الفصل السابع عشر

الْجَدَّةُ ثعلبة تَعِدُ ريدي بِعَشَاءِ باوزر

إِنَّ خُطَّةَ الطَّبِيعَةِ الْأُمِّ الْعَجُوزِ الْحَكِيمَةِ،
هِيَ أَنْ تُعْطِيَ كُلًّا مِنْ أَبْنَائِهَا مَا يَحْتَاجُونَهُ،
أَنْ يَحْصُلُوا عَلَى كُلِّ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ،
أَنْ يَعْمَلُوا وَيَلْعَبُوا وَيَحْيَوْا بِأَفْضَلِ صُورَةٍ.
الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزِ

سَأَلَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ ريدي إِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَشَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر، فَنَظَرَ ريدي إِلَيْهَا بِتَمَعُّنٍ حَتَّى يَرَى إِذَا كَانَتْ تَمْزَحُ أَمْ حَقًّا تَعْنِي مَا قَالَتْهُ. بَدَتِ الْجَدَّةُ هَادِئَةً وَجَادَّةً لِلْغَايَةِ، حَتَّى إِنَّ ريدي تَأَكَّدَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَمْزَحُ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا بَدَتْ كَمَزْحَةٍ.

قَالَ: «بِالتَّأْكِيدِ أَوَدُّ ذَلِكَ يَا جَدَّتِي. أَجَلْ، بِالْفِعْلِ، أُرِيدُ ذَلِكَ دُونَ شَكٍّ. أَتَظُنِّينَ أَنَّهُ سَيُعْطِينَا شَيْئًا؟»

ضَحِكَتِ الْجَدَّةُ قَائِلَةً: «لَا يَا ريدي. باوزر لَيْسَ كَرِيمًا لِهَذِهِ الدَّرَجَةِ، خَاصَّةً مَعَ الثَّعَالِبِ. لَنْ يُعْطِيَنَا هَذَا الْعَشَاءَ؛ سَوْفَ نَسْلُبُهُ إِيَّاهُ. أَجَلْ يَا عَزِيزِي، بِالطَّبْعِ سَوْفَ نَسْلُبُهُ إِيَّاهُ.»

لَمْ يُدْرِكْ ريدي عَلَى الْإِطْلَاقِ كَيْفَ يُمْكِنُ سَلْبُ عَشَاءٍ مِنَ الْكَلْبِ باوزر. بَدَا لَهُ ذَلِكَ مُسْتَحِيلًا مِثْلَمَا كَانَ مُسْتَحِيلًا لَهُ أَنْ يَتَسَلَّقَ أَوْ يَطِيرَ أَوْ يَغْطِسَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ وَاثِقًا بِشِدَّةٍ فِي مَهَارَةِ الْجَدَّةِ. تَذَكَّرَ كَيْفَ كَانَتْ عَلَى وَشْكِ الْإِمْسَاكِ بِالْبَطَّةِ كواكر. عَلِمَ أَنَّهُ حِينَ كَانَ بَعِيدًا يَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ لِيَأْكُلَاهُ، كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَقُومُ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُرِيحَ عِظَامَهَا. عَلِمَ أَنَّ مَهَارَاتِهَا الْحَادَّةَ لَمْ تَتَعَطَّلْ عَنِ الْعَمَلِ لِدَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ. عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ تُخَطِّطُ وَتُخَطِّطُ طَوَالَ الْوَقْتِ لِتَجِدَ طَرِيقَةً مَا يَحْصُلَانِ بِهَا عَلَى طَعَامٍ. كَانَ إِيمَانُهُ بِالْجَدَّةِ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ كَبِيرًا جِدًّا إِلَى دَرَجَةِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لَهُ إِنَّهَا سَوْفَ تَأْتِيهِ بِقِطْعَةٍ مِنَ الْقَمَرِ كَانَ سَيُصَدِّقُهَا.

قَالَ ريدي: «إِذَا قُلْتِ إِنَّهُ بِإِمْكَانِنَا أَنْ نَأْخُذَ الْعَشَاءَ مِنْ باوزر فَإِنَّنِي أُصَدِّقُ هَذَا، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّنِي لَا أَعْلَمُ كَيْفَ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ بِإِمْكَانِنَا، فَهَيَّا بِنَا الْآنَ. إِنَّنِي جَائِعٌ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ كَيْ أُوَاجِهَ أَيَّ تَحَدٍّ فِي سَبِيلِ أَنْ آكُلَ شَيْئًا. إِنَّ مَعِدَتِي فَارِغَةٌ جِدًّا، وَقِطَعَةَ السَّمَكَةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي اقْتَسَمْنَاهَا تَتَرَنَّحُ بِدَاخِلِهَا وَكَأَنَّهَا تَائِهَةٌ. يَا إِلَهِي! أَسْتَطِيعُ أَنْ آكُلَ مِلْيُونَ سَمَكَةٍ بِهَذَا الْحَجْمِ! هَلْ فَكَّرْتِ بِدَجَاجِ الْمُزَارِعِ براون يَا جَدَّتِي؟»

أَجَابَتِ الْجَدَّةُ: «بِالطَّبْعِ يَا ريدي! بِالطَّبْعِ! يَا لَهُ مِنْ سُؤَالٍ سَخِيفٍ! يُمْكِنُنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَيْهَا لَاحِقًا.»

قَاطَعَهَا ريدي مُتَنَهِّدًا: «لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ إِلَيْهَا الْآنَ!»

أَكْمَلَتِ الْجَدَّةُ قَائِلَةً: «وَلَكِنْ كَمَا أَخْبَرْتُكَ يَا ريدي، إِنَّ أَضْمَنَ طَرِيقَةٍ لِلْوُقُوعِ فِي الْمَشَاكِلِ هِيَ سَرِقَةُ الدَّجَاجِ. لَا أَشْعُرُ أَنَّنِي قَادِرَةٌ عَلَى مُوَاجَهَةِ مُطَارَدَةِ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر الْآنَ، وَإِذَا أَتَيْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ مُبَاشَرَةً، فَسَوْفَ نُفْصِحُ عَنْ مَكَانِ عَيْشِنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُطْلِقُوا عَلَيْنَا الدُّخَانَ، وَتَكُونَ هَذِهِ نِهَايَتَنَا. بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، تِلْكَ الدَّجَاجَاتُ يَصْعُبُ الْحُصُولُ عَلَيْهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْجَوِّ؛ لِأَنَّهَا تَظَلُّ فِي بَيْتِهَا، وَلَا تُوجَدُ لَدَيْنَا طَرِيقَةٌ لِلْوُصُولِ إِلَى هُنَاكَ سِوَى الدُّخُولِ فِي وَضَحِ النَّهَارِ، وَهَذَا لَنْ يُفْلِحَ. سَيَكُونُ الْأَمْرُ أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ أَنْ نَسْرِقَ عَشَاءَ باوزر. فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ، لَنْ يَعْلَمَ بِالْأَمْرِ سِوَى باوزر إِذَا كُنَّا حَذِرَيْنِ، وَمَا دَامَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالسَّلَاسِلِ، فَلَنْ نَقْلَقَ بِشَأْنِهِ. إِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، سَنَسْتَمْتِعُ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُ؛ مِنْ أَجْلِ الْمَرَّاتِ الَّتِي أَفْسَدَ فِيهَا عَلَيْنَا الْحُصُولَ عَلَى دَجَاجَةٍ سَمِينَةٍ، وَمِنْ أَجْلِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي يُلَاحِقُنَا بِهَا. قَطْعًا مِنَ الْأَفْضَلِ وَالْآمَنِ مُحَاوَلَةُ سَرِقَةِ عَشَاءِ باوزر عَنْ سَرِقَةِ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الدَّجَاجَاتِ.»

رَدَّ ريدي: «كَمَا تَشَائِينَ يَا جَدَّتِي؛ كَمَا تَشَائِينَ. أَنْتِ تَعْرِفِينَ الْأَفْضَلَ. وَلَكِنْ لَا أَعْلَمُ تَمَامًا كَيْفَ نَفْعَلُ ذَلِكَ.»

أَجَابَتِ الْجَدَّةُ: «هَذَا بَسِيطٌ، بَسِيطٌ جِدًّا. مُعْظَمُ الْأُمُورِ تَكُونُ بَسِيطَةً لِلْغَايَةِ عِنْدَمَا تَعْرِفُ كَيْفَ تَقُومُ بِهَا. لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ مَعًا نَسْتَطِيعُ دُونَ أَدْنَى خَطَرٍ. اسْتَمِعْ.»

اقْتَرَبَتِ الْجَدَّةُ مِنْ ريدي وَهَمَسَتْ لَهُ، بِالرَّغْمِ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ أَحَدٍ مَعَهُمَا. ارْتَسَمَتِ ابْتِسَامَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى وَجْهِ ريدي وَهُوَ يُنْصِتُ. وَعِنْدَمَا انْتَهَتْ مِنَ الْكَلَامِ، انْطَلَقَتْ ضِحْكَةٌ مِنْهُ.

هَتَفَ بِإِعْجَابٍ: «أَنْتِ رَائِعَةٌ يَا جَدَّتِي! مَا كَانَ لِيَخْطُرَ هَذَا بِبَالِي. بِالتَّأْكِيدِ نَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِذَلِكَ. يَا إِلَهِي! سَيَتَفَاجَأُ باوزر! وَكَمْ سَيُجَنُّ جُنُونُهُ! هَيَّا بِنَا، فَلْنَذْهَبْ!»

قَالَتِ الْجَدَّةُ: «حَسَنًا!» وَانْطَلَقَ الِاثْنَانِ نَحْوَ بَيْتِ الْمُزَارِعِ براون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤