الفصل الحادي والعشرون

الْجَدَّةُ وَريدي يُنَاقِشَانِ الْأَمْرَ

عَلَى مَدَارِ حَيَاتِكَ سَتَجِدُ أَنَّ مَا أَرَدْتَهُ لِنَفْسِكَ
يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ نَفْسُهُ مَا لَا يَجِبُ أَنْ تَأْخُذَهُ،
ثُمَّ تُدْرِكُ أَنَّ مَا كَانَ يَبْدُو خَسَارَةً هُوَ مَكْسَبٌ لَكَ.
الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ

إِذَا بَلَغَ الْجُنُونُ مِنَ اثْنَيْنِ أَقْصَى مَبْلَغِهِ، فَهَذَانِ الِاثْنَانِ كَانَا الْجَدَّةَ وَالثَّعْلَبَ ريدي وَهُمَا يُشَاهِدَانِ الْقَيُّوطَ الْعَجُوزَ يَلْتَهِمُ الْعَشَاءَ الَّذِي سَرَقَاهُ بِمُنْتَهَى الذَّكَاءِ مِنَ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر. كَانَ مِنَ السَّيِّئِ جِدًّا خَسَارَةُ الْعَشَاءِ، وَلَكِنَّ الْأَسْوَأَ هُوَ أَنْ يُشَاهِدَا شَخْصًا آخَرَ يَأْكُلُهُ بَعْدَ أَنْ بَذَلَا مَجْهُودًا لِلْحُصُولِ عَلَيْهِ. زَمْجَرَتِ الْجَدَّةُ قَائِلَةً: «سَارِقٌ!» تَوَقَّفَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ عَنِ الْأَكْلِ وَضَحِكَ بِسُخْرِيَةٍ.

زَمْجَرَ ريدي قَائِلًا: «لِصٌّ! مُتَسَلِّلٌ! جَبَانٌ!» ضَحِكَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ بِسُخْرِيَةٍ مَرَّةً ثَانِيَةً. عِنْدَمَا اخْتَفَى ذَلِكَ الْعَشَاءُ فِي حَلْقِهِ حَتَّى آخِرِ وَأَصْغَرِ كِسْرَةٍ، لَعِقَ يَدَيْهِ وَالْتَفَتَ إِلَى الْجَدَّةِ وَريدي.

وَقَدْ قَالَ بِسُرُورٍ وَعَيْنَاهُ تَلْمَعَانِ بِالْأَذَى: «إِنَّنِي مَمْنُونٌ جِدًّا لِذَلِكَ الْعَشَاءِ. كَانَ أَفْضَلَ عَشَاءٍ تَنَاوَلْتُهُ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ. اسْمَحَا لِي أَنْ أَقُولَ إِنَّ خُدْعَتَكُمَا تِلْكَ كَانَتْ أَذْكَى خُدْعَةٍ رَأَيْتُهَا بِحَيَاتِي. كَانَتْ جَدِيرَةً تَمَامًا بِذِئْبٍ. إِنَّكِ سَيِّدَةٌ عَجُوزٌ فِي غَايَةِ الْبَرَاعَةِ يَا جَدَّةُ ثعلبة. وَالْآنَ أَسْمَعُ أَحَدًا قَادِمًا، وَأَقْتَرِحُ أَنَّهُ مِنَ الْأَفْضَلِ لَنَا جَمِيعًا أَلَّا يُشَاهِدَنَا أَحَدٌ هُنَا.»

وَثَبَ سَرِيعًا خَلْفَ الْحَظِيرَةِ مِثْلَ شُعَاعٍ رَمَادِيٍّ، وَتَبِعَتْهُ الْجَدَّةُ وَريدي؛ لِأَنَّهُ بِالْفِعْلِ كَانَ أَحَدٌ قَادِمًا. كَانَ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر قَدِ اكْتَشَفَ أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا مَا يَحْدُثُ عِنْدَ زَاوِيَةِ الْكُوخِ، وَأَحْدَثَ ضَجَّةً جَعَلَتِ السَّيِّدَةَ براون تَخْرُجُ مِنَ الْمَنْزِلِ لِتَرَى مَا سَبَبُهَا. عِنْدَمَا اقْتَرَبَتْ إِلَى هُنَاكَ، كُلُّ مَا رَأَتْهُ كَانَ الْوِعَاءَ الْفَارِغَ الَّذِي كَانَ بِهِ عَشَاءُ باوزر. تَحَيَّرَتْ. لَمْ تَفْهَمْ كَيْفَ أَنَّ ذَلِكَ الْوِعَاءَ مَوْضُوعٌ فِي مَكَانِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ باوزر أَنْ يُخْبِرَهَا، رَغْمَ أَنَّهُ حَاوَلَ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ. كَانَتْ قَدْ تَحَيَّرَتْ بِشَأْنِ ذَلِكَ الْوِعَاءِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مِنْ قَبْلُ.

لَمْ يُضَيِّعِ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ أَيَّ وَقْتٍ فِي الْعَوْدَةِ إِلَى بَيْتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ قَطُّ بِالرَّاحَةِ فِي الْوُجُودِ بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتِ إِنْسَانٍ فِي وَضَحِ النَّهَارِ. ذَهَبَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة وَريدي إِلَى بَيْتِهِمَا أَيْضًا، وَكَانَ بَقَلْبَيْهِمَا كُرْهٌ؛ كُرْهٌ تُجَاهَ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ. وَلَكِنْ مَا إِنْ وَصَلَا إِلَى الْبَيْتِ، حَتَّى تَوَقَّفَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ عَنِ التَّذَمُّرِ، وَبَدَأَتْ عَلَى الْفَوْرِ تَضْحَكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَفْسِهَا.

سَأَلَهَا ريدي: «عَلَامَ تَضْحَكِينَ؟»

أَجَابَتِ الْجَدَّةُ: «عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَرَقَ بِهَا الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ عَشَاءَنَا.»

رَدَّ ريدي بِعُنْفٍ قَائِلًا: «إِنَّنِي أَمْقُتُهُ! إِنَّهُ لِصٌّ مُتَسَلِّلٌ!»

رَدَّتِ الْجَدَّةُ: «لَا، لَا يَا ريدي! لَا، لَا! كُنْ عَادِلًا. لَقَدْ سَرَقْنَا ذَلِكَ الطَّعَامَ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر، وَسَرَقَهُ مِنَّا الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ. أَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأَ مِنَّا عِنْدَمَا تُعِيدُ التَّفْكِيرَ فِي الْأَمْرِ. وَالْآنَ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟»

أَقَرَّ ريدي عَلَى مَضَضٍ: «أَنَا … أَنَا … حَسَنًا، لَا أَظُنُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ إِنْ فَكَّرْتُ فِي الْأَمْرِ هَكَذَا.»

أَكْمَلَتِ الْجَدَّةُ قَائِلَةً: «وَكَانَ ذَكِيًّا، فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ، أَنْ يَغْلِبَ اثْنَيْنِ بَارِعَيْنِ مِثْلَنَا. يَجِبُ أَنْ تُقِرَّ بِذَلِكَ.»

أَجَابَ ريدي بِبُطْءٍ: «أَ…ﺟَ…لْ، كَانَ ذَكِيًّا جِدًّا، وَلَكِنْ …»

قَاطَعَتْهُ الْجَدَّةُ: «لَا تَقُلْ وَلَكِنْ يَا ريدي، أَنْتَ تَعْرِفُ قَانُونَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. هُوَ أَنَّ كُلًّا يَخْدِمُ نَفْسَهُ، وَكُلَّ شَيْءٍ يَنْتَمِي لِمَنْ يَمْلِكُ الذَّكَاءَ أَوِ الْقُوَّةَ لِأَخْذِهِ. كُنَّا مِنَ الذَّكَاءِ أَنْ أَخَذْنَا الْعَشَاءَ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر، وَكَانَ الْقَيُّوطُ الْعَجُوزُ مِنَ الذَّكَاءِ لِيَأْخُذَهُ مِنَّا، وَمِنَ الْقُوَّةِ لِيَحْتَفِظَ بِهِ. هَذَا عَادِلٌ تَمَامًا، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ مِنَ الْبُكَاءِ عَلَى اللَّبَنِ الْمَسْكُوبِ، كَمَا يَقُولُ الْمَثَلُ. بِبَسَاطَةٍ يَجِبُ عَلَيْنَا أَلَّا نَسْمَحَ لَهُ أَنْ يَخْدَعَنَا مَرَّةً ثَانِيَةً. أَظُنُّ أَنَّنَا لَنْ نَحْصُلَ عَلَى الْمَزِيدِ مِنْ عَشَاءِ باوزر لِفَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ. عَلَيْنَا أَنْ نَجِدَ طَرِيقَةً أُخْرَى لِنَسُدَّ بِهَا جُوعَنَا عِنْدَمَا يَقِلُّ الصَّيْدُ. أَعْتَقِدُ أَنَّنِي لَوْ حَصَلْتُ عَلَى إِحْدَى الدَّجَاجَاتِ السَّمِينَةِ مِنَ الْمُزَارِعِ براون، فَسَيُعِيدُ هَذَا الْقُوَّةَ لِعِظَامِي الْعَجُوزِ. حَذَّرْتُكَ طَوَالَ الصَّيْفِ مِنْ الِاقْتِرَابِ مِنْ تِلْكَ الدَّجَاجَاتِ، وَلَكِنْ حَانَ الْوَقْتُ الْآنَ أَنْ نُحَاوِلَ الْحُصُولَ عَلَى بِضْعٍ مِنْ تِلْكَ الدَّجَاجَاتِ.»

نَصَبَ ريدي أُذُنَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِ الدَّجَاجَاتِ السَّمِينَةِ وَقَالَ: «أَعْتَقِدُ هَذَا أَيْضًا. مَتَى يُمْكِنُنَا أَنْ نَبْدَأَ؟»

أَجَابَتِ الْجَدَّةُ: «غَدًا فِي الصَّبَاحِ. وَالْآنَ لَا تُزْعِجْنِي بَيْنَمَا أُفَكِّرُ فِي خُطَّةٍ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤