الفصل الثامن عشر

لِمَاذَا لَمْ يَأْكُلْ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر طَعَامَهُ

أَكْثَرُ الْأَشْيَاءِ الْمُحَيِّرَةِ لَكَ،
هِيَ أَبْسَطُهَا حِينَ تَتَكَشَّفُ لَكَ.
الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ

يَعْشَقُ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر الصَّيْدَ مِنْ أَجْلِ مُتْعَةِ الْمُلَاحَقَةِ. لَيْسَتْ لِرَغْبَةٍ فِي الْقَتْلِ بِقَدْرِ مُتْعَةِ اسْتِخْدَامِ ذَلِكَ الْأَنْفِ الْعَجِيبِ خَاصِّيَّتَهُ، وَإِثَارَةِ مُحَاوَلَةِ الْإِمْسَاكِ بِأَحَدِهِمْ، خَاصَّةً الْجَدَّةَ أَوِ الثَّعْلَبَ ريدي. تَخَلَّصَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مِنْ بُنْدُقِيَّتِهِ الرَّهِيبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ يُرِيدُ قَتْلَ أَهْلِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارِ، وَلَكِنْ بِالْأَحْرَى أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُمْ أَصْدِقَاءَهُ. اشْتَاقَ باوزر لِلصَّيْدِ الْمُمْتِعِ الَّذِي كَانَ قَدِ اعْتَادَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ مَعَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون؛ لِذَا كَانَ مِنْ عَادَةِ باوزر التَّسَلُّلُ خَارِجًا لِلصَّيْدِ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ. حِينَ اكْتَشَفَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون هَذَا، أَحْضَرَ سِلْسِلَةً وَرَبَطِ باوزر بِبَيْتِهِ الصَّغِيرِ؛ لِيَمْنَعَهُ مِنَ الْهُرُوبِ وَالصَّيْدِ خُلْسَةً.

بِالطَّبْعِ لَمْ يَظَلَّ باوزر مُقَيَّدًا طَوَالَ الْوَقْتِ. أَجَلْ! فَحِينَ يَكُونُ سَيِّدُهُ عَلَى مَقْرُبَةٍ، حَيْثُ يَسْتَطِيعُ مُرَاقَبَتَهُ، كَانَ يَتْرُكُهُ حُرًّا. وَلَكِنْ مَتَى كَانَ يَخْرُجُ وَلَا يَشَاءُ أَنْ يَأْخُذَ باوزر مَعَهُ، كَانَ يُقَيِّدُهُ. وَكَانَ باوزر يَحْظَى دَائِمًا بِوَجْبَةٍ شَهِيَّةٍ يَوْمِيًّا. دُونَ شَكٍّ، كَانَ يَتَنَاوَلُ بَقَايَا طَعَامٍ وَعَظْمَةً مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ، وَلَكِنْ يَوْمِيًّا كَانَ يَحْظَى بِوَجْبَةٍ شَهِيَّةٍ مُقَدَّمَةٍ لَهُ فِي وِعَاءٍ مِنَ الْقَصْدِيرِ. حِينَ يَكُونُ مُقَيَّدًا، كَانَتْ تُجْلَبُ لَهُ، وَحِينَ لَا يَكُونُ، كَانَتْ تُوضَعُ لَهُ عِنْدَ بَابِ الْمَطْبَخِ.

كَانَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة تَعْلَمُ كُلَّ هَذَا. كَانَتِ الْجَدَّةُ الْعَجُوزُ الْمَاكِرَةُ تَهْتَمُّ بِمَعْرِفَةِ شُئُونِ كُلِّ مَنْ حَوْلَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ مَتَى تَكُونُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مُفِيدَةً لَهَا؛ لِذَا كَانَتِ الْجَدَّةُ تُرَاقِبُ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر، وَلَيْسَ لَدَيْهِ هُوَ وَسَيِّدِهِ أَدْنَى فِكْرَةٍ أَنَّهَا فِي مَكَانٍ مَا عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُمَا، وَاكْتَشَفَتْ عَادَاتِهِ؛ الْوَقْتَ الْمُعْتَادَ لِتَنَاوُلِ الْعَشَاءِ، وَإِلَى أَيِّ مَدًى تَسْمَحُ لَهُ تِلْكَ السِّلْسِلَةُ أَنْ يَذْهَبَ. تِلْكَ الْأُمُورُ الَّتِي خَزَّنَتْهَا الْعَجُوزُ الدَّاهِيَةُ فِي رَأْسِهَا هِيَ الَّتِي جَعَلَتْهَا وَاثِقَةً تَمَامًا أَنَّهَا وَريدي يَسْتَطِيعَانِ سَرِقَةَ عَشَاءِ باوزر مِنْهُ.

كَانَ مِيعَادُ عَشَاءِ باوزر قَدِ اقْتَرَبَ حِينَ اجْتَازَتِ الْجَدَّةُ وَريدي الْحُقُولَ الْمَكْسُوَّةَ بِالثَّلْجِ وَتَسَلَّلَا خَلْفَ الْحَظِيرَةِ إِلَى حَيْثُ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَخْتَلِسَا النَّظَرَ حَوْلَ الزَّاوِيَةِ. لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ، وَلَا حَتَّى باوزر، الَّذِي كَانَ دَاخِلَ بَيْتِهِ الصَّغِيرِ الدَّافِئِ فِي نِهَايَةِ الْكُوخِ الطَّوِيلِ خَلْفَ بَيْتِ الْمُزَارِعِ براون. رَأَتِ الْجَدَّةُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ، وَاعْتَرَتِ ابْتِسَامَةٌ خَبِيثَةٌ وَجْهَهَا.

قَالَتْ لِريدي: «انْتَظِرْ أَنْتَ هَا هُنَا وَرَاقِبْ إِلَى أَنْ يُجْلَبَ الطَّعَامُ لَهُ. حَالَمَا يَعُودُ ثَانِيَةً مَنْ يُحْضِرُ لَهُ الطَّعَامَ تَخْرُجُ أَنْتَ حَيْثُ يَسْتَطِيعُ باوزر أَنْ يَرَاكَ. حِينَ يَرَاكَ، سَوْفَ يَنْسَى أَمْرَ عَشَائِهِ. اجْلِسْ حَيْثُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرَاكَ تَمَامًا، وَامْكُثْ هُنَاكَ إِلَى أَنْ تَرَى أَنَّنِي قَدْ حَصَلْتُ عَلَى الْعَشَاءِ، أَوْ إِلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحَدًا قَادِمًا، فَكَمَا تَعْلَمُ سَيُحْدِثُ باوزر جَلَبَةً كَبِيرَةً. ثُمَّ تَسَلَّلْ إِلَى خَلْفِ الْحَظِيرَةِ وَانْضَمَّ إِلَيَّ خَلْفَ الْكُوخِ.»

لِذَا جَلَسَ ريدي لِيُرَاقِبَ، وَتَرَكَتْهُ الْجَدَّةُ. بَعْدَهَا بِوَقْتٍ قَصِيرٍ خَرَجَتِ السَّيِّدَةُ براون حَامِلَةً وِعَاءً مَلِيئًا بِأَشْيَاءَ طَيِّبَةٍ. وَضَعَتْهُ أَمَامَ بَيْتِ باوزر الصَّغِيرِ وَنَادَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدَارَتْ وَعَادَتْ مُسْرِعَةً؛ لِأَنَّ الْجَوَّ كَانَ بَارِدًا جِدًّا. خَرَجَ باوزر مِنْ بَيْتِهِ وَتَثَاءَبَ وَتَمَطَّى بِتَكَاسُلٍ.

حَانَ الْوَقْتُ لِريدي أَنْ يَقُومَ بِدَوْرِهِ. خَرَجَ وَجَلَسَ أَمَامَ باوزر وَسَخِرَ مِنْهُ. حَدَّقَ باوزر لِدَقِيقَةٍ وَكَأَنَّهُ لَا يُصَدِّقُ مَا يَرَاهُ. يَا لَوَقَاحَتِهِ! دَمْدَمَ باوزر. ثُمَّ أَطْلَقَ عُوَاءَهُ وَقَفَزَ نَحْوَ ريدي.

كَانَتِ السِّلْسِلَةُ الْمَمْسُوكُ بِهَا طَوِيلَةً، وَلَكِنَّ ريدي كَانَ حَذِرًا أَلَّا يَقْتَرِبَ كَثِيرًا، وَبِالطَّبْعِ لَمْ يَسْتَطِعْ باوزر الْوُصُولَ إِلَيْهِ. حَاوَلَ بِكُلِّ قُوَّتِهِ وَعَوَى وَنَبَحَ بِجُنُونٍ، وَلَكِنَّ ريدي جَلَسَ وَضَحِكَ مِنْهُ بِطَرِيقَةٍ غَايَةً فِي الِاسْتِفْزَازِ. كَانَ مِنَ الْمُمْتِعِ جِدًّا إِثَارَةُ باوزر بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.

فِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ تَسَلَّلَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ عِنْدَ زَاوِيَةِ الْكُوخِ مِنْ وَرَاءِ باوزر. أَمْسَكَتْ بِأَسْنَانِهَا حَافَةَ الْوِعَاءِ وَسَحَبَتْهُ حَوْلَ الزَّاوِيَةِ وَاخْتَفَتْ. إِذَا أَصْدَرَتْ أَيَّ صَوْتٍ، لَمْ يَكُنْ باوزر لِيَسْمَعَهَا. كَانَ هُوَ نَفْسُهُ يُصْدِرُ جَلَبَةً عَالِيَةً، وَكَانَ هَائِجًا جِدًّا. حِينَهَا سَمِعَ ريدي صَوْتَ بَابٍ يَنْفَتِحُ. كَانَتِ السَّيِّدَةُ براون آتِيَةً لِتَرَى مَا سَبَبُ كُلِّ ذَلِكَ الضَّجِيجِ. مِثْلَ الْبَرْقِ جَرَى ريدي وَرَاءَ الْحَظِيرَةِ، وَكُلُّ مَا رَأَتْهُ السَّيِّدَةُ براون هُوَ باوزر وَهُوَ يَجُرُّ سِلْسِلَتَهُ وَيَئِنُّ وَيَعْوِي هَائِجًا.

عَادَتِ السَّيِّدَةُ براون إِلَى دَاخِلِ الْمَنْزِلِ وَهِيَ تَقُولُ: «أَظُنُّ أَنَّهُ رَأَى قِطَّةً ضَالَّةً أَوْ مَا شَابَهَ.» اسْتَمَرَّ باوزر فِي أَنِينِهِ وَهُوَ يَجُرُّ سِلْسِلَتَهُ لِبِضْعِ دَقَائِقَ، ثُمَّ اسْتَسْلَمَ وَعَادَ لِيَتَنَاوَلَ عَشَاءَهُ وَهُوَ يُدَمْدِمُ. وَلَكِنْ لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ أَيُّ عَشَاءٍ! لَقَدِ اخْتَفَى، الْوِعَاءُ وَكُلُّ شَيْءٍ! لَمْ يَفْهَمْ باوزر مَاذَا حَدَثَ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

خَلْفَ الْكُوخِ لَعِقَتِ الْجَدَّةُ وَريدي الْوِعَاءَ؛ لَعِقَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ نَظِيفًا مِنْ آثَارِ الطَّعَامِ. ثُمَّ، بِقَلِيلٍ مِنْ تَنْهِيدَاتِ الشِّبَعِ، وَضِحْكَةٍ مَكْتُومَةٍ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ، مَضَيَا إِلَى الْمَنْزِلِ سَعِيدَيْنِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤