذا ما تزودا
بيانًا جزاف الكيل كالحَشَفِ البالِي
إذا جزع الفتيان من وقع حادث
فمن لجليل الأمر أو معضل الحالِ؟
ولولا معانٍ في الفدا لم تعانه
نفوس الحواريين أو مُهَج الآلِ
فغنُّوا بهاتيك المصارع بينكم
ترنم أبطال بأيام أبطالِ
ألستم بني القوم الذين تكبروا
على الضروبات السبع في الأبد الخالِي
رددتم إلى فرعون جدًّا وربما
رجعتم لعم في القبائل أو خالِ

قصيدة شاعر مصر الكبير محمد بك حافظ إبراهيم

علمونا الصبر تطفئ ما استعر
إنما الأجر لمفجوع صبر
صدمة في الغرب أمسى وقعها
في ربوع الشرق مشئوم الأثر
زلزلت في أرض مصر أنفسًا
لم يزلزلها قرار المؤتمر
ما اصطدام النجم بالنجم على
ساكن الأرض بأدهى وأمر
قطف الموت بواكير النهى
فجنى أجمل طاقات الزهر
وعدا الموت على أقمارنا
فتهاوَوْا قمرًا بعد قمر
في سبيل النيل والعلم وفي
ذمة الله قضى الاثنا عشر
أي بدور الشرق ماذا نابكم
في مسار الغرب من صرف الغير؟
نبأ قطع أوصال المنى
وأصم السمع منا والبصر
كم بمصر زفرة من حرها
كنس الأعفر والطير وكر!
كم أب أسوان دامٍ قلبه
مستطير اللب مفقود الظهر
ساهم الوجه لما حل به
سادر النظرة من وقع الخبر
كم بها والدة والهة
عضها الثُّكل بنار فعقر!
ذات نَوْح تحت أذيال الدجى
علم الأشجان سكان الشجر
تسأل الأطيار عن مؤنسها
كلما صفق طير واصطخر
تسأل الأنجم عن واحدها
كلما غوَّر نجم أو ظهر
تهب العمر لمن ينبئها
أنه أفلت من كف القدر
ويح مصر كل يوم حادث
وبلاء ما لها منه حفر!
هان ما تلقاه إلا خطبها
في تراث من بنيها مدخر
قد ظلمتم مجدهم في نقلهم
إنما نقلتهم إحدى الكبر
فسواء في تراب الشرق أم
في تراب الغرب كان المستقر
أأبيتم أن نرى يوم لنا
في ربوع العلم شبرًا فنُسَر؟
أضننتم أن تقيموا بينهم
شاهدًا منا لكتَّاب السير
ومزارًا كلما يممه
ناشئ حيَّا ثراه وادَّكر
ودليلًا لابن مصر كلما
قام في الغرب بمصر فافتخر؟
كم ملأت لنا في أرضهم
صورة معجزة بين الصور!
فمن رمز العصور قد خلت
أشرق العلم عليها وازدهر
فاجعلوا أقواسنا اليوم بها
خير رمز لرجاء منتظر

•••

أمة الطليان خففت الأسى
بصنيع من أياديك الغرر
جمعت كفاك عقدًا زاهيًا
من بيننا فوق واديك انتثر
وسعى كل امرئ مفضل
بادي الأحزان مخفوض النظر
وبكت أفلاذكم أفلاذنا
بدموع روضت تلك الحفر
وصنعتم أحسن الله لكم
فوق ما يصنعه الخل الأبر
قد بكينا لكم من رحمة
يوم «مسينا» فأرخصنا الدرر
فحفظتم وشكرتم صنعنا
وبنو الرومان أولى من شكر

•••

أي عناوين العلا أشبهتموا
بسملات الله توَّجن السور
أي شباب النيل لا تقعد بكم
عن خطير المجد أخطار السفر
إن من يعشق أسباب العلا
يطرح الإحجام عنه والحذر
فاطلبوا العلم ولو جشَّمكم
فوق ما تحمل أطواق البشر
نحن في عهد جهاد قائم
بين موت وحياة لا تَقِر

ورثاهم حضرة الشاعر المعروف عبد الحليم المصري بهذه القصيدة:

أفيك مجن يا قلوب من الرَّدى
ومنك لنفس يا عيون وفاء؟
سلام على من طالعوا الموت فجأةً
ولما ينوه بالمنية داء
فيا باقةً من زهر مصر تضوعت
نُثِرت على الوادي فأتت هباء
وبقيا ورود فاح من جانب الربى
عبيران منها فطنة وذكاء
نودعكم لم ندر أن سيضيفكم
من الله قبل الأصدقاء قضاء
ولو علمته الأمهات لشفعت
عيونًا فأجدى قبل ذاك بكاءُ
أفي حين نرجو من نواحيكمو المنى
يقولون من ترجونهم شهداء
ونصبح نرجوكم عظامًا بواليًا
كما ترتجى ورد النمير ظماء؟
بنا لو حملناها لنطرح دونها
من الدمع ما لم تدخره سماءُ
كنانة آمال نريش سهامها
هوين وما أدى السهام مضاءُ
يصوبها الرامون منهم مسيئة
لأغراضهم والله ليس يشاءُ
تفديكمو عنا العيون بضوئها
وهيهات منكم أعين وضياءُ
وإنكم عن مصر لم تتغربوا
ونحن بمصر بعدكم غرباءُ
عرائس ساحات خضبتم أكفها
فهل من رأى الحناء وهي دماءُ؟
ترِف خَزَاماها علينا كأنما
يرف على وجه العليل شفاءُ
أفوق الثرى يأس لنا ومنية
وتحت الثرى عيش لنا ورجاءُ؟
فيا مصر كم ذا روعتك مصيبة
لها بالخطوب التاليات دواءُ!
ألا ركب إلِّا وهو فيك جنازة
ولا شعر إلا وهو فيك رثاءُ
ولا رعد إلا وهو فيك صواعق
ولا صبح إلا وهو فيك مساءُ؟
صبرنا على ما يجزع الصخر دونه
وأكبر ظني أننا كرماءُ
وعدنا لحكم الله طوعًا لذاته
وعلمًا بأن الحب فيه بلاءُ
وحيث يكون العمر كانت منية
وحيث يكون الحي كان فناءُ
فلا تقنطوا من رحمة الله خيفةً
فموت الفتى والخوف منه سواءُ
ولا تأخذونا بالقصور فإنها
كوارث تعيي دونها الشعراءُ

إلى مشيعي الشهداء بالقاهرة

ورثاهم حضرة الشاعر الأديب سيد يوسف أفندي (المدرس) بقوله:

انثروا الدمع وسيروا خشعا
واحملوا تلك الشموس الأربعَا
واغرسوا في الترب أزهارًا لنا
ما أُحَيْلاها شذًا ما أبدعَا!
وأودعوا الآمال في تابوتها
إن في التابوت شعبًا مودعَا
وأنصتوا للموت في تجواله
فجلال الموت في أن نسمعَا
خبت الأضواء جمعًا عندما
ضمت الأرض نجومًا طلَّعَا
واكفهرَّ الجو في أرجائنا
يالهولِ اليوم يوم الأربعَا
رب إن الشعب باك موجع
فاستجب رب إذا الشعب دعَا
وأنل مصر حياةً حرةً
وكفى تضحيةً من فجعَا
يُشترى العلم بمال وهنا
بنفوس قد أبت أن تهجعَا
فليقم في مصر تذكار لهم
إنهم ساروا إلى الخلد معَا

ورثاهم حضرة الشاعر البليغ الشيخ أحمد الزين بقوله:

أكذا الزمان بأهله يتقلب
والمرء يحسن ظنه فيكذبُ؟
والنفس تخدعها الأماني ضِلَّةً
ويروقها ذاك البريق الخُلَّبُ
ما أكذبَ الإنسان يخدع نفسه
ويعاتب الزمن الذي لا يعتبُ!
ويرى مصارع أهله وصحابه
عن جانبيه وإنه لمعقِّبُ!
عجبًا! أأمزح بالحياة وطولها
وأرى حمامي كل يوم يقربُ؟!
ويطيب لي عيشي وأتراب الصِّبا
نهلوا بكأس للردى لا تعذُبُ؟
شوقًا إلى الكأس التي شربوا بها
والموت إن غر الوفاء محببُ
وإذا تنكرت الحياة ولم تجد
حلا تطيب به فموتك أطيبُ
عشرون من بعد اثنتين لبثتُها
وودت لو أني صريع يُندبُ
أأعيش في قوم يقِرُّ عيونهم
والأرض مخصبة وداد يجدبُ؟
لا أخصبت أرض ولا نزل الحيا
في معشر أخلاقهم لا تخصبُ
الشمس تشرق بالضياء عليهم
وتسوءها أخلاقهم فتُغيَّبُ
وتعود ثانيةً وتحسب أنهم
صلحوا فتكذبها الظنون فتغربُ
والزهر يضحك ساخرًا مما يرى
فالبشر منه لو علمت تقطِّبُ
وتراه يذبل حين تقطفه يد
تمسي وتصبح بالمآثم تخضبُ
وصموا القرود بأنها أصل لهم
والقرد مما قال «درون» يغضبُ
ماذا أؤمل في حياة صفوها
كدر يجرعه الجهول فيطربُ؟
ليس الذي عرف الحياة معذبًا
لكنَّ من طلب الصفاء معذَّبُ
رد العزاء فهذه آمالنا
يطوي صحائفها الزمان القُلَّبُ
كم مدمع كالسحب ترسل فيضه
أمٌّ وزفرات يصعِّدها أبُ!
قد ودعا أنس الحياة وطيبها
بوداع بدرهما وضعضع منكبُ
ذكراه في جنح الظلام تعلَّة
فجرت شئونهما دمًا يتصببُ
يتساءلان أآب من أسفاره
أم عاقه عنا قضاء أغلبُ؟
يتجاذبان عليه أطراف الأسى
أما ألمَّ خياله المتأوبُ؟
من لي بقلبي كي أقطعه أسًى
لكواكب أخفا سناها المعزبُ؟
ولو أن أفئدة الأنام تكون لي
أمست عليهم لوعة تتشعبُ
راموا الحياة وإنها [لأمينة]
ليست لغير الموت فيها توهبُ
كانوا لمصر سراجها إن أظلمت
فقد استطال بها عليهم غيهبُ
وسهامها أمسى يسدد سهمه
صرف الزمان إليهم ويصوبُ
هجروا ديارهم فهل ضاقت بهم
أرض بها حُمِدَ السُّرى المتغربُ?
أنآهمو طلب العلوم فعلموا
سرًّا من الأسرار عنا يحجبُ
لا تيأسوا إنا إذا ما كوكب
منا خبا جلَّى الغياهب كوكبُ

ورثاهم الأديب الفاضل الشيخ أحمد عبد الماجد المدرس بمدرسة المعلمات بالإسكندرية بهذه القصيدة:

يا موت حسبك قد قطعت أكبادي
بين الممالك لا في النيل والوادِي
للعلم كان رحيلهم فما لك لا
تميز بين ذوي غيٍّ وإرشادِ؟
هلَّا رحمت شبابهم وغربتهم
أم لست ترحم ذا نأْي وإبعادِ؟
صدمتهم فتزلزلت لصدمتهم
أرض الكنانة من سهل وأطوادِ
بكى المقطم والأهرام نائحة
والنيل بينهما يرثي لأولادِ
بكت مدارسنا فقدان زهرتها
وعادها ألم من حزنها البادِي
دمع العلوم على طلابها انسجما
يا دمعة العين دومي ذات إمدادِ
وكوِّني سحبًا في الجو سائرةً
فوق الجنائز تروي هام روادِي
سقيًا لكم شهداء العلم والوطن
ورحمةً لضحايا السائق العادِي
لولا مفاجأة المنون ما قصرت
تلك العزائم عن إحراز إسعادِ
ومن يهاجر إلى العليا ليحرزها
ومات فيها تولَّى أجره الهادِي
لئن بعدتم فما نأت فضائلكم
عنا فلا يشمتن بالموت حسادِي
إن الفضائل ملك لا زوال له
فاحفظ عهودك من غدر وإفسادِ
لا شيء أثبت من حق يعززه
حفظ العهود وإيفاء لميعادِ

•••

يا مصر قد وَقَذَتْك النائبات فلا
تبغي المنام فهذا وقت إجهادِ
دعى المنام فقد مستك قارعة
واسعَىْ لترقية التعليم في الوادِي
لو كان في قطرنا التعليم أجمعه
ما مات في صدمة سباق آمادِ
إن الحوادث للإنسان موقظة
هيهات أن ندع التعليم كالعادِي
خطب وفَجْع بمصر كل آونة
صبرًا لهذا البلاء الرائح الغادِي
يا ملهم الصبر إن الصبر حاجتنا
فامنن بصبرك وارحم أنة الوادِي
يا مسبل الستر خلي الستر منسبلًا
على كنانتك الثَّكْلى لأمجادِ

ورثاهم حضرة الشاعر الأخلاقي عباس محمود العقاد بقصيدة منها:

خير الوفود وأكرم الركبانِ
هذا الوداع أم اللقاء الثانِي؟
عدتم فهل شفي الغليل بعودكم
بعد الفراق وقرت العيانِ؟
وتجمع الشمل الشتيت فهل دنا
ما كان في «أودين» ليس بدانِ؟
والهفةَ القُطَّان إن مآبكم
غير المآب لوصلة القُطَّانِ

ورثاهم عبد القادر أفندي المازني بقصيدة مطلعها:

بستان آمالنا لقد ذبلت
فيك زهور من آنق الزهرِ

ومنها:

قد مالت الشمس صوب مغربها
في بُرد حسن في الأفق مستطرِ
همَّت بتوديعنا وقد لبست
أفواف زَيْن لها ومفتخرِ
تنأى الهوينى كأن عالمنا
معهد لِدَاتها لدى الصغرِ
وأي جمع لنا متى انحدرت
يخطو على دق طبلة القدرِ؟

ورثاهم حضرة أحمد رامي أفندي الشاعر المعروف بقصيدة، منها:

أيها الراحلون في طلب
العلم ولا عودة ليوم المعادِ
قد صبرنا على النَّوَى وارتقبنا
فرحةً للقاء بعد البعادِ
فإذا بالوداع كان إلى المو
ت كأن كنتم على ميعادِ

ورثاهم حضرة الأستاذ الفاضل الشيخ مهدي أحمدي خليل بقصيدة، منها:

أمل تعثَّر في رجاء خائب
في فتية درجوا كأمس الذاهبِ
هي صدمة ﺑ «أودين» كانت إنما
آلامها في صدر مصر الواجبِ
والهفتاه على الدم الزاكي جرى
فسقى أديم الأرض سقي سحائبِ!
للترب تستبق الدماء غزيرة
فاعجب لماء واردٍ للشاربِ!

ورثاهم الشاعر الوجداني محمود أفندي رمزي نظيم بهذه القصيدة:

يا بدورًا تغيبت قبل تم
ونجومًا من أفْقها قد تهاوتْ
وغصونًا قد هزها المجلد للعلم
ولكن تقصفت حين مالتْ
رحلت تطلب المعالي ولكنه
وقف الموت في الطريق فماتتْ
إيه رفقًا بأنفس هي لولا
أنها عدت لمصر لسالتْ
وعزاء شبيبة النيل منهم
أي حال تحت السماء ما استحالتْ؟
إن أردتم أن تملئوا أنفس المو
تى حياةً وإن تكن قد زالتْ
دولة النيل شيدوها فما من
دولة شادها الشباب فدالتْ

ورثاهم محمد أفندي توفيق خاكي بهذه القصيدة:

دمع عيني من دماء اندفعا
لغصون أخجلت غض النَّقَا
وفروع أصلها دوح العلا
بسواها ما اتخذنا مرتقَى
بيد الأقدار غدرًا هصرت
يالغصن كان فيها مورقَا
لبثت في قطرها راشقةً
من مياه العلم ما قد أغدقَا
بارحته آمَّة تلك الربى
كي تزيد الزهر منها رونقَا
ما لها قد حطمت من صدمة
في سبيل العلم قبل الملتقَى؟
يا له من نبأ قد شيبت
حادثات الدهر فيه مفرقَا!
يا قطارًا لو مشى متئدًا
بشباب القطر هل كان الشقَا؟
قد أضاع الأمس منا أملًا
ودماءً طاهرات دفقا
لا «أُدين» القطرَ يا ذا أبدًا
إن سهمًا للقضا قد أرشقَا
إن هذا الخطب خطب فادح
كل رأس من صداه أطرقَا
دُكَّ طود الصبر منه دكة
خر موسى الرشد منها صعِقَا
لو قضى بالخطب شخص واحد
لتأسَّى القطر عما أحدقَا
لو حبا فرط البكا عودتهم
غرق الجثمان منا غرقَا
أيُّهذا لا تخل إن الذي
قد ألمَّ الوهْنُ منه لحقَا
نحن قوم قد صدقنا عزمةً
لا يُرى اليأس إلينا طرقَا
إن تكن منا نجومٌ أَفَلَت
فهلال العلم فينا أشرقَا
في جنان الخلد يا من قد قضوا
وديار الصالحين الملتقَى
ضمَّد الله جراحًا للأولى
قد نجوْا في عمرهم طال البقَا
ونما من جدهم نبت العلا
لنراه للذرى منبثقَا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤