الفصل التاسع والعشرون

الْبَيْتُ الْجَدِيدُ فِي الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ

مَنْ يَنْتَبِهْ لِأَصَابِعِ قَدَمِهِ،
لَا يَخْشَ أَنْ تَصْطَدِمَ أَنْفُهُ.
الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ

لَا شَيْءَ يَجْعَلُ أَحَدًا يُفَكِّرُ أَكْثَرُ مِنَ الْحَبْسِ فِي الظَّلَامِ وَحِيدًا. بَدَأَ صَوْتٌ دَاخِلَ ريدي يَهْمِسُ لَهُ. قَالَ لَهُ الصَّوْتُ: «لَوْ لَمْ تُحَاوِلْ أَنْ تَتَحَاذَقَ وَتَتَبَاهَى لَمَا جَلَبْتَ كُلَّ تِلْكَ الْمَشَاكِلِ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَى الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ.»

أَجَابَ ريدي بِصَوْتٍ عَالٍ: «أَعْلَمُ ذَلِكَ!» وَنَسِيَ أَنَّهُ مُجَرَّدُ صَوْتٍ ضَعِيفٍ بِدَاخِلِهِ.

سَأَلَ الشَّيْهَمُ بريكلي بوركي: «مَاذَا تَعْلَمُ؟» كَانَ لَا يَزَالُ يَحْتَجِزُ ريدي بِالدَّاخِلِ وَالْجَدَّةُ بِالْخَارِجِ وَسَمِعَ مَا قَالَهُ ريدي.

رَدَّ ريدي بِعُنْفٍ: «لَا شَأْنَ لَكَ بِذَلِكَ!»

سَمِعَ ريدي الشَّيْهَمَ بريكلي بوركي يَضْحَكُ ضِحْكَةً خَافِتَةً. ثُمَّ رَدَّدَ الشَّيْهَمُ بريكلي بوركي مَا يَلِي وَكَأَنَّهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِصَوْتٍ أَجَشَّ عَلِيلٍ:

لَا تَنْفَعُ الْفَظَاظَةُ أَبَدًا أَبَدًا،
وَلَا يُوجَدُ نَفْعٌ مِنْ أَسَالِيبِ الْوَقَاحَةِ.
مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ تَكُونَ دَائِمًا مُهَذَّبًا،
وَلَا تُعْطِ مَجَالًا لِلضَّغِينَةِ الْمُتَّسِمَةِ بِالْوَقَاحَةِ.
إِذَا كَانَ هَذَا مَا تَشْعُرُ بِهِ بِدَاخِلِكَ،
يَجِبُ أَنْ تُخْفِيَ كُلَّ تِلْكَ الْمَشَاعِرِ؛
لِأَنَّ مَنْ يَأْمُلُ الْفَوْزَ يَجِبُ أَنْ يَبْتَسِمَ،
وَمَنْ يَخْسَرُ سَيَتَجَهَّمُ بِالْأَكْثَرِ.

تَظَاهَرَ ريدي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ. اسْتَمَرَّ الشَّيْهَمُ بريكلي بوركي فِي الضَّحِكِ لِفَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ. وَأَخِيرًا غَفَا ريدي، وحِينَ اسْتَيْقَظَ وَجَدَ أَنَّ الشَّيْهَمَ بريكلي بوركي قَدْ رَحَلَ، وَأَنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ أَحْضَرَتْ لَهُ بَعْضَ الطَّعَامِ.

حَالَمَا اسْتَطَاعَ ريدي الْمَشْيَ، رَحَلَ هُوَ وَالْجَدَّةُ إِلَى الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ. إِنَّ الْمَرَاعِيَ الْقَدِيمَةَ تَخْتَلِفُ إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ عَنِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. نَعَمْ، بِالْفِعْلِ، إِنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ جِدًّا جِدًّا. ظَنَّ الثَّعْلَبُ ريدي هَكَذَا. وَلَمْ يَرُقْ لِريدي التَّغْيِيرُ، مُطْلَقًا. مَا يُوجَدُ هُنَاكَ كَانَ الصُّخُورَ الْكَبِيرَةَ وَحَوْلَهَا وَفَوْقَهَا تَنْمُو أَجَمَةٌ وَأَشْجَارٌ صَغِيرَةٌ، وَالْأَغْصَانُ الشَّائِكَةُ بِأَشْوَاكٍ طَوِيلَةٍ مُزْعِجَةٍ، وَقَصَبُ ثَمَرِ الْعَلِيقِ، وَالتُّوتُ الَّذِي بَدَا وَكَأَنَّ لَهُ مَلَايِينَ الْأَيَادِي الْمُتَشَابِكَةِ، تُحَاوِلُ أَنْ تُمْسِكَ بِمِعْطَفِهِ الْأَحْمَرِ وَتُمَزِّقَهُ وَتَخْدِشَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ. كَانَ هُنَاكَ الْعَدِيدُ مِنَ الْأَمَاكِنِ الْمَفْتُوحَةِ حَيْثُ تَرْعَى الْمَاشِيَةُ ذَاتُ الْعُيُونِ الْبَرِّيَّةِ عَلَى الْحَشَائِشِ الْقَصِيرَةِ. لَقَدْ صَنَعَتِ الْكَثِيرَ مِنَ الطُّرُقِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي تَتَقَاطَعُ بَيْنَ الشُّجَيْرَاتِ، فَإِنْ حَاوَلْتَ أَنْ تَتَتَبَّعَ إِحْدَى هَذِهِ الطُّرُقِ فَلَنْ تَعْرِفَ أَيْنَ سَيَنْتَهِي بِكَ الْمَطَافُ.

لَا، لَمْ يُحِبَّ الثَّعْلَبُ ريدي الْمَرَاعِيَ الْقَدِيمَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. لَمْ تُوجَدْ حَشَائِشُ نَاعِمَةٌ طَوِيلَةٌ لِلتَّمَدُّدِ عَلَيْهَا. وَكَانَ الْمَكَانُ مُنْعَزِلًا. لَقَدِ افْتَقَدَ أَهْلَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارَ. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ لِيَسْتَفِزَّهُ وَيُضَايِقَهُ. وَكَانَتِ الْمَسَافَةُ طَوِيلَةً جِدًّا مِنْ حَظِيرَةِ دَجَاجِ الْمُزَارِعِ براون، وَلَمْ تُبَالِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ بِأَنْ تَأْتِيَ لَهُ بِدَجَاجَةٍ سَمِينَةٍ. عَلَى الْأَقَلِّ، هَذَا مَا أَخْبَرَتْ بِهِ ريدي.

فِي الْحَقِيقَةِ، إِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ عَلِمَتْ أَنَّ أَفْضَلَ شَيْءٍ تَقُومُ بِهِ هُوَ الِابْتِعَادُ عَنْ بَيْتِ الْمُزَارِعِ براون لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ. كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ريدي لَنْ يَسْتَطِيعَ الذَّهَابَ إِلَى الْمَنْزِلِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَزَالُ ضَعِيفًا وَمُتَأَلِّمًا فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسَافِرَ كُلَّ هَذِهِ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ، وَأَمَلَتْ أَنَّهُ مَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ سَيَتَحَسَّنُ ريدي وَيَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ، فَهُوَ الْآنَ قَدْ تَعَلَّمَ أَلَّا يَقُومَ بِشَيْءٍ غَبِيٍّ مِثْلِ مُحَاوَلَتِهِ أَنْ يَتَبَاهَى بِسَرِقَةِ دَجَاجَةٍ فِي وَضَحِ النَّهَارِ، مِثْلَمَا فَعَلَ حِينَ جَلَبَ عَلَيْهِمَا كُلَّ تِلْكَ الْمَشَاكِلِ.

هُنَاكَ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، كَانَ بَيْتُ الْجَدَّةِ وَالثَّعْلَبِ ريدي عَلَى رَبْوَةٍ صَغِيرَةٍ، وَهِيَ كَمَا تَعْلَمُونَ تَلٌّ مُنْخَفِضٌ؛ حَيْثُ يَسْتَطِيعَانِ الْجُلُوسَ عِنْدَ عَتَبَةِ بَابِهِمَا وَرُؤْيَةَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ كُلِّهَا. كَانَ الْمَنْظَرُ جَمِيلًا جِدًّا هُنَاكَ. كَانَا قَدْ هَيَّآ طُرُقًا صَغِيرَةً جَمِيلَةً بَيْنَ حَشَائِشِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الطَّوِيلَةِ، وَكَانَتْ شَقَائِقُ النُّعْمَانِ وَزُهُورُ الرَّبِيعِ قَدْ نَمَتْ بِالْقُرْبِ مِنْ عَتَبَةِ بَابِهِمَا. وَلَكِنْ هُنَا فِي الْمَرَاعِي الْقَدِيمَةِ اخْتَارَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة أَكْثَرَ الْأَجَمَاتِ وَالْأَشْجَارِ الصَّغِيرَةِ كَثَافَةً، وَبِالْوَسَطِ كَانَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الصُّخُورِ. بَيْنَ تِلْكَ الصُّخُورِ حَفَرَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة بَيْتَهُمَا الْجَدِيدَ. كَانَ بِأَسْفَلِ الصُّخُورِ مُبَاشَرَةً. حَتَّى فِي مُنْتَصَفِ النَّهَارِ كَانَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَدِيرُ الْمَرِحُ بِالْكَادِ يُلْقِي عَلَيْهِ بِقَلِيلٍ مِنَ أَشِعَّتِهِ الْمُشْرِقَةِ الطَّوِيلَةِ. كَانَ الْمَكَانُ مُظْلِمًا وَكَئِيبًا طَوَالَ بَقِيَّةِ الْوَقْتِ.

لَا يُحِبُّ الثَّعْلَبُ ريدي بَيْتَهُ الْجَدِيدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنْ حِينَ قَالَ هَذَا لَكَمَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ أُذُنَيْهِ.

قَالَتْ: «أَنْتَ السَّبَبُ فِي أَنَّنَا اضْطُرِرْنَا إِلَى الْعَيْشِ هُنَا الْآنَ. هَذَا هُوَ الْمَكَانُ الْوَحِيدُ الْآمِنُ لَنَا. لَنْ يَجِدَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون هَذَا الْبَيْتَ أَبَدًا، وَحَتَّى إِذَا وَجَدَهُ فَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَحْفُرَ فِيهِ مِثْلَمَا فَعَلَ فِي بَيْتِنَا الْقَدِيمِ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ. هَا نَحْنُ الْآنَ، وَهَا هُنَا يَجِبُ أَنْ نَمْكُثَ، وَكُلُّ هَذَا لِأَنَّ ثَعْلَبًا صَغِيرًا أَحْمَقَ ظَنَّ أَنَّهُ أَذْكَى مِنْ أَيِّ أَحَدٍ آخَرَ وَحَاوَلَ أَنْ يَتَبَاهَى.»

نَكَّسَ ريدي رَأْسَهُ وَقَالَ: «لَا يُهِمُّنِي!» وَكَانَ هَذَا سَخِيفًا جِدًّا جِدًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُهِمُّهُ ذَلِكَ كَثِيرًا جِدًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤