الفصل الرابع والعشرون

زِيَارَةُ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ

مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ يُحَاوِلُ وَيُحَاوِلُ،
هُوَ مَنْ يَنْجَحُ بَعْدَ أَنْ يُعَافِرَ.
الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ

بَدَا لِلثَّعْلَبِ ريدي أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَمُرَّ بِهَذَا الْبُطْءِ مِنْ قَبْلُ مِثْلَمَا مَرَّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، بَيْنَمَا انْتَظَرَ هُوَ وَالْجَدَّةُ ثعلبة حَتَّى شَعَرَتِ الْجَدَّةُ أَنَّ الْوَقْتَ آمَنُ لِزِيَارَةِ عُشَّةِ دَجَاجِ الْمُزَارِعِ براون، وَلِلْبَحْثِ عَنْ أَيِّ فُرْصَةٍ لِدُخُولِهَا. حَاوَلَ ريدي أَلَّا يَأْمُلَ كَثِيرًا. وَجَدَتِ الْجَدَّةُ طَرِيقَةً لِفَتْحِ بَوَّابَةِ حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ، وَلَكِنَّ هَذَا لَنْ يُفِيدَ إِنْ لَمْ يَجِدَا طَرِيقَةً لِدُخُولِ الْعُشَّةِ، وَهَذَا مَا شَكَّ فِيهِ ريدي لِلْغَايَةِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ طَرِيقَةٌ فَهُوَ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَهَا، وَانْتَظَرَ بِفَارِغِ الصَّبْرِ حَتَّى يَبْدَآ.

وَلَكِنَّ الْجَدَّةَ لَمْ تَكُنْ فِي عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِهَا. لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ جَائِعَةً مِثْلَ ريدي، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ حَكِيمَةً وَذَكِيَّةً وَمَاكِرَةً بِكُلِّ مَا تَحْمِلُ الْكَلِمَةُ مِنْ مَعْنًى؛ لِذَا لَمْ تُخَاطِرْ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

قَالَتْ: «لَا يُوجَدُ نَفْعٌ مِنْ أَنْ نَكُونَ فِي عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِنَا يَا ريدي، وَكَثِيرًا مَا تُوجَدُ خَسَارَةٌ فِي ذَلِكَ. سَيَكُونُ مَذَاقُ دَجَاجَةٍ سَمِينَةٍ جَيِّدًا جِدًّا لَاحِقًا، تَمَامًا مِثْلَمَا سَيَكُونُ الْآنَ، وَسَيَكُونُ مِنَ الْحَمَاقَةِ أَنْ نَذْهَبَ إِلَى بَيْتِ الْمُزَارِعِ براون قَبْلَ أَنْ نَتَأَكَّدَ أَنَّ كُلَّ مَنْ هُنَاكَ نَائِمُونَ. وَلَكِنْ لِأُرِيحَ عَقْلَكَ سَأَقُولُ لَكَ مَاذَا سَنَفْعَلُ؛ سَنَذْهَبُ إِلَى حَيْثُ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَرَى بَيْتَ الْمُزَارِعِ براون، وَنُرَاقِبُ آخِرَ ضَوْءٍ يَنْطَفِئُ.»

هَكَذَا ذَهَبَا إِلَى بُقْعَةٍ حَيْثُ يَسْتَطِيعَانِ رُؤْيَةَ بَيْتِ الْمُزَارِعِ براون، وَهُنَاكَ جَلَسَا لِيُرَاقِبَا. بَدَا لِريدي أَنَّ تِلْكَ الْأَضْوَاءَ لَنْ تَنْطَفِئَ أَبَدًا. وَلَكِنْ أَخِيرًا انْطَفَأَتْ.

قَفَزَ وَاقِفًا وَقَالَ: «هَيَّا يَا جَدَّتِي!»

أَجَابَتِ الْجَدَّةُ: «لَيْسَ بَعْدُ يَا ريدي، لَيْسَ بَعْدُ. عَلَيْنَا أَنْ نُمْهِلَ أَهْلَ الْبَيْتِ بَعْضَ الْوَقْتِ لِكَيْ يَنَامُوا نَوْمًا عَمِيقًا. إِذَا تَمَكَّنَّا مِنْ دُخُولِ عُشَّةِ الدَّجَاجِ، قَدْ يُحْدِثُ ذَلِكَ الدَّجَاجُ ضَجِيجًا، وَإِذَا حَدَثَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ يَجِبُ أَنْ نَكُونَ مُتَأَكِّدَيْنِ مِنْ أَنَّ الْمُزَارِعَ براون وَابْنَهُ نَائِمَانِ.»

كَانَتْ تِلْكَ نَصِيحَةً مَوْثُوقًا بِهَا، وَكَانَ ريدي يَعْلَمُ ذَلِكَ؛ لِذَا رَمَى نَفْسَهُ ثَانِيَةً عَلَى الثَّلْجِ مُتَأَوِّهًا يَنْتَظِرُ. وَأَخِيرًا قَامَتِ الْجَدَّةُ وتَمَطَّتْ وَنَظَرَتْ إِلَى أَعْلَى، إِلَى النُّجُومِ الْمُتَلَأْلِئَةِ. قَالَتْ وَهِيَ تَقُودُ الطَّرِيقَ: «هَيَّا بِنَا.»

تَسَلَّلَا خَلْفَ الْحَظِيرَةِ وَحَوْلَهَا، دُونَ أَنْ يُصْدِرَا أَيَّ صَوْتٍ مُطْلَقًا مِثْلَ الظِّلَالِ. سَمِعَا كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر يَتَنَهَّدُ فِي نَوْمِهِ فِي بَيْتِهِ الصَّغِيرِ الدَّافِئِ، وَضَحِكَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ. تَسَلَّلَا بِصَمْتٍ إِلَى حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ. كَانَتِ الْبَوَّابَةُ مَفْتُوحَةً، تَمَامًا مِثْلَمَا أَخْبَرَتِ الْجَدَّةُ ريدي. تَسَلَّلَا بِسُرْعَةٍ عَبْرَ حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ، مُتَّجِهَيْنِ إِلَى حَيْثُ رَأَيَا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي النَّهَارِ الدَّجَاجَ يَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ مِنْ خِلَالِ فَتْحَةٍ صَغِيرَةٍ. كَانَتِ الْفَتْحَةُ مُغْلَقَةً، وكَانَ ريدي مُتَوَقِّعًا ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ شَعَرَ بِخَيْبَةِ أَمَلٍ كَبِيرَةٍ. نَظَرَ إِلَيْهَا مُجَرَّدَ نَظْرَةٍ خَاطِفَةٍ.

قَالَ بِنِصْفِ نَبْحَةٍ: «كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَنْ تُفْلِحَ.»

وَلَكِنَّ الْجَدَّةَ لَمْ تُعِرْهُ أَيَّ اهْتِمَامٍ. اقْتَرَبَتْ مِنَ الْفَتْحَةِ وَدَفَعَتِ الْبَابَ الصَّغِيرَ الَّذِي يُغْلِقُهَا. لَمْ يَتَحَرَّكْ. ثُمَّ لَاحَظَتْ أَنَّ هُنَاكَ فُرْجَةً صَغِيرَةً عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ. حَاوَلَتْ أَنْ تُدْخِلَ أَنْفَهَا فِيهَا، وَلَكِنَّ الْفُرْجَةَ كَانَتْ ضَيِّقَةً جِدًّا. ثُمَّ حَاوَلَتْ بِيَدِهَا. أَدْخَلَتْ أَحَدَ مَخَالِبِهَا بِحَافَةِ الْبَابِ، فَتَحَرَّكَ قَلِيلًا جِدًّا، فَعَلِمَتِ الْجَدَّةُ أَنَّ الْبَابَ لَيْسَ مُوصَدًا. تَمَدَّدَتِ الْجَدَّةُ مُنْبَسِطَةً عَلَى الْأَرْضِ وَهَمَّتْ بِالْعَمَلِ؛ أَوَّلًا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ بِالْأُخْرَى. قَبْلَ وَقْتٍ طَوِيلٍ، أَدْخَلَتْ مَخَالِبَهَا فِيهِ ثَانِيَةً، فَتَحَرَّكَ قَلِيلًا. بِكُلِّ تَأْكِيدٍ هَذَا الْبَابُ لَيْسَ مُوصَدًا، وَأَصْبَحَتِ الْفُرْجَةُ أَوْسَعَ بِقَلِيلٍ.

سَأَلَ ريدي بِغَضَبٍ: «فِيمَ تُضَيِّعِينَ وَقْتَكِ هُنَاكَ؟ مِنَ الْأَفْضَلِ بِنَا أَنْ نَنْطَلِقَ لِلصَّيْدِ إِذَا كُنَّا سَنَتَنَاوَلُ أَيَّ شَيْءٍ اللَّيْلَةَ.»

لَمْ تَقُلِ الْجَدَّةُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا تَابَعَتْ عَمَلَهَا. لَقَدِ اكْتَشَفَتْ أَنَّ هَذَا بَابٌ جَرَّارٌ. وَأَصْبَحَتِ الْآنَ الْفُرْجَةُ وَاسِعَةً بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِتُدْخِلَ أَنْفَهَا بِهَا. ثُمَّ دَفَعَتْ رَأْسَهَا وَلَوَتْهَا فِي هَذَا الِاتِّجَاهِ وَذَاكَ. انْزَلَقَ الْبَابُ الصَّغِيرُ قَلِيلًا إِلَى الْوَرَاءِ، وَعِنْدَمَا أَدَارَ ريدي وَجْهَهُ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهَا، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا ظَهْرَهُ، لَمْ يَجِدْهَا. فَتَحَ ريدي فَاهُ بِحَمَاقَةٍ. لَمْ تَكُنِ الْجَدَّةُ هُنَاكَ، وَلَكِنْ كَانَتْ هُنَاكَ فُرْجَةٌ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ تَعْمَلُ فِيهِ، وَمِنْهُ خَرَجَتْ أَطْيَبُ رَائِحَةٍ؛ رَائِحَةُ الدَّجَاجِ السَّمِينِ! بَدَا لِريدي أَنَّ مَعِدَتَهُ تَتَخَبَّطُ مِنَ اللَّهْفَةِ. فَرَكَ عَيْنَيْهِ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَيْقِظٌ. ثُمَّ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ كَانَ هُوَ نَفْسُهُ دَاخِلَ تِلْكَ الْفُرْجَةِ.

هَمَسَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ: «صَهٍ! لَا تَتَحَرَّكْ!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤