الفصل التاسع عشر

الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ يُفَكِّرُ

فَلْتَتَحَرَّ وَلْتَبْحَثْ بِنَفْسِكَ
عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي تَتُوقُ لَهَا نَفْسُكَ.
الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ

لَمْ يَسْتَمْتِعِ الثَّعْلَبُ ريدي فِي حَيَاتِهِ بِعَشَاءٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي سَرَقَهُ هُوَ وَالْجَدَّةُ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر. بِالطَّبْعِ كَانَ سَيَطِيبُ لَهُمَا فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا جَائِعَيْنِ بِشِدَّةٍ، وَلَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ريدي كَانَ أَطْيَبَ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَشَاءَ باوزر. كَانَ باوزر يُطَارِدُ ريدي كَثِيرًا، حَتَّى إِنَ ريدي لَمْ يُحِبَّهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَبْهَجَ ريدي أَنَّهُمَا قَدْ أَخَذَا عَشَاءَهُ مِنْ تَحْتِ أَنْفِهِ تَقْرِيبًا.

بَعْدَمَا تَنَاوَلَ ريدي وَالْجَدَّةُ ذَلِكَ الْعَشَاءَ الشَّهِيَّ شَعَرَا بِتَحَسُّنٍ كَبِيرٍ؛ لِأَنَّ الْعَالَمَ الْكَبِيرَ لَمْ يَعُدْ يَبْدُو مَكَانًا بَارِدًا قَاسِيًا. مِنَ الطَّرِيفِ كَيْفَ أَنَّ الْأُمُورَ نَفْسَهَا تَبْدُو مُخْتَلِفَةً حِينَ تَكُونُ شَبْعَانَ وَحِينَ تَكُونُ جَائِعًا! أَفْضَلُ شَيْءٍ نَمَى إِلَى عِلْمِهِمَا أَنَّهُ بِإِمْكَانِهِمَا أَنْ يُكَرِّرَا نَفْسَ الْحِيلَةِ الذَّكِيَّةِ وَيَسْرِقَا عَشَاءً آخَرَ مِنْ باوزر إِذَا لَزِمَ الْأَمْرُ. إِنَّهُ شُعُورٌ مُرِيحٌ، شُعُورٌ مُرِيحٌ لِلْغَايَةِ، أَنْ تَعْلَمَ جَيِّدًا مِنْ أَيْنَ تَأْتِي بِوَجْبَةٍ ثَانِيَةٍ. إِنَّهُ شُعُورٌ قَلَّمَا رَاوَدَ الْجَدَّةَ وَالثَّعْلَبَ ريدي وَالْكَثِيرَ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ فِي الشِّتَاءِ. عَادَةً، عِنْدَمَا يَتَنَاوَلُونَ وَجْبَةً وَاحِدَةً، لَا يَكُونُ لَدَيْهِمْ أَدْنَى فِكْرَةٍ مِنْ أَيْنَ سَتَأْتِي الْوَجْبَةُ التَّالِيَةُ. مَا رَأْيُكَ فِي أَنْ تَعِيشَ بِمِثْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟

فِي الْيَوْمِ التَّالِي ذَهَبَتِ الْجَدَّةُ وَريدي إِلَى بَيْتِ الْمُزَارِعِ براون فِي سَاعَةِ عَشَاءِ باوزر. وَلَكِنْ هَذِهِ الْمَرَّةَ كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَعْمَلُ بِالْقُرْبِ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ باوزر مُقَيَّدًا. تَسَلَّلَتِ الْجَدَّةُ وَريدي فِي هُدُوءٍ تَمَامًا مِثْلَمَا أَتَيَا. فِي الْيَوْمِ التَّالِي وَجَدَا باوزر مُقَيَّدًا وَسَرَقَا عَشَاءً آخَرَ؛ ثُمَّ رَحَلَا وَهُمَا يَضْحَكَانِ حَتَّى تَوَجَّعَتْ أَضْلُعُهُمَا وَهُمَا يَسْمَعَانِ نُبَاحَ باوزر مِنَ الْمُفَاجَأَةِ وَخَيْبَةِ الْأَمَلِ عِنْدَمَا اكْتَشَفَ أَنَّ عَشَاءَهُ قَدِ اخْتَفَى. عَلِمَا مِنْ صَوْتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْهِ أَدْنَى فِكْرَةٍ عَمَّا حَدَثَ لِذَلِكَ الْعَشَاءِ.

فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كَانَ هُنَاكَ شَخْصٌ آخَرُ يَجُولُ فِي الْمُرُوجِ الْمُغَطَّاةِ بِالثَّلْجِ وَعَبَرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ بِمَعِدَةٍ فَارِغَةٍ وَضَامِرَةٍ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُفَكِّرَ فِي شَيْءٍ آخَرَ؛ كَانَ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ. إِنَّهُ مَاهِرٌ جِدًّا، وَقَدِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَجِدَ مَا يَكْفِي مِنَ الطَّعَامِ لِيُبْقِيَهُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ مَا يَكْفِي لِيُعْطِيَهُ ذَلِكَ الشُّعُورَ بِالشِّبَعِ. فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُحْتَضَرُ فِيهِ مِنَ الْجُوعِ، كَانَ دَائِمًا جَائِعًا؛ لِذَا أَمْضَى كُلَّ وَقْتٍ لَا يَنَامُ فِيهِ بَاحِثًا عَمَّا يَأْكُلُهُ.

بِالطَّبْعِ صَادَفَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ آثَارَ الْجَدَّةِ وَالثَّعْلَبِ ريدي، وَمِنْ حِينٍ إِلَى حِينٍ كَانَ يُقَابِلُهُمَا. خَطَرَ بِبَالِ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ أَنَّهُمَا لَمْ يَبْدُوَا فِي مِثْلِ نَحَافَتِهِ. ذَلِكَ جَعَلَهُ يُفَكِّرُ. لَمْ يَكُنْ أَيٌّ مِنْهُمَا أَذْكَى مِنْهُ فِي الصَّيْدِ. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ يَتَبَاهَى بِنَفْسِهِ لِكَوْنِهِ أَذْكَى مِنْهُمَا. مَعَ ذَلِكَ، حِينَ قَابَلَهُمَا، بَدَوَا فِي أَحْسَنِ حَالٍ وَغَيْرَ قَلِقَيْنِ الْبَتَّةَ حِيَالَ شَحَّةِ الطَّعَامِ. لِمَاذَا؟ لَا بُدَّ أَنَّ هُنَاكَ سَبَبًا. لَا بُدَّ أَنَّهُمَا يَأْتِيَانِ بِطَعَامٍ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ.

تَمْتَمَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ: «سَوْفَ أُرَاقِبُهُمَا.»

هَكَذَا بِمَكْرٍ وَذَكَاءٍ شَدِيدَيْنِ تَبِعَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ الْجَدَّةَ وَالثَّعْلَبَ ريدي مُحْتَاطًا لِئَلَّا يَنْتَبِهَا أَنَّهُ يَفْعَلُ هَذَا. لِلَيْلَةٍ كَامِلَةٍ تَبِعَهُمَا عَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، وَحِينَ رَآهُمَا أَخِيرًا يَعُودَانِ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَلَا يَبْدُو عَلَيْهِمَا الْقَلَقُ مُطْلَقًا أَنَّهُمَا لَمْ يُمْسِكَا بِشَيْءٍ، عَادَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَخَذَ يُفَكِّرُ أَكْثَرَ.

تَمْتَمَ وَهُوَ يَحُكُّ أُذُنَيْهِ وَاحِدَةً ثُمَّ الْأُخْرَى: «إِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ بِطَعَامٍ مِنْ مَكَانٍ مَا، هَذَا مُؤَكَّدٌ.» لِسَبَبٍ مَا كَانَ يُفَكِّرُ بِطَرِيقَةٍ أَفْضَلَ حِينَ يَحُكُّ أُذُنَيْهِ. «إِذَا كَانَا لَا يَحْصُلَانِ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَهُمَا بِالتَّأْكِيدِ لَمْ يَحْصُلَا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ اللَّيْلَةَ، لَا بُدَّ أَنَّهُمَا يَحْصُلَانِ عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ. لَقَدْ قُمْتُ بِالْكَثِيرِ مِنَ الصَّيْدِ أَثْنَاءَ النَّهَارِ وَلَمْ أُقَابِلْهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، أَوْ أَرَهُمَا فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ أَوِ الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ. أَتَسَاءَلُ عَمَّا إِنْ كَانَا يَسْرِقَانِ دَجَاجَ الْمُزَارِعِ براون وَلَمْ يَكْشِفْ أَمْرَهُمَا حَتَّى الْآنَ. عَنْ نَفْسِي لَقَدِ ابْتَعَدْتُ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ بِاسْتِطَاعَتِهِمَا سَرِقَةُ الدَّجَاجِ دُونَ الْإِمْسَاكِ بِهِمَا، فَيُمْكِنُنِي ذَلِكَ بِالطَّبْعِ. لَا يُوجَدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ثَعْلَبٌ ذَكِيٌّ بِالْقَدْرِ الْكَافِي لِلْقِيَامِ بِأَمْرٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامُ بِهِ قَيُّوطٌ إِذَا حَاوَلَ. أَظُنُّ أَنَّنِي سَأَذْهَبُ خِلْسَةً إِلَى حَيْثُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُرَاقِبَ بَيْتَ الْمُزَارِعِ براون، وَأَرَى مَاذَا يَحْدُثُ هُنَاكَ. أَجَلْ، هَذَا مَا سَأَفْعَلُهُ.»

هَكَذَا ضَحِكَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ ثُمَّ عَقَصَ نَفْسَهُ لِيَغْفُوَ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتْعَبًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤