الفصل الثاني

الْجَدَّةُ وَالثَّعْلَبُ ريدي يَذْهَبَانِ لِلصَّيْدِ

حِينَمَا تَحَارُ فِي أَيِّ اتِّجَاهٍ يَكُونُ مَسَارُكَ،
أَفْضَلُ مَا تَفْعَلُهُ هُوَ أَنْ تَمْكُثَ مَكَانَكَ.
الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ

كَانَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْمَرِحُ الْمُسْتَدِيرُ الْمُشْرِقُ قَدْ بَدَأَ لِتَوِّهِ قَفْزَتَهُ الْيَوْمِيَّةَ فِي السَّمَاءِ الزَّرْقَاءِ ذَلِكَ الصَّبَاحَ. تَحَرَّكَ تَحْتَ قُرْصِ الشَّمْسِ حَيَوَانَانِ يَجْتَازَانِ الْمُرُوجَ الْخَضْرَاءَ الْمُغَطَّاةَ بِالثَّلْجِ. كَانَا يَجْتَازَانِ الْمُرُوجَ مَعًا كَمَا لَوْ أَنَّهُمَا اتَّخَذَا قَرَارَهُمَا بِالْفِعْلِ بِشَأْنِ وُجْهَتِهِمَا. وَهَكَذَا كَانَ الْأَمْرُ؛ فَقَدْ كَانَا الْجَدَّةَ وَالثَّعْلَبَ ريدي. وَكَانَا مُتَّجِهَيْنِ نَحْوَ النَّهْرِ الْكَبِيرِ؛ حَيْثُ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَتْ تَجْرِي فِيهِ الْمِيَاهُ بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى إِنَّهَا لَا تَتَجَمَّدُ. كَانَ ريدي قَدْ رَأَى أَمْسِ الْبَطَّةَ كواكر الْبَرِّيَّةَ تَسْبَحُ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ هُنَاكَ، وَالْآنَ هُمَا فِي طَرِيقِهِمَا لِمُحَاوَلَةِ الْإِمْسَاكِ بِهَا.

قَادَتِ الْجَدَّةُ الطَّرِيقَ وَتَبِعَهَا ريدي بِخُنُوعٍ. فِي الْحَقِيقَةِ، لَمْ يَكُنْ لَدَى ريدي أَدْنَى أَمَلٍ فِي أَنَّهُمَا سَيَحْظَيَانِ بَفُرْصَةٍ لِلْإِمْسَاكِ بِكواكر؛ لِأَنَّ كواكر ظَلَّتْ بَعِيدَةً فِي الْمِيَاهِ، حَيْثُ كَانَتْ بِأَمَانٍ، كَأَنَّهُمَا يَبْعُدَانِ عَنْهَا بِأَلْفِ مِيلٍ. السَّبَبُ الْوَحِيدُ الَّذِي دَفَعَ ريدي لِمُوَافَقَةِ الْجَدَّةِ كَانَ الْأَمَلَ فِي أَنْ يَجِدَ سَمَكَةً مَيْتَةً مُنْجَرِفَةً إِلَى الشَّاطِئِ مِثْلَمَا حَدَثَ الْيَوْمَ السَّابِقَ.

فَكَّرَ ريدي فِي نَفْسِهِ وَهُوَ يَسِيرُ وَرَاءَهَا: «حَتْمًا أَنَّ الْجَدَّةَ قَدْ بَدَأَتْ تَفْقِدُ عَقْلَهَا فِي عُمُرِ الشَّيْخُوخَةِ. لَقَدْ قُلْتُ لَهَا إِنَّ كواكر لَمْ تَقْتَرِبْ وَلَوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّاطِئِ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ شَيْئًا حَقًّا، فَلَا بُدَّ أَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ الْإِمْسَاكَ بِهَا فِي عُرْضِ النَّهْرِ. لَقَدْ كَانَتِ الْجَدَّةُ ذَكِيَّةً فِي شَبَابِهَا، عَلَى مَا أَظُنُّ، وَلَكِنَّهَا حَتْمًا تَفْقِدُ صَوَابَهَا الْآنَ. يَا لَلْأَسَفِ! حَقًّا يَا لَلْأَسَفِ! أَتَخَيَّلُ كَمْ سَتَضْحَكُ كواكر مِنْهَا. عَنْ نَفْسِي سَوْفَ أَضْحَكُ.»

لَقَدْ ضَحِكَ بِالْفِعْلِ، وَلَكِنَّهُ تَمَالَكَ نَفْسَهُ بِصُعُوبَةٍ حَتَّى لَا تَرَاهُ الْجَدَّةُ وَهُوَ يَضْحَكُ. كُلَّمَا الْتَفَتَتْ كَانَ يَتَمَالَكُ نَفْسَهُ عَلَى قَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ. فِي الْوَاقِعِ، كَانَ يَبْدُو مُتَلَهِّفًا كَمَا لَوْ كَانَ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّهُمَا سَيُمْسِكَانِ بِكواكر. وَلَكِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ الْآنَ فِي غَايَةِ الْحِكْمَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الْعَالَمِ الْكَبِيرِ، وَلَوْ عَلِمَ ريدي بِمَا يَجُولُ فِي خَاطِرِهَا وَهِيَ تَقُودُ الطَّرِيقَ لِلنَّهْرِ الْكَبِيرِ، لَمَا كَانَ وَاثِقًا هَكَذَا مِنْ ذَكَائِهِ. كَانَتِ الْجَدَّةُ تَضْحَكُ فِي هُدُوءٍ هِيَ أَيْضًا.

كَانَتْ هِيَ الْأُخْرَى تُفَكِّرُ فِي نَفْسِهَا: «يَظُنُّ أَنَّنِي عَجُوزٌ خَرِفَةٌ وَلَا أَعْلَمُ مَا أَفْعَلُ، الْوَغْدُ الصَّغِيرُ! يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. لَا يُوجَدُ أَدْنَى جَدْوَى فِي الْعَالَمِ مِنْ مُحَاوَلَةِ إِفْهَامِهِ شَيْئًا. حِينَ يُفَكِّرُ الشَّبَابُ مِثْلَمَا يُفَكِّرُ، يَكُونُ الْكَلَامُ مَعَهُمْ مَضْيَعَةً لِلْوَقْتِ. لَا بُدَّ أَنْ يَرَى بِنَفْسِهِ. لَا شَيْءَ مِثْلُ التَّجْرِبَةِ لِإِزَالَةِ الْغُرُورِ مِنْ هَؤُلَاءِ الشَّبَابِ.»

الْغُرُورُ هُوَ الْإِحْسَاسُ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْآنَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ. رُبَّمَا تَعْرِفُهُ، وَلَكِنْ أَيْضًا، رُبَّمَا لَا تَعْرِفُهُ؛ لِذَا، أَحْيَانًا يَكُونُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَلَّا تَثِقَ كَثِيرًا فِي وُجْهَةِ نَظَرِكَ. كَانَ ريدي وَاثِقًا. لَقَدْ سَارَ وَرَاءَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ وَهُوَ يُعِدُّ أَقْوَالًا مَاكِرَةً يَقُولُهَا لَهَا عِنْدَمَا تَجِدُ أَنَّهُ لَا فُرْصَةَ لَهَا فِي الْإِمْسَاكِ بِالْبَطَّةِ كواكر. آسَفُ أَشَدَّ الْأَسَفِ أَنَّ ريدي اعْتَزَمَ أَنْ يَكُونَ وَقِحًا؛ فَمَنْ يَظُنُّونَ أَنْفُسَهُمْ حُكَمَاءَ يَمِيلُونَ أَنْ يَكُونُوا وَقِحِينَ.

وَصَلَا حِينَهَا إِلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ. طَلَبَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ مِنْ ريدي أَنْ يَجْلِسَ دُونَ حَرَكَةٍ فِي حِينِ تَتَسَلَّلُ هِيَ وَرَاءَ بَعْضِ الشُّجَيْرَاتِ؛ حَيْثُ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَخْتَلِسَ الْأَنْظَارَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ. كَانَ يَبْتَسِمُ ابْتِسَامَةً عَرِيضَةً وَهُوَ يُرَاقِبُهَا. وَكَانَ لَا يَزَالُ مُبْتَسِمًا عِنْدَمَا عَادَتْ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهَا. لَقَدْ تَوَقَّعَ أَنْ يَرَى وَجْهَهَا تَعْتَرِيهِ خَيْبَةُ الْأَمَلِ. عَلَى الْعَكْسِ، بَدَتْ سَعِيدَةً لِلْغَايَةِ.

قَالَتْ: «إِنَّ كواكر هُنَاكَ، أَعْتَقِدُ أَنَّهَا سَتَكُونُ عَشَاءً جَيِّدًا لَنَا. تَسَلَّلْ وَرَاءَ تِلْكَ الشُّجَيْرَاتِ لِكَيْ تَرَى بِنَفْسِكَ، ثُمَّ عُدْ إِلَى هُنَا وَأَخْبِرْنِي مَا تَظُنُّهُ أَفْضَلَ مَا نَفْعَلُ لِكَيْ نُمْسِكَ بِهَا.»

فَذَهَبَ ريدي وَرَاءَ الشُّجَيْرَاتِ، وَكَانَتِ الْجَدَّةُ هِيَ مَنْ تَضْحَكُ هَذِهِ الْمَرَّةَ وَهِيَ تُشَاهِدُ. وَبَيْنَمَا كَانَ ريدي يَتَسَلَّلُ، تَسَاءَلَ إِنْ كَانَتْ كواكر قَدِ اقْتَرَبَتْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّاطِئِ. لَقَدْ بَدَتِ الْجَدَّةُ فِي غَايَةِ الثِّقَةِ أَنَّهُمَا سَيُمْسِكَانِ بِهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْوَضْعُ هَكَذَا. وَلَكِنْ حِينَمَا نَظَرَ مِنْ بَيْنِ الشُّجَيْرَاتِ، كَانَتْ كواكر هُنَاكَ فِي مُنْتَصَفِ الْمِيَاهِ الْمَفْتُوحَةِ بِالضَّبْطِ حَيْثُمَا كَانَتْ فِي الْيَوْمِ السَّابِقِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤